الشبهة الرابعة: ما الذي استفاده الحسين من الخروج لكربلاء والموت هناك؟
شبهات وردود حول عاشوراء
إن الإمام الحسين قام بثورة ضد الحاكم الظالم بنظر الشيعة، وهو يزيد بن معاوية، وقاتل حتى قتل هو ومن كان معه، مع أنه لم يكن يملك العدد والعديد.
عدد الزوار: 619
الشبهة الرابعة: ما الذي استفاده
الحسين من الخروج لكربلاء والموت هناك؟
إن قلت خرج ليثور على الظلم فسأقول لك: ولماذا لم يخرج أبوه علي بن أبي طالب على من
ظلموه؟ إما أن الحسين أعلم من أبيه أو أن أباه لم يتعرض للظلم أو أن علياً لم يكن
شجاعاً ليثور على الظلم.
ولماذا لم يخرج أخوه الحسن على معاوية بل صالحه وسلمه البلاد والعباد؟ فأي الثلاثة
كان مصيباً؟
وبعبارة أخرى فالمستشكل يقول:
إن الإمام علياً قد ظُلم برأي الشيعة؛ حيث يدعون أنه قد غصبت منه الخلافة ما يقارب
25 سنة ومع ذلك لم يقم بثورة ضد الخلفاء ولكنه سكت وصبر.
وإن الإمام الحسن قد ظُلم أيضاً برأي الشيعة، ومع ذلك قام بمصالحة معاوية بن أبي
سفيان، مع وجود العدد والعديد عند الإمام الحسن للقتال، بل وقام بتسليم معاوية
العباد والبلاد.
- وإن الإمام الحسين قام بثورة ضد الحاكم الظالم بنظر الشيعة، وهو يزيد بن معاوية،
وقاتل حتى قتل هو ومن كان معه، مع أنه لم يكن يملك العدد والعديد.
فأئمة الشيعة الثلاثة قد تعرضوا للظلم، ولكن واحد سكت، والثاني صالح، والثالث قاتل،
ولا يمكن أن يكون الثلاثة على حق مع كل هذا التناقض، فمن كان منهم محقاً ومن كان
منهم مخطئاً.
الجواب:
أولاً: إن هذا الكلام يدل على جهل السائل بمكانة ومنزلة تلك الشخصيات
الثلاثة عند الله تعالى ورسوله ، فإنه لو كان يعلم بمكانتهم فإني لا أعتقد أنه
سيبقى على موقفه، لأنه سيعني الجحود والبغض والكفر والنفاق، فلذلك يجب أن نوضح بشيء
مختصر مكانة هؤلاء الأئمة الثلاثة من خلال بعض ما ورد في حقهم، وبيان منزلتهم وذلك
بأسانيد صحيحة عند أهل السنة:
الحديث الأول: ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة حول نزول آية التطهير، حيث
قالت عائشة خرج النبي غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم
جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال:انما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا. 1_2.
فإذا علمنا بأن هؤلاء الثلاثة هم من الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم
تطهيراً، فكيف يمكن بعد ذلك توجيه هذا السؤال والإشكال؟ فهل يمكن أن يطهر الله
تعالى أشخاصاً يخطئون هكذا أخطاء فادحة؟ ألا تدل هذه الآية وبكل وضوح على عصمة من
نزلت في حقهم؟ كيف لا والله سبحانه يشهد ويقول إني طهرتهم وأبعدت عنهم كل رجس، فهل
يجتمع الخطأ مع شهادة الله تعالى وقوله ما قال في شأنهم ؟
فإن كان أحدهم مخطئاً، فكيف طهَّرهم الله جميعاً من الرجس تطهيراً؟! إذاً.. فيجب
على السائل أن يعتب على الله سبحانه وتعالى الذي حكم بطهارة غير الطاهرين من الرجس
بزعمه..
الحديث الثاني: حديث الغدير الذي أمر بالتمسك بالكتاب وبأهل البيت والذي
رواه مسلم أيضاً في صحيحه وغيره من كبار العلماء عند أهل السنة، وهو ما روي عن زيد
بن أرقم في حديث إلى أن قال«... قام رسول الله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً
بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال أما بعد ألا أيها الناس
فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب
الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه،
ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في
أهل بيتي..».3 .
فهذا رسول الله يأمر بالتمسك بأهل بيته كما يأمر بالتمسك بالقرآن الكريم، وكما أن
القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكذلك من هم في مرتبته لا
يأتيهم الباطل إطلاقاً، وكما أن التمسك بالقرآن الكريم والنبي العظيم واجب، والراد
عليهما راد على الله تعالى، فكذلك التمسك بأهل البيت واجب والراد عليهم راد على
الله تعالى.
