عصمة النبي عن الخطأ
بحوث في العصمة
انّ صيانة النبي عن الخطأ والاشتباه سواء أ كان في مجال تطبيق الشريعة، أم في مجال الأُمور العادية الفردية المرتبطة بحياته، ممّا طرح في علم الكلام وطال البحث فيه بين متكلمي الإسلام.
عدد الزوار: 193
المرحلة الثالثة
انّ صيانة النبي عن الخطأ والاشتباه سواء أ كان في مجال تطبيق الشريعة، أم في مجال
الأُمور العادية الفردية المرتبطة بحياته، ممّا طرح في علم الكلام وطال البحث فيه
بين متكلمي الإسلام.
غير انّ تحقق الغاية من البعثة رهن صيانته عن الخطأ في كلا المجالين، وإلاّ فلا
تتحقق الغاية المتوخاة من بعثته، وهذا هو الدليل العقلي الذي اعتمدت عليه العدلية،
بعدما اتفق الكل على لزوم صيانته عن الخطأ والاشتباه في مجـال تلقي الوحي وحفظه،
وأدائه إلى الناس، ولم يختلف في ذلك اثنـان.
منطق العقل في عصمة النبي عن الخطأ
وإليك توضيح هذا الدليل العقلي: إنّ الخطأ في غير أمر الدين وتلقّي الوحي يتصوّر
على وجهين:
أ. الخطأ في تطبيق الشريعة كالسهو في الصلاة أو في إجراء الحدود.
ب. الاشتباه في الأُمور العادية المعدة للحياة كما إذا استقرض ألف دينار، وظن أنّه
استقرض مائة دينار.
والحقّ انّه مصون من الاشتباه والسهو في كلا الموردين، وذلك لأنّ الغاية المتوخاة
من بعث الأنبياء هي هدايتهم إلى طريق السعادة، ولا تحصل تلك الغاية إلاّ بكسب
اعتماد الناس على صحة ما يقوله النبي وما يحكيه عن جانب الوحي، وهذا هو الأساس
لحصول الغاية، ومن المعلوم أنّه لو سها النبي واشتبه عليه الأمر في المجالين
الأوّلين ربّما تسرب الشك إلى أذهان الناس، وانّه هل يسهو أيضاً في ما يحكيه من
الأمر والنهي الإلهي أم لا ؟
فبأي دليل أنّه لا يخطأ في هذا الجانب مع أنّه يسهو في المجالين الآخرين؟! وهذا
الشعور إذا تغلغل في أذهان الناس سوف يسلب اعتماد الناس على النبي، وبالتالي تنتفي
النتيجة المطلوبة من بعثه.
نعم، التفكيك بين صيانته في مجال الوحي وصيانته في سائر الأُمور وإن كان أمراً
ممكناً عقلاً ، ولكنه ممكن بالنسبة إلى عقول الناضجين في الأبحاث الكلامية ونحوها،
وأمّا العامّة ورعايا الناس الذين يشكّلون أغلبية المجتمع، فهم غير قادرين على
التفكيك بين تينك المرحلتين، بل يجعلون السهو في إحداهما دليلاً على إمكان تسرّب
السهو إلى المرحلة الأُخرى..
ولأجل سدّ هذا الباب، المنافي للغاية المطلوبة من إرسال الرسل، ينبغي أن يكون النبي
مصوناً في عامّة المراحل، سواء أكانت في حقل الوحي أو في تطبيق الشريعة أو في
الأُمور العاديّة، ولهذا يقول الذكر الحكيم في حقّ المسيح ( وَأَيّدناهُ بِرُوحِ
القُدُس ) و الإمام الصادق (عليه السلام) : «جعل مع النبي روح القدس وهي لا تنام
ولا تغفل ولا تلهو ولا تسهو».
وعلى ذلك فبما أنّه ينبغي أن يكون النبي اسوة في الحياة في عامة المجالات يجب أن
يكون نزيهاً عن العصيان أو لا والسهو والخطأ ثانيا.ً
منطق القرآن في عصمة النبي عن الخطأ
قد عرفت منطق العقل في لزوم عصمة النبي من الخطأ في مجال تطبيق الشريعة، ومجال
الأُمور العادية المعدّة للحياة، وهذا الحكم لا يختص بمنطقه، بل الذكر الحكيم يدعمه
بأحسن وجه، وإليك ما يدل على ذلك: قال سبحانه: ( إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ
تَكُن لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً )، وقال أيضاً: (
وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ
يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْء
وَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ
تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) .
* ملخص كتاب العصمة / اية الله جعفر السبحاني.
2016-03-14