مقابلة سماحة السيد حسن نصر الله مع قناة المنار
2015
عند كل لقاء مع سماحة السيد حسن نصرالله تتخلى اللغة عن كبريائها وتجاهر بانحيازها إليه، تحار من أين تبدأ وأين تنتهي عندما تكون في حضرته، كلما اقتربت منه اكتشفت صعوبة الإحاطة به، وكلما استفضت بالوصف شعرت بالنقص.
عدد الزوار: 115
النص الكامل لمقابلة سماحة السيد حسن
نصرالله مع قناة المنار - الجمعة 25 أيلول 2015
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عند كل لقاء مع سماحة السيد حسن نصرالله تتخلى اللغة عن كبريائها وتجاهر بانحيازها
إليه، تحار من أين تبدأ وأين تنتهي عندما تكون في حضرته، كلما اقتربت منه اكتشفت
صعوبة الإحاطة به، وكلما استفضت بالوصف شعرت بالنقص.
صحيح أن ظروف المنطقة الغارقة في بحور الدم والمياه، تجعل الفرح بعيد الأضحى هذا
العام غير مكتمل النصاب، لكن إطلالة السيد نصرالله على اللبنانيين والعرب والمسلمين
في هذا اليوم تحديداً، ستعوض على الكثيرين البهجة وستضخ في عروقهم أكياساً من مصل
الأمل والطمأنينة.
من اليمن الصابر إلى لبنان المترنح مروراً بسوريا الملتهبة وفلسطين الصامدة
والبحرين المتألمة سيمتد حوار العيد، بل هو عيد الحوار مع الأمين العام لحزب الله
الذي استطاع أن ينتزع موقعاً بين اللاعبين الكبار في المنطقة، مشاركاً في صنع
مصيرها ومستقبلها باللحم الحي، فيما اختار آخرون الجلوس على مقاعد الاحتياط أو
المدرجات.
سماحة السيد أهلاً وسهلاً فيك.
سماحة السيد نصرالله: أهلاً وسهلاً فيك.
- ينعاد عليك، أضحى مبارك، وإن شاء الله دائماً تبقى بهذه الهمّة وهذه الهمّة
المعدية التي تشمل الجميع. أريد أن أشكرك أنا على المستوى الشخصي لأنك منحتني هذا
الشرف، شرف استضافتك في ثاني أيام العيد، وهذه أكبر عيدية أعتبرها لي وحتى لكل
المشاهدين.
بما أنه نحن في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، السؤال كيف تعايد الجرحى، عائلات
الشهداء، عموم اللبنانيين والعرب والمسلمين، وأكيد في طليعتهم المجاهدين.
سماحة السيد نصرالله: في أيام العيد عادة أقول لكل الأحباء والمسلمين ولكل
اللبنانيين: كل عام وأنتم بخير وعيدكم مبارك وأضحى مجيد ومبارك، لكن للأسف الشديد،
أولاً احداث وتطورات المنطقة منذ سنوات لا تسمح ببهجة العيد، وأيضاً ما جرى للأسف
الشديد بالأمس في منى وما أصاب حجاج بيت الله الحرام كان مؤلما ومدمياً للقلوب
ومثيراً للأحزان ويستحق التوقف عنده طويلاً، لكن بكل الأحوال تحولت المناسبة تبريكاً
بالعيد وتعزية بالضحايا الذين خرجوا من بيوتهم وهاجروا إلى الله سبحانه وتعالى
والتحقوا بالرفيق الأعلى. أنا اقول للجميع: كل عام وأنتم بخير، إن شاء الله مبارك
لكم هذا العيد، بالتأكيد نخص عوائل الشهداء والجرحى وعوائلهم والمجاهدين وكل
المدافعين عن لبنان وعن المنطقة وعن المقدسات وعن شعوب هذه المنطقة في مواجهة
المشاريع التي تستهدف إذلالهم أو قتلهم أو إفناء وجودهم ـ لأن المشاريع تطورت في
الآونة الأخيرة ـ أو تستهدف مقدساتهم أو تستهدف حياتهم، هؤلاء هم أولى أن نتوجه لهم
بالتبريك. على كل حال مبارك للجميع إن شاء الله.