إن قلت ما الدليل على أن المراد من أهل البيت هم فاطمة وعلي والحسن والحسين؟
قلت: إن حديث آية التطهير الذي ذكرناه عن عائشة يدل بوضوح على أن الإمام علياً
وفاطمة الزهراء والإمامين الحسن والحسين هم المقصودون بأهل البيت، والذين أوصى رسول
الله بالتمسك بهم.
إن قلت إن آية التطهير ذكرت أن هؤلاء الأربعة من أهل البيت ولكن لا يمنع دخول غيرهم
معهم،
قلت أولاً: إنه لا يهمنا دخول غيرهم أو عدم دخول غيرهم معهم، لأن الذي يهمنا أن
نثبت أن هؤلاء من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وأنه يجب التمسك بهم
وأنهم معصومون، وأنهم لا يفعلون إلا ما يرضي الله تعالى.
ثانياً: إن الحديث الثالث الذي سنذكره الآن لهو دليل واضح على حصر الأهل
بهؤلاء الأربعة سلام الله عليهم.
الحديث الثالث: ما روي بسبب نزول آية المباهلة:
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال ما
منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله فلن أسبه، لأن
تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله يقول له4:خلفه في بعض
مغازيه، فقال له علي يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان، فقال له رسول الله
أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي؟ وسمعته يقول يوم
خيبر لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال فتطاولنا لها
فقال ادعوا لي علياً فأُتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه،
ولما نزلت هذه الآية فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم دعا رسول الله علياً وفاطمة
وحسناً وحسيناً فقال اللهم هؤلاء أهلي4.
فهذا الحديث الصحيح يدل وبكل وضوح على حصر أهل بيت رسول الله بهؤلاء الأربعة، ولا
تشمل أحداً سواهم، لا من الأقارب ولا من الأزواج وإلا لما صح أن يقول النبي هؤلاء
أهلي بصيغة الحصر، فإنه لو كان الأهل يشمل غيرهم لوجب أن يقول اللهم هؤلاء من أهلي.
سأقتصر على هذه الأحاديث الثلاثة التي يدل كل واحد منها بمفرده على منزلة هؤلاء
الأئمة وأنهم معصومون منزهون عن الذنوب والمعاصي والخطأ، فلا بد إذاً من معرفة
الظروف التي أدت إلى أن يقوم كل واحد بما قام به.
إن كل هذا يوجب على السائل أن يبحث عن الظروف التي دعت الإمام الحسن إلى مصالحة
معاوية، وعن الظروف التي دعت الإمام الحسين للخروج في وجه يزيد، وعن الظروف التي
دعت الإمام علياً للسكوت..
ثانياً: هل مجرد خروج الإمام الحسين إلى كربلاء من دون أن يكون معه جيش جرار
يعد ذنباً يبيح ليزيد أو لغيره أن يبادر إلى قتله، وقتل أهل بيته وأطفاله وأصحابه
وسبي نسائه وعياله؟
ثالثاً: إنه قبل الجواب الحلي لهذا الإشكال نقوم وننقض عليكم بما قام به
رسول الله فنقول لماذا سكت عن ظلم المشركين له وللمسلمين في مكة، ثم حاربهم عدة
سنين بعد أن هاجر إلى المدينة، ثم صالحهم في الحديبية،؟ فهل أخطأ في سكوته عن الظلم
في مكة، كما سكت علي عمن ظلموه بزعمكم.. أم أخطأ في حربه للمشركين في بدر وأحد،
وسواهما؟ أم أخطأ في صلحه لهم يوم الحديبية كما أخطأ بزعمكم الإمام الحسين بذهابه
إلى كربلاء، وكما أخطأ الإمام الحسن بصلحه مع معاوية؟.
ففي أي حالة من هذه الحالات الثلاث أخطأ رسول الله ؟!
وفي جوابنا نقول إن النبي كان مصيباً في كل ما فعل؛ لأنه النبي المعصوم المؤيد من
الله تعالى في كل حركاته وسكناته.
وإن الإمام علياً كان مصيباً في سكوته، وذلك عندما خاف على الاسلام والمسلمين من
فتنة داخلية أو فتنة تحرق كل ما أنجزه النبي الكريم وخصوصاً أن المسلمين كانوا
حديثي عهد بالإسلام، وكان الأعداء يتربصون شراً بهذه الدولة الفتية، فأي حرب وقتال
كان سيؤدي إلى زوال هذه الدولة بكل تأكيد، وكان مصيباً عندما قاتل الناكثين
والقاسطين والمارقين.
