يتم التحميل...

سورة الزخرف

تفسير الكتاب المبين

سورة الزخرف

عدد الزوار: 23

(1): ﴿حم: تقدم في أول البقرة.

(2): ﴿وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ: أقسم سبحانه بقرآنه الجلي الواضح في بيان عقيدة الحق وشريعته.

(3): ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ: معانيه- أيها العرب- ومقاصده، وتعملون بموجبها، وتبلغونها لسائر الأُمم، وتقدم في الآية 2 من يوسف وغيرها.

(4): ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ: المراد بالأُم هنا الأصل وبالكتاب علم الله، والمعنى القرآن من الله وعلمه لا من وضع محمد وغيره ﴿لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ: القرآن عند الله عالٍٍ في منزلته حكيم في مبادئه وأحكامه.

(5): ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ: الخطاب للمشركين، وصفحًا: إعراضًا، والمصدر من أن وما بعدها مفعول من أجله، والمعنى أتريدون أن نسكت عن دعوتكم إلى الحق غير منذرين لا لشيء إلا لأنكم جهلاء أشقياء؟.

(6) - (7): ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ: لأن الله سبحانه ما خلق الناس عبثًا ولا يتركهم سدى بلا زاجر وآمر.

(8): ﴿فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشً: أهلك من كان أقوى وأعتى من الذين كذبوا محمد(ص) ﴿وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ: وتقدم في القرآن ذكر الأُمم الماضية وما حلَّ بها من وبال.

(9): ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ... : تقدم في الآية61 من العنكبوت وغيرها.

(10) - (13): ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدً: فراشًا وقرارًا ﴿وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ: الأصناف من حيوان ونبات وجماد، وتقدم مرات، منها في الآية 53 طه ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ: الهاء تعود إلى ماتركبون، والإستواء: الإستقرار ﴿سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ: أي مستطيعين، والمعنى أن الله أودع في الحيوان غريزة الإنقياد للإنسان، ولولاها لتعذر عليه أو تعسر أن يسخره في الركوب والحمل والحرث.

(14): ﴿وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ: فيه إيماء إلى الركوب مظنة الخطر، وربما أدى إلى الموت، فكيف بركوب السيارة والطيارة وسفينة الفضاء؟.

(15): ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءً: ولدًا لأن الولد بضعة من والده.

(16): ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ: إشارة إلى ما يأتي في الآية 19، وتقدم في الآية 40 من الإسراء.

(17): ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلً: أي بالأنثى، وتقدم في الآية 57 من النحل.

(18): ﴿أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ: المراد به الأنثى تتحلى بالزينة ﴿وَهُوَ: يعود إلى اسم الموصول باعتبار اللفظ ﴿فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ: عاجزة عن بيان الحجة والدليل والمعنى مالكم أيها المشركون؟ أتنسبون إلى الله من يتزين بالحلية والحلل ويعجز عن البيان؟.

(19): ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثً: وهذا تمامًا كقول من تفلسف وتعسف في أن أصل الإنسان قرد! ومن الذي رأى هذه الولادة وشاهدها (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء-6 آل عمران).

(20): ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم: تمامًا كما قال الأشاعرة بأن الإنسان مسيَّر لا مخيَّر ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ: يكذبون، وعلى الله يفترون.

(21): ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ: قبل القرآن، كلا، لا خبر جاء بذلك ولا وحي نزل، وإذن من أين جاءهم هذا الشرك؟ الجواب:

(22): ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَ: وكفى بذلك شاهدًا ودليلًا، لأن قول الآباء هو الحق الذي يستدل به لا عليه!.

(23): ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ: يا محمد ﴿فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَ: إذا تحدث أو أشار مسلم قرآني إلى شرور المترفين تقول عليه من يعيش على فتاتهم بما يرضيهم... هذا وهو يقرأ القرآن الكريم الذي ذمَّ المترفين في العديد من آياته، منها هذه الآية! وثبت في الحديث الشريف: (كم من قارئ للقرآن، والقرآن يلعنه) ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ.

(24)-(25): ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ: فيه إيماء إلى صحة التقليد المطابق والموافق للواقع ﴿قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ: حتى ولو كان حقًا مبينًا! ولا كلام بعد هذا الكلام.

(26) - (27): ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ... : تبرأ خليل الرحمن من قومه وما يعبدون، ولجأ إلى الله الواحد الأحد.

(28): ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً: التوحيد ﴿بَاقِيَةً: خالدة ﴿فِي عَقِبِهِ: ذريته ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ: إلى التوحيد، ويعملون بموجبه.

