الشبهة الثانية: من أمرك أيها الشيعي أن تفعل هذه الأفعال في عاشوراء؟
شبهات وردود حول عاشوراء
إن الذي أمرنا بإقامة مجالس العزاء للإمام الحسين والبكاء عليه وإحياء ذكراه هو الله تعالى ومن ثم رسوله ومن ثم أئمة الهدى عليهم جميعاً سلام الله.
عدد الزوار: 401
إن قلت: الله ورسوله أمراني بهذا
سأقول لك أين الدليل؟
وإن قلت لي: لم يأمرك أحد سأقول لك هذه بدعة.
وإن قلت: أهل البيت أمروني سأطالبك أن تثبت من فعل هذا منهم.
وإن قلت: إني أعبر عن حبي لأهل البيت، فسأقول لك: إذاً كل المعمّمين يكرهون أهل
البيت؛ لأننا لا نراهم يلطمون وأهل البيت يكرهون بعضهم بعضاً، لأنه لا يوجد أحد
منهم لطم وطبر على الآخر.
الجواب:
إن الذي أمرنا بإقامة مجالس العزاء للإمام الحسين والبكاء عليه وإحياء ذكراه هو
الله تعالى ومن ثم رسوله ومن ثم أئمة الهدى عليهم جميعاً سلام الله.
إن قلت أين الدليل على ذلك؟
قلت لك: إنه توجد عدة أدلة على ذلك نذكر منها:
أولاً: إن الله تعالى أمرنا بإحياء شعائره وتعظيمها حيث قال تعالى: ذَلِكَ
وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ1.
وشعائر الله تعالى هي أعلام دينه، منها ما يرتبط بالحجّ، حيث إن أكثر أعمال الحجّ
إنّما هو تكرار لعمل تاريخي، وتذكير بحادثة كانت قد وقعت في عهد النبي إبراهيم ،
ومنها ما يرتبط بحياة ومواقف نبينا محمد وأهل بيته صلوات عليهم أجمعين حيث إنهم
الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وحيث إن لنا برسول الله أسوة حسنة
فشعائر الله مفهوم عامّ شامل للنبيّ ولاهل بيته ولغيرهم، فكما أنّ ذكرى ما جرى
لإبراهيم من تعظيم شعائر الله سبحانه، كذلك تعظيم ما جرى للنبيّ الأعظم محمّد يكون
من تعظيم شعائر الله سبحانه، ولذلك نقوم بإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف وأمثاله.
وهل هناك شعيرة أهم من شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي خرج الإمام
الحسين من أجلها وقدم نفسه قرباناً في سبيلها حيث قال: «وإنِّي لم أخرج أشِراً ولا
بَطِراً، ولا مُفسِداً ولا ظَالِماً، وإنَّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمَّة جَدِّي.
أريدُ أنْ آمُرَ بالمعروفِ وأنْهَى عنِ المنكر، وأسيرُ بِسيرَةِ جَدِّي، وأبي علي
بن أبي طالب»2.
فعندما يقيم الإنسان تلك المجالس يستحضر مواقف الإمام الحسين وتضحياته وما قدمه من
أجل الإسلام والمسلمين، ويستحضر صور الظلم والظالمين ووجوب الوقوف في وجههم وعدم
الرضوخ للذل والهوان، وتستحضر سيرة وأخلاق الإمام الحسين في كل المجالات التي هي
أخلاق القرآن الكريم والنبي محمد مما ينمي في نفسية الإنسان التقوى والإيمان والخلق
الحسن.
ثانياً: إنه تعالى أمرنا بمودة أهل البيت فقال سبحانه: ذَلِكَ الَّذِي
يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لّا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ
حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ 3.
فمودّة ذوي القربى مطلوبة شرعاً، حيث أمر بها القرآن صراحة، فإقامة مجالس العزاء
وإظهار الحزن والبكاء والتفجع على مصاب الإمام الحسين لا يكون إلاّ مودّةً لهذا
البيت المطهر.
ثالثاً: ثبوت بكاء رسول الله على الإمام الحسين قبل استشهاده بسنوات طويلة
حيث ذكرت سابقاً بعض الروايات الصحيحة عند أهل العامة في أن النبي الأكرم بكى على
الإمام الحسين كالذي أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 9/188 عن أم سلمة قالت: كان
رسول الله جالساً ذات يوم في بيتي، قال: لا يدخل علي أحد. فانتظرت فدخل الحسين،
فسمعت نشيج رسول الله يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي يمسح جبينه وهو يبكي،
فقلت: والله ما علمت حين دخل، فقال: إن جبريل كان معنا في البيت فقال: أفتحبه؟ قلت:
أما في الدنيا فنعم، قال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها: كربلاء، فتناول جبريل
من تربتها. فأراها النبي فلما أحيط بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا:
كربلاء، فقال: صدق الله ورسوله، كرب وبلاء.5.
