يتم التحميل...

الحياء هو الدّين

زاد عاشوراء

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ لكلّ دين خُلُقاً وإنّ خُلُقَ الإسلام الحياء"

عدد الزوار: 325



عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ لكلّ دين خُلُقاً وإنّ خُلُقَ الإسلام الحياء"1.

الأخلاق حقيقة الإنسان وصورته النهائيّة:

تتكوّن شخصيّة الإنسان ممّا يمتلكه من صفات نفسيّة وأخلاقيّة، وبها يتميّز من غيره، فحقيقة كيان كلّ إنسان هي تلك المواصفات التي يُعرف بها، وهذا ما يبرز دور الأخلاق، حيث تدعو إلى تكوين الأخلاق الحميدة وترسيخها في النفس حتّى تكون الأفعال الصادرة عن الإنسان تلقائيّة أملتها تلك الملكات النفسانيّة التي لا تُسمَّى خُلُقاً ما لم تصبح مَلَكة، والملكات منها الحسن والممدوح ومنها القبيح والمذموم، ويقول علماء الأخلاق إنّ الملكات الأخلاقيّة هي التي تصنع صورة الإنسان الحقيقيّة والواقعيّة والتي ستظهر ويكون عليها الإنسان في برزخه وفي محشره، فقد جاء عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في رواية عن البراء بن عازب قال: كان معاذ بن جبل جالساً قريباً من رسول الله في منزل أبي أيوب الأنصاريّ فقال معاذ: يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ... فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "يا معاذ، سألت عن عظيم من الأمر ثمّ أرسل عينيه"، ثمّ قال: "يحشر عشرة أصناف من أمّتي أشتاتاً قد ميّزهم الله تعالى من المسلمين وبدّل صورهم، بعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير... فأمّا الذين بصورة القردة فالقتات من النّاس (النمّامون) وأمّا الذين على صورة الخنازير فأهل السحت..."2.

وذكر صلى الله عليه وآله وسلم غير هذين الصنفين، والمحصلّة أنّ الملكات الأخلاقيّة هي التي تكون معيار الصورة التي يحشر عليها النّاس وهذا من ألوان العذاب، ولذا على الإنسان أن يجاهد نفسه أوّلاً لتحصيل الملكات الحميدة ويواظب على جهاده، ثانياً حفظاً لهذه الملكات ويعمل على المراقبة لنفسه حتّى لا تتزلزل وتتبدّل.

العفّة والحياء ومكانتهما في بناء الشخصيّة:

أكّدت الروايات على وجود علاقة متينة بين الحياء والدّين، بل يمكن الاستكشاف من بعضها أنّ الحياء هو أساس الدّين. ومن هذه الروايات:

- عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "الحياء هو الدّين كلّه"3.

- عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا إيمان لمن لا حياء له"4.

- عن أحد الصادقين عليه السلام: "الحياء والإيمان مقرونان في قرن فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه"5.

وقد ذكر علماء الأخلاق أنّ الفضائل المتفرّعة عن العفّة ستّ وعشرون فضيلة ومنها الحياء والخجل، فالعفّة إحدى أمّهات الفضائل، ومن الفضائل المتولّدة منها الحياء، ومن الحياء - رغم تفرعه عن العفّة - يتولّد مجموعة من الفضائل جمعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث حيث قال: "أمّا الحياء فيتشعّب منه اللين، والرأفة، والمراقبة لله في السرّ والعلانية، والسلامة، واجتناب الشرّ، والبشاشة، والسماحة والظفر، وحسن الثناء على المرء في النّاس، فهذا ما أصاب العاقل بالحياء فطوبى لمن قبل نصيحة الله وخاف فضيحته"6.

الحياء من أي شيء؟

عن الإمام عليّ عليه السلام: "الحياء يصدّ عن فعل القبيح"7.

وقد أجمل الإمام عليّ عليه السلام ما يفترض أن يستحي منه الإنسان بوصفه بالقبيح، أي كلّ ما هو مستقبح سواء قبحه الشرع أو استقبحه العرف، فيشمل حينها كلّ حرام وكلّ منافٍ للآداب العامّة واللياقات الاجتماعيّة، وكلّ ما يخدش الذوق العامّ كرمي القذارات والتفوّه بالألفاظ القبيحة والفحش والسباب وكذلك التواجد في الأماكن التي تسقطه من أعين النّاس وتوجب سوء ظنّهم.

