يتم التحميل...

سورة الدخان

تفسير الكتاب المبين

سورة الدخان

عدد الزوار: 21

(1): ﴿حم: تقدم في أول البقرة.

(2): ﴿وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ: الواضح.

(3): ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ: وإذا قرأنا هذه الآية معطوفة عليها آية (إنا أنزلناه في ليلة القدر) وآية (شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن – 185 البقرة) تبين لنا أن هذه الليلة المباركة بنزول القرآن هي ليلة القدر، وإنها أحدى ليالي شهر رمضان المبارك.

(4): ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ: يفرق يبين، وضمير فيها لليلة القدر، وحكيم: محكم، وكل أمر هنا وفي سورة إنا أنزلناه يعم ويشمل كل شيء، ونسكت عن التفصيل الذي سكت عنه التنزيل.

(5) – (7): ﴿أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ: أرسل سبحانه محمدًا رحمة للعالمين كما في الآية 107 من الأنبياء، ورحمة محمد (ص) من رحمة القرآن التي عمَّت الأرض شرقًا وغربًا ﴿إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ: إن كانت لكم عقول تؤمن وتوقن بالحق ودلائله القائمة في كل شيء من أشياء الكون.

(8): ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ: بيده أرزاق الخلائق وأرواحهم ولا أحد يهب الحياة ويسلبها إلا هو ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ: فكيف تلجأون إلى غيره.

(9): ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ: وكلمة يلعبون تومئ إلى أن من يدَّعي الإيمان بالله، ويتكل على من سواه فهو غير واثق من خالقه تمامًا كمن يلهو بشيء وهو على علم بأنه لا يجدي نفعًا.

(10) – (11): ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ: استعصت قريش على رسول الله (ص) وبالغت في إيذاءه، فدعا عليهم وقال: اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف. فاستجاب سبحانه، وقطع عنهم المطر، وأصابهم الجهد والجوع، وكان أحدهم لما به من الجوع يرى بينه وبين السماء كالدخان، وإلى هذا تشير الآية، فقالوا:

(12): ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ: وتشفعوا برسول الله وناشدوه أن يدعو الله أن يكشف العذاب ويؤمنوا.

(13): ﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ: كيف يتعظون ويرتدعون إن كشف الله عنهم العذاب، وقد أصروا على الشرك وتكذيب الرسول مكابرة وعنادًا.

(14): ﴿ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُو: عن الرسول: ﴿مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ: يتعلم ويحفظ بعض الكلمات، وينطق بها من غير فهم وشعور.

(15): ﴿إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ: سنرفع عنهم ما هم فيه بعض الوقت، ونحن نعلم أنهم ناكثون بالعهد لا محالة.

(16): ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى: هذا إنذار بعذاب يوم القيامة إلا أن يستدركوا بالاستغفار والتوبة.

(17): ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ: اختبرهم سبحانه بالنعماء والبأساء وبموسى (ع) تمامًا كما اختبر قريشًا بالرخاء والضراء وبمحمد (ص) فتمرد هؤلاء وأولئك، وقال موسى لفرعون وقومه:

(18): ﴿أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ: ما لكم ولبني إسرائيل؟ تقتلون أبناءهم، وتستحيون نساءهم، دعوهم إني لكم من الله رسول أمين.

(19) – (20): ﴿وَأَنْ لَّا تَعْلُو: وتستكبروا على طاعة الله، ولدي الحجة الظاهرة الواضحة على أني رسول الله حقًا وصدقًا.

(21): ﴿وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي: فليكن الأمر بيني وبينكم على السلم حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.

(22) – (23): ﴿فَدَعَ: موسى ﴿رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ: فأمره سبحانه أن يخرج ببني إسرائيل، وقال له من جملة ما قال:

(24): ﴿وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوً: ساكنًا، لأن موسى لما تجاوز البحر أراد أن يضربه بعصاه حتى يحول بينه وبين فرعون فأمره سبحانه بتركه على حاله ساكنًا، وبشره بأن فرعون وقومه مغرقون فيه.

(25) – (28): ﴿كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ... : كان آل فرعون في سلطان وبذخ وقصور وأنهار وثمار، فأهلكهم سبحانه، وأورث ما كانوا فيه لقوم لا يمتون إليهم بسبب ولا نسب.

(29): ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ: لا أحد تألم وتأسف لموتهم وهلاكهم ﴿وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ: ما أخر سبحانه عذابهم إلى يوم القيامة.

(30) – (31): ﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ: من طغيان فرعون وعذابه.