ويؤيد هذا الأمر رؤية ابن عباس لرسول الله يوم عاشوراء أشعثا أغبرا حيث روى أحمد
ابن حنبل حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا حماد هو بن سلمة ثنا عمار عن بن
عباس قال: رأيت النبي فيما يرى النائم بنصف النهار وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة
فيها دم فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا قال هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل
ألتقطه منذ اليوم فأحصينا ذلك اليوم فوجدوه قتل في ذلك اليوم6.
وروى الطبَرانِي عن عبد الله بن عباس قال: «رأيت رسول الله فيما يرى النائم بنصف
النهار أشعث أغبَر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبِي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا؟
فقال: دم الحسين وأصحابه، لَم أزل ألتقطه منذ اليوم، فوُجِد قد قُتِل يومئذ»7.
رابعاً: ما ثبت من بكاء الإمام علي على الإمام الحسين وذلك بسند صحيح عند
أهل السنّة كالذي رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 9/187عن نجي الحضرمي، أنه سافر مع
علي (رضي الله عنه)، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى
عليٌّ: اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت
على النبي ذات (يوم) وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك
تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات. قال،
فقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ قلت: نعم. قال: فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها
فلم أملك عيني أن فاضتا8.
فإذن قد ثبت ومن أحاديث السنة الصحيحة أن النبي بكى بل قد قام بنفسه بأبي هو وأمي
بالتقاط دم الإمام الحسين وأصحابه وكان التراب على ثيابه ورأسه بصورة تعجب منها ابن
عباس.
إن قلت: إن ما رآه ابن عباس هو رؤية في منامه وليس حجة، قلت: ألم يرو البخاري ومسلم
وكل الصحاح عن النبي أنه من رآني فقد رآني؟
فقد روى البخاري في صحيحه قال حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني ابن الهاد
عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري سمع النبي يقول من رآني فقد رأى الحق فإن
الشيطان لا يتكونني9.
وروى مسلم في صحيحه فقال: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث وحدثنا ابن رمح أخبرنا
الليث عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله قال من رآني في النوم فقد رآني إنه لا
ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي.10.
وأما إثبات أن أهل البيت فعلوا ذلك فنقول له:
لقد أثبتنا بالدليل الصحيح ومن كتب أهل العامة، أن خير خلق الله محمد وأمير
المؤمنين قد حزنا وبكيا على الإمام الحسين قبل مقتله فكيف لو كانا حيَّين حين مقتله
أو بعده؟
وأما بالنسبة لروايات الشيعة فحدث بذلك بلا حرج، فقد ثبت بالتواتر بكاء أئمة أهل
البيت وإقامتهم مجالس العزاء وحثهم للشعراء على كتابة الشعر حول ذاك المصاب وأمرهم
لشيعتهم بإقامة تلك المجالس والبكاء على الإمام الحسين. وسأقتصر على ذكر بعض تلك
الأحاديث الصحيحة:
منها ما أخرجه الثقة الجليل العين الخزّاز القمّي {في (كفاية الأثر)، قال: حدّثنا
أبو المفضّل، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن القاسم العلوي، قال: حدّثنا عبد الله بن
أحمد بن نهيك، قال: حدّثني محمّد بن أبي عمير، عن الحسين بن عطيّة، عن عمر بن يزيد،
عن الورد بن الكميت، عن أبيه الكميت بن أبي المستهل قال: دخلتُ على سيّدي أبي جعفر
محمّد بن عليّ الباقر ، فقلت: يا ابن رسول الله، إنّي قد قلتُ فيكم أبياتاً، أفتأذن
لي في إنشادها؟ فقال: «إنّها أيام البيض!». قلت: فهو فيكم خاصّة. قال: «هات».
فأنشأتُ أقول:
أضــحكني الـدهرُ وأبكاني***والــدهـر ذو صـرفٍ وألـوانِ
لِـتسعةٍ بـالطفّ قـد غُـودروا***صــاروا جـميعاً رهنَ أكفانِ
فبكى (الباقر)، وبكى أبو عبد الله (الصادق)، وسمعت جاريةً تبكي من وراء الخباء،
فلمّا بلغتُ إلى قولي:
وسـتّــة لا يـتـجـارى بــهـم***بـــنـو عـقـيـلٍ خـيـرُ فـتـيانِ
ثـمّ عـلـيّ الخير مـولاكـمُ***ذكــرهُـمُ هـيّـج أحـزانـي
فبكى، ثمّ قال: «ما من رجل ذَكَرَنا أو ذُكِرْنا عنده، فخرج من عينيه ماءٌ ولو مثل
جناح البعوضة، إلّا بنى الله له بيتاً في الجنّة، وجعل ذلك حجاباً بينه وبين النّار».
