يتم التحميل...

سورة ص

تفسير الكتاب المبين

سورة ص

عدد الزوار: 24

(1): ﴿ص: تقدم في أول سورة البقرة ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ: أقسم سبحانه بالقرآن، وجواب القسم محذوف أي أنه الحق، وللذكر معان، والمراد به هنا الهداية إلى الطريق لحياة أفضل، والدليل هو إرادة هذا المعنى قوله تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم-9 الإسراء) وغير ذلك من الآيات.

(2): ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ: المراد بالعزة هنا الحمية الجاهلية والتعصب الأعمى لدين الآباء، والشقاق: المعاندة والمكابرة للحق، ولا سبب وراء ذلك لكفرهم.

(3): ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ: هذا إخبار يتضمن التهديد لمن كفر وكذب بنبوة محمد(ص) ومعناه أتكفرون وتكذبون محمدًا، ولا تخشون أن ينتقم الله منكم كما انتقم من الأمم الماضية التي كذبت الرسل﴿فَنَادَوْ: حين رأوا العذاب ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ: لا مفر ولا نجاة.

(4) - (5): ﴿وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ: محمد (ص) من قريش فكيف يكون له الفضل عليهم؟ تمامًا كما لو قال المريض للطبيب: كيف أقبل منك النصح وأنا وأنت من ولد آدم! ﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ: ولماذا هو ساحر كذاب؟ أبدًا لا لشيء إلا أنه جعل ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ:تلقوا الشرك أبًا عن جد، وجرى منهم مجرى الروح والدم، وهذا التقليد والتعصب هو السبب الموجب لكفر من كفر بمحمد والإسلام من قبل ومن بعد وإلا فهو دين العقل والإنسانية والحياة بشهادة العديد من العلماء المنصفين في كل عصر، ونقلنا فيما سبق أمثلة من أقوالهم.

(6) - (7): ﴿وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ: وهم رؤساء المشركين، وقالوا للأتباع المستضعفين: ﴿أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُو: مستمرين ﴿عَلَى: عبادة ﴿آلِهَتِكُمْ: ولا تصغوا لقول محمد ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ: لا أساس له على الإطلاق.

(8): ﴿أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَ: وأي عاقل يصدق أن يختار الله محمدًا لرسالته، وهو لا يملك شيئًا من المال؟ ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي: لا حجة لمن أنكر نبوة محمد إلا الجهل بالله وأنه الواحد الأحد ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ: فإذا رأوه زال عنهم الجهل والشك.

(9): ﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ: قالوا: الله لا يخص محمدًا بالنبوة من دوننا، فأجابهم سبحانه: هل خزائن الخيرات بيدكم أم بيده، يعطي منها ما يريد لمن يريد؟.

(10): ﴿أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: من أنتم؟ وماذا تملكون؟ حتى تهبوا النبوة لمن تشاءون ﴿فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ: إن كان لهم الملك فليجلسوا على العرش، ويدبروا الكون، وينزلوا الوحي على من يشاءون.

(11): ﴿جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ: ستدور دائرة السوء على جنود الشر وأحزاب الضلال لا محالة.

(12) – (14): ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ... : أي قبل قريش الذين كذبوا محمدًا، والله سبحانه ينذرهم بعذاب الأُمم الماضية إذا أصروا على موقفهم من رسول الله (ص) وتقدم الكلام أكثر من مرة عن نوح وهود وصالح ولوط وموسى وأصحاب الأيكة قوم شعيب.

(15): ﴿وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء: الذين كذبوا محمدًا ﴿إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً: تأتيهم بغتة ﴿مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ: لا رجوع بعدها إلى الحياة الدنيا.

(16): ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ: المراد بالقط هنا النصيب من العذاب، والمعنى لماذا تهدد بالعذاب غدًا، ولا تأتي به الآن، إن كنت عليه مقتدرًا، وهذه هي الحجة لكل جاحد وجاهل باليوم الآخر. الجواب إن الله سبحانه يريد الإيمان والخير من عباده بالرضا لا بالعصا، ليميز الخبيث من الطيب وإنهما لا يستويان.

(17): ﴿اصْبِرْ: يا محمد ﴿عَلَى مَا يَقُولُونَ: من بهتان، ويضمرون من أضغان، فلكل امرئ عاقبة عمله﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ: أي ذا قوة على طاعة الله ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ: يرجع في أُموره كلها لله.

(18) – (20): ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ... : تقدم في الآية79 من الأنبياء و10 من سبأ.

