المرضى والجرحى
المجتمع الإسلامي
في الحديث:"سهر ليلة من مرض أو وجع أفضل وأعظم أجراً من عبادة سنة"
عدد الزوار: 474
في الحديث:"سهر ليلة من مرض أو وجع أفضل وأعظم أجراً من عبادة سنة"1.
1- المرضى:
أ. أقسام المرض:
إن الأمراض كلها قسمين منها ما يصيب الأرواح وتسمى بالمعنوية، ومنها ما يصيب
الأبدان وتسمى بالمادية ولا شك أن الأخطر منها والأشد فتكاً والأقرب للفناء هو
الأول وله في الذكر الحكيم والسنّة المطهّرة منظومة من العلاجات التي تبحث في علم
الأخلاق لكن محل حديثنا هو القسم الثاني وهو في اتجاهين: الأول: بيان وظيفة
المريض نفسه وفي كيفية التعامل مع مرضه، والثاني: بيان وظيفة الآخرين اتجاهه.
ومن المناسب قبل التفصيل في الوظيفتين معرفة أقسام الأمراض البدنية خاصة وهي.
أولاً: مرض البلاء.
وهو قد يكون إما لرفع الدرجات أو لغفران الذنوب لكن لا يعد كونه بلاءً، ففي الحديث:
"ألا وإن من البلاء الفاقة، واشد من الفاقة مرض البدن، واشد من مرض البدن مرض
القلب"2 ... وفي الكلمة الأخيرة تصريح وتأكيد على ما تقدم من خطورة
الأمراض المعنوية التي مركزها القلب وعالمها الروح.
ثانياً: مرض العقوبة.
وهو ما يكون على ذنب اقترفه الإنسان أو حق تعدّاه، فاستحق تعجيل العقوبة عليه.
ثالثاً: مرض الموت.
وهو ما كان علّة للفناء لحلول وقت الأجل.
وقد جمع هذه الأقسام حديث الإمام الصادق عليه السلام: "إن المرض على وجوه شتّى:
مرض بلوى، ومرض العقوبة، ومرض جعل عليه الفناء"3.
ب- وظيفة المريض:
1- الصبر على المرض.
حيث أنه ليس من صفات المؤمن الجزع عند السقم وكذلك هو مدعاة للتعجب فقد ورد عنهم
عليهم السلام: "عجبت من المؤمن وجزعه من السقم، ولو يعلم ما له في السقم من
الثواب لأحب أن لا يزال سقيماً حتى يلقى ربّه"4 فضلاً عما ورد في
فضيلة الصبر وهذا من موارده.
2- الشكر الدائم.
كان من دعاء علي بن الحسين عليه السلام إذا نزل به كرب أو بليّة: "اللهم لك
الحمد على ما لم أزل أتعرف فيه من سلامة بدني ولك الحمد على ما أحدثت بي من علّة في
جسدي، فما أدري أي الحالين أحق بالشكر لك، وأي الوقتين أولى بالحمد لك أوقت الصحة
أم وقت العلة التي محصّتني بها"5؟
3- عدم الندم والقنوط
مما أوصى به أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير العمل..
إن سقم ظلّ نادماً، وإن صحّ أمن لاهياً، يعجب بنفسه إذا عوفي ويقنط إذا ابتلى"6.
4- كتام المرض.
حيث يعد من الصفات العالية التي تتحلى بها الشخصية الإيمانية ويعتبر كنزاً من كنوز
البّر والجنة ووسيلة للصلة الحقيقية بين العبد وربه سبحانه.
في الحديث: "من كنوز البّر: كتمان المصائب، والأمراض، والصدقة"7.
وفي آخر: "أربع من كنوز الجنة: كتمان الفاقة، وكتمان الصدقة، وكتمان المصيبة
وكتمان الوجع"8 وهو من الآداب وليس من الواجبات.
5- عدم الشكاية.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله عزّ وجلّ مَنْ مرض ثلاثاً فلم
يشكُ إلى أحد من عوّاده أدبلته لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، فإن
عافيته عافيته ولا ذنب له، وإن قبضته قبضته إلى رحمتي"9.
وورد أيضاً: "من مرض يوماً وليلة فلم يشكُ إلى عوّاده بعثه الله يوم القيامة مع
خليله إبراهيم خليل الرحمن حتى يجوز الصراط كالبرق اللامع"10.
وفي حديث ثالث: "من كتم وجعاً أصابه أيام من الناس وشكى إلى الله عزّ وجلّ كان
حقاً على الله أن يعافيه"11.
من هنا يمكننا أن نستخلص الآثار الكبيرة للقيام بهذه الوظيفة من خلال الأحاديث
فيما يلي:
1- العافية والشفاء بأفضل مما كان عليه.
2- غفران الذنوب.
3- البعث مع النبيين عليهم السلام.
4- جواز الصراط كالبرق اللامع.
5- الرحمة إذا قبضه الله إليه.
كما ينبغي التنبيه على معنى الشكاية فيظهر الفرق بينها وبين عدم الكتمان.
ففي الحديث: "ليست الشكاية أن يقو الرجل: مرضت البارحة، أو وعكت البارحة ولكن
الشكاية أن يقول: بليت بما لم يبل به أحد"12 فعليه لو أعلم الإنسان
الآخرين بمرضه فهو لم يلتزم بأدب الكتمان، لكن لو شكا إليهم ربه سبحانه أو بليته
بالتعبير المتقدم في الرواية يكون قد خالف وظيفته المتمثلة فيما أوصاه الله عزّ
وجلّ إلى عزير: "... وإذا نزلت إليك بليّة فلا تشكُ إلى خلقي كما لا أشكوك إلى
ملائكتي"13....