س: مأساة الحجاج الضحايا أرخت بظلالها القاتمة على عيد الأضحى، كيف كان وقع هذه
الحادثة الأليمة عليكم؟؟
سماحة السيد نصرالله: أنا أعتقد أن وقعها على كل إنسان مسلماً كان أو غير مسلم من
الناحية الإنسانية وقع كبير جداً. طبعاً على المسلمين أشد، نتيجة الرابط العقائدي
والديني. ثانياً: إن هؤلاء كانوا في الديار المقدسة ويقومون بأحد الواجبات
الإسلامية والدينية والعبادية المهمة. طبعاً عدد الضحايا أكثر من 700 وفاة و900
إصابة تقريباً إلى الآن، هناك أعداد من المفقودين غير معلوم إذا توفوا أو أصيبوا،
من الأكيد أن هناك أناساً ضاعوا. الحادث حادث جلل ومؤلم ومحزن جداً...
س: هذا من حيث الجانب الإنساني، وبالنسبة إلى الجانب الإجرائي، ما هو المطلوب لعدم
تكرار مثل هذه المآسي؟؟
سماحة السيد نصرالله: بالدرجة الأولى مثل أي حادث يحصل وإن كان هذا حادث كبير لا
أحد يقدر أن يصغّر الموضوع ويعتبره مثلا مسألة محدودة، ممكن نتيجة الالتباسات
الموجودة اليوم في منطقتنا وبالعالم الاسلامي والصراعات السياسية الإقليمية، يمكن
أحد ما أن يخذه مباشرة على الصراع السياسي، وهنا قد يضيع حق الحجاج الذين قضوا
والحجاج الذين أصيبوا وأوليائهم وأيضا حكوماتهم.
أنا أريد أن أقارب الموضوع بطريقة مختلفة، بمعزل عن الصراع السياسي الموجود
بالمنطقة لأن اليوم السعودية هي جزء من الصراع القائم وهي تشن حروباً في اليمن
مباشرة وغير مباشرة، في أماكن أخرى، في سوريا وغيرها.
من المنطقي جداً أن تتحمل الحكومة السعودية المسؤولية كاملة عن الحادثة لأنها هي
التي تدير مناسك الحج وتتصدى لهذه المسؤولية وترفض أن يشاركها أحد في هذه
المسؤولية، أنت تعرف، هذا نقاش له عقود من الزمن في العالم الإسلامي. إلقاء التبعات
على الحجاج أنهم تدافعوا أو لم يلتزموا هو تبسيط للموضوع، لكن الأهم أنت لما تتكلم
بالإدارة فسيؤخذ بعين الاعتبار تدافع الحجاج..
مثلاً 1990 وقع تدافع كبير في نفق بمنى وحينها لقي نحو 1426 حاجاً مصرعهم ومعظمهم
قضى اختناقاً، في العام 2004 توفي 244 حاجاً في اليوم الأول لرمي الجمرات بعد تدافع
وقع في منى، وهنا بالعام 2006 أدى تدافع الحجاج في ثاني أيام التشريق إلى وفاة 340
حاجاً، الإدارة أصلاً، ما هي الإدارة؟ أنه لما يحصل خلل ما تكتشف الخلل وتعالجه من
خلال الخطط الجديدة، طيب لمّا يحصل بـ 1990 و 2004 و2006 وأمس صار هذا الشيء الضخم،
هذا معناه أن هناك خللاً بالادارة وبالتخطيط وخللاً بالمقدمات وما يمكن أن يقول إن
الحجاج يتدافعون، الإدارة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار العدد وتأخذ بعين الاعتبار
تدافع الحجاج وتعمل كل الاجراءات حتى إذا حصل خلل من هذا النوع لا يؤدي الى هذه
الكارثة، على كلِّ هم قالوا إنه سيجري تحقيق ولازم يكون لجنة تحقيق عليا. نحن ندعو
بالحد الأدنى إلى أن يتم وأن تدخل مندوبين من الدول التي لحق رعاياها بهذه الكارثة
وبالحد الأدنى بعض الدول التي عندها أعداد كبيرة مثلاً إيران، والمغرب ، وبعض
الأرقام الثانية غير واضحة جنسياتها، بالحد الأدنى دولتين ثلاث أربع التي لها الحصة
الأكبر من الضحايا والمصابين، يجب أن يكون عندهم مندوبون في لجنة التحقيق لكي
يطمئنوا أن التحقيق متقدم بشكل واقعي وموضوعي. ليس للتغطية على المرتكبين أو
المقصرين الحقيقيين..