(29): ﴿بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ: هؤلاء إشارة إلى مشركي قريش، والمراد بالحق هنا القرآن، وبالرسول محمد، وهو مبين برسالته الواضحة في دلالتها على صدقه وأمانته.

(30): ﴿وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ: عاندوه وقالوا من جملة ما قالوا: ﴿هَذَا سِحْرٌ: مفترى، أما عبادة الأصنام فحق لا ريب فيه! وهكذا تعكس الحقائق منذ آدم وإلى قيام الساعة.

(31): ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ: محمد ليس بنبي في منطق الجبابرة المترفين والدليل أن محمدًا لا يملك مالًا ولا جاهًا عريضًا، والنبوة لا تكون ولن تكون إلا لعظماء المظاهر والألقاب مثل الوليد ابن المغيرة بمكة، وعروة بن مسعود بالطائف، فأحدهما يجب أن يكون نبيًا وينزل عليهالقرآن! فرد سبحانه عليهم بقوله:

(32): ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ: أأنتم تعرفون مكان الخير والفضل والعظمة، أو تفهمون معنى القيم التي ترفع الناس درجات، أو ان الله فوض إليكم توزيع المناصب والمراتب؟ الله هو الذي يقسم فضله بالعدل، ويعلم وزن العظمة، وأين هي؟﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّ: من التسخير في الخدمة لا من السخرية والإستهزاء، والمعنى أن أسباب الرزق على أنواع: صناعة وتجارة وزراعة وخدمات في الدولة أو المصنع، أو المصرف أو المتجر أو عند طبيب أو مهندس، وفي مفهوم الناس أن رب العمل أرفع من العامل أما عند الله فالأرفع هو الأتقى كما نصت الآية 13 من الحجرات.

(33): ﴿وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفً: جمع سقف ﴿مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ: جمع معرج وهو الدرج ﴿عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ: يصعدون.

(34): ﴿وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابً: أيضًا من فضة ﴿وَسُرُرً: من فضة، جمع سرير.

(35): ﴿وَزُخْرُفً: ذهبًا وزينة، وهذا رد على من قال: إن المناصب الإلهية وغيرها من المراتب العليا، وقف على عظماء البذخ والمظاهر، وخلاصة الرد لولا أن الناس يؤثرون نعيم الدنيا على كل شيء لأعطى سبحانه الكافر بيوتًا من فضة بأرضها وجدرانها وسقفها وأبوابها ومصاعدها وأثاثها وزادهم على ذلك ما يشاءون من الذهب والزينة لهوان الدنيا على الله، ولأن الكافر لا حظ له في غيرها فهي جنته الوحيدة. ومن حكم الإمام عليّ(ع): من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصي إلا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بتركها.

(36): ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ: المراد بالشيطان هنا كل ما يقود إلى الشر والفساد والمخاطر والتهلكة، هوى كان أو وهمًا أو إنسانًا أو أي شيء، والمعنى من يتعامى عن دعوة الحق والخير، وينطلق مع أهوائه، يتخلى الله عنه، ويكله إلى نفسه وشياطينه، وتقدم في الآية 25 من فصلت.

(37): ﴿وَإِنَّهُمْ: أي قرناء السوء ﴿لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ: طريق الهدى والحق.

(38): ﴿حَتَّى إِذَا جَاءنَ: الذي اتبع هواه وشيطانه، ورأى عذاب الخزي والهوان قَالَ: لمن ضلله وأفسده: ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ: كناية عن أبعد الأمكنة وأقصاها ﴿فَبِئْسَ الْقَرِينُ: كنت والخدين.

(39): ﴿وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ: أنفسكم ﴿أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ: قد يتعزى الإنسان في مصابه حين يرى مصيبة غيره في الحياة الدنيا، أما في عذاب الآخرة فلا تصبُّر وعزاء.

(40): ﴿أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ: لمن تنادي، وتنير السبيل؟ ولا سميع وبصير.

(41): ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ: يا محمد إلى الرفيق العلى قبل أن ننتقم من المجرمين ولا بد من الإشارة إلى أن (إما) هنا ليست أداة تفصيل مثل إما شاكرًا وإما كفورًا، بل هي كلمتان: ال الشرطية وما الزائدة ﴿فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ: من بعدك.

(42) - (43): ﴿أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ: أي وإن بقيت حيًا يا محمد أظهرك الله عليهم، وأخضعهم لأمرك مرغمين، وهذا ما حدث بالفعل حيث دخل الرسول مكة فاتحًا، واستسلم له عتاتها.