ج- وظيفتنا مع المريض: عيادته.
أ- الحث على العيادة:
إن الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة: "يا ابن آدم مرضت فلم تعدني؟
قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟!
قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده"14؟!.
ب- ثواب العيادة:
لأن الواحد منا إذا أراد أن يكون مرحوماً فعليه بزيارة المرضى، ومما جاء في الحديث:
"عائد المريض يخوض في الرحمة"15...
وفي آخر: "من عاد مريضاً شيّعه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يرجع إلى منزله"16.
وفي ثالث: "عائد المريض في مَخْرَفَة (موضع الإقامة) الجنة فإذا جلس عنده غمرته
الرحمة"17.
ج- أدب العيادة:
إن العلاقات في الإسلام محكومة بآداب رسمت ليكون الإنسان على أجمل وأكمل وأفضل ما
أراد الله تعالى من الخير العميم في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة على ما مشى
فيه من السنن الإلهية ومن ذلك أمور تراعى في زيارة المريض.
أولاً: أن تكون قصيرة بحيث تشكّل فسحةً وتخفيفاً عليه لا ثقلاً وتقييداً له إلا إذا
أحب المريض بقاء الزائر وسأله ذلك، ففي الحديث: "إن من أعظم العوّاد أجراً عند
الله لمن إذا عاد أخاه خفّف الجلوس إلا أن يكون المريض يحب ذلك ويريده ويسأله ذلك"18.
ثانياً: حمل الهدية إليه بالذي يؤدي إلى راحته، فمن وصاياهم عليهم السلام: "عد
من لا يعودك وأهد من لا يهتدي لك"19.
وفي رواية عن الصادق عليه السلام: "أن مرض بعض مواليه فخرجنا إليه نعوده ونحن عدة
من عوالي جعفر فاستقبلنا جعفر في بعض الطريق فقال لنا: أين تريدون؟ فقلنا: نريد
فلاناً نعوده فقال لنا: قفوا فوقفنا. فقال: مع أحدكم تفاحة، أو سفرجلة، أو أنرجة،
أو لعقة من طيبن أو قطعة من عود بخور؟ فقلنا: ما معنا شيء من هذا، فقال: أما تعلمون
أن المريض يستريح إلى كل ما أدخل به عليه20؟!.
ثالثاً: إظهار المودة من خلال وضع اليد على ذراعه وما شابه ذلك.
في الحديث: "تمام العيادة للمريض أن تضع يدك على ذراعه وتعجّل القيام من عنده"21...
وهذا من العادات المعروفة والمألوفة في زمننا.
د- حكمة العيادة:
وهي تذكّر الآخرة واللجوء إلى الله سبحانه كما جاء في الحديث: "عودوا المريض
واتبعوا الجنازة يذكّركم الآخرة"22.
2- الجرحى:
من خلال ما تقدم بيانه في العلاقة مع المرضى يتضح الأمر بالنسبة للجرحى وهم أصحاب
رتبة سامية ليس فوقها سوى رتبة الشهادة، أعدّ الله تعالى لهم يوم القيامة مقعداً لا
يبلغه سواهم، فما أجمل صورهم وما أزكى ريحهم وما أعظم شأنهم كما يصور لنا هذا
الحديث الشريف: "من جرح في سبيل الله جاء يوم القيامة، ريحه كريح المسك ولونه
لون الزعفران عليه طابع الشهداء"23...
وما ذلك إلا جزاء لتضحياتهم وآلامهم التي دامت ليالي طويلة، ووساماً خاصاً للذين
فقدوا أطرافهم فعاقهم هذا أمام ممارسة شؤونهم الحياتية، وحررّهم في الوقت نفسه
فسبقوا غيرهم إلى بلوغ الدرجات وسماء المعنويات بما لنفوسهم الزكية من سمات في
مدرسة البذل والعطاء، فكيف نوفي حقوقهم؟!
وبأي شيء نقوم بخدمتهم وهذا إمامنا الخميني قدس سره يقول: "ما أعجز أقلامنا
وألسنتنا عن وصف الذين فقدوا بعضاً من أعضائهم... حقاً إن بياننا ولساننا عاجزان عن
تصوير المنزلة السامية لهؤلاء الأعزاء... إذن فعلينا الإقرار بالعجز عن كل ذلك
والدعاء بالرحمة الإلهية الخاصة للشهداء وبالسلامة للمعوقين الذين هم أيضاً الشهداء
الأحياء".
فلذلك سوف نبقى نشعر بالخجل دائماً أمامهم ونسأل الله أن يوفقنا لخدمتهم عرفاناً
منّا بشأنهم، وإدراكاً لمقامهم.
* علاقات اجتماعية , سلسلة الدروس الثقافية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- ميزان الحكمة،
18480.
2- م.ن، 18468.
3- م.ن، 18500.
4- م.ن، 18476.
5- م.ن، 18467.
6- م.ن، 18518.
7- م.ن، 18482.
8- م.ن، 18483.
9- م.ن، 18486.
10- م.ن، 18487.
11- م.ن، 18488.
12- م.ن، 18491.
13- م.ن، 18485.
14- م.ن، 18505.
15- م.ن، 18501.
16- م.ن، 18504.
17- م.ن، 18503.
18- م.ن، 18512.
19- م.ن، 18508.
20- م.ن، 18514.
21- م.ن، 18513.
22- م.ن، 18515.
23- ميزان الحكمة، ح9814.