يتم التحميل...

سورة القصص

تفسير الكتاب المبين

سورة القصص

عدد الزوار: 27

(1): ﴿طسم: أُنظر أول البقرة.

(2): ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ: تلك إشارة إلى هذه السورة، والكتاب المبين القرآن.

(3): ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ: يا محمد ﴿مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ: كل ما نحدثك به هو نفس الواقع.

(4): ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ: أفسد فيها وطغى، وفي كل عصر فراعنة وأكاسرة وقياصرة، والآن تتحدث دولة كبرى عن اختراع قنبلة النوترون وهي أشد وأعظم تدميرًا من القنبلة الذريه الهيدروجينية، نحن الآن سنة 1978م ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعً: سادة وعبيدًا، آكلين ومأكولين ﴿يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً: أي بني إسرائيل ﴿مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ: أي الذكور كيلا يثوروا عليه ﴿وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ: يبقي الإناث للمتعة والخدمة.

(5): ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ: وهم الذين يضطهدهم الأقوياء الأدعياء ظلمًا وعدوانًا، وما من شك أن الله سبحانه يمن على كل قوم مستضعفين، بالعزة والحرية والنصر والغلبة إذا جاهدوا وصبروا واستماتوا من أجل تحريرهم وحياتهم وكرامتهم سواءً أكانوا من نسل إسرائيل أم من نسل عمه إسماعيل تمامًا كمن يمن سبحانه بالشفاء على المريض إذا شرب الدواء الشافي مؤمنًا كان أو كافرًا، لأن الله سبحانه للجميع وليس لبني إسرائيل وحدهم كما يزعمون.

(6): ﴿وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ: خاف فرعون ووزيره هامان وملأهما أن يثور ثائر عليهم من بني إسرائيل، وينتزع منهم الملك، فقتلوا كل مولود إسرائيلي، إلا موسى أبقوه قرة عين لهم، فأتاهم الخطر من مكمنه والحتف على يده. وفي ذلك عظة وعبرة.

(7): ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ: المراد بالوحي هنا الإلهام، ومنه (أوحى ربك إلى النحل – 68 النحل) ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ: من فرعون ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي: إن الله هو الحافظ له والوكيل، وفي التوراة سفر الخروج والإصحاح 6 فقرة 20: إن اسم أم موسى يوكابد.

(8): ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنً: اللام في ليكون للعاقبة مثل لدوا للموت، والمعنى ربوه لينتفعوا به فكان عاقبة أمره أن صار عدوًا لهم وحزنًا لقلوبهم.

(9): ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ: وهذي السيدة العظيمة التي صدت فرعون عن موسى وحببته به هي آسية بنت مزاحم التي أثنى الله سبحانه عليها في الآية 11 من التحريم، وفي الحديث الشريف: خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد.

(10): ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغً: من كل شيء إلا من الخوف على موسى؛ وكيف لا وقد ألقته في البحر ليلتقطه غير فرعون وإذا به في بيته وقبضته؟ ولكن الله سبحانه رزقها الصبر والجلد.

(11): ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ: تتبعي أثره وخبره، فخرجت تبحث عنه ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ: نظرت إليه من بعيد من طرف خفي كأنها لا تريده لئلا يعلموا بحالها.

(12): ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ: فكان ينفر منهن بحكمة الله ليجمع الشمل بينه وبين أُمه، ولما رأت أُخته حيرة آل فرعون في أمر موسى قالت لهم: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ: فقالوا: هذا ما نبتغي.

(13): ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ: رجع موسى إلى أمه بتدبيره تعالى، وأجرى عليها فرعون راتبًا. وهكذا أرضعت ولدها بأجر من أعدى أعدائه، وفي الحديث الشريف: (مثل المؤمن كأُم موسى، ترضع ولدها وتأخذ أجرها) وفي حديث آخر: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابه سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له).

(14): ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى: استكمل قوته جسمًا وعقلاً ﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمً: اختاره سبحانه أمينً على رسالته وحافظًا لعلمه، وأمر الناس أن تسمع له وتطيع.