أنا اعتقد أنه سيفتح النقاش "من أول وجديد" على مستوى منظمة التعاون الإسلامي أعتقد
أن هناك دولاً إسلامية سوف تدعو إلى إعادة النظر في هذا الأمر.
وهناك بالحقيقة طرحان: إدارة لموسم الحج، وهذا طبعاً ما ترفضه السعودية، والطرح
الثاني إشراف، يعني يمكن أن تبقى الإدارة بيد الحكومة السعودية، لكن تكون هناك هيئة
إشراف من منظمة التعاون الاسلامي وتتمثل فيها الدول التي لديها أكبر عدد من الحجيج،
مثلاً: إندونيسيا، إيران، تركيا، مصر.. معروفة الدول التي عندها أعداد كبيرة ولجنة
الإشراف تطمئن، ترى الخطط، وتتأكد من الإجراءات والتدابير، ولأنها هي ترسل مواطنيها
إلى موسم الحج.
في نهاية المطاف ترك هذا العبء الضخم يعني إصرار حكومة المملكة العربية السعودية
على منع الدول الإسلامية الأخرى من المشاركة بشكل أو بآخر في الإشراف أو في الإدارة
لم يعد له أي سبب أو منطق خصوصاً أمام تكرار الفشل الذي يؤدي إلى فجائع وإلى كوارث
إنسانية..
س: سماحة السيد اسمح لي الآن أن ندخل إلى الملفات السياسية لكن أريد أن أمهّد لهذا
الأمر بسؤال مفتاح، خصومكم، أعني الخصوم السياسيين لحزب الله، كانوا يتهمونه دائماً
بأنه دولة ضمن الدولة، هذه المقولة الرائجة والمعروفة، كم نستطيع أن نقول الآن بعد
اتساع دوركم وتمددكم إلى خارج الحدود اللبنانية أنكم أصبحتم أكبر من الدولة، يعني
تطورت المعادلة من دولة ضمن دولة إلى حزب أكبر من الدولة. واستطراداً، إذا أردنا أن
نعرّف حزب الله بخريف 2015، يعني بأيلول 2015 نريد أن نقدم تعريفاً لحزب الله، ماذا
يمكننا أن نقول، نقول عنه حزب لبناني بأبعاد إقليمية أم قوة إقليمية ببعد لبناني؟
سماحة السيد نصرالله: حتى لا أدخل بالتصنيفات، دولة داخل دولة، لا أٌقبل هذه
التوصيفات التي يطلقونها وهي غير صحيحة، أختصر بالإجابة وأقول، هو حزب لبناني له
تأثير في الأوضاع الإقليمية، في الأحداث الإقليمية، الآن إذا كان أحد يريد أن
يوصّفنا أكثر من ذلك، هذا شأنه، لكن نحن متواضعون ونحن حزب لبناني وتشكيلنا لبناني،
ولكن بنتيجة توقيت المنطقة وأحداث المنطقة لدينا، بسبب تحالفاتنا وعلاقاتنا
وصداقاتنا وقدرتنا على الحضور في بعض المساحات أو الميداين أو المجالات، يمكننا أن
نقول: بات لنا نوع من التأثير الإقليمي.
