يتم التحميل...

سورة يس

تفسير الكتاب المبين

سورة يس

عدد الزوار: 29

(1): ﴿يس: قيل: هذان حرفان من حروف التهجي مثل (حم) وقال الشيخ الطبرسي: روي عن الإمام علي (ع) أن كلمة يس اسم من أسماء النبي (ص).

(2): ﴿وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ: المحكم بكل ما فيه.

(3) – (4): يا محمد ﴿لَمِنَ الْمُرْسَلِين عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ: على نهج قويم ودين متين وهو.

(5): ﴿تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ: لا من عندك أو عند قوم آخرين.

(6): ﴿لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ: هذي هي مهمتك يا محمد: تأمر بالفضائل وتنهي عن الرذائل.

(7): ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ: وجب العذاب على أكثر السابقين حيث ماتوا على الكفر والشرك.

(8): ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ: الأغلال: جمع غلّ وهو طوق من حديد، والأذقان: جمع ذقن وهو مجتمع اللحيين، ومقمحون: رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم، كل ذلك لتمردهم على الحق وفسادهم في الأرض.

(9): ﴿وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّ: من نار جهنم، وفي الخطبة 181 من خطب النهج: (أفرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه، والعثرة تدميه، والرمضاء تحرقه؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار؟ ضجيج حجر، وقرين شيطان، ولا يختص هذا العذاب بالكافر والمشرك، بل يعم كل مؤذ ومعتد على كرامة الإنسان وحريته أو حق من حقوقه.

(10): ﴿وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ: فإنهم لا يفهمون إلا بلغة الشهوة والمنفعة الفردية، وتقدم في الآية 6 من البقرة.

(11): ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ: وطلب الهدى ودين الحق بإيمان و إخلاص.

(12): ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ: الله يبعث من في القبور لا محالة، ويحصي جميع أعمالهم من خير أو شر، وما تركوا من آثار نافعة أو ضارة، ويجزي كل نفس بما كسبت، ولا ينجو من عذابه وغضبه إلا من آمن بالحق، وكف أذاه عن الخلق ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ: الأمام كناية عن علمه الذي لا يعزب عنه شيء.

(13): ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ: قال الكثير من المفسرين: إنها أنطاكية ﴿إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ: قيل: هم من حواري عيسى (ع) وتلاميذه، والظاهر أنهم رسل الله سبحانه حيث أسند الإرسال إليه في قوله:

(14): ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ: إلى أصحاب القرية ﴿اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ: نهى الإثنان عن المنكر، وأمرا بالمعروف، فقامت قيامة قوى الشر ولم تقعد، فشد سبحانه أزر الإثنين برسول ثالث ﴿فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ: من ربكم لتوحدوه وتعبدوه.

(15): ﴿قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَ: تمامًا كما قال الأولون، والجواب هو الجواب.

(16) – (17): ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ: وقد بلغنا الرسالة، وعلى الله الحساب، وتقدم هذا المضمون في العديد من الآيات.

(18): ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ: قال المكذبون للرسل: تشاءمنا من دعوتكم حيث تفرق مجتمعنا إلى فئتين: معكم وعليكم، فسكوتكم خير لنا ولكم وإلا أسكتناكم بالرجم وأليم العذاب.

(19): ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ: أي أنتم تحملون سبب شؤمكم وتعاستكم، وهو إقامتكم على الكفر والشرك، أما الإيمان والتوحيد فهو يُمن وخير وبركة ﴿أَئِن ذُكِّرْتُم: أتتشاءمون من التفكير بالخير والدعوة إلى الله والحق؟ حقًا أنكم قوم ﴿قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ: ومتمادون في الجهل والضلال.

(20) – (21): ﴿وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى: لم يشر سبحانه إلى اسم هذا الرجل، ومع ذلك قال المفسرون اسمه حبيب النجار، وأيًا كان اسمه ونسبه فهو من الصالحين المصلحين بشهادة القرآن حيث أخبر عنه أنه أسرع إلى قومه الكافرين و ﴿قَالَ: ناصحًا ومحذرًا ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ ﴿أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ: إن هؤلاء الرسل الأطايب الأخيار والهداة الأبرار، استجيبوا لهم ترشدوا وتأمنوا من عذاب النار وغضب الجبار، ثم أكد الوعظ والنصح لقومه بأسلوب أبلغ وأنفع وقال متحدثًا عن نفسه:

(22): ﴿وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي: ثم التفت إلى قومه وخاطبهم ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ: يشير بذلك أنهم المقصودون بالذات من كلامه.

(23): ﴿أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ: أصنامًا لا تضر ولا تنفع؟.

(24): ﴿إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ: أي أنتم في عمى وضلال واضح.