(15) – (16): ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَ: خرج من قصر فرعون، ودخل العاصمة دون أن يشعر أحد به ﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ: إسرائيلي ﴿وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ: قبطي، فاستنجد به الإسرائيلي فضرب موسى القبطي بقصد التأديب والردع لا بقصد القتل فوقع جثة هامدة، وندم موسى وطلب المغفرة من ربه.

(17): ﴿قَالَ: من جملة ما قال: ﴿رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ: هذا عهد من موسى على نفسه لخالقه أن يكون حربًا على كل ظالم، وعونًا لكل مظلوم، وأفضل العبادة على الإطلاق كف الأذى ورده عن الناس والعون على كل من يؤذي ويعتدي.

(18): ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ: خاف موسى أن يؤخذ بالقبطي المقتول، وتوقع الشر من فرعون وقومه وبينما هو في حاله هذه ﴿فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ: يطلب النصر من موسى بصياح وصراخ ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ: ما شأنك تشتبك كل يوم مع قبطي؟ ألا ترعوي عن غيِّك.

(19): ﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَ: لموسى ولخصم القبطي، لأن الأقباط هم الذين كانوا يعتدون على الإسرائيليين ﴿قَالَ: القبطي: ﴿يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ: إن هذا من شأن الجبارين لا شأن المصلحين.

(20): ﴿وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ: تربص قوم فرعون بموسى ليقتلوه، فأخبره واحد من المؤمنين.

(21) – (22): ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفً: هاربً من الظلم وأهله متجهًا إلى أرض مدين وحيدًا فريدًا مسلِّمًا أمره إلى الله وحده.

(23): ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ: جماعة يسقون ماشيتهم إلا امرأتين معهما غنيمات لا ترد الماء، وكلما حاولت وروده والشرب منه دفعت المرأة الغنيمات عنه فأثار هذا المنظر الغريب انتباه موسى وقال لهما: لماذا تصدان غنمكما عن الماء، وهي عطاش؟ قالتا: لا نقدر على مزاحمة الرجال وأبونا تمنعه الشيخوخة عن الرعي والسقي، فننتظر حتى يفرغ الجميع.

(24): ﴿فَسَقَى لَهُمَ: غنمهما حتى رويت ﴿ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ:في الخطبة 158 من خطب نهج البلاغة: (والله ما سأل إلا خبزًا يأكله لأن كان يأكل بقلة الأرض، وكانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه) : الصفاق: الجلد الأسفل تحت الجلد الذي عليه شعر، والتشذب انهضام اللحم.

(25): ﴿فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا... : رجعت الفتاتان إلى أبيهما، وأخبرتاه بما كان، فقال لواحدة منهما: اذهبي وادعيه لنجزيه على إحسانه، فجاءته يكسوها الحياء والعفاف، وقالت له ما قال أبوها ﴿فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ: ذكر له ما كان من أمره والسبب الذي خرج من أجله. ولما انتهى موسى من قصته قال له الشيخ:﴿لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ: وإنك عندنا لفي مكان أمين.

(26): ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ: وما شهدت إلا بما رأت من قوته وهو يسقي الغنم، ومن عفته حين توجهت إليه بالدعوة إلى أبيها.

(27): ﴿قَالَ: الشيخ لموسى: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ: على أن ترعى غنمي ثماني سنين، فإن تبرعت بزيادة سنتين فذاك إليك ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ: وأُلزمك بالسنتين ولا ببنت معينة من البنتين، بل أترك لك الخيار.

(28): ﴿قَالَ: موسى للشيخ: ﴿ذَلِكَ: الشرط أو العهد ﴿بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ: الثماني أو العشر ﴿فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ: لا حرج عليَّ بعد الثماني سنين. وفي الحديث الشريف: إن موسى (ع) آجر نفسه بعفة فرجه وطعمة بطنه.

(29): ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ... : وفي بعض التفاسير قضى أتم الأجلين، وليس هذا ببعيد عن خلق الأنبياء وفي شتى الأحوال جمع موسى أشتات متاعه، وسافر إلى مصر بأهله، وفي ليلة مظلمة ضلَّ الطريق، فرأى نورًا ظنّه نارًا.