(44): ﴿وَإِنَّهُ: أي القرآن ﴿لَذِكْرٌ لَّكَ: يا محمد ﴿وَلِقَوْمِكَ: العرب حيث رفع من شأنهم، ونشر سلطانهم ولغتهم في شرق الأرض وغربها.

(45): ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ... : جميع الأنبياء والرسل دعوا إلى ما دعا إليه محمد، ونهوا عما نهى فعلام أيها المعاندون تعلنون الحرب عليه وعلى دعوته؟.

(46) - (47): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى: هذي هي المرة السادسة عشرة التي تتكرر فيها قصة موسى، وتأتي أيضًا وتكلمنا فيما سبق عن السبب الموجب لهذا التكرار عند تفسير الآية 9 من طه، والآن نعطف على ما تقدم هذا السبب على سبيل الإحتمال، وهو أن اليهود كانوا يجاورون محمدًا (ص) في المدينة، وقد عانى الكثير من مكرهم وغدرهم، فذكرهم سبحانه بهذا التكرار والتوكيد أن محمدًا تمامًا كموسى في دعوته وأهدافه، فكيف تكفرون به، وأنتم على دين موسى كما تزعمون؟.

(48): ﴿وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ: من آيات العذاب كالجراد والقمل والضفادع ﴿إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَ: أبلغ وأشد عذابًا من التي قبلها ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ: عن الضلال إلى الهدى.

(49) - (50): ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ: يعنون موسى ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ: من كشف العذاب عمن اهتدى ﴿إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ: أخذهم سبحانه بالعذاب، فاستغاثوا بموسى، وعاهدوا أن يتوبوا إن كُشف العذاب، ولما كشفه عنهم إذا هم ينكثون.

(51): ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْر... : يضحك على ذقونهم، ويلعب بعقولهم بواسع الملك وسلطة الحكم.

(52): ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَ: من موسى ﴿الَّذِي هُوَ مَهِينٌ: حقير لفقره ﴿وَلَا يَكَادُ يُبِينُ: لا يفصح ولا يوضح عما يريد.

(53): ﴿فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ: قال المفسرون، جرت قوم عادة قوم فرعون إذا اختاروا رئيسًا لهم أن يسوروه بسوار من ذهب ﴿أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ: به لا يفارقونه تمامًا كالرجل العظيم مع حاشيته.

(54) - (56): ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ: بأسورة من ذهب وما إليها من مظاهر وأكثر القادة في عصرنا حماة ألقاب ومظهر خلاب، دينهم إعلان، وإصلاحهم كلام بكلام ﴿فَلَمَّا آسَفُونَ: أغضبونا حقت كلمة العذاب على المجرمين ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفً: السابقين إلى الجحيم ﴿وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ: عبرة وعظة لمن يأتي بعدهم.

(57): ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ: بكسر الصاد بمعنى يصيحون ويصخبون، وضرب مبني للمجهول، والمراد بقومك قريش، والمعنى كما في جوامع الجامع (لما نزل قوله تعالى: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم-98 الأنبياء قيل لرسول الله: ألست تزعم أن عيسى نبي؟ فإن كان هو في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا في النار، فثار لقريش جلبة وضجيج فرحًا وجدلًا وضحكًا) وفي بعض الروايات أن النبي (ص) قال للمعترض ما أجهلك بلغة قومك؟ أما فهمت أن (ما) لما لا يعقل؟.

(58): ﴿وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ: أي عيسى، انه خير منها عندك، فعلام إذن تنكر علينا عبادة الأصنام؟﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلً: ما نقضوا واعترضوا بعيسى إلا تهربًا من الحق، وإلا فهم يعلمون أن المراد من (وما يعبدون) أصنامهم بالخصوص ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ: يبالغون في اللجاج والخصومة بالباطل.

(59): ﴿إِنْ هُو: عيسى ﴿إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ: بالنبوة ﴿وَجَعَلْنَاهُ مَثَلً: آية على قدرة الله وعظمته.

(60): ﴿وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم: أي بدلكم أيها المشركون ﴿مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ: أي يخلفونكم فيها.

(61): ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ: الضمير في أنه للقرآن، والمراد بالعلم هنا الكشف والبيان، والمعنى أن القرآن يلقي الأضواء على يوم القيامة، أحواله وأهواله، وما أعدَّ الله فيه للمطيعين من نعيم، وللعاصين من جحيم، وأيضًا يقف طويلًا مع الذين أنكروا البعث، ويذكر أقوالهم، ويجادلهم فيها أشد الجدال ﴿فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَ: لا شك في وقوع الساعة.