- معروف عنك التواضع سماحة السيد. إذا أردنا أن نفصّل الآن بالمشهد السوري الذي هو
محور الأحداث في المنطقة، يؤثر ويتأثر، كيف يمكن تظهير المشهد السوري سماحة السيد
ربطاً بالتطورات الاستراتيجية التي طرأت عليه مؤخراً، من التدخل الروسي الواسع
المدى في سوريا إلى التحولات في الموقف الأوروبي الذي كان يعتبر أن تنحي الرئيس
بشار الأسد هو أولوية، فإذا بالأوروبيين الآن يقولون لا، يمكن أن يكون الرئيس الأسد
شريكاً في الحل السياسي والمرحلة الانتقالية، وحتى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
وصل إلى هذا المدى، رغم العداء المعروف بينه وبين الرئيس السوري، كيف تقرأ هذه
التحولات في الخريطة السورية؟
سماحة السيد نصرالله: هذا الذي يحصل الآن هو نتيجة طبيعية متوقعة لأسباب عديدة:
السبب الأول هو الصمود في سوريا، يعني اليوم نحن تجاوزنا 4 سنين ونيف، نحن قريبون
على 5 سنين، يعني بعد عدة أشهر يكون مر على الأحداث في سوريا 5 سنين. حسناً، 5 سنين
من الحرب الكونية، من دون مبالغة يعني، الحرب الكونية على سورية، والهدف كان هو
إسقاط النظام والسيطرة على سوريا وعلى دمشق بالتحديد كعاصمة للدولة السورية.
الصمود الذي صار في سوريا، يعني صمود القيادة والنظام والجيش والشعب السوري وصمود
حلفاء سوريا إلى جانبها وعدم تخلّيهم عنها رغم كل الضغوط التي تعرضوا لها خلال
أيضاً قريب الخمس سنوات، أعتقد هذا العامل الرئيسي.
بعد ذلك، بدأت تداعيات الفشل في سوريا تظهر، يعني بدأت التداعيات والنتائج والآثار
تبدو على أولئك الذين خاضوا هذه الحرب الكونية. يعني إذا أخذناعناوين سريعة مثلاً:
واحد، فشل استراتيجية أوباما في مواجهة داعش والإرهاب، هو الآن يبشر بفشل
استراتيجية بوتين، دع بوتين جانباً، أنت استراتيجيتك فشلت، والجنرال المتقاعد الذي
عينته مسؤولاً ومنسقاً لحملة التحالف الدولي ضد داعش هو الآن، حسب وسائل الإعلام،
قدّم استقالته، يمكن بشهر تشرين يغادر الرجل.
أتيتم باعترافكم 2000، درّبتم 2000 شخص من المعارضة المعتدلة لقتال داعش، الذي قبل
أن يقاتل داعش من 2000، طبعاً صرفوا عليهم 50 مليون دولار، الذي قبل أن يقاتل داعش
من 2000، 75، بقي منهم 5. يعني إذا كنا نريد أن نمزح، مثل "هذا الولد الذي قال
لأبيه بالعيد أعطيني 100 قال له ما حاجتك بالـ100، هذه 50، 25 لك ولأخيك مثلاً".
بقي من الـ75، 5، هذا دليل فشل ذريع.
أيضاً سلاح الجو، أنا أتذكر من سنة، أول ما صار موضوع داعش وحكي عن استراتيجية
القصف الجوي، قلت إن هذه استراتيجية فاشلة، القصف الجوي لا يمكن أن يغيّر معادلة
ولا أن يحسم معركة، بمعزل عن القوات البرية الميدانية.
إذاً فشل استراتيجية التحالف الدولي ضد الإرهاب أو ضد دعش وبالتحديد الاستراتيجية
الأميركية.
عموماً فشل كل الخطوات التي قاموا فيها، كل المسلحين الذين جاءوا بهم من كل أنحاء
العالم، الدعم الإعلامي، الدعم المالي، الدعم اللوجسيتي، غرف العمليات في دول
الإقليم، هذا كله فشل.
