يتم التحميل...

سورة الحجرات

تفسير الكتاب المبين

سورة الحجرات

عدد الزوار: 23

(1): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: لا تسرعوا إلى قول أو فعل يتصل بالدين حتى تسألوا عنه النبي الكريم.

(2): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ: رفع الصوت بلا ضرورة غير مستحسن بخاصة في محضر العظماء، والنبي أشرف الخلق أجمعين ﴿وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ: لا تخاطبوا النبي كما يخاطب بعضكم بعضًا، ومن يفعل ذلك تبطل عبادته وحسناته.

(3): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى: أخلصها للعمل الصالح، وفي الحديث، لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه.

(4): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ: كان بعض الأعراب يقفون أمام بيت النبي وينادون: يا محمد اخرج إلينا، وفي هذا ما فيه من الجفاء وقلة الحياء، فلقنهم سبحانه هذا الدرس: (لا يعقلون) كيلا يعود إلى مثلها.

(5): ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ: لا من أجلهم بل لغايتك ﴿إِلَيْهِمْ: أي يرونك عند خروجك، ويقولون ما يشاءون ﴿لَكَانَ: الصبر ﴿خَيْرًا لَّهُمْ: أجرًا لهم وتعظيمًا لرسول الله (ص).

(6): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ: تدل هذه الآية بصراحة على حرمة الأخذ بقول الفاسق دون التمحيص والتثبت من صدقه خوفًا من الوقوع فيما لا تحمد عقباه كالإضرار بالآخرين، واستدل بهذه الآية جماعة من العلماء على وجوب الأخذ بقول الثقة بلا شرط البحث عن الصدق، وأثبتنا في كتاب علم أُصول الفقه في ثوبه الجديد أن هذه الآية تدل على النهي عن اتباع سبيل المفسدين وكفى.

(7) – (8): ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ: أي لوقعتم في الحرج والمشقة، والمعنى الأخص والأدق لهذه الآية الكريمة: عليكم أن تطيعوا الرسول لا أن يطيعكم وإلا كنتم الرسول وكان المرسل إليه ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ: بسهولته ويسره، والدعوة إليه بالحكمة، والترغيب فيه بالموعظة الحسنة، والجزاء عليه بعظيم الأجر والمثوبة ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ:بالنهي عنه، والتحذير منه، والتهديد عليه ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ: كل محب للخير وكاره للشر فهو مهتد وراشد.

(9): ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَ: الخطاب لجميع المؤمنين على الكفاية، لأن عقيدة الإيمان تجعل المؤمنين أُمة واحدة كيانًا ومصلحة ومصيرًا، فإذا حدث خصام بين فئتين منهم فعلى الآخرين أن يتلافوا ذلك، ويصلحوا بينهما على أساس العدل حرصًا على مصلحة الجماعة، وفي الحديث:إصلاح ذات البين أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ﴿فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ: إن أبت إحدى الفئتين المتقاتلتين الرضوخ للحق بالحسنى، وأصرت على العدوان فعلى المؤمنين الآخرين أن يحملوا الفئة المظلومة من الظالمة، فإن لم ترتدع إلا بالقوة قاتلوها في حدود الدفاع المشروع.

(10): ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ: من حيث انتسابهم إلى عقيدة واحدة تثير اهتمام الجماعة بالفرد والفرد بالجماعة ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ: لأن الأخوة الإنسانية والدينية تفرض هذا الصلح وتحتمه ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ:في التهاون بالصلح والانحياز لفئة بغير حق ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ: بمنع الشر والفساد من أن يعم ويشمل.

(11): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ... : لا يسخر بعض الرجال من بعض ولا بعض النساء من بعض، فربما كان المسخور منه أتقى عند الله وأبر من الساخر، هذا إلى أن من سخر من الأبرياء فهو ظالم وسفيه، وقد هدده الله بأشد العقوبات، من ذلك: (فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم – 79 التوبة) ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ: اللمز: العيب، والمعنى لا يطعن بعضكم بعضًا، ويذكره بمكروه ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ: التنابز: التعاير، أي لا يخاطب أحدكم أخاه بلقب يكرهه، ولا بأس بلقب أعرج وأحدب وما أشبه لمن اشتهر بذلك مع عدم قصد النقص والاستخفاف ﴿بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ: من عاب آخر بما يكره يصير فاسقًا بعد أن كان مؤمنًا.