ممّن يجب أن نستحي؟

1- من الله تعالى:
إنّ الله حاضر ورقيب وشهيد على كلّ نفس وما تعمل بل وما تعتقد، بل وما تحدّث به النّفس نفسها وتضمره من ظنون ومشاعر، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر عليه أن لا يغفل عن حضور الله تعالى ومدى علمه به، وعليه أن يستحي من الله في الفعل، وحتّى خواطر الأذهان وحديث النّفس.

قال تعالى: ﴿وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ8.

قيل للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: أوصني، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "استحِ من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك"9.

2- من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام:
فعن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ أعمال العباد تعرض على نبيّكم كلّ عشيّة خميس فليستح أحدكم أن يعرض على نبيّه العمل القبيح"10.

وأمّا الأئمّة فعن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في قوله تعالى: ﴿...وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ... قال عليه السلام: "هم الأئمّة عليهم السلام"11.

3- الحياء من الملائكة:
عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ليستح أحدكم من ملكيه اللذين معه كما يستحي من رجلين صالحين من جيرانه وهما معه بالليل والنّهار"12.

4- الحياء من النّاس:
عن عليّ عليه السلام: "من لم يستح من النّاس لم يستح من الله سبحانه"13.

5 - الحياء من النّفس:
عن عليّ عليه السلام: "أحسن الحياء استحياؤك من نفسك"14.

بماذا نستحي أو كيف نستحي؟

بمعنى أنّه ما هي الأمور التي تصلح لتكون مانعاً من صدور القبائح منّا وبالتالي تكوّن مفردات للحياء؟

1- العفاف:
عن عليّ عليه السلام: "العفاف يصون النّفس وينزّهها عن الدّنيا".

2- غضّ البصر:
يقول تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ15.

عندما تنتشر عادة غضّ البصر تعظم في النفس وفي المجتمع قيمة المحرّمات، فلا تعود النساء متهتّكات بل ستغدو كلّ منهن مراعية للستر لا تبدي زينتها لكلّ ناظر.

3- الحياء في الستر:
ليس فقط على النساء وإنّما أيضاً على الرجال خصوصاً في بيوتهم وبين أبنائهم وبناتهم، وكذلك الشباب والإخوة أمام أخواتهنّ فعلى الجميع مراعاة الاحتشام في الثياب والملابس نساءً ورجالاً ذكوراً وإناثاً حتّى عن المماثل قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أيّها النّاس، إنّ الله يحبّ من عباده الحياء فأيّكم اغتسل فليتوار من النّاس فإنّ الحياء زينة الإسلام"16.

4- الحياء في القول:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله حرم الجنّة على كلّ فاحش بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه"17.

خاتمة: التفتوا إلى رقابة الله

إنّ الحياء والعفّة قوام الدّين وحياته وحياة الدّين في المجتمع وما نراه هذه الأيّام من ابتذال في الملبس، وكذلك ذلك الجلوس في الشوارع للرجال وغيره والتلفّظ بالألفاظ البذيئة والعبارات التي تخدش الحياء وما نراه من تبرّج للنّساء وأزياء لبعض المحجبّات مع ما يحصل على وسائل التواصل الاجتماعيّ ينبئ عن ضعف الحياء واستهانة الكثيرين منّا بالحدود الشرعيّة، فاتّقوا الله في كلامكم، وملبسكم وفي نظرات أعينكم، فالله على كلّ ذلك رقيب، وإذا كان الإنسان يتميّز من باقي الحيوانات بصفة الحياء فيا تُرى ما هي الصورة التي سيحشر عليها من لا حياء له؟!

* كتاب زاد عاشوراء، إعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- ميزان الحكمة، ج 1، ص 717.
2- بحار الأنوار، ج 7، ص 89.
3- ميزان الحكمة، ج 1، ص 717.
4- ميزان الحكمة، ج 1، ص 717.
5- بحار الأنوار، ج 78، ص 309.
6- بحار الأنوار، ج 1، ص 118.
7- ميزان الحكمة، ج 1، ص 717.
8- سورة ق، الآية 16.
9- مستدرك الوسائل، ج 8، ص 466.
10- وسائل الشيعة، ج 16، ص 113.
11- وسائل الشيعة، ج 16، ص 113.
12- ميزان الحكمة، ج 1، ص 719.
13- ميزان الحكمة، ج 1، ص 718.
14- ميزان الحكمة، ج 1، ص 719.
15- سورة النور، الآية 30.
16- مستدرك الوسائل، ج 1، ص 488.
17- مستدرك الوسائل، ج 9، ص 33.

2015-10-30