يتم التحميل...

شوائب الرياء مبطلة للعمل

تهذيب النفس

لما كان المناط في الاعمال، صحة و فسادا، هو القصد و النية، اذ الاعمال بالنيات، و لكل امرئ ما نوى، فكل عمل تدخله شوائب الرياء فهو فاسد، سواء وقع سرا او علانية،

عدد الزوار: 31

لما كان المناط في الاعمال، صحة و فسادا، هو القصد و النية، اذ الاعمال بالنيات، و لكل امرئ ما نوى، فكل عمل تدخله شوائب الرياء فهو فاسد، سواء وقع سرا او علانية، و كل عمل كان خالصا لله و امن صاحبه من دخول الرياء فيه فلا باس باسراره و لا باظهاره. ثم لو تعلق قصد صحيح باظهار نفس العمل او التحدث به بعد الفراغ عنه، كترغيب الناس في الخير و تنبيههم على الاقتداء به فيه، كان اظهاره افضل من اسراره بشرط عدم اشتماله على رياء او فساد آخر، كاهانة الفقير في التصدق، و لو اشتمل على شى‏ء من ذلك، كان اسراره افضل من اعلانه و بذلك يجمع بين الاقوال و الاخبار.

و الحاصل: انه متى انفك القلب عن شوائب الرياء، بحيث‏يتم الاخلاص على وجه واحد في الحالتين، فما فيه القدوة و هو العلانية افضل و مهما حصلت فيه شوائب الرياء لم ينفعه اقتداء غيره، لكونه مهلكا له، فالسر افضل منه. فعلى من يظهر العمل ان يعلم او يظن انه يقتدى به و ان يراقب قلبه لئلا يكون فيه حب الرياء الخفى، فربما اظهر العمل لعذر الاقتداء و كان في نفسه قصد التجمل بالعمل و كونه مقتدى به، و هذا حال كل من يظهر العمل، الا من ايده الله بقوة النفس و خلوص النية، فلا ينبغي لضعيف النفس ان يخدع نفسه فيضل و يضل و يهلك من حيث لا يشعر. فان الضعيف مثاله مثال الغريق الذى يعلم سباحه ضعيفة فينظر الى جماعة من الغرقي فيرحمهم، و اقبل عليهم لينجيهم فتشبثوا به، و هلك و هلكوا. و هذه المواضع مزال اقدام العلماء و العباد، فانهم يتشبهون بالاقوياء في الاظهار و لا تقوى قلوبهم على الاخلاص، فتحبط اجورهم بالرياء. و درك ذلك غامض جدا لا يبلغه الا الخائضون في غمرات علم الاخلاق. و يعرف الخلوص في ذلك بالا يتفاوت حاله باقتداء الناس به و بغيره من اقرانه و امثاله، فان كان قلبه اميل الى ان يكون هو المقتدى به، فاظهاره العمل غير خال عن شوائب الرياء.

ايقاظ

لما عرفت ان المناط في صحة الاعمال و فسادها هو القصد و النية، تعلم ان كل عمل لم يكن خالصا لوجه الله و اريد به غيره سبحانه ينبغي ان يترك و يعرض عنه، و ان كان خالصا له تعالى مقصودا على قصد صحيح لا ينبغي تركه لمجرد بعض الوساوس و الخواطر الشيطانية. فان الشيطان يدعو اولا الى ترك العمل فان لم يجب يدعو الى الرياء، فاذا ايس منه يقول: هذا العمل ليس خالصا، بل هو رياء، فاى فائدة منه؟ !.

ثم الاعمال اما من الطاعات اللازمة التي لا تعلق لها بالغير، كالصلاة و الصوم و الحج و امثالها، او من الطاعات المتعدية التي لها تعلق بالخلق، كالامامة و القضاء و الحكومة و الافتاء و الوعظ و التذكير و التعليم و التدريس و انفاق المال و غير ذلك.

و القسم الاول: ان دخله الرياء قبل الفعل، بان يكون باعثه الرياء دون الخلوص و القربة، فينبغي ان يترك و لا يشرع فيه، و ان دخله بعد العقد او معه، فلا ينبغي ان يترك، لانه وجد له باعث دينى، و انما طراه باعث الرياء، فليجاهد في دفع الرياء و تحصيل الاخلاص، و يرد نفسه اليه قهرا بالمعالجات التي نذكرها. و مهما كان في المجاهدة مع نفسه معاتبا لها قاهرا عليها في ميلها الى الرياء، و وجد من طبعه كراهية هذا الميل، فالنجاة في حقه مرجوة، و لعل الله يسامحه بعظيم رحمته. و اما اذا لم يكن في مقام المجاهدة، و لم يكن كارها مما يجد في نفسه من الميل الى الرياء بل اعطى زمام الاختيار الى النفس الامارة، و هي ترائي في الاعمال، و هو يتبعها في ذلك من غير قهر عليها و كراهية لفعلها، فلا ريب في فساد اعماله و اولوية تركها، و ان كان باعثها ابتداء محض القربة و دخلها الرياء مع العقد او بعده.

