يتم التحميل...

بواعث الرياء

تهذيب النفس

باعث الرياء اما التمكن من المعصية، كاظهار الورع والتقوى لتفوض اليه الحكومة والقضاء، لينال الجاه والاستيلاء، ويحكم بالجور، وياخذ الرشا،

عدد الزوار: 40

باعث الرياء اما التمكن من المعصية، كاظهار الورع والتقوى لتفوض اليه الحكومة والقضاء، لينال الجاه والاستيلاء، ويحكم بالجور، وياخذ الرشا، وتسلم اليه الودائع والصدقات واموال اليتامى وامثال ذلك فياخذ لنفسه منها ما يقدر عليها، وكحضوره مجالس العلم والوعظ والتعزية لملاحظة النسوان والصبيان، وهذا اشد درجات الرياء اثما، ويقرب منه اظهار الديانة والتقوى ليدفع عن نفسه تهمة ما اقترفه من الجرائم، ونيل حظ مباح من حظوظ الدنيا، كالاشتغال بالوعظ والتذكير والامامة والتدريس واظهار الصلاح والورع، لتستبذل له الاموال وترغب في تزويجه النسوان وخوف ان ينظر اليه بعين النقص والحقارة، وينسب الى الكسالة والبطالة كترك العجلة والضحك بعد اطلاع الناس عليه، خوفا من ان يعرف باللهو والهزل فيستحقر، وكالقيام للتهجد واداء النوافل اذا وقع بين المتهجدين والمتنفلين لئلا ينسب الى الكسالة، ولو خلى بنفسه لم يتنفل مطلقا، وكذا الامتناع من الاكل والشرب في اليوم الذي يصام فيه تطوع وتصريحه بانى صائم، خوفا من ان ينسب الى البطالة، وربما لم يصرح بكونه صائما، بل يقول: لي عذر، وحينئذ قد جمع بين رياءين بكونه صائما، والرياء بكونه مخلصا غير مراء. ثم ان الجاته الكسالة والشهوة الى عدم القيام الى النوافل وعدم الصبر عن الاكل والشرب، ذكر لنفسه عذرا تصريح وتعريضا، كان يتعلل الترك بمرض وضعف وشدة العطش وتطييب خاطر فلان، وقس عليها غيرها من الكلمات والاعذار، فانها لا تسبق الى اللسان الا لرسوخ عرق الرياء في النفس، والمخلص لا يريد غير الله والتقرب اليه، ولا يعتنى بالخلق وحصول المنزلة في قلوبهم، فان لم يصم لم يحب ان يعتقد غيره فيه ما يخالف علم الله ليكون ملبسا، وان صام قنع بعلم الله ولم يشرك فيه غيره. ثم هذه البواعث لما كان بعضها صادرا من رداءة قوة الغضب وبعضها من رداءة قوة الشهوة، فيكون بعض انواع الرياء من رذائل الاولى وبعضها من رذائل الثانية.

الرياء الجلى والخفى


الرياء جلى وخفى، والجلى: ما يبعث على العمل لو لا قصد الثواب والخفى: ما لا يبعثه بمجرده الا انه يخفف العمل الذي اريد به التقرب في الخلوة، ويعرف بالسرور اذا اطلع عليه الناس، لا للمقاصد المتقدمة، بل لطلب نوع منزلة في قلوب الناس، ويتوقع التعظيم والتوقير وقضاء الحوائج منهم ووجدان الاستبعاد من نفسه لو قصر في احترامه، كان نفسه تتقاضى الاكرام والاحترام على الطاعة التي اخفاها مع انه لم يطلع عليه احد. ولا شك ان هذا التقاضى لا ينفك عن شوب خفى من الرياء اخفى من دبيب النمل، ولو كان عنده وجود الطاعة كعدمها في كل ما يتعلق بالخلق وقنع بعلم الله فيها لم يكن لهذا التوقع وجه. فعلامة خلوص العمل من الرياء الا يجد تفرقة بين ان يطلع على عبادته انسان وبهيمة، ومهما وجد تفرقة في ذلك فلا يكون منفكا عن توقع ما (عن) الناس في طاعته، وذلك مما يحبط العمل. قال امير المؤمنين-عليه السلام-: "ان الله تعالى يقول للقراء يوم القيامة: الم يكن يرخص عليكم السعر؟ الم تكونوا تبداون بالسلام؟ الم تكونوا تقضى لكم الحوائج؟ فلا اجر لكم، قد استوفيتم اجوركم! ".


* جامع السعادات / العلامة النراقي فصل الرياء.

2016-04-04