(21) - (22): ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ: المدعي ﴿إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ:في ذات يوم كان داود في محرابه منقطعًا إلى عبادة ربه، وإذا باثنين أمامه، فراعته هذه المفاجأة، وفوق ذلك دخولهما من أعلى الحائط ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ: لا بأس عليك منا، جئنا للتقاضي عندك، فاحكم بحكم الله ﴿وَلَا تُشْطِطْ: لا تتجاوز الحد وطريق العدل.

(23): ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً: أنثى الضأن ﴿وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَ: أعطنيه﴿وَعَزَّنِي: غلبني ﴿فِي الْخِطَابِ: في الكلام.

(24) - (25): ﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ: قال هذا قبل أن يطلب البينة من المدعي، ويستجوب المدعى عليه ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء: الشركاء الأقوياء ﴿لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: فيأخذ الشريك الأقوى سهمه وزيادة ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ: القوة على الحق إن تكن في أيدي الأشرار، وللحق إن ملكها الأخيار، ولكن أين هم؟ وقد تجد واحدًا منهم، ولكن في زوايا الحرمان والنسيان﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ: ابتليناه ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ: بعدما حكم داود لأحد الخصمين فطن وتنبه إلى أنه حكم له قبل أن يدلي الخصم الآخر بحجته، فندم وطلب العفو من الله، فغفر له، لأنه غير قاصد وعامد.

(26): ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ: كل راشد عاقل هو خليفة الله في أرضه، بمعنى أنه مسؤول أمام الله ومجتمعه عن العمل الذي يحدد نوعه ومداه ما يملك من طاقة ومؤهلات، وروى الكليني في أُصول الكافي عن الأمام الصادق (ع): إن الله يحتج على الناس بما آتاهم وعرفهم... يوم القيامة يضرب الفقراء باب الجنة. فيقال لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن الفقراء. فيقال: كيف تأتون قبل الحساب؟ فيقول الفقراء: ما أعطيتمونا شيئًا تحاسبونا عليه. فيقول الله: صدقوا، ادخلوا الجنة ﴿فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ... : على كل عالم أن يقضي ويفتي بالحق وإلا شمله الحساب الدقيق العسير والعذاب الشديد الأليم، ولا فرق بين حاكم وآخر سوى ان تبعات الأنبياء والأوصياء تقدر بمكانتهم وبمنزلتهم.

(27): ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلً: لا كريم بلا بذل وعطاء، ولا قادر بلا مقدور عليه، ولا خالق بلا خلق وإيجاد وإلا تعطلت الصفات وكان وجودها وعدمها بمنزلة سواء، ومن الحكم البالغة لوجود الكون بنظامه وأحكامه انه الأسلوب الوحيد للكشف عن وجود الله سبحانه وقدرته وعلمه وحكمته، وتقدم في الآية191 من آل عمران و115 من المؤمنين؟ ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُو: ذلك إشارة إلى زعم الماديين بأن الكون وجد صدفة وبلا حكمة وقصد، وهذه شنشنة الذين لا يؤمنون إلا بما تراه العيون، أما العقل فهو خادم للعيون وأداة لها.
(28): ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ... : أبدًا لا يستقيم مع العدل الإلهي أن يستوي مصير المؤمن والكافر والبار والفاجر. وفي أحكام القرآن للقاضي المالكي أبي بكر المعروف بابن العربي: أن هذه الآية نزلت في بني هاشم المتقين وفي المفسدين الفجار من بني عبد شمس.

(29): ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ: يا محمد ﴿مُبَارَكٌ: على من تدبره وظهر أثره في أخلاقه وأعماله وإلا فكم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه.

(30): ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ: ثناء على سليمان بأنه سميع لله ومطيع.

(31): ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ: بدا لسليمان في مساء يوم من الأيام أن يستعرض ما أعده للحرب من رباط الخيل، فعُرضت عليه بأمره.

(32): ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ: أمر أن يجريها الفرسان أمام عينيه، وقال أفعل هذا عن أمري لا عن هوى في نفسي، ولما غابت عن بصره في ركضها قال:

(33): ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ: فلما ردوها عليه شرع يمسح بيده سوقها وأعناقها مباركًا لها ومسرورًا بها، وهذا التفسير يقبله ظاهر اللفظ، ولا يصطدم مع الدين والعصمة، أما القول بأن سليمان تشاغل بالخيل حتى فاتته الصلاة، فتألم وارتد عليها بالسيف لأنها أنسته وصدته عن العبادة- فإنه يتنافى مع النبوة وعصمتها، ومع قوله تعالى: (نعم العبد إنه أواب).