- اسمح لي استطراداً أن الفصائل المسلحة في سوريا والمجموعات الإرهابية حققت مؤخراً
إنجازات وصفت بأنها نوعية على الأرض، ألا يعد ذلك نجاحاً لهذا المحور؟
سماحة السيد نصرالله: لا، بالنهاية نتيجة المعركة، أنت يجب أن تأخذ المشهد العام،
التقدم في مكان ما والتراجع في مكان ما، هذا يحصل بأي معركة بأي حرب، بشكل طبيعي
جداً، بكل حروب التاريخ، والعالم الآن لا يحكم على مصير الحرب من خلال التقدم
الجزئي هنا أو التراجع الجزئي هناك.
حسناً، من التداعيات التي أثرت على التبدل في الموقف الدولي هو عودة هؤلاء الذين
جاءوا إلى سوريا، الإرهابيين، التكفيريين، إلى فرنسا، إلى ألمانيا، إلى بلجيكا، إلى
بريطانيا. فإذاً ارتداد الإرهاب على الدول التي دعمت وهذا قيل منذ الأشهر الأولى
لهذه الدول، أن هذا الإرهاب سيرتد عليكم.
الآن المستجد أيضاً هو موضوع المهاجرين واللاجئين، يعني لما بدأت هذه الحملة منذ
أسابيع، عشرات الآلاف أو مئات الآلاف، هذا استحقاق أمام الأوروبيين، هم يتكلمون
بحقوق الإنسان، هم لا يستطيعون أن يقفلوا حدودهم ويتركوا العالم تموت بالمحيط أو
بالبحر، لأنه هم يدّعون أنهم دول ملتزمة بحقوق الإنسان ودول ديمقراطية وإلى آخره.
هذه من تداعيات الحرب، هذا كيف يعالج، إما أن تستوعبوا هؤلاء المهاجرين عندكم، وإما
أن تعالجوا السبب. علاج السبب هو أن تقبلوا بحل سياسي في سوريا، أن توقفوا الحرب في
سوريا، وهذا هو العلاج الحقيقي.
إذاً هذه مجموعة عوامل، من أهم العوامل أيضاً، الاتفاق النووي الإيراني مع الخمس
زائد واحد، يمكن خلال فترة المفاوضات كان الأميركيون أو الأوربيون يعتقدوا أن في
سياق المفاوضات مع الإيرانيين يمكن أن تساوم إيران على مصير سوريا، وبالتالي نحن
نأتي للإيراني، نعطيه ما يريد، أو الذي يرضيه في الملف النووي ونخرجه من معركة
سوريا وبالتالي نبعد أحد حلفاء سوريا عن هذه المعركة، هذا أيضاً انتهى، وأنه كما
صار واضحاً واعترف الأميركيون أنفسهم، أن كل المفاوضات النووية كانت فقط نووية،
يعني لا يوجد شيء آخر، لا سوريا ولا لبنان ولا اليمن ولا أي شيء آخر.
أذاً هناك مجموعة عوامل، بالتأكيد من أهم العوامل أيضاً الجديدة هو التدخل، هذا
التقدم في الموقف، التصعيد في الموقف الروسي، السياسي والعسكري أيضاً، جعل مثل
ميركل ومثل هولاند ومثل بقية المسؤولين، بل جعل الأميركان أنفسهم، جعل الأتراك
أنفسهم.
- أن يصبحوا واقعيين؟
سماحة السيد نصرالله: يعني أردوغان أين حكى هذا الكلام، حكاه في موسكو، هذا يجب أن
تأخذه بعين الاعتبار، كان الكلام أيضاً، لأنه هناك بالتأكيد سمع كلاماً من الرئيس
بوتين يدل على جديّة الروس في هذا الموقف المستجد أو المتطور في الموضوع السوري.