(30): ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي... : تقدم في الآية 52 من مريم و11 من طه.

(31): ﴿وَأَنْ أَلْقِ - الْآمِنِينَ: تقدم في الآية 10 من النمل.

(32) – (34): ﴿اسْلُكْ يَدَكَ... : تقدم في الآية 12 من النمل ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسً: وهو القبطي المذكور في الآية 15 من هذه السورة ﴿فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ: فررت من فرعون خوفًا من سطوته فكيف أذهب إليه؟ ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانً: جاء في وصف سيد الأنبياء محمد (ص) إنه كان يجمع المعاني الكبار في كلمات قصار ﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءً: معينًا على بث الدعوة. واشتهر عن النبي (ص) أنه قال لعلي: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى، ومن رواة هذا الحديث البخاري في صحيحه كتاب بدء الخلق، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة والترمذي وابن ماجة وابن حنبل والنسائي وابن سعد وغيرهم كثير. أُنظر كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص299 وما بعدها.

(35): ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ: نقويك به، والفرق بين عليّ وهرون أن عليًا ناصر محمدًا والإسلام باللسان والحسام، أما هرون فكان ترجمانًا عند موسى.

(36): ﴿فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى: بالدليل القاطع قالوا، ساحر ماكر.

(37): ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ: أبدًا لا شيء إلا الله إلا الدين والعقيدة... إلا راحة الضمير والوجدان... مالي وللناس، كل الناس، حتى الملوك منم والمتألهين، الله أعلم وكفى كما قال له الرسول الأعظم: إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، وعليّ الإمام المقدم: صانع وجهًا واحدًا يكفك الوجوه كلها، والحسين الشهيد الأكرم: ماذا فقد من وجدك؟ وما وجد من فقدك؟.

(38): ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي: قال هذا لأنه وجد من يصدقه بنص الآية 54 من الزخرف: (فاستخف قومه فأطاعوه) وأكثر الناس يتفرعنون لو وجدوا أعوانًا ﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ: برجًا عاليًا، أصعد منه إلى السماء، أبحث عن إله موسى... ولم يستحب هامان فيما نظن، لأنه على يقين من مكر فرعون وتدليسه، وأي عاقل يحاول البناء إلى ما لا نهاية؟ وهل للسماء والفضاء من حد؟ وعلى أية حال فإن فرعون لما عجز عن مجابهة الحجة بالحجة موه على شعبه الجهول بأنه سيفعل شيئًا ولن يسكت، شأنه في ذلك شأن الأدعياء والمزورين.

(39): ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُو: أي فرعونَ ﴿وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ: تعاظموا فيها وتعالوا واستبدوا وأفسدوا والسبب الأول والأخير أنهم لا يؤمنون بدين ولا بمبدأ وضمير... أبدًا لا بشيء إلا بأنفسهم ومنافعهم، ولذا أخذهم سبحانه أخذ عزيز مقتدر.

(40): ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ: أغرقهم سبحانه في نفس البحر الذي ألقت فيه أم موسى وليدها خوفًا من فرعون وشياطينه ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ: فكَّر واعتبر واحذر من المفاجآت والمخبآت. قال الإمام علي (ع): ( من حذرك كمن بشرك) وما بعد القرآن من محذر ومبشر.

(41): ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ: صمموا وأصروا على الكفر والفساد حتى حكمنا عليهم بأنهم أصبحوا دعاة وقادة إلى نار جهنم كما قال سبحانه عن فرعون في الآية 98 من هود: ( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود).

(42): ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً: لعنة الله ولعنة اللاعنين عليهم وعلى كل مضلل مفسد وكل مراء حاسد ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ: المخزيين المهلكين بنار الجحيم.

(43): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ: التوراة ﴿مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى: وهم فرعون وملأه وغيرهم ممن استحقت عليهم كلمة الهلاك.