(34) - (35): ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدً: ابتلى سليمان بمرض عضال ألقى به على سريره كجسد بلا روح ﴿ثُمَّ أَنَابَ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي: أناب أي دعا الله راجعًا إليه ومتوسلًا أن يغفر له ويشفيه مما هو فيه، ومثله الآية 8 من الزمر: (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبًا إليه) ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي: طلب ملكًا لا مثيل له في الكيف لا في الكم كتسخير الرياح والطير والجن، فاستجاب سبحانه لدعوته.

(36): ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء: طيِّعه ﴿حَيْثُ أَصَابَ: إلى أية جهة يشاء.

(37): ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء: لمحاريب وتماثيل وغيرها ﴿وَغَوَّاصٍ: في البحر على اللئالىء والجواهر.

(38): ﴿وَآخَرِينَ: من الشياطين ﴿مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ: لأنهم خرجوا عن أمره وطاعته، وتقدم في الآية 12-13 من سبأ.

(39) - (40): ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ: عطاء الله ينبوع فّوار، لا ينضب ولا ينقص، فالإنفاق منه تمامًا كالإمساك.

(41): ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ: وما عاناه من الضر في جسمه وماله وأهله ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ: النصب: التعب والمشقة، وأيًا كان المراد من إسناد العذاب ظاهرًا إلى الشيطان فإنه لا يسوغ بحال أن يراد منه المعنى الحقيقي للعذاب، لقوله تعالى: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان-65 الإسراء) ومن الجائز أن يكون الشيطان قد وسوس لأيوب بأن الله قد فعل بك ما فعل وأنت على طاعته، فتعوذ أيوب منه وشكاه إلى الله، وعلى هذا تكون نسبة العذاب إليه على المجاز.

(42): ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ: استجاب سبحانه لنداء أيوب ودعائه، وأمره أن يضرب الأرض برجله، فيخرج منه ماء يغتسل به ويشرب منه، ففعل وذهب الداء عنه.

(43): ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ: منَّ عليه سبحانه بالشقاء، ورزقه من الأولاد والأحفاد ضعف ما فقد منهم، وتقدمت الإشارة إلى قصة أيوب في الآية 83-84 من الأنبياء.

(44): ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ... : الضغث: القبضة من العيدان ونحوها، ويبدو أن أيوب كان قد حلف لسبب أو لآخر أن يضرب إنسانًا بعض الضرب، ثم ندم، فأمره سبحانه أن يضربه بمجموعة من الأغصان وما أشبَه فيتحلل من يمينه، واخذ بعض الفقهاء بهذه الآية! وقد فات أوانها.

(45): ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ: المراد بالأيدي هنا القوة في طاعة الله، وبالأبصار معرفة الحق.

(46) - (47): ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ: كانوا يعملون لله وللدار الآخرة، ويذكِّرون الناس به وبها، ومن اجل ذلك أخلصهم سبحانه أي اختارهم واصطفاهم.

(48): ﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ: تقدم ذكرهم في الآية 86 من الأنعام و85 من الأنبياء.

(49) - (51): ﴿هَذَ: الذي تقدم هو ﴿ذِكْرٌ: لمن يتذكر وأراد أن يتقي الله ﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ... : مرجع حسن وجنات وسرور وفاكهة وشراب.

(52) – (54): ﴿وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ: على الأزواج فقط ﴿أَتْرَابٌ: متساويات في السن.

(55): ﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ: كافح القرآن الطغاة، ونعتهم بأقبح الصفات، وتوعدهم بأقصى العقوبات وفسرت القرآن الكريم مرتين فانتهيت إلى علم اليقين بأن أي إنسان يقهر ويتحكم بمن هو أضعف منه فإن الله سبحانه يعامله يوم القيامة معاملة من كفر به وأشرك وإن جرت عليه في الدنيا أحكام المسلم، بل هو عند الله أسوأ حالًا ممن جحد عن لم يظلم أحدًا من عيال الله، وتعالى معي لنقرأ ونعتبر قول القهار الجبار لنبيه الرؤوف الرحيم: (وما أنت عليهم بجبار-45 ق... لست عليهم بمصيطر-22 الغاشية... وما أنت عليهم بوكيل-107 الأنعام) وضمير عليهم للمشركين بالنص القاطع لكل احتمال.

(56): ﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ: الفراش.

(57): ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ: شديد الحرارة وهو خبر لهذا ﴿وَغَسَّاقٌ: قيح شديد النتن.