(32): ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ: أبدًا ليس في خلق الرحمن من تفاوت وتفاضل بنص القرآن الكريم في العديد من آياته، ومنها (إن أكرمكم عند الله أتقاكم – 13 الحجرات) وعليه يكون المعنى أن الله سبحانه أنعم عليهم بالعديد من الآيات والمعجزات كفلق البحر وتضليل الغمام والمن والسلوى وما أشبه، والدليل على ذلك قوله تعالى بلا فاصل:

(33): ﴿وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاء مُّبِينٌ: أي الاختبار بالإنعام عليهم لتظهر أفعالهم شكرًا أو كفرًا، وقد ظهرت في البغي والضلال والغدر والفساد حتى لعنهم الله وغضب عليهم، جعل منهم القردة والخنازير، كما تقدم في العديد من الآيات.

(34) – (35): ﴿إِنَّ هَؤُلَاء: إشارة إلى مشركي مكة وغيرهم من عرب الجاهلية ﴿لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى: الأصول الأساسية لعقيدة الإسلام ثلاثة: التوحيد وبنبوة محمد، والبعث، وكان عرب الجاهلية يعترفون بمن خلق السموات والأرض، وينكرون التوحيد، ولذا تعجبوا واستغربوا أن يجعل محمد الآلهة إلهًا واحدًا، وفي الآية 25 من لقمان وغيرها: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) ولكن إنكارهم للبعث كان أشد بكثير من الجحود بالتوحيد لما رفع في تصورهم من استحالة الحياة بعد الموت وكان الكثير من المشركين على أتم الاستعداد أن يتخلوا عن الأصنام وعبادتها ويؤمنوا بنبوة محمد (ص) ولا أنه جمع في دعوته بين التوحيد والبعث، وأبى أن يفصل بينهما، وهنا يكمن السر في تكرار آيات البعث بأساليب شتى، وألوان من الجدل والاحتجاج بين القرآن والمشركين ومن ذلك هذه الآية.

(36): ﴿فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ: وهذه مغالطة واضحة، لأن البعث والإعادة في الآخرة لا في الحياة الدنيا.

(37): ﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ: كان للتبابعة دولة وصولة في اليمن، ولما عتوا عن أمر ربهم أخذهم بالهلاك والدمار.

(38): ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ: كيف والحكيم متنزه عن الباطل والعبث؟.

(39): ﴿مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ: أي أن السموات والأرض بما فيهما من نظام وإحكام يشهدان شهادة صدق وعدل بقدرة الخالق وعظمته.

(40): ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ: يوم القيامة هو الموعد لمحاكمة المجرمين.

(41): ﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى: قريب عن قريب.

(42): ﴿إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ: والله أعلم حيث يجعل رسالته.

(43): ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ: ثمرها مقيت، وسم مميت.

(44): ﴿طَعَامُ الْأَثِيمِ: من كثرت آثامه.

(45) – (46): ﴿كَالْمُهْلِ: خثارة الزيت ﴿يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ: شديد الحرارة.

(47): ﴿خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ: يأمر سبحانه زبانية جهنم أن يسوقوا الأثيم بقسوة وعنف إلى قلب جهنم.

(48): ﴿ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ: (دوش) جهنمي يفري الجلد، ويذيب اللحم، ويهشم العظم.

(49): ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ: صاحب الجلالة والفخامة والسيادة والمعالي (والهر والسنيور).

(50): ﴿إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ: تشكون وتنصرفون مسترسلين مع طموح الميول وجموح الأهواء آمنين من كل حساب. هذي هي عاقبة الطغاة المجرمين أما مصير الأحرار الطيبين فقد أشار إليه سبحانه بقوله:

(51): ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ: أبدًا لا شيء يكدر العيش، ويزعج القلب..

(52): ﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ: يتنعمون فيها كما يشاءون.

(53) – (55): ﴿يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ: حرير رقيق ﴿وَإِسْتَبْرَقٍ: حرير سميك سماوي لا أرضي، ويتمتعون بالحور العين، وبالخلود في السعادة والهناء.

(56) – (57): ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى: هذا الاستثناء منقطع، والمعنى لا موت لأهل الجنة إطلاقًا، ولا سقم وهرم أبدًا، وفوق ذلك لا ثقل دم وإزعاج.

(58): ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ: أنزل سبحانه القرآن بلسان العرب سهلاً يسيرًا، ليفهموه ويعلموا بأحكامه وتعاليمه.

(59): ﴿فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ: انتظر يا محمد، فسيعلم الذين اتخذوا هذا القرآن مهجورًا ماذا يحل بهم من خزي وهوان، وفي سفينة البحار عن رسول الله (ص) أنه قال: (يأتي زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه، ولا من الإسلام إلا اسمه، يمسون به، وهم أبعد الناس عنه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى)


* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.

2015-12-10