(62): ﴿وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ: عن الإيمان بالقرآن والبعث.

(63): ﴿وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ: بالمعجزات الدالة على نبوته ﴿قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ: بدين الله وشريعته ﴿وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ: كالأحكام الدينية. أما الشؤون الدنيوية كالزراعة والصناعة والتجارة فارجعوا فيها لأهل الخبرة والإختصاص.

(64): ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ: وما أنا إلا عبد من عباده أخاف منه أكثر مما تخافون.

(65): ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ: اختلف اليهود في عيسى(ع)، ثم اختلف النصارى في طبيعته هل هي واحدة أو أكثر ﴿فَوَيْلٌ: لليهود الذين قالوا: هو ابن زنا، وللنصارى الذين قالوا: هو الله أو ابنه.

(66): ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً: هذا تهديد لليهود والنصارى معًا، وتقدم ما قيل حول عيسى(ع) مرات، منها في الآية30 من التوبة.

(67): ﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ: كل الصداقات والعلاقات تتبخر يوم القيامة، وتذهب مع الريح إلا ما كان منها للتعاون على الخير والصالح العام، ولهؤلاء يقول سبحانه غدًا:

(68): ﴿يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ: لأنكم في دار السلام والراحة.

(69): ﴿الَّذِينَ آمَنُو: وعملوا بموجب إيمانهم وإسلامهم.

(70): ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ: الصالحات ﴿تُحْبَرُونَ: تسرون بلطف الله وضيافته.

(71) - (73): ﴿يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ: جمع صحفة وهي الآنية ﴿وَأَكْوَابٍ: جمع كوب وهي الكوز أو ما أشبه ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ: لا حد لخزائن الله ولا نهاية، وهي في تصرف أهل الجنة كعيال الرجل الغني يطلق لهم العنان فيما يشتهون بلا قيد أو شرط، وإن بعد التشبيه.

(74) – (76): ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ: لما ذكر سبحانه سعادة الصالحين أشار إلى المجرمين، وأنهم في عذاب دائم يزيد ولا يخف، ويستمر ولا ينقطع ﴿وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ: آيسون من النجاة.

(77) - (78): ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ: يطلبون الرحمة بالإعدام بدلًا من السجن المؤبد في قعر جهنم ﴿قَالَ: مالك: شاء الله تعالى أن لا يقضي عليكم فتموتوا وأن لا يخفف عنكم العذاب، دعوناكم إلى الفوز بالجنان والنجاة من الهلكة، فرفضتم، فلا يلومن من أساء إلى نفسه إلا نفسه.

(79) - (80): ﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ: دبروا وأبرموا الكيد والمكر لرسول الله، فنقض سبحانه ما دبروا وأبرموا.

(81) - (83): ﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ: نحن مع الدليل، فهو ضالتنا ندين بموجبه أنى كان ويكون، ولا دليل على هذا، بل قام على الضد والعكس.

(84): ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ: الله وحده إله الكون وخالقه بأرضه وسمائه ومدبره بعلمه وحكمته.

(85): ﴿وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: تقدس سبحانه وتنزه عن الولد، ولماذا الولد وهو خالق الكون بكلمة (كن) ﴿وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ: فيجزي الذين جعلوا له ولدًا بما يستحقون.

(86): ﴿وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ: المشركون عبدوا الأصنام لتشفع لهم عند الله، فقال سبحانه: كلا، لا شفاعة عنده لصنم ولا لمن يدين به، ولكن يشفع عنده من آمن بالتوحيد وعمل بموجب إيمانه، والشفاعة بمعناها القرآني، هي أن يشهد الشافع عند الله بأن المشفوع له قد فعل كذا وكذا من الخيرات والحسنات، على أن تكون هذه الشهادة عن علم اليقين، وهذا المعنى يدل عليه بوضوح قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.

(87): ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ... : تقدم مرارًا منها في الآية 9 من هذه السورة.

(88): ﴿وَقِيلِهِ: مصدر تمامًا كالقول، الضمير يعود إلى النبي(ص): ﴿يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء: القوم الذين بعثني إليهم لم يستجيبوا لدعوتي، فأجابه سبحانه بقوله:

(89): ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ: تألفهم بالعفو ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ: ما يحل بهم حين يلقون جزاءهم المحتوم.


* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.

2015-12-10