وكان الإمام الحسن مصيباً أيضاً في صلحه مع معاوية، حيث انتزع منه اعترافاً مكتوباً،
شهد عليه أعيان البلاد ورؤساء العشائر ورموز القبائل: بأن الأمر من بعده للإمام
الحسن، ثم من بعد الإمام الحسن للإمام الحسين، وفوت على معاوية فرصة قتله، وقتل
أخيه الحسين ، وإبادة بني هاشم، وأتباعه وأنصاره وجعل معاوية يقر بخط يده بطلان
خلافة ابنه وبني أمية قاطبة...
فلما تم الصلح، قام معاوية ونقض الاتفاق، وبقي الإمام الحسن ملتزماً بعهده، لأنه لو
قام بنقضه كما نقضه معاوية لقلتم: إن خلافة يزيد كانت شرعية، لأن النقض للصلح قد
حصل من الطرفين..
فلما مات معاوية كان لا بد من العمل بالاتفاق الذي كان قد أبرم معه، لأن المعاهدات
لا تنقض من طرف واحد، فالحسين كان هو الخليفة باعتراف معاوية في وثيقة الصلح، وكان
يزيد هو الغاصب، والخارج على إمام زمانه، والقاتل له..
فكان لا بد للإمام الحسين من المطالبة بحقه بالحكم الذي هو حقّ الله سبحانه، وذلك
من أجل العمل بأحكام الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح في أمة جده
رسول الله ، كما صرح به في كلماته المختلفة.. حتى لا يقول قائل: إن حكم يزيد
والأمويين كان شرعياً، لأنهم حكموا بموافقة الحسنين ، وبمقتضى أحكام الصلح..
فاتضح بعد هذا كله: أن النبي كان مصيباً ومعصوماً في كل مواقفه..
ثم كان علي مصيباً في سكوته..
ثم كان الحسن مصيباً في صلحه..
ثم كان الحسين مصيباً في خروجه إلى كربلاء..
رابعاً: إن ما قاله السائل، من أنه كان مع الإمام الحسن من الجيوش ما يمكنه
من مواصلة القتال، غير صحيح أيضاً.. ويكفي أن نذكِّر بما قاله الإمام الحسن نفسه في
وصفه لحال أصحابه: فقد ذكر ابن الأثير الجزري: أنه خطب أصحابه حين وفاة أبيه، أرسل
إليه معاوية بالصلح وهذا إنما حصل حين كان في المدائن وقال بعد حمد الله عزَّ وجلَّ:
«إنا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة
والصبر، فسلبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع.. وكنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم
أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم. ألا وإنَّا لكم كما كنا، ولستم لنا
كما كنتم..
ألا وقد أصبحتم بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون له، وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره.
فأما الباقي فخاذل، وأما الباكي فثائر.
ألا وإن معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه،
وحاكمناه إلى الله عزَّ وجلَّ بظباء السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناها، وأخذنا لكم
الرضاء.
فناداه القوم من كل جانب: البقية، البقية.
فلما أفردوه أمضى الصلح»6.
خامساً: أما سؤال السائل عن سبب مقاتلة الإمام الحسين ، مع أنه في قلة من
أصحابه.
فالجواب: إنه لم يجمع جيشاً، ولم يأت لحرب، بل ترك الحج مخافة أن يغتاله الأمويون
في مكة، وتنتهك بقتله حرمة بيت الله، فخرج عنها متجهاً نحو العراق، فاعترضه جيش
يزيد، ومنعه من دخول الكوفة، وجعجع به حتى بلغ به كربلاء، وجمع له يزيد ثلاثين ألفاً،
وهو في بضع عشرات من أهل بيته وأصحابه، فقتلوهم بتلك الطريقة الفظيعة.
إضافة إلى أن من جملة شروط الإمام الحسن على معاوية: أن يعود الأمر من بعده إليه،
ثم إلى أخيه الإمام الحسين.. ولا يصح نقض العهد من طرف واحد.. فكان يزيد هو الباغي
على إمامه، والخارج عليه، والقاتل له..