(44): ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ: يشير سبحانه بهذا إلى الدليل القاطع على نبوة محمد وصدقه، وخلاصته أن محمدًا (ص) قد أخبر وحدث بكل ما جرى لموسى وعليه بالتفصيل وعلى طبق الواقع حتى كأن قد رأى وقد سمع علمًا بأنه ما رأى ولا سمع، وإذن هناك سر، وهو أن كل ما قاله محمد (ص) عن موسى، وحي من السماء، ويستحيل أن يكون إلا وحيًا إلهيًا لأن محمدًا ما شاهد موسى ولا كان معه على الطور، ولا قرأ ذلك في كتاب أو سمعه من محدث، ومثل هذه الآية قوله تعالى: (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم – 44 آل عمران).

(45): ﴿وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ: قرونًا: أُممًا: وتطاول: طال، والعمر: الأمد، والمعنى خلقنا قبلك أُممًا يا محمد، وأرسلنا إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين ولكن الأُمم بعد الأنبياء كانت تنسى الوحي أو تحرِّفه، وقد طال أمد ذلك حتى أصبح الناس في جاهلية جهلاء، واحتاجوا إلى نبي يخرجهم من الظلمات إلى النور، فأرسلناك لهذه الغاية، وأيضًا أنت تخبر وتبيِّن ما نزل من الوحي على العديد من الرسل، وما جرى لهم وعليهم ﴿وَمَا كُنتَ ثَاوِيً: مقيمًا ﴿فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَ: لقد أخبرت يا محمد عن مدين وأهلها ونبيها وما قال لهم وقالوا له علمًا بأنك ما ذهبت إلى مدين داعيًا إلى الله ولا كنت فيها مع نبيَّهم وإذن فمن أين أتاك العلم بذلك؟ أجاب سبحانه بقوله! ﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ: أي نحن بعثناك رسولاً، وأوحينا إليك بذلك لتخبر الناس به لعلهم يتذكرون ويؤمنون بأن ما تقوله هو وحي من الله.

(46): ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَ: موسى. وهذه الآية محتوى الآية المذكورة قبل لحظة وهي (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى) ولا فرق بينهما إلا في اللفظ والمبنى، وتكرار المعنى بأساليب شتى من دأب القرآن الكريم ﴿وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ: وفي معناه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين – 107 الأنبياء)﴿لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ: في أمد معين، كما قال سبحانه في الآية 19 من المائدة (قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل).

(47): ﴿وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ: لولا هنا للإمتناع، والمعنى أرسلنا إلى الناس رسلاً مبشرين ومنذرين لنقيم عليهم الحجة ونقطع عنهم الأعذار حين تصيبهم مصيبة العذاب عند الحساب والعقاب في يوم القيامة ﴿فَيَقُولُوا رَبَّنَ: لئلا يقولوا ربنا: ﴿لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ: لولا هنا للسؤال والطلب ومثل هذه الآية قوله تعالى: (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله – أي قبل الرسول – لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى – 134 طه).

(48): ﴿فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا... : هذه الصورة القرآنية تعكس واقع المشاكسين والمعاكسين لكل حق وخير: إن لم يأتهم رسول قالوا: لو أتى الرسول، وإن أتى الرسول قالوا: لو كان كذا وكيت! وفي الآية246 من البقرة: (قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله... فلما كتب عليهم القتال تولوا) ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى: قال المعاندون لمحمد (ص): لو جئت بعصا كما جاء موسى فأجابهم سبحانه بأن أمثالكم كفروا بموسى وعصاه، ولو جاء محمد لكفرتم به، وتعللتم بالأباطيل كما فعل الأولون.﴿قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ: سحران: القرآن والإنجيل المنزل على عيسى أو التوراة المنزلة على موسى: وتظاهرا: تعاونا، والمعنى قال المجرمون المعاكسون: تكفر بالقرآن والإنجيل، لأن كل منهما سحر ومكر يعضد أحدهما الآخر.

(49): ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ: إن تلك الكتب السماوية شرًا وضلالاً كما تزعمون، فأتوا بكتاب خير وهداية ونحن معكم، إن كنتم صادقين.