(25): ﴿إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ: أقول كلمة الحق، وأُجابه بها كلمة مبطل، ولا أُبالي بالموت، فاصنعوا بي ما تشاءون. وفي الأخبار أن قومه رموه بالحجارة. وفي مجمع البيان نقلاً عن تفسير الثعلبي أن رسول الله (ص) قال: سباق الأُمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: علي بن أبي طالب وصاحب يس ومؤمن آل فرعون. ومثله في كشاف الزمخشري.

(26) – (27): ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ: في الكلام حذف يدل عليه السياق، كعادة القرآن، والتقدير لما مات هذا العبد الصالح المخلص قيل له: ادخل الجنة، ولما دخلها ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي: الذين قتلوني لأني نصحتهم وحذرتهم ﴿يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ: قتلوه ونكلوا به أشد التنكيل، وفي اللحظة التي مات فيها عاين ما عاين من كرامة الله وثوابه، ففرح واستبشر بأنعم الله، وأيضًا تألم وتحسر على قومه، وتمنى لو أن مخبرًا يحدثهم عما هو فيه من أنعم الله كي يتوبوا ويشاركوه هذه السعادة الجلىِّ... أهذا مؤمن ونحن مؤمنون، بل وحماة الدين؟ وبعضنا يفخر بمنصبه وآخر بسيارته، وثالث بما أشبه من زخرف الحياة!!.

(28): ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ: أي من بع قتل المؤمن الصالح ﴿مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ: لأن الله سبحانه يهلكهم بطريق أيسر من نزول ملائكة العذاب.

(29): ﴿إِن كَانَتْ: العقوبة ﴿إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً: من جبريل أو غيره، فلم تبق روح في الجسم.

(30): ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ: هذه الحسرة تعبير عن سوء المصير والعاقبة الوخيمة.

(31): ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ: ألا يتعظ اللاحقون بما حلَّ في السابقين ﴿أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ: أي لم يبق من الهالكين المتقدمين أحد يخبر المتأخرين عما جرى وكان فيمن سبق كي يتعظوا ويعتبروا، ولكن آثار الهالكين تدل عليهم، وكفى بها عبرة وموعظة.

(32): ﴿وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ: لما هنا بمعنى إلا، أي ما من أُمة ماضية أو حاضرة أو آتية إلا وتقف بين يدي الله لنقاش الحساب.

(33) – (34): ﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ... : هذه من آيات البعث والنشور، وفيها الدلالة الكافية الوافية على إمكان الحياة بعد الموت، بل ووقوعه أيضًا كما نرى الحياة الأرض بعد موتها، وقد تردد ذلك وتكرر في العديد من الآيات، ومنها الآية 99 من الأنعام.

(35): ﴿لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ: فيه إيماء إلى أن النعمة حقًا هي المال الحلال المكتسب من كد اليمين وعرق الجبين، وفي الحديث الشريف: (إن من الذنوب ذنوبًا لا يكفرها صوم ولا صلاة ولا حج، وإنما يكفرها سعي الرجل على عياله).

(36): ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَ: أي أصناف المخلوقات من نبات وإنسان وحيوان... إلى غير ذلك مما نجهل في السماء والفضاء وتحت الثرى.

(37): ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ: المراد بالسلخ هنا وجود النهار عقب الليل وبعده لا انتزاعه وتجريده منه ﴿فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ: داخلون في الظلام.

(38): ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَ: المراد بالجري هنا حركة الشمس في فلكها الخاص، وبالمستقر النظام المحكم لا المستقر المكاني كما قال المفسرون القدامى، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ: أي حركة الشمس بنظام في فلكها الذي لا تتجاوزه هي من تقديره تعالى وتدبيره.

(39): ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ: ومعنى هذا أن القمر غير ثابت في مكانه، بل يتدرج تبعًا للأرض ودورانه حولها ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ: دقة وانحناء في رؤية العين، والعرجون: غصن النخلة.

(40): ﴿لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ: لكل من الشمس والقمر فلكه الخاص الذي يدور فيه بنظام، ويجري في منازل مقدرة إلى ما شاء الله، وتقدم في الآية 33 من الأنبياء. وأخيرًا فلسنا من علماء الفلك حتى نجول في هذا الميدان، والمهم أن نعلم بأن القرآن وحي من خالق الكون، ويستحيل أن ينطق بشيء على خلاف الواقع، فإن اتفق ظاهر الوحي مع واقع الطبيعة فذاك والأوجب تأويل الظاهر بما يتفق مع الواقع، وهذه قاعدة عقلية ودينية مطلقة ترفض التغيير والتقييد.

(41): ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ: المملوء منهم وما يبتغون، وتقدم في الآية 119 من الشعراء.

