حول الانسان
نهج البلاغة
قيل: ان اللَّه سبحانه خلق الانسان كي تتجلى فيه قدرته وعظمته. ومعنى هذا انه تعالى أنشأ الانسان على أكمل وجه جسما وروحا بحيث لا شيء فوق كمال الانسان من هذه الجهة إلا خالق الانسان. وكفى شاهدا على هذه الحقيقة عظمة محمد
عدد الزوار: 1099
(فتمثلت انسانا ذا أذهان يجيلها، وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلبها،
ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل، والأذواق والمشام، والألوان والأجناس).
الانسان
قيل: ان اللَّه سبحانه خلق الانسان كي تتجلى فيه قدرته وعظمته. ومعنى هذا انه تعالى
أنشأ الانسان على أكمل وجه جسما وروحا بحيث لا شيء فوق كمال الانسان من هذه الجهة
إلا خالق الانسان. وكفى شاهدا على هذه الحقيقة عظمة محمد (ص) سيد الكونين الذي قال:
انما أنا بشر.. ان الانسان تماما كالكون في عظمته وأسراره، كلما اكتشف منه سر خفيت
منه أسرار.. ومن أجل هذا أطلق بعضهم على الكون اسم الانسان الكبير، وعلى ابن آدم
اسم الانسان الصغير أو الكون الصغير.. ولهذه التسمية وجه وجيه، فحتى الآن - وعلى
الرغم من تقدم العلوم التي رفعت الانسان إلى القمر - لم ينجح العلماء في التعرف على
حقيقة الانسان، وكل ما فيه من طاقات وأسرار.. وإذا كانت حقيقة كل شيء هي ما يحققه
ذلك الشيء فقد حقق الانسان أعجب من العجب، وما سوف يحققه في المستقبل القريب أو
البعيد يفوق التصور، ويستحيل التنبؤ به.
وبهذا نجد السر لقوله تعالى: *
﴿وفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾
* وتدركون
ان لهذا الانسان العجيب خالقا أكمل وأعظم قال الفيلسوف الانكليزي « جون لوك »: صحيح
ان اللَّه سبحانه لم يطبع حروفا في عقولنا نقرأها عن وجوده، ولكنه أودع فينا إحساسا
وإدراكا لا نحتاج معه إلى برهان أوضح على وجوده ما دمنا نحمل ذاتنا معنا، وإذن نحن
لا نستطيع أن نشكو من جهلنا بذلك، وبالتالي فلا نحتاج لكي نعلم ونؤمن بوجود اللَّه
إلى شيء أبعد من أنفسنا فإنها كافية وافية للدلالة على وجوده تعالى.
(معجونا بطينة الألوان المختلفة، والأشياء المؤتلفة، والأضداد المتعادية، والاخلاط
المتباينة من الحر والبرد، والبلة والجمود ). يشير الإمام (ع )بهذا إلى أن في طبيعة
الانسان ومزاجه قوى عناصر، منها ما ينسجم بعضها مع بعض كانسجام العلم مع الحلم،
والصدق مع الوفاء، وكانسجام الجبن مع البخل، والكذب مع الرياء.. ومنها ما يختلف
بعضها مع الآخر، كاختلاف الرضى والغضب، والضحك والبكاء، والحفظ والنسيان، وغير
ذلك.. وكلها لخير الانسان وصالحه، وبقائه واستمراره، ولو نقصت منه صفة واحدة لاختل
توازن الانسان، ولم ينتفع بشيء.. ونضرب لذلك مثلا واحدا: لولا النسيان لتراكمت
الهموم على الانسان، ولم يستمتع بشيء، ولا نتهت حياته في أمد قصير. ولولا الحفظ
لانسد باب العلم بشتى أنواعه، بل ولم يهتد الانسان إلى أمه وأبيه، وصاحبته وبنيه،
وإذا خرج من بيته استحال ان يعود اليه.
وهكذا سائر الصفات المتباعدة منها والمتقاربة.. وكلها تجري على نظام مشترك، وقدر
جامع، وان دل هذا على شيء فإنما يدل على وحدة الخالق والمدبر الذي لا إله إلا هو: *
﴿قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾* - 3 الطلاق.
ومما قرأت عن الانسان ما جاء في كتاب «مصباح الإنس»: ان في الانسان خاصية المعادن،
وهي الكون والفساد، وخاصية النبات، وهي النمو والغذاء، وخاصية الحيوان، وهي الحس
والحركة، وخاصية الانسان، وهي الفكر والإدراك، وخاصية الملائكة، وهي الطاعة
والحياة.
فالانسان يتملق كالكلب والهر، ويحتال كالعنكبوت، ويتسلح كالقنفذ،ويهرب كالطير،
ويتحصن كالحشرات، ويعدو كالغزال، ويبطىء كالدب، ويسرق كالفأر، ويفتخر كالطاووس،
ويحقد كالجمل، ويتحمل كالبقر، ويشمس كالبغل، ويغرد كالطير، ويضر كالعقرب، وهو شجاع
كالأسد، وجبان كالأرنب، وأنيس كالحمام، وخبيث كالثعلب، وسليم كالحمل، وأبكم كالحوت،
وشئوم كالبوم.
وهكذا، ما من كائن في الأرض والسماء - ما عدا اللَّه سبحانه - إلا وقد أخذ الانسان
شيئا منه:
وتحسب انك جرم صغير *
وفيك انطوى العالم الأكبر1.
1 _ في ظلال نهج البلاغة / العلامة محمد جواد مغنية /ج1/47.
2015-09-06