و اما القسم الثاني: المتعلق بالخلق-اعنى امامة الصلاة و القضاء و التدريس و الافتاء و الوعظ و الارشاد و امثال ذلك-فاخطارها عظيمة، و مثوبتها جسيمة. فمن له اهليه ذلك من حيث العلم-ان كان ذا نفس قوية لا يعتني بالناس و لا تزعجها و ساوس الخناس و له معرفة تامة بعظمة ربه و قدرته و سائر صفاته الكمالية، بحيث‏شغله ذلك عن الالتفات الى الخلق و ما في ايديهم حتى يرائى لاجلهم او يختار رضاهم على رضا ربه-فالاولى لمثله الا يترك هذه المناصب ليفوز بمثوبتها العظيمة. و ان كان ذا نفس ضعيفة، كخيط مرسل في الهواء تفيئها الريح مرة هكذا و مرة هكذا فهو لا يامن الرياء و سائر اخطارها. فاللازم لمثله تركها. و لذلك كان اهل اليقين من السلف يتدافعون هذه المناصب ما وجدوا اليه سبيلا. و ورد ما ورد من الاخبار في عظم خطرها و كثرة آفاتها و لزوم التثبت و الاحتياط لمن يزاولها و ما ورد من الوعيد الشديد في حق العلماء السوء يكفي للزوم الحذر عن فتن العلم و غوائله. و مما يقصم ظهور امثالنا من الذين يقولون ما لا يعلمون و يامرون بما لا يفعلون، قول عيسى بن مريم-عليهما السلام-: «يا علماء السوء! تصومون و تصلون و تتصدقون و لا تفعلون ما تؤمرون!

و تدرسون ما لا تعلمون فيا سوء ما تحكمون! تتوبون بالقول و الاماني، و تعلمون بالهوى، و ما يغني عنكم ان تتقوا جلودكم و قلوبكم دنسة! بحق اقول لكم: لا نكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب و تبقى فيه النخالة كذلك انتم! تخرجون الحكم من افواهكم و يبقى الغل في صدوركم! يا عبيد الدنيا! كيف يدرك الآخرة من لا تنقضى من الدنيا شهوته و لا تنقطع منها رغبته! بحق اقول لكم: ان قلوبكم تبكي من اعمالكم، جعلتم الدنيا تحت السنتكم و العمل تحت اقدامكم بحق اقول لكم: افسدتم آخرتكم بصلاح دنياكم، فصلاح الدنيا احب اليكم من صلاح الآخرة! فاى ناس اخس منكم لو تعلمون! و بلكم! حتى متى تصفون الطريق للمدلجين و تقيمون في محلة المتحيرين كانكم تدعون اهل الدنيا ليتركوها لكم! مهلا مهلا!ويلكم! ماذا يغنى عن البيت المظلم ان يوضع السراج فوق ظهره و جوفه وحش مظلم! كذلك لا يغني عنكم ان يكون نور العلم بافواهكم و اجوافكم منه وحشة معطلة. يا عبيد الدنيا! توشك الدنيا ان تقلعكم عن اصولكم فتلقيكم على وجوهكم، ثم تكبكم على مناخركم، ثم تاخذ خطاياكم بنواصيكم! يدفعكم العلم من خلفكم، ثم يسلمكم الى الملك الديان حفاة عراة فرادى! فيوقفكم على سوآتكم، ثم يخزيكم بسوء اعمالكم! ! » هذا و يعرف الصادق المخلص من اهل هذه المناصب بانه اذا ظهر من هو اعدل و احسن و عظا و اكثر علما منه و اشد قبولا للناس فرح به و لم يحسده و اذا حضر الاكابر و الاعاظم مجلسه او اقتدوا به لم يتغير كلامه و لم يتفاوت حاله، بل يبقى على ما كان عليه، و ينظر الى عباد الله بعين واحدة.

تنبيه

لما عرفت‏حقيقة الرياء، تعلم انه اذا صار عمل بعض الصالحين او قولهم محركا لغيرهم على الاشتغال بالطاعة لم تكن هذه الطاعة رياء اذا عقدت على الخلوص، و ان لم يكن هذا الغير ليفعل هذه الطاعة اذا لم يشاهدها من بعض الصالحين او لم يسمعها منه. فمن لم تكن عادته التهجد و بات مع قوم متهجدين في موضع، فاذا قاموا للتهجد انبعث نشاطه للموافقة و وافقهم في التهجد، و لم يكن ذلك رياء بعد ان يكون قصده منه الثواب و التقرب الى الله، اذ كل مؤمن راغب في عبادة الله و في قيام الليل، و لكن قد تعوقه العوائق و تمنعه الغفلة، فاذا شاهد قوما يتهجدون ربما صارت مشاهدة طاعتهم سببا لزوال غفلته، كما يصير قولهم و وعظهم سببا لذلك، فيتحرك باعث الدين دون الرياء و يدعوه الى موافقتهم. و ربما كان الموضع مما ليس فيه عائق، فيغتنم الفرصة و يبعثه ما فيه من الايمان الى الطاعة. و قس على التهجد غيره: من الصوم، و التصدق، و القراءة و الذكر، و غيرها من اعمال البر.


* جامع السعادات / العلامة النراقي فصل الرياء.

2016-04-04