(42): ﴿وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ: وضمير (مثله) يعود إلى الفلك، والطائرة والسيارة به أشبه من البغال والحمير والإبل والخيل.

(43): ﴿وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ: ولو كانوا في المدرعات وحاملات الطائرات، والغرض من هذه الإشارة مجرد التذكير بنعمة النجاة ﴿فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ: لا مغيث يستجيب لصراخهم حين الإشراف على الغرق.

(44): ﴿إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّ: حتى المشي على اليابسة يفتقر إلى رحمة الله وعنايته ﴿وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ: إلى الأجل المعلوم عند الله وهو درع وجنة.

(45): ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ: للجاحدين المعاندين: ﴿اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: من الذنوب والمحرمات ﴿وَمَا خَلْفَكُمْ: من العذاب على المعاصي، وجواب إذا محذوف تقديره اعرضوا.

(46): ﴿وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ: عتوًا وعنادًا.

(47): ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: للمترفين المحتكرين: ﴿أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ: على المحاويج قالوا: كيف؟ وقد قضى الله عليهم بالفقر والعوز، وقدر لنا العز والغنى، ونحن لا نخالف ما قضى الله وقدر! قالوا هذا وتجاهلوا أن الفقر من صنع الأرض لا من صنع السماء، ومن فساد الأوضاع وأنظمة الطغيان لا من شريعة الرحمن. وفي كتاب الوسائل عن الإمام الصادق (ع): إن الله جعل للفقراء من أموال الأغنياء ما يكفيهم، ولولا ذلك لزادهم، وإنما يؤتون من منع من منعهم... إن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء..

(48): ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ: بقيام القيامة.

(49): ﴿مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً: وهي صيحة البعث والنشر ﴿تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ: يتشاجرون ويتنافسون على الدنيا والشهوات.

(50): ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً: ولمن يوصون ولا من باق و باقية.

(51): ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ: كناية عن النشور، والأجداث القبور، وينسلون: يسرعون في العدو.

(52): ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَ: قد يقال: أن هذا التعجب من الأموات يشعر بأنهم لم يحاسبوا في قبورهم بل كانوا في رقدة وسبات حتى من كفر منهم. الجواب: يبدأ حساب القبر بعد الدفن بلا فاصل ثم ينتقل الأموات إلى حالة ثانية يطول أمدها، ثم يحدث النشر، وقد عبَّروا عن الحالة الثانية بالرقاد لسبب أو لآخر.

(53): ﴿إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً: الصيحة الأولى لقيام القيامة لذا قال سبحانه: (وهم يخصمون) أي في الحياة الدنيا كما أشرنا، وهذه الصيحة الثانية للحضور بين يدي الله للحساب بدليل قوله تعالى: ﴿فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ: للسؤال عما كانوا يعملون.

(54): ﴿فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئً: يتنزه سبحانه عن ظلم عباده، ولماذا الظلم والأمر كله لله وحده، وكل له خاشعون.

(55): ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ: فرجون مرحون حيث لا خوف ولا مشكلات، ولا مشاحنات طائفية وخلافات عائلية، ولا حسد على المناصب والرغائب.

(56): ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ: الحوريات، لا بنات حواء المشاكسات.

(57) – (58): ﴿لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ: هذا السلام يهديه سبحانه لأهل الجنة، ومعناه الأمان والرحمة، والسعادة والنعمة.

(59): ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ: كنتم من قبل تستترون بالنفاق والشعارات الكاذبة، أما اليوم فكل شيء على المكشوف، فلا رياء ولا رداء، وقد فضحكم سبحانه بالخزي والعذاب المهين.

(60) – (61): ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ... : يقول سبحانه لعباده بالعموم ولأهل النار بالخصوص: لقد أعذرت إليكم بما أنذرت وحذرت، وأقمت الحجج والبراهين بالبصيرة والبصر وبالوحي على لسان الأنبياء والرسل، فقست قلوبكم، وأبت الهداية، فعلى من تقع الملامة؟.

(62) - (64): ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرً: خلقًا كبيرًا ﴿أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ: طريق الهداية والرشاد، وقد ردد القرآن هذه الجملة: (تعقلون ويعقلون) وكررها عشرات المرات ليؤكد أن العقل هو أصل الأصول لدين الإسلام وعقيدته.