(12): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ: من أحسن الظن بإنسان فلا بأس عليه وإن أخطأ، قال الرسول الأعظم (ص): ظنوا بالمؤمنين خيرًا ومن أساء به الظن أيضًا لا بأس عليه وإن كان مخطئًا في ظنه حيث لا حرية للإنسان في ظنونه وتصوراته، أجل عليه أن لا يعول على سوء الظن ولا يرتب عليه أي أثر في قول أو فعل وإلا استحق الذم والعقاب، وفي الحديث: (إذا ظننت فلا تحقق) ولم يقل: لا تظن لأنه تكليف بما لا يطاق تمامًا كما لو قال: لا تتصور ﴿وَلَا تَجَسَّسُو: التجسس: تتبع العورات والعثرات والبحث عنها في الخفاء – غالبًا – وهو محرَّم كتابًا وسنة وعقلاً وإجماعًا، قال رسول الله (ص): (من اطلع عليك فحذفته بحصاة ففقأت عينيه فلا جناح عليك) ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ: إذا ذكرت شخصًا معينًا بما يكره وكان فيه ما تقول، فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول، فقد بهته. والبهتان أعظم جرمًا من الغيبة، وقد شبَّه سبحانه من استغيب بالميت لأنه غائب، وشبَّه عرضه بلحمه، وقول السوء فيه بالأكل والنهش، أما معنى فكرهتموه فهو إذا أنفقتم من أكل لحم الميت فينبغي أن تأنفوا أيضًا من غيبة الغائب، لأنها من باب واحد.

(13): ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ: ليست هذه الآية من آيات الأحكاموالتشريع، لأنها لم تأت بجديد يمكن وضعه أو رفعه، وإيجاده أو نفيه، وإنما هي تحكي وتعبِّر عن المساواة الطبيعية الحتمية بين الناس، كل الناس، على صعيد الحقوق والواجبات، أجل أن القرآن الكريم ألبسها ثوب الدين لتكون هذه المساواة قدسية وحصانة حتى لا يجرأ على التلاعب بها عابث ومنحرف أما قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ: فمعناه أن من آمن بالله وائتمر بأمره، وانتهى بنهيه فهو أكرم وأعظم عنده تعالى ممن كفر به أو آمن ولكن تجاوز الحدود: أما الناس فلا يفضلون أحدًا على غيره إلا أن يقدم عملاً ينتفع به الفرد والجماعة كائنًا من كان العامل المحسن ومن هنا اشتهر على ألسنتهم: الدين لله، والوطن للجميع.

(14): ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَ: جاء في الحديث: (الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان) أما شرط العمل فلأن الإيمان عمل كله ولا إيمان بلا عمل، وأما الإقرار باللسان فلكي يجري عليه حكم الإسلام، ولوجوب الذكر في الصلاة، أما الإسلام فهو دخول في سلم المسلمين وخروج من حربهم بإظهار الشهادتين: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) بصرف النظر عما في القلب، ومعنى هذا أن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا، قال الإمام عليّ (ع): المؤمن إذا نظر اعتبر وإذا سكت تفكر، وإذا تكلم ذكر، وإذا استغنى شكر، وإذا افتقر صبر ﴿وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَ: لسبب أو لآخر ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ: ومن هؤلاء الذين يتخذون من الدين حرفة يعيشون بها ومنها ﴿لَا يَلِتْكُم: لا ينقصكم من ثواب أعمالكم سيئًا.

(15): ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ: ويستجيبون لما يدعون إليه بلا شك وتردد، وبلا تطبيل وتزمير وهتاف وتصفيق.

(16): ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ: وهذا التوبيخ يعم ويشمل الذين يهللون ويسبحون في مكبرات الصوت، كأن الله أصم! تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.

(17): ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُو: يستحيل أن يمنوا لو ذاقوا حلاوة الإسلام والإيمان، إن المؤمن حقًا يتجاهل ويتنكر لو نسبت إليه كرامة، وسلام على من قال: اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون ﴿قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم: من عمل صالحًا فلنفسه ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ: بالإرشاد إليه، والترغيب فيه لا لشيء إلا لخيركم وصالحكم، هذا إن كنتم حقًا من المؤمنين وإلا فلعنة الله على الكاذبين.


* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.

2015-12-10