(58): ﴿وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ: أشكال وألوان من العذاب للطغاة أيضًا غير الحميم والغساق.

(59): ﴿هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ: يدخل المجرمون إلى جهنم أفواجًا، كلما دخلت أُمة لعنت أُختها.

(60): ﴿قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ: هذا من كلام اللاحقين المستضعفين، وهو جواب للسابقين المستكبرين الذين استقبلوهم بالشر، فردوا عليهم بمثله وزادوا ﴿أَنتُم ْقَدَّمْتُمُوهُ: أي العذاب ﴿لَنَ: حيث منعتمونا عن الإيمان برسل الله.
(61): ﴿قَالُو: مازال القول للمستضعفين: ﴿رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ: طلبوا زيادة العذاب كما وكيفًا لمن خدعهم وغرر بهم، وتكرر هذا المعنى في العديد من الآيات، منها الآية 38 من الأعراف.

(62) - (63): ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ: إذا قرأت- أيها المسلم- هذه الآية فتصور معها وتدبر الآية111 من الشعراء: (قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) كان أهل النار الطغاة يسمون المؤمنين الأخيار الأرذلين، ولما دخلوا النار ما رأوا واحدًا من الذين كانوا يعدونهم من الأرذلين الأشرار، فدهشوا وتساءلوا أين هم؟ اقرأ واعتبر كي لا ترى نفسك كبيرًا، فيصبح الناس صغارًا في عينيك، وسلام على من قال: الغنى والفقر بعد العرض على الله.

(64): ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ: هذا التساؤل من أهل النار عن الأخيار وتلاعن الأشرار واقع لا محالة.

(65) - (66): ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ... : أدعوه إلى عبادة الواحد القهار الذي يقصم ظهور الجبابرة الطغاة، والعزيز الذي ليس كمثله شيء، والغفار الذي يستر القبيح، ويظهر الجميل، ويقبل التوبة.

(67): ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ: النبأ: الخبر، والمراد به هنا القرآن، وهو عظيم بعلمه وعقيدته وشريعته.

(68): ﴿أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ: والخطاب هنا موجه لمن يدين بالقرآن ولا يعمل بموجبه، ولغير المسلم الذي أهمل البحث والنظر في حقيقة القرآن وصدقه.

(69) - (70): ﴿مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ: المراد بالملأ الأعلى ما يأتي من الإشارة إلى خلق آدم وسجود الملائكة له إلا إبليس، والمعنى أن محمدًا (ص) قال الجاحدين بنبوته: لولا الوحي من أين يأتيني العلم بقصة آدم والملائكة وإبليس.

(71) - (72): ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ: أعلمهم سبحانه بخلق آدم قبل أن يخلق تمهيدًا للأمر بالسجود له.

(73) – (76): ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّاَ إِبْلِيسَ: اعترضته الحمية، فافتخر على آدم بخلقه، وتعصب لأصله، فعدو الله إمام المتعصبين. كما قال الإمام عليّ (ع) قَالَ: سبحانه لإبليس:

(77) - (85): ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا... : أي من السماء، وقيل: من الجنة، وتقدمت قصة خلق آدم وذيولها بكل ما جاء في هذه الآيات- في البقرة والأعراف والحجر والإسراء والكهف.

(86): ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ: المدعين النبوة كذبًا على الله، وتسأل: لماذا يكرر كل نبي هذا القول ويردده على مسامع المرسل إليهم؟ الجواب: أولًا لو طلب منهم الأجر على التبليغ لثقل ذلك عليهم وتهربوا منه، وإلى هذا أشارت الآية40 من الطور: (أم تسألهم أجرًا فهم من مغرم مثقلون) ثانيًا ان الإرتزاق بالدين لا يسوغ بحال سؤال ثان: ولكن الله سبحانه أمر نبيه الكريم أن يقول لأمته: (لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى-23 الشورى) ؟ الجواب: هذه المودة ليست أجرًا على تبليغ الدين، بل هي من الدين في الصميم تمامًا كالصوم والصلاة.

(88): ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ: سيتبين لكم عما قليل أيها المكذبون بالقرآن أنه الحق الذي لا ريب فيه، ومن قرأ ما كتبه الغربيون عن محمد والإسلام في العصور الوسطى يجد اللغو والجهل والتعصب الأعمى، أما في هذا العصر فقد أنصف محمدًا والإسلام كثير من الغربيين، ولا سر إلا الحضارة والروح العلمية الحديثة.


* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.

2015-12-10