- سماحة السيد هذا الموقف الروسي المستجد يحتاج بالتأكيد إلى تشريح، وسماحتك لست
فقط تجيد القراءة بين السطور، أنت تملك المعلومات، كيف يمكن فهم دوافع قرار
فلاديمير بوتين بتوسيع التدخل أو الحضور العسكري الروسي في سوريا في هذا التوقيت
بالذات، يعني ما هي الرسائل التي أراد إيصالها عبر البريد السوري السريع؟
سماحة السيد نصرالله: انظر هناك مقطعان، هناك المقطع الأول الذي هو الموقف العام،
أن روسيا وقفت إلى جانب سوريا من بداية الأحداث، وقفت إلى جانبها في مجلس الأمن،
كانت تضع فيتو على أي مشروع يستهدف سوريا، على المستوى السياسي، على المستوى
الإعلامي، على مستوى فتح آفاق الحوار، على مستوى تنفيذ عقود السلاح والذخيرة وتقديم
المشورة، هذا كان يسير طبيعياً جداً. لكن لم يتطور الموقف بالموضوع العسكري إلى حد
أن يبعث هو مثلاً طائرات طياريها منه، يعني من الجيش الروسي، أو مثلاً سلاح مدفعية
طاقمه روسي، يعني الوجود، دعني أقول، القتالي، ليس مستشارين يأتون ليقدموا
استشارات. التطور كبير، هذا أدخله أنا في المقطع الثاني.
في المقطع الأول، طبيعي حسابات روسيا، يعني أولاً من مصلحتها السياسية الكبرى على
المستوى الدولي، على المستوى الإقليمي، سوريا هي الحليفة الوحيدة المتبقية لروسيا
في كل المنطقة يعني، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وغرب آسيا، فإذا خسرت سوريا
المواجهة صارت في روسيا، في مصالحها السياسية، موقعها الدولي، موقعها في التأثير
بأوضاع المنطقة، مصالحها الاقتصادية، الاستراتيجية، كل هذا يفرض عليها إضافة إلى
العلاقة التاريخية بين سوريا وروسيا أيام الاتحاد السوفياتي. حسناً، هذا يأتي في
المقطع العام.
مع ذلك، كان هناك رهان خلال السنوات الماضية عند الأمريكيين وعند الأوروبيين، حتى
عند بعض الدول العربية مثل السعودية، مثل قطر، مثل تركيا، أنها تستطيع أن تقنع
موسكو أن تبتعد عن دمشق. وحصلت هذه الزيارات كما نلاحظ السنة الماضية أو هذه السنة،
وجرى تقديم إغراءات هائلة لموسكو على مستوى شراء السلاح، على مستوى العلاقات
التجارية، الاقتصادية، ضمان مصالح روسيا في سوريا وفي المنطقة، كلها كانت محاولات
لإقناع الروس بأن: اخرجوا من هذا الموقف ونحن نضمن مصالحكم. هذا لم يؤدّ إلى نتيجة،
في مكان ما إذا أريد أن أكمل الصورة، كان هناك ناس يعتقدون أن الروسي ليس حاسماً في
موقفه إلى جانب الرئيس بشار الأسد، وكان ينقل كلمات أحياناً قد تفيد أنه يوجد هذا
الالتباس.
الآن، المقطع الثاني، هناك مستجدات مهمة، موضوع أوكرانيا مهم وأداء الغرب عموماً
والأمريكان مع الروس كان أداء قاسياً ومهيناً، هذا من جهة.
اثنين، يرجع أيضاً الاتفاق النووي الإيراني، إذا كنتم تذكرون قبل سنوات، جاء
الأمريكان وأنشأوا شيئاً في أوروبا الشرقية، ببولندا بالتحديد، اسمه الدرع
الصاروخية. موسكو اعتبرت أن هذا يستهدف روسيا وأمنها القومي، الأمريكان قالوا لهم
لا، هذا الموضوع له علاقة بإيران، لأننا نحن نتهم إيران أنها تريد أن تصنع سلاحاً
نووياً، ونحن نحتاج لهذه الدرع الصاروخية بسبب إيران.
لما صار الاتفاق النووي، إيران و5+1، قال الروس للأمريكان: حسناً، هذا الموضوع
انتهى، لا يوجد سلاح نووي وهذا اتفاق وعولج الموضوع، تفضلوا انزعوا الدرع
الصاروخية، ولكن الأمريكان لم ينزعوا الدرع. هذا زاد قلق الروس. "طحشة" الناتو في
أوروبا الشرقية، الآن، الآن، هو على حدود روسيا، يعني لم يعد هناك فواصل بين الحدود
الروسية وبين أماكن حضور الناتو بشكل مباشر، هذه عوامل يجب أن تأخذها الآن بعين
الاعتبار.