قال الكميت: فلمّا بلغتُ إلى قولي:
مَن كان مسروراً بما مسّكم***أو شـامــــتـــاً يـومــــــاً مـن الآنِ
فـقـد ذُلــلـتُـم بـعـــد عـــزٍّ فــمـا***أدفـع ضـيـمـاً حــيـن يـغـشاني
أخذ بيدي وقال: «اللّهمّ اغفر للكميت ما تقدّم من ذنبه وما تأخر»11.
ومنها: ما أخرجه ابن قولويه بسند صحيح قال: حدّثني محمّد بن جعفر، عن محمّد بن
الحسين، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن حسّان، عن ابن أبي شعبة، عن عبد الله بن
غالب قال: دخلتُ على أبي عبد الله ، فأنشدته مرثيّة الحسين ، فلمّا انتهيت إلى هذا
الموضع:
لَــــبَـلِـيَّــــةٌ تـــســـقــو حــســيــنـاً***بـِمَسْقَاة الثّرَى غيرَ
الترابِ
فصاحت باكيةٌ من وراء الستر: وا أبتاه 12.
ومنها ما ورد صحيحاً في ذلك عن الرضا
ما أخرجه الشيخ الصدوق، قال: حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعليّ
بن عبد الله الورّاق (رضي الله عنهما)، قالا: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن
أبيه إبراهيم بن هاشم، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: دخل دعبل بن عليّ الخزاعي
(رضي الله عنه) على عليّ بن موسى الرضا بمَرْو، فقال له: يا ابن رسول الله، إنّي قد
قلت فيك قصيدة وآليت على نفسي أن لا أُنشدها أحداً قبلك. فقال: «هاتها». فأنشده:
مدارس آياتٍ خلت من تلاوةٍ***ومـنـزلُ وحــيٍ مـقفرُ الـعَرَصاتِ
فلمّا بلغ إلى قوله:
أرى فيئهم في غيرهم متقسّماً***وأيـديــهـمُ مِـن فـيـئـهم صَـفِـراتِ
بكى أبو الحسن الرضا بكاءً شديداً، وقال له: «صدقتَ يا خزاعي». فلمّا بلغ إلى قوله:
إذا وُتِــروا مــدّوا إلــى واتـريهمُ***أكُفّـاً عـن الأوتارِ منـقبـضاتِ
جعل أبو الحسن الرضا يقلّب كفَّيه ويقول: «أجل والله، منقبضات». فلمّا بلغ إلى قوله:
وإنّـــي لأرجــو الأمـنَ بــعـد وفـاتـي
قال الرضا: «آمَنَك اللهُ يوم الفزع الأكبر».13.
فهؤلاء أهل البيت كانوا يحيون بأنفسهم مأتم الإمام الحسين.
مضافاً إلى ورود روايات كثيرة من طرق أهل البيت تحثّ على البكاء على الإمام الحسين
، منها: صحيحة بكر بن محمد، عن أبي عبد الله ، قال: من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو
مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر. 14.
ومنها: صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر ، قال: كان علي بن الحسين يقول: أيما مؤمن
دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفاً
يسكنها أحقاباً، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذى مسنا من عدونا
في الدنيا بوأه الله بها في الجنة مبوأ صدق، وأيما مؤمن مسَّه أذى فينا، فدمعت
عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم
القيامة من سخطه والنار 15 .
وبهذا نكون قد أجبنا جواباً كافياً وافياً لمن يريد الحق واتباعه.
1- سورة الحج، الآية 32.
2- كتاب (الفتوح) أحمد بن أكتم الكوفيم ج5، ص21. ورواه الخوارزمي في مقتله وصاحب
كتاب (مناقب آل أبي طالب) ابن شهرآشوب.
3- سورة الشورى، الآية 23.
4- في جوابي عن السؤال الأول.
5- قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات.
6- تعليق الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي على شرط مسلم. انظر: مسند أحمد بتحقيق
شعيب الأرنؤوط، ط. الرسالة جزء 1 - صفحة 283- تعليق الشيخ أبو الأشبال أحمد محمد
شاكر: إسناده صحيح. انظر الطبراني: المعجم الكبير، ج3، ص110]. قال الهيثمي معلِّقًا
عليه: رواه أحمد والطبَرانِي، ورجال أحمد رجال الصحيح. انظر الهيثمي: مجمع الزوائد
ومنبع الفوائد، ج9، ص192]. كما صححه محمد ناصر الدين الألباني.
7- مشكاة المصابيح: 6172 - 47 - (صحيح).
8- قال الهيثمي: رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني، ورجاله ثقات، ولم ينفرد
نجي بهذا.
9- صحيح البخاري - كتاب التعبير - من رآني فقد رأى الحق.
10- صحيح مسلم - كتاب الرؤيا - من رآني فقد رأى الحق.
11- كفاية الأثر: 248
12- كامل الزيارات: 209، الباب 33، ح 3.
13- عيون أخبار الرضا ، للصدوق: 2 / 294، الباب 66، ح 34.
14- كامل الزيارات: 207.
15- كامل الزيارات: 201.