يتم التحميل...

سورة الجن

تفسير الكتاب المبين

سورة الجن

عدد الزوار: 27

(1): ﴿قُلْ: يا محمد ﴿أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ: الجن حقيقة واقعة، لأن الوحي أثبته، والعقل لا ينفيه، إن قال قائل: العلم الحديث لم يثبت الجن. قلنا في جوابه: وهل في العلم الحديث ما ينفيه؟ إن هذا العلم يعتمد الحس والعيان، ولا شيء في القرآن أو السنة يقول بالعبارة والإشارة، إن أنسانًا رأى الجن، بل هذه تشير إلى أن النبي ما رأى الجن، ولا عرف أن نفرًا منهم يستمعون إليه إلا بوحي من الله. وقال الشافعي: من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته ﴿فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبً: في بلاغته وهدايته.

(2): ﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ: إلى الحق والعدل والإسلام والحرية، إلى حياة لا جور فيها ولا جهل ولا فقر ﴿فَآمَنَّا بِهِ: وهل من إنسان حقًا وواقعًا لا يؤمن بالإنسانية؟ ﴿وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدً: لا عظيم سواه، بيده ملكوت كل شيء، وهو على كل شيء قدير.

(3): ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَ: أي تعالى جلاله وكماله عن الصاحبة والولد.

(4): ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطً: بعيدًا عن الحق والواقع، وإضافة السفيه إلى الجن تومئ إلى أنه كان فيهم من يفتري على الله كذبًا.

(5): ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبً: كان قادة الجن يدعون الأتباع إلى الشرك فيشركون إيمانًا منهم بأن ما من أحد يقول على الله بغير الحق.

(6): ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ: المراد برجال الإنس الجهلة البسطاء، والمراد برجال الجن المشعوذون الدجالون الذين يزعمون أنهم يسخِّرون الجن فيما يريدون، والمعنى أن السذج من الناس كانوا يستجيرون بالدجالين ليدفعوا غائلة الجن عنهم أو يتنبأوا بما يحدث لهم أو ما أشبه ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقً: حيث كان الدجالون يطلبون من البسطاء أجرًا يعجزون عن مثله.

(7): ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدً: ظن الجن – قبل رسالة محمد – أنه لا نشر ولا حشر. تمامًا كما ظن الإنس، وتقدم في الآية 29 من الأحقاف.

(8): ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسً: هذا اعتراف صريح من الجن بالعجز عن استراق السمع من السماء، وتقدم في الآية 18 من الحجر وغيرها.

(9): ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدً: تدل الآية بظاهرها أن الجن كانوا يصعدون إلى السماء لاستراق السمع، ثم منعوا من ذلك، ومن يحاول الآن أن يستمع يرجم بشهاب من نار.

(10): ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ... : هذا من كلام الجن، ومعناه كيف يظن الحمقى من الإنس أن عندنا علم الغيب وما يحدث لهم في المستقبل من خير وشر، ونحن نجهل ما يحدث لأنفسنا؟.

(11): ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدً: يحكي الجن عن أنفسهم أن منهم الصالح والطالح، وأنهم متفرقون طوائف ومذاهب تمامًا كالإنس.

(12): ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ: لما سمع الجن القرآن آمنوا بأن الله سبحانه لا يعجزه من طلب ولا يفوته من هرب.

(13): ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ: آمنوا بالقرآن بمجرد سماعه، لأنه يحمل في صلبه الدليل القاطع على صدقه ﴿فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسً: نقصًا ﴿وَلَا رَهَقً: ظلمًا لأنه تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

(14): ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ: جمع القاسط وهم المنحرف عن الحق، أما المقسط فهو العادل، والآية السابقة رقم 11 قسمت الجن إلى صالح وما دونه بالنظر إلى ما قبل الإسلام، والآية التي نحن بصددها قسمتهم إلى مسلم وقاسط بالنظر إلى ما بعد إسلام من أسلم من الجن.

(15): ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ: وهم الذين رفضوا الإسلام فمأواهم جهنم وبئس المهاد.

(16): ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقً: كثيرًا، والمراد به هنا الرخاء لأن الماء أصل الحياة، والمعنى لو أن الخلق عملوا بشريعة العدل والحق لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم كما في الآية 66 من المائدة.

(17): ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ: أي في الرخاء، والمعنى لنختبرهم في الغنى والرخاء: هل يتواضعون ويشكرون أو يتعاظمون ويطغون؟ ﴿وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدً: يدخله عذابًا أشد عليه من كل عذاب.

(18): ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ: بنيت المساجد للعبادة وما يُرضي الله من الأفعال وما عدا ذلك فله مكانه ومحله الخاص به.

(19): ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ: محمد ﴿يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدً: حين دعا رسول الله الخلق إلى الحق تظاهرت عليه أحزاب الضلال، وكادوا من كثرتهم يكونون كالشعر أو الصوف الذي تلبد بعضه فوق بعض، ويدل على إرادة هذا المعنى قوله تعالى بلا فاصل:

(20): ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدً: أعبد الله وأُخلص له دون سواه.

(21): ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدً: نفعًا، أنا بشر مثلكم وليس لي من الأمر شيء سوى التبليغ عن الله وكفى.

(22): ﴿قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدً: ملجأ وملاذًا.

(23): ﴿إِلَّا بَلَاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ: لا مفر لمحمد (ص) من غضب الله إذا هو قصَّر في تأدية الرسالة التي ائتمنه عليها. وهذه آية من عشرات الآيات التي تدل بصراحة على أن الإسلام يضع الإنسان أمام الله مباشرة يناجيه بما يشاء من غير وسيط روحي أو شخصي.

(24) – (25): ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدً: كان العتاة يعتزون بالمال والرجال، ويسخرون من المستضعفين الذين يعتزون بالله ورسوله، فقال سبحانه للساخرين: في غدٍ تعلمون من هو الأذل والأدنى، ومن هو الأعز والأعلى. أبدًا لا رافع لمن وضع، ولا واضع لمن رفع.

(26): ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدً: حين سمع المشركون العتاة قوله تعالى: فسيعلمون من أضعف ناصرًا، سألوا النبي (ص) متى هذا الوعد؟ قال لهم بأمرٍ من الله: لا أدري أقريب أم بعيد، لأن الله وحده هو الذي يعلم الغيب، ولا يُطلع عليه أحدًا.

(27): ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ: وما أخبرني متى تقوم القيامة ﴿فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدً: ضمير الغائب للرسول، والمعنى أن النبي حين يبلِّغ عب ربه يصونه سبحانه من كل شيء يمنعه عن تأدية الرسالة على وجهها سواء أكان هذا الشيء من الداخل كالذهول والنسيان أم من الخارج كتشويش الأعداء وأباطيلهم.

(28): ﴿لِيَعْلَمَ: الله سبحانه، والمراد بعلمه هنا وجود المعلوم وثبوته واقعًا ﴿أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ: أي أن الله سبحانه صان رسالات أنبيائه من التغيير والتحريف لكي يتم التبليغ ويتحقق كما علم الله وأراد، ولذا قال سبحانه بلا فاصل: ﴿وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ: علم سبحانه أن أنبياءه قد بلَّغوا رسالاته كما هي لم يُنقصوا منها أو يزيدوا فيها أو يبدلوا حرفًا بحرف وإلا تبطل حجج الله على العباد وبيناته ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدً: فكيف لا يحصي على رسله أقوالهم وأنفاسهم حين يبلِّغون رسالاته إلى عباده؟.


* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.

2015-12-10