حسناً، أيضاً، هناك شيء مهم جداً، الذي اسمه موضوع داعش والذي اسمه الإرهاب، هناك
جزء كبير ممن يقاتل في سوريا، خصوصاً في شمال سوريا، هم من الشيشان، من داغستان ومن
تلك المناطق، وتركيا أمّنت لهم المعبر الآمن، أصبح عندهم معسكرات وعندهم تشكيلات
وعندهم قدرات ويخوضون معارك، هؤلاء غداً إلى أين سيعودون؟ إلى دول الاتحاد الروسي،
وبالتالي سيهددون الأمن القومي.
فشل أميركا وفشل التحالف الدولي في الحاق الهزيمة بداعش كان أحد الأسباب التي دعت
أو حفزت روسيا أن تأتي أيضاً وتحضر بشكل مباشر.
معلوماتي أنا، أن هذا الموضوع يناقش منذ عدة أشهر، روسيا دعت إلى تحالف جديد في
مواجهة الإرهاب على أن يضم هذا التحالف إيران والعراق وسوريا، باعتبار أن التحالف
الآخر موجودة فيه الدول المعروفة زائد السعودية وبعض دول الخليج، والعراق موجود
لأنه عُمل من أجل العراق. إيران وسوريا خارج التحالف، وتركيا أيضاً كانت خارج
التحالف. الروسي جاء وقال: يجب أن نقيم تحالفاً دولياً جديداً يضم إليه إيران
وتركيا وسوريا.
- إلى جانب الولايات المتحدة والآخرين؟
سماحة السيد نصرالله: إلى جانب كل الدول. طبعاً أميركا لا تقبل، تعتبر مشكلتها مع
النظام في سوريا، الآن بمعزل عن الموقف الإيراني، أنه يقبل أن يكون جزءاً من تحالف
موجودة فيه الولايات المتحدة الأميركية وهو لا يقبل أن يقاتل في جبهة في العراق إذا
كان الأمريكان لهم علاقة بهذه الجبهة، هذا بحث آخر.
طبعاً تركيا والسعودية لم تتجاوب، أولئك عندهم تحالفهم، فركب نواة، طبعاً ليس
تحالفاً بمعنى تحالف في كل شيء، تحالف ضد داعش، في محاربة الإرهاب، روسي، عراقي،
إيراني، سوري.
- حزب الله.
سماحة السيد نصرالله: لا، لا، نتكلم الآن دول.
وحصلت لقاءات بين قيادات كبيرة جداً، بين هذه الدول، لقاءات في طهران، في بغداد، في
دمشق وفي موسكو، وهذا الأمر منذ عدة أشهر، طبعاً الأمريكان والغرب والسعوديون
والأتراك ودول المنطقة تعرف بهذه اللقاءات، صحيح هي لم تُصور بالإعلام لكن أخبارها
لم تبقَ مخفية. وكان هناك نقاش جدي لتشكيل حلف حقيقي وقوي على مستويات مختلفة
ومواجهة مشتركة لكل حالات الإرهاب الموجودة في المنطقة. إذاً الموضوع يعدّ له من
عدة أشهر، ليس "ابن ساعته الحالية".
لذلك نحن نعتبر أن الدخول الروسي الآن له هذه الأسباب المباشرة والأسباب العامة
التي حكيتها بالمقطع الأول، وهذا ترجمة لشيء قلناه قبل عدة سنوات. لما صاروا يقولون
إن دمشق تسقط وسوريا تسقط وقلنا إن سوريا قادرة أن تصمد وأن حلفاءها لن يتخلوا
عنها، هذه الترجمة.
الجديد، يعني اليوم، بالعسكري هو هذا وأيضاً بالسياسة، أن الموقف الروسي في موضوع
الرئيس بشار الأسد لم يعد هناك التباس، أنه والله بين الرئيس بوتين وبين الخارجية
وبين المجلس وفلان قال ذلك، انتهى الموضوع.
