يتم التحميل...

س 48: لا يظهر حتى تمتلىء الأرض

110سؤال وجواب

بناء على الأحاديث والأخبار الواردة، فإن المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لا يظهر حتى تمتلىء الأرض ظلماً وجوراً، وعلى هذا الأساس، ألا يُعدُّ قيام بعض الناس بمواجهة الظلم والفساد، وقمع التمييز، وسعيهم لإقامة العدالة مساهمة في تأخير ظهوره (عليه السلام)، وبالتالي، هل من الصحيح القول أن المنتظرين الحقيقيين لظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يجب أن يسعوا من أجل زيادة الفساد والظلم، لتعجيل فرجه (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ما هو رأيكم في هذه المسألة؟

عدد الزوار: 36

لا يظهر حتى تمتلىء الأرض

س 48: بناء على الأحاديث والأخبار الواردة، فإن المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لا يظهر حتى تمتلىء الأرض ظلماً وجوراً، وعلى هذا الأساس، ألا يُعدُّ قيام بعض الناس بمواجهة الظلم والفساد، وقمع التمييز، وسعيهم لإقامة العدالة مساهمة في تأخير ظهوره (عليه السلام)، وبالتالي، هل من الصحيح القول أن المنتظرين الحقيقيين لظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يجب أن يسعوا من أجل زيادة الفساد والظلم، لتعجيل فرجه (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ما هو رأيكم في هذه المسألة؟

ج: إن فهم فئة من الناس قضية المهدوية، والثورة الموعودة عند ظهروه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بأنها محض قضية ذات ماهية انفجارية مبنية على ردة الفعل، وأنها ناشئة فقط من انتشار الفساد وإشاعته في المجتمع، وترويج عدم المساواة، وخنق الحريات، والقتل بغير حق، وغير ذلك من الفساد الاجتماعي، هو نوع من التبسيط والفهم الخاطىء لقيام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف). أو أقل ما يقال أنه قائم على قياس خاطىء وقاعدة غير منتظمة؛ فعندما يعود الصلاح إلى نقطة الصفر، بحيث تصبح الحقيقة من دون أنصار، ويغدو الحق من غير حامٍ ولا مطالب، ويمسي الباطل هو الحاكم، والظلم هو المنتشر والسائد، فلا يعثر على فرد صالح في العالم، عندها يحدث الانفجار، وتحصل الثورة، وتمتد يد الغيب لمساعدة الحقيقة ونجاتها، لا لمساعدة أهل الحقيقة والحق، لأن الحق لم يعد له أنصار، وبناء عليه، فإن أي نوع من الإصلاح مرفوض ومدان؛ لأن كل إصلاح هو نقطة مضيئة، وما دام في صفحة المجتمع نقطة من الإصلاح، فإن يد الغيب لن تظهر، وبالتالي فإن كل ذنب وفساد، وكل ظلم وقتل و...، بحكم أنه مقدمة للإصلاح الكلي، والتعجيل في وقوع الانفجار (الظهور)، فهو جائز ومشروع؛ لأن «الغايات تبرر المبادىء» (والغاية تبرر الوسيلة).

بناء على هذه القاعدة الخاطئة، فإن أفضل تعجيل للظهور، وأفضل أنواع الانتظار هو ترويج الفساد وإشاعة الظلم، بحيث تصبح المعصية فأل حسن، والذنب ممتع ومحبب، وفي نفس الوقت يساعد في تهيئة الثورة الخاتمة المقدسة!

من المؤكد، أن هذه المجموعة من الناس تنظر إلى المصلحين والمجاهدين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر نظرة بغض وعداوة، لأن هؤلاء بنظرهم يؤخرون ظهور القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وينظرون من جهة أخرى إلى العاصين والعاملين على إشاعة الظلم والفساد نظرة الرضا، لأنهم يحسبونهم يهيئون مقدمات الظهور، علماً بأن هذه الفئة قد لا تكون من أهل المعاصي والفساد، لكنهم في عمق ضميرهم وفكرهم يميلون بنوع من الرضا نحو هؤلاء الظالمين، باعتقادهم أنهم يساعدون في تهيئة مقدمات الظهور.