(50): ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ: ولن يستجيبوا، فقد تحدى القرآن الكريم بكل ما فيه البشرية على مدى العصور والأجيال وإلى آخر يوم، فأين الداحض والناقض بمنطق الحس والعقل؟ بل على العكس فقد شهد بعظمة القرآن أقطاب الفكر في هذا العصر من غير المسلمين، ونقلنا طرفًا منها في هذا الوجيز وغيره مما نشرنا. ﴿فَاعْلَمْ: إن الذين يكذبون القرآن ﴿أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ: بلا حجة ودليل.

(51): ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ: وهو التحدي، ومنه (فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار – 24 البقرة).

(52): ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ: يعلن القرآن على الأجيال أن علماء أبرارًا من اليهود والنصارى قد آمنوا بمحمد والقرآن، وليس هذا إخبارًا عن الغيب، بل عن شيء مادي محسوس وملموس، فلماذا يخرس المكذبون بالقرآن ولا يقولون: هذه دعوى بلا أساس؟.

(53): ﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ: إذا تلي القرآن الكريم على العلماء الأبرار من أهل الكتاب، يؤمنون بمحمد (ص) لأنهم قرأوا أوصافه في توراة موسى وإنجيل عيسى، والحق باب من أبوابه تعالى يفتحه لكل من طلب الحق بقصد العمل به ﴿إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ: بمحمد (ص) لأنهم يؤمنون بالتوراة والإنجيل والإيمان بهما إيمان بمحمد (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذين يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل – 157 الأعراف).

(54): ﴿أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ: مرة على إيمانهم بالتوراة والإنجيل الصحيحين، ومرة على إيمانهم بالقرآن صابرين على أذى السفهاء والمجرمين في سبيل الحق ﴿وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ: لا يقابلون السيئة بمثلها، بل يتنزهزن ويصفحون ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ: لوجه الله لا للسمعة وحبًا بالشهرة.

(55): ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ: إن وقتنا أعز وأثمن من اللغو والعبث، ومن مخاطبة السفهاء ومخالطتهم في شيء، وكل من بادر إلى الكلام بما يخطر على ذهنه أو يتكلم بما لا ينفع ويقول بما لا يعلم فهو أحمق. فكيف إذا أساء إلى الناس بسفاهته وسفالته.

(56): ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ: كل شيء بيد الله تعالى ومشيئته حتى مع وجود سببه الكافي الوافي الذي لا ينفصل عنه المسبب بحال، لأنه تعالى هو خالق الأسباب وإليه ينتهي كل شيء، ولكنه تعالى لا يشاء ولن يشاء إلا بموجب علمه وحكمته لأن العبث والشهوة والمجازفة تستحيل في حقه، وعليه يكون معنى الآية أنت يا محمد تريد الهداية لكل الناس القريب منهم والبعيد، ولكن العديد من الناس لا يريدونها، وأيضًا الله لا يريد الهداية ممن يأباها ويعرض عنها، بل يريدها ممن علم فيه الخير والرغبة في الهداية والسعي وراءها، ولذا ختم الآية بقوله تعالى: (والله أعلم بالمهتدين) أي يهدي من يشاء بموجب علمه بأن هذا العبد يريد الهداية ويسلك سبيلها حقًا وواقعًا، ولا يشاء الهداية سبحانه عبثًا وجزافًا، ومثله تمامًا الآية 23 من الأنفال: (لو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم) أما الحكمة في أن الله سبحانه لا يريد الهداية إلا ممن أرادها فهي أن مفهوم الدين لا يمكن أن يتحقق بحال إلا مع الإرادة والرضاء التام، لأن من أخص خصائص الدين أن يتحمل الإنسان مسئولية عمله، ولا مسئولية مع الجبر والإكراه.

(57): ﴿وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَ: قال بعض مشركي مكة للرسول: إن دعوتك هدى وحق، ولكن العرب يأبونها وينفرون منها، فلو آمنا بها واتبعناك لتألبوا علينا، وأهلكونا بالقتال ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ: لا حجة في هذا العذر، لأن الحرم المكي في أمن وأمان من الحرب والقتال ومن الجوع والحصار.

(58): ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ... : ما لكم؟ تتمردون وتعاندون الله ورسوله، ألا تتعظون بالهالكين من قبلكم، عصوا وتمردوا، فأهلكناهم وتلك ديارهم خالية وآثارهم عافية.