(65): ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ: بما ضربت وسرقت وكتبت وأشارت ﴿وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ: بما مشت وسعت. وتسأل: كيف تجمع بين قوله تعالى هنا: (نختم على أفواههم) وقوله في الآية 24 من النور: (تشهد عليهم ألسنتهم)؟ وأجيب بأن للعباد غدًا مواقف يؤذن لهم بالكلام في بعضها دون بعض. ونعطف على هذا الجواب: أن الله سبحانه يختم على أفواه المجرمين حين شهادة الأيدي والأرجل كما هو الشأن في أُصول المحاكمات عندنا، فإذا انتهت الأعضاء من شهادتها، أطلق سبحانه الأفواه، وسأل أربابها: ماذا تقولون في هذه الشهادة؟ تأكيدًا للحجة وإلزامهم بها.

(66): ﴿وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ: الأصل إلى الصراط ﴿فَأَنَّى يُبْصِرُونَ: أي لو أراد سبحانه أن يعاقب المجرمين في الدنيا لأعمى أبصارهم حتى إذا أرادوا السير على الطريق والاهتداء إليه لتعذر ذلك عليهم.

(67): ﴿وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ: وأيضًا لو أراد سبحانه أن يعاقبهم في الدنيا لجعلهم أجسادًا بلا أرواح، لا يستطيعون الحركة ذهابًا ولا إيابًا.

(68): ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ: الشيخوخة آفة، تحوِّل الإنسان من الإدراك إلى الخرف، ومن القوة إلى الضعف وقد يصبح كالطفل الرضيع يعجز حتى عن قضاء حاجته الضرورية، والموت أيسر من هذه الحياة وأفضل، والغرض من هذه الإشارة أن يبادر الإنسان إلى التوبة والصالحات من الأعمال قبل فوات الأوان.

(69) – (70): ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ: حاول أعداء الله والحق تكذيب محمد (ص) بشتى الوسائل، منها الرمي بالجنون، فرد عليهم سبحانه بقوله: (وما صاحبكم بمجنون – 22 التكوير) ومنها أنه أخذ القرآن من أعجمي فقال لهم، تقدست كلمته: (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي، وهذا لسان عربي مبين – 103 النحل) ومنها أنه شاعر، فقال عز من قائل: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) أين الشعر من القرآن؟ فالشعر شعور يختلف ويتنوع تبعًا لذات الشاعر وميوله وتربيته، والقرآن إرشاد وهداية إلى العمل بالعلم ومنطق العقل، ومصدر لشريعة إنسانية خالدة، ومقياس للأخلاق الفاضلة، ومعجزة من السماء أنارت الطريق أمام العرب إلى حضارة عالمية شهدت كل الأُمم بأنها النواة التي انطلقت منها أوروبا والغرب إلى التقدم العلمي الحديث.

(71): ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامً: وهي الإبل والبقر والغنم، وكانت من وسائل الإنتاج ومن مقومات الحياة، وما زال لها أبع الأثر، والمراد بالأبدي هنا أيدي الأسباب التي خلقها سبحانه، وتقدم في الآية 142 من سورة الأنعام وغيرها.
(72) – (74): ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ: تنقاد حتى للطفل الصغير ﴿فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ: في الأسفار، وعليها يحملون الأثقال.

(75): ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ: الأصنام لا تنصر من اتخذ منها أربابًا، ومع ذلك يتجند المشركون للذب عنها كل حين، وهنا مكان الجهالة والغرابة.

(76): ﴿فَلَا يَحْزُنكَ: يا محمد ﴿قَوْلُهُمْ: قول المشركين إنك شاعر ومجنون ﴿إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ: وسوف نعاملهم بما يستحقون.

(77): ﴿وَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ: يخاصم ويجادل في البعث، وهو على علم بأنه من نطفة ثم صار إنسانًا في أحسن تقويم، فلماذا لا يفهم ويعقل بأن الذي فعل هذا في النشأة الأولى قادر على أن يفعله في المرة الثانية؟.

(78) – (79): ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ: جاء في التفاسير أن رجلاً جاء بعظم بال إلى رسول الله، فضغط عليه حتى صار ترابًا، وسأله: أيحيي الله هذا؟ فنزلت هذه الآية، وأيًّا كان سبب النزول فإن هذه الرواية أوضح من أي تفسير للآية الكريمة.

(80): ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارً: استبعد المشركون فكرة البعث لأن الشيء لا يتولد منه ما هو ضد له كما يعتقدون، فأقام سبحانه الدليل عليهم بالشجر الأخضر الممتلئ بالماء المضاد للنار علمًا بأن هذه تتولد من ذاك.

(81): ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي... : خلق الكون من لا شيء بقادر أن يخلق مثله ساعة يشاء.

(82): ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ: ذرأ الخلق بكلمة (كن) وبها يعيده، فالإعادة والبداية لديه تعالى بمنزلة سواء.

(83): ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ: وإليه ينتهي كل شيء ويجزي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون.


* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.

2015-12-10