أما الإمام الحسن فقد اتضح: أنه قام بالأمر، وحاول دفع الباغي عليه حتى تخلى عنه
جيشه، فلما تخلى عنه وتمكن من حقن الدماء، بنحو يحصل فيه على اعتراف من معاوية بأن
الحق له ولأخيه، وتعهد له بإرجاعه إليه ولأخيه من بعده، رضي بالصلح وإن كان كارهاً
لما يعلمه من دخيلة معاوية التي لن ترضى بالوفاء..
أما السؤال أنه ماذا استفاد الإمام الحسين من الخروج؟
فالجواب: إن لخروج الإمام الحسين وثورته آثاراً عظيمة ومهمة ودروساً وعبراً في
مجالات عديدة، كان لها دور كبير في انعطاف مسير العباد والبلاد، وأدت وما تزال الى
خوف الطغاة والظالمين من أنصارها واتباعها؛ لأنهم كانوا وعلى مر السنين يرعبون
قلوبهم ويزلزلون عروشهم وينزلونهم عن معاقلهم ويبيدون حكمهم.
وسنقوم بذكر بعض آثار تلك الثورة ليتضح لنا ما قدمه خروج الإمام الحسين واستشهاده
مع أهل بيته وأصحابه.
1- فضح الاُمويين وتحطيم الإطار الديني المزيّف:
لقد استطاع الأمويون بما يملكون من قدرات مادية وإعلامية شراء ضمائر غالبية
الناس وتزييف الحقائق وإلباس خلفائهم ورموزهم جلباب أهل الايمان والتقوى، والحرص
على الإسلام وأهله، وتشويه صورة أئمة الهدى وأتباعهم وأنصارهم، وأنهم يريدون الخروج
على الحق حسداً وطمعاً وحقداً وأنهم يريدون إشعال الفتنة. ونلمس هذا الزيف في قول
مسلم بن عمرو الباهلي يؤنّب مسلم بن عقيل (سفير الإمام الحسين والعبد الصالح)
لخروجه على يزيد الفاسق، ويقول مفتخراً: أنا من عرف الحق إذ تركته، ونصح الأُمّة
والإمام إذ غششته، وسمع وأطاع إذ عصيته7.
وهذا عمرو بن الحجاج الزبيدي من قادة الجيش الأموي؛ يحفّز الناس لمواجهة الإمام
الحسين قائلاً: يا أهل الكوفة، إلزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مرق
من الدين، وخالف الإمام8.
فالدين في دعوى الأمويين طاعة الطاغية يزيد ومقاتلة الإمام الحسين.
ولكن وبفعل ثورة الإمام الحسين تكشفت للناس حقيقة النزعة الأموية المتسلطة على
الحكم، واستطاعت تلك الدماء الزاكية التي سالت على أرض كربلاء أن تفضح الحكم الديني
الأموي المزيف، وتبين حقيقة وواقع تلك الشخصيات التي لا تريد إلا التسلط على رقاب
الناس وسلب خيرات العباد والبلاد.
لقد استطاعت كلمات وخطابات ومواقف الإمام الحسين أن تعيد الوعي المفقود للناس، وأن
توقظهم من سباتهم العميق، بسبب التنويم القهري الذي قامت به حكومة بنو أمية
وأعوانها، فانظر إلى أحد خطابات الإمام الحسين الذي يقول فيه:
أمّا بعد فانسبوني، فانظروا من أنا، ثم ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها وانظروا هل يصلح
لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين
بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربه؟!9.
2- إحياء الرسالة الإسلامية:
لقد كان استشهاد الإمام الحسين هزّة لضمير الأمّة، وعامل بعث لإرادتها
المتخاذلة، وعامل انتباه مستمر للمنحدر الذي كانت تسير فيه بتوجيه من بني أميّة ومن
سبقهم من الحكّام الذين لم يحرصوا على وصول الإسلام نقيّاً إلى من يليهم من الأجيال،
بل على العكس من ذلك، كانوا يخططون لإيصال وإعطاء صورة عن الإسلام تتناسب مع
أهوائهم وشهواتهم ومخططاتهم.
3- الشعور بالإثم وشيوع النقمة على الأمويين:
بعد استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته وصحبه وبتلك الطريقة الوحشية، شعر الناس
بالإثم والذنب والتقصير، وخصوصاً بعد سبي النساء وبعد تلك الخطابات المهمة التي
خطبت بها السيدة زينب والإمام علي بن الحسين زين العابدين وبقية من خطب وتكلم.