(59): ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَ: أي أكبرها أو عاصمتها كمكة آنذاك ﴿رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَ: والرسول هنا يعم ويشمل النبي والعقل والكتاب السماوي والسنَّة المعصومة، وتقدم في الآية 15 من الإسراء.

(60): ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَ: ولا فجوة بين الآخرة وزينة الحياة الدنيا إن تك حلالاً ﴿وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى: لأن نعيم الدنيا زائل ونعيم الآخرة دائم،.

(61): ﴿أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا... : وعد سبحانه المتقين بالنعيم، والعصاة بالجحيم، وهو منجز وعده لا محالة فمن هو الرابح غدًا؟.

(62): ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ: أين الآلهة التي كنتم تعبدون؟ هل ينصرونكم أو ينتصرون؟.

(63): ﴿قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ: بالعذاب: ﴿رَبَّنَا هَؤُلَاء: إشارة إلى الأتباع الضعاف ﴿الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَ: ومعنى الآية بجملتها أن أقوياء الشرك والبغي يقولون غدًا لله بكل صراحة: نحن دعونا هؤلاء الضعاف إلى الغواية فاستجابوا وغووا والذي دفعنا إلى غوايتهم هو غينا وشقاؤنا تمامًا كما قال إبليس: (رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين – 39 الحجر) وبعد هذا الإعتراف الصريح من طغاة الشر والشرك قالوا: ﴿تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ: يا إلهنا من هؤلاء الأتباع ﴿مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ: بل دعوناهم إلى الغواية والضلال استجابوا وهم يملكون القدرة على طاعتك ومعصيتنا.

(64): ﴿وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ: القول في الآية السابقة موجَّه للمتبوعين، أما القول هنا فموجَّه للتابعين.

(65): ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ: ألقينا الحجة عليكم فعصيتم، فما هو عذركم؟.

(66): ﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء: أي الحجج، فلا يدرون ما يقولون ﴿فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ: يسأل بعضهم بعضًا: هل من حجة وجواب؟.

(67): ﴿فَأَمَّا مَن تَابَ: من الشرك والبغي ﴿وَآمَنَ: بالله واليوم الآخر ﴿وَعَمِلَ صَالِحً: فلا خوف عليه.

(68) – (70): ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء: ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ: لا أحد يملك مع الله شيئًا كي يشاء ويختار ﴿وَلَهُ الْحُكْمُ: وحده، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون كما في الآية 44 و45 و47 من المائدة.

(71) – (72): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ: أخبروني ﴿إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدً: دائمًا، الليل للقرار والسكن، والنهار للمعاش والعمل، ولو دام الليل أو النهار لما قام للحياة قائمة.

(73): ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ: واضح، وتقدم في الآية 12 من الإسراء.

(74): ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ... : تقدم بالحرف الواحد في الآية 62 من هذه السورة، والغرض من هذا التكرار مجرد التخويف من يوم كان شره مستطيرًا.

(75): ﴿وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدً: يشهد بتبليغ الفرائض والشريعة، وإنهم أعرضوا وعاندوا بعد إقامة الحجة وتقدم في الآية 143 من البقرة ﴿فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ: وأن الحجة عليهم قائمة ولازمة.

(76): ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى: ومؤمنً به، ثم ارتد عن دينه، وكان ذا ثراء فاحش وقدرة وفطنة﴿فَبَغَى عَلَيْهِمْ: بالتكبر والبذخ ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ: تثقل، يقال: ناء به الحمل إذا أثقله﴿بِالْعُصْبَةِ: الجماعة يتعصب بعضهم لبعض ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ: كان الناس يسرون ويفرحون تمامًا كما يتألمون ويحزنون لأن الحزن والفرح طبيعة وغريزة في الإنسان، وعليه فلا يسوغ النهي عن الفرح إلا إذا أدى إلى جريمة ورذيلة كالبغي والعدوان، والمباهاة والمضاهاة، والتبذير والإسراف.

