يتم التحميل...

سورة التحريم

تفسير الكتاب المبين

سورة التحريم

عدد الزوار: 31

(1): ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ: كان النبي (ص) مع زوجاته كأفضل ما تكون الحياة الزوجية. ومن أقواله: (خيركم خيركم لأهله... ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهنَّ إلا لئيم).وقيل: إن النبي (ص) حرم العسل على نفسه، لأنه شرب عسلاً عند زوجته زينب فتواطأت حفصة وعائشة أن يقولا له حين يدخل عليهما: نشم منك ريح مغافير، وهي صمغة حلوة الطعم ولكنها كريهة الرائحة، فدخل على حفصة فقالت له ذلك، فقال لها: شربت عسلاً عند زينب، واستكتمها تحريم العسل على نفسه، ولكنها أخبرت عائشة، ولما دخل على عائشة قالت له مثل ما قالت حفصة، فنزلت الآية، قال الشيخ الطبرسي: (والمعنى لِمَ تطلب مرضاة نسائك فهن أحق بطلب مرضاتك... ويمكن أن يكون العتاب على ترك الأفضل والأولى).

(2): ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ: المراد بالتحلة الكفارة، وبها يتحلل المرء عما كان عزم عليه، وتقدم الكلام عن كفارة اليمين في تفسير الآية 89 من المائدة.

(3): ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثً: وهي حفصة التي استكتمها النبي تحريم العسل على نفسه﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ: أفشت حفصة سر النبي على الرغم من وصيته لها بالكتمان، ولما أذاعت وأفشت أخبر الله نبيه الكريم بخبرها، فأطلعها النبي على بعض ما أفشت، وأعرض عن بعضه رفقًا بها ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَ: سألته عن المخبر ﴿قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ: الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

(4): ﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَ: صغت: مالت إلى السداد والرشاد، والخطاب لعائشة وحفصة، يأمرهما سبحانه أن يتوبا من تواطئهما على رسول الله (ص) ﴿وَإِن تَظَاهَرَ: أي أن تتظاهر عائشة وحفصة وتتعاونا على الإساءة إلى رسول الله (ص) ﴿عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ: ناصره ﴿وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ: أي معين، وتسأل: وما شأن عائشة وحفصة حتى حشد سبحانه عليهما قوة السماء والأرض؟ الجواب: ليس المراد بهذا التهديد عائشة وحفصة، وإنما المقصود التنويه بعظمة الرسول وأنه في حصن حصين من الله وملائكته وصالح المؤمنين.

(5): ﴿عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا... : أي ولتعلم كل واحدة منكن يا نساء النبي أن الرسول الأعظم أو طلقكن بالكامل لأبدله الله خيرًا منكن جمالاً ودينًا وإخلاصًا، ثيبات إن شاء، وإن شاء أبكارًا أو هما معًا.

(6): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارً: اتقوا معاصي الله وعذابه الشديد الأليم بفعل الواجبات وترك المحرمات، وخذوا أولادكم بالتعليم والتمرين على فرائض الدين وآدابه، وفي الحديث الشريف: (الولد سيد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين، فإن رضيت أخلاقه لإحدى وعشرين سنة وإلا فاضرب جنبه فقد أعذرت إلى الله تعالى) والمراد بالوزير هنا أن يكون في خدمة أبيه وملازمًا له.

(7): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ: لا حميم يشفع يوم القيامة، ولا معذرة تدفع.

(8): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا... : وهي أن يرجع التائب من ذنبه إلى الله بصدق وإخلاص، فيرجع سبحانه إليه بالعفو عن السيئات والبشرى بعيون وجنات ﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ: أي أن الخزي والهوان لأعداء النبي أهل المخازي والرذائل، أما النبي وأصحاب المحامد والفضائل فلهم الدرجات العلى لأن الجزاء من جنس العمل عند الحق وأهله ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: لأنهم كانوا في الحياة الدنيا نورًا يُهتدى به في الظلمات، وتقدم في الآية 12 من الحديد.

(9): ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ: قانون تنازع الوجود والبقاء بين المحقين والمبطلين والهداة والطغاة – حتم بحكم الطبيعة والبديهة تمامًا كقتال المتحاربين، كلٌّ يريد القضاء على الآخر، قال سبحانه مخبرًا نبيه الكريم عن عتاة الشرك والجور: (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبون فيكم إلاً ولا ذمة – 8 التوبة) أي عهدًا ولاحقًا، وعلى هذا الأساس أمر سبحانه المسلمين بجهاد الكفار والمنافقين، على أنه، تقدست كلمته، قال في الآية السابقة من التوبة (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم – 7 التوبة).

(10): ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ: ضرب سبحانه مثلين، يتعظ بهما كل عاقل: الأول امرأة نوح وامرأة لوط، كفرت كل واحدة من هاتين بزوجها ونبوته، وكانت الأولى تنعته بالجنون والثانية تدل الكفرة والفجرة على أضيافه ليفجروا بهم، وهذي خيانتهما هي التي أشار إليها سبحانه بقوله: ﴿فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئً: أخذهما سبحانه بأشد العذاب، وما دفع الزواج بالطهر والقداسة عنهما شرًا ولا جلب لهما خيرًا.

(11): ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ: هي آسية بنت مزاحم، آمنت بالله وكفرت بزوجها فرعون، فهددها بالقتل فآثرت جوار الله في بيت من صنع الله، فاستجاب لها ورحب بها، وأعد لها أجرًا كريمًا، فما ضرها إن كانت زوجة أعتى أهل الأرض، وما نفع امرأة نوح أو لوط أنها زوجة خير الناس..

(12): ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَ: كناية عن طهرها ونزاهتها مما رماها اليهود من البغاء والفجور ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَ: المراد بالنفخ هنا من روحه تعالى أنه منح الحياة للسيد المسيح تمامًا كما منحها لآدم: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي – 29 الحجر) وفي إنجيل متى الإصحاح الأول: أن مريم كانت مخطوبة ليوسف النجار، ولكنها ظلت عذراء حتى بعد ولادة يسوع.


* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.

2015-12-10