فقد وقفت زينب (بعد واقعة كربلاء وأخذها والنساء سبايا إلى ابن زياد في الكوفة)
تخطب في الناس حين احتشدوا يحدّقون في موكب رؤوس الشهداء والسبايا، ويبكون ندماً
على ما فرّطوا وما حصل لآل النبيّ فأشارت إليهم أن اسكتوا فسكتوا فقالت في ضمن ما
قالته:
أما بعد:
يا أهل الكوفة أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرّنة، إنما مثلكم مثل التي
نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ألا ساء ما تزرون، أي
والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها فلن ترحضوها بغسل
أبداً، وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوة، ومعدن الرسالة ومدار حجّتكم، ومنار
محجّتكم، وهو سيد شباب أهل الجنّة؟»10.
وتكلم أيضاً الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين فقال:
أيها الناس! ناشدتكم الله، هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من
أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه؟ فتباً لكم لما قدمتم لأنفسكم وسوأة
لرأيكم، بأي عين تنظرون إلى رسول الله إذ يقول لكم قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي؟
فلستم من أمتي.
لقد استطاعت هذه الكلمات أن تدخل إلى أعماق الكوفيين، وتجعلهم يبكون أشد البكاء،
ويندمون أعظم الندم على ما فرطوا في جنب الحسين، مما دفع بالكثير من الجماعات إلى
الندم والتوبة والعمل للتكفير عن موقفهم المتخاذل عن نصرة الإمام ، فبدأ العمل
الدؤوب لاستنهاض الناس، وكانت فرصة مهمة لتبيان الحقائق وجرائم بني أمية وأفعالهم
المخزية، فانطلقت الثورات على الحكم الأموي، وتوالت حتى سقط النظام. ورغم أن
أهدافها كانت متفاوته إلاّ أنها كانت تستلهم شعاراتها من معين ثورة الحسين أو
تستعين بالظرف الذي خلقته. فمن ذلك ثورة أهل المدينة الذين خلعوا بيعة يزيد رسمياً
وأعلنوا الثورة على حكومته، وثورة التوابين التي كانت بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي
سنة 65 هـ وكان شعارها يا لثارات االحسين ، وثورة المختار الثقفي في الكوفة الذي
تمكن من محاكمة المشاركين في قتل الحسين ومجازاتهم بأفعالهم الشنيعة وجرائمهم
الفظيعة، ثم ثورة مطرف بن المغيرة الذي خلع عبد الملك والحجاج، وثورة عبد الرحمن بن
محمد بن الأشعث الذي خرج فيها على الحجاج بن يوسف الثقفي، وثورة زيد بن عليّ بن
الحسين في الكوفة سنة 121 هـ ضد هشام بن عبد الملك. وغيرها من الثورات التي أدت في
النهاية إلى انهيار ذلك الحكم الجائر.
وفي ختام الجواب ندعو كل الذين يطرحون هكذا أمور، سواء عن حسن نية أو سوء نية، إلى
التعرف أولاً إلى مقام ومنزلة أهل البيت عند الله تعالى ورسوله، من خلال ما أنزله
الله تعالى في كتابه وما نطق به لسان نبيه الأكرم ، فإن ذلك سيسهل عليهم الكثير من
الأبحاث ويبدل في طريقة تفكيرهم ومعالجتهم لمجريات الأمور والله الموفق.
1- صحيح مسلم كتاب الفضائل باب
فضائل أهل بيت النبي.
2- حديث رقم 2424 وقد روى هذا الحديث أحمد في مسنده والترمذي في سننه والطبراني في
معجمه والحاكم في مستدركه وغيرهم.
3- صحيح مسلم - كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
حديث رقم 2408.
4- في بعض المصادر: وقد خلفه.
5- صحيح مسلم - كتاب فضائل الصحابة - باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه حديث
رقم 2404 وقد رواه أحمد في مسنده والترمذي في سننه وابن حجر في اصابته وابن كثير في
تفسيره وفي بدايته ونهايته وغيرهم الكثير من علماء العامة وكبارهم.
6- أسد الغابة، ج2، ص13، وبحار الأنوار، ج44، ص21، وبتفاوت في الطرائف، ص198،
وتاريخ مدينة دمشق، ج13، ص268، وسير أعلام النبلاء، ج3، ص269، وشرح إحقاق الحق (الملحقات)،
ج26، ص472، وترجمة الإمام الحسن لابن عساكر، ص179، ومصادر أخرى للخاصة والعامة.
7- تاريخ الطبري: 4 / 281.
8- تاريخ الطبري: 4 / 331.
9- الارشاد: 2/98، إعلام الورى: 459/1.
10- راجع كتاب الملهوف للسيد ابن طاووس، ص192 - 193.