(77): ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَ: اجمع بين الدنيا والآخرة، فلا تناقض وتضاد بينهما، بل هما شيء واحد في الحكم إذا كانت الدنيا قوة ودعامة للدين، وذلك بأن تحسن إلى عباد الله وعياله مما ﴿أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ: بما أنعم الله عليك، وأن لا تغتر بالحياة الدنيا (فكم من مستدرج بالإحسان إليه، ومغرور بالستر عليه، مفتون بحسن القول فيه! وما ابتلى الله أحدًا بمثل الإملاء له) كما قال الإمام أمير المؤمنين (ع).

(78): ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي: هذا المال والنجاح الذي هو فيه، من موهبته ومهارته، وليس لله ولا لغير الله فيه يد ومشيئة... وهكذا يبعث الغنى والمال الطائل الشعور في نفس الخسيس اللئيم بأن له الفضل والتفوق على خلق الله وعياله ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ: من هو أقوى وأغنى من قارون، أمهله الله حتى إذا طمع وأمن العواقب أخذه أخذ عزيز مقتدر ﴿وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ: الذين يتعالون ويفسدون ويظلمون الناس ولا ينتهون، فهؤلاء وحدهم يدخلون النار بلا حساب، أما سائر المجرمين فإنهم يعرضون للنقاش والحساب.

(79): ﴿فَخَرَجَ: قارون ﴿عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ: في مراكبه وركائبه وخدمه وحشمه، يعرض على الناس ثراءه وكبرياءه تحديًا للذين نصحوه بالاعتدال ﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَ: ويأمنون العواقب: ﴿يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ: ليغرقوا في الشهوات والملذات.

(80): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: بالله وأنه يمهل ولا يهمل: ﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحً:وفي الحديث الشريف: (يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).

(81): ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ.. : قال الإمام عليّ (ع): (رب مغبوط في أول النهار قامت بواكيه في آخره) ، وأيضًا قال: (ما قال الناس لشيء طوبى له ؟ إلا وقد خبأ له الدهر يوم سوء) والعكس صحيح، فكم من ضعيف أصبح قويًا وفقير صار غنيًا! والعاقل لا ييأس من آجل ولا يفرح بعاجل.

(82): ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ: كلمة تعجب لا محل لها من الإعراب، شاهد ضعفاء العقول دائرة السوء تدور على رأس الطاغية قارون، فأدركوا الحقيقة، وحمدوا الله الذي لم يؤتهم مثل ما أُوتي الطغاة، وإلا أصابهم ما أصابهم من النكبات والمفاجآت. وفي نهج البلاغة، فكم من منقوص رابح، ومزيد خاسر. ومن هنا قيل: الأمور بخواتيمها.

(83): ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادً: لا يتعالون على عباد الله، ولا يتحكمون بهم، ولا يفسدون فيهم بالعدوان والسلب والنهب. وقال الإمام علي (ع) برواية الشيخ الطبرسي: من يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها.

(84): ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَ: الواحدة بعشر أمثالها ﴿وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ: فواحدة بواحدة، وقد يعفو ويصفح، وتقدم في الآية 160 من الأنعام.

(85): ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ: يقول سبحانه لنبيه الكريم، إن الذي أوجب عليك أن تعمل وتذكر بالقرآن هو الذي سيردك إلى مكة التي أخرجك منها قومك. وقيل: المراد بالمعاد هنا الجنة لأن السورة هذه مكية وأي مانع أن تكون السورة مكية ما عدا هذه الآية؟ ﴿قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى: قل يا محمد للذين لا يقتنعون منك بحال، ويصرون على معاندتك والصد عن دعوتك بلا هوادة: الله وحده هو الذي يميز المحق من المبطل والضال من المهتدي، وسوف تعلمون لمن عقبى الدار.
(86): ﴿وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ: كيف يقال عنك يا محمد: إنك تفتري على الله بادعاء الرسالة مع أنها لم تمر بخاطرك من قبل إطلاقًا ولكن الله سبحانه هو الذي أنعم عليك بالنبوة والقرآن؟ ﴿فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ: الخطاب 2015-12-10