إن آيات القرآن الكريم تشير إلى عكس هذا الفهم الخاطىء، فتعد ظهور الحجة حلقة من حلقات مواجهة أهل الحق مع أهل الباطل، بحيث تنتهي بانتصار الحق على الباطل، ومساهمة أي فرد في تحقيق هذه السعادة، تكون عمليا الوقوف مع فئة أهل الحق.

والآيات التي تستند إليها الروايات الإسلامية، في هذا الشأن، تشير إلى أن المهدي الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو مظهر الاستبشار الذي يُمنح لأهل الإيمان والعمل الصالح، هو مظهر النصر النهائي لأهل الإيمان، ظهوره (عليه السلام) منّة للمستضعفين والمحرومين في الأرض، ووسيلة لجعلهم أئمة، ومقدمة ليرثوا الأرض ويكونوا خلفاء فيها.

إن ظهور المهدي الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو وعد إلهي حتمي التحقق، بشر الله سبحانه وتعالى به الصالحين والمتّقين في الكتب السماوية منذ العصور القديمة، وأن الأرض لهم وملكهم، وأنها في النهاية تعود إليهم، فهي حق لهم.

إن الحديث المعروف «يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً»، هو الشاهد على ما ندّعي، لا على ما تدّعي تلك الفئة، ففي هذا الحديث، يتحدث عن الظلم والظالم، وهذا يستلزم وجود مجموعة مظلومة، ويوصل إلى النتيجة التالية: إن قيام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو من أجل حماية المظلومين الذين يستحقون الحماية، فلو كان الحديث «يملأ الله به الأرض إيماناً وتوحيداً وصلاحاً بعدما ملئت كفراً وشركاً وفساداً»، فمن البديهي أن لا يستلزم وجود مجموعة تستحق الحماية، وفي تلك الحالة يستنبط أن قيام المهدي الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو من أجل خلاص الحق المسلوب ونجاته، أي العودة إلى الصفر، وليس من أجل فئة أهل الحق، ولو بصورة أقلية في الأرض.

ينقل الصدوق رواية عن منصور قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) : «يا منصور إن هذا الأمر لا يأتيكم إلاّ بعد أياس، ولا والله حتى تَميَّزُوا، ولا والله حتى تمحّصوا، ولا والله حتّى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد».1

إذن، الحديث يتكلم عن فئة سعيدة وفئة شقية، وأن كل فئة ستبلغ منتهاها وغايتها.

في الروايات، حديث عن مجموعة من المؤمنين وهم «الخلاصة»، خلاصة الناس ممن يلتحقون بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فور ظهوره، والبديهي أن هذه الخلاصة من المؤمنين لا يُخلقون فجأة، بل هم يعيشون بين الناس، ومعلوم أن في وسط المحيط الفاسد وفي عين إشاعة الظلم وترويج المنكرات، هناك روضة محصنة تربَّت فيها تلك المجموعة الخالصة، ونشأت نشأة إيمانية منزهة، وهذا لا يدل فقط على أن الحق والحقيقة لم تصل إلى حالة الصفر، بل تستلزم وجود أهل الحق، وإن لم يكن من ناحية الكمية، إنما من جهة الكيفية، فهي تحمل قيمة عظيمة، إنهم أهل الإيمان وفي صف أصحاب سيد الشهداء (عليه السلام).2

إن ظهور الإمام الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف) منّة على المستضعفين، ومقدمة حتى يرثوا الأرض، ويقيموا خلافة الله عليها، وانتظار الفرج يعني أن نكون في ركاب الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) عند ظهوره، وفي خدمته لإصلاح الدنيا.3


1- رواه الصدوق (قدس سره) في إكمال الدين، والكليني (قدس سره) في الكافي: ج1/ص431.
2- قيام وانقلاب مهدى (عج) (نهضة الامام المهدي (عج) وثورته)، ص 54 - 58و 65.
3- آزادى معنوى (الحرية المعنوية)، ص 177.

2016-01-20