حتى في الجمهورية الإسلامية كان الأمريكان يحاولون أنه مثلاً ممكن أن يجدوا أحداً
في إيران يقبل معهم بفكرة البحث عن بديل أو خيارات بديلة أو ما شاكل. أنا أعتقد أنه
في هذه اللحظة الحالية الموقف الروسي حاسم جداً، والموقف الإيراني حاسم جداً، وهذا
تطورات الميدان أيضاً كان لها هذه الأحداث، التي قلناها قبل قليل، تركت تأثيرها على
الموقف الدولي بشكل عام.
- إذا كنا نريد أن نتكلم سماحة السيد بالموقف، يعني الموقف الرسمي لحزب الله، ما هو
موقف حزب الله، وباعتباره موجوداً أيضاً على الأرض السورية، وهو بالتالي شريك بكل
هذه المعادلة، ما هو موقفه من هذا العنصر المستجد، من الدخول الروسي المباشر
والواسع على خط الحرب؟
سماحة السيد نصرالله: نحن نرحب بأي قوة تدخل وتساهم وتساند هذه الجبهة، لأنها من
خلال مشاركتها سوف تساهم في إبعاد الأخطار الكبرى التي تتهدد سوريا وتتهدد كل
المنطقة. يعني بناءً على فهمنا لطبيعة المعركة القائمة في سوريا وأهدافها والمشروع
الذي يعمل عليه والأخطار التي تمثلها بالنسبة لسوريا ولبنان وفلسطين والعراق وحتى
منطقة الخليج وكل المحيط، نحن نعتبر دخول العامل الروسي أو أي عامل آخر نعتبره
إيجابياً ومسانداً ومساهماً وتترتب عليه نتائج كبيرة جداً إن شاء الله.
طبعاً حاول بعض وسائل الإعلام، بعض الجهات، أن يقولوا أن هناك موقفاً سلبياً أو
هناك "نقزة" أوهناك قلقاً، هذا غير صحيح، هذه الحركة الروسية كانت منسقة في إطار ـ
بالحد الأدنى ـ الدول الأربعة التي تكلمت عنها قبل قليل.
- يعني ألا يأتي هذا الوجود أو الحضور الروسي الواسع في سوريا على حساب النفوذ
الإيراني؟
سماحة السيد نصرالله: لا، أصلاً لا يوجد نفوذ إيراني في سوريا، يعني إيران ماذا
تريد في سوريا، حتى نقول أن التواجد الروسي يزاحمها أو ينافسها. إيران كل ما تريده
في سوريا أن تبقى سوريا في محور المقاومة وأن يصمد هذا النظام وأن لا يسيطر
التكفيريون على سوريا، طبعاً هي تؤيد الإصلاحات في سوريا والتطوير السياسي
والاجتماعي في سوريا، لا نقاش فيه، وإلا إيران لا في السابق ولا الآن تتدخل في أي
شأن من الشؤون السورية الداخلية، طبعاً خلافاً لما يقوله بعض الإعلام الخليجي، يقول
لك إن الحرس الثوري يحتل سوريا، هذا كلام فارغ، أو أن الإيرانيين هم يديرون ويقررون
ويفعلون ما يشاؤون، أبداً، القيادة والإدارة في سوريا والقرار في سوريا هو سوري مئة
بالمئة، الإيراني كل همه وغمه في سوريا هو عدم السماح بأن تسقط سوريا في يد هذه
الموجات التكفيرية التي تهدد الجميع، يعني لا يوجد منافسة.
- هل لديكم أي معلومات حول حجم الانخراط العسكري الروسي في سوريا، يعني يحكى تارة
عن قواعد جوية طوراً عن مستشارين بعدد كبير، ما هو شكل التطور في الحضور الروسي؟
سماحة السيد نصرالله: الآن دعنا لا نعطي أرقاماً، لأنه ما زال يكتمل، يعني لم يكتمل
بعد، لكن هذا أصبح معروفاً أنا لا أكشف سراً أن هناك أعداداً معتد بها من الطائرات
الحربية المتطورة جداً، يعني طائرات حربية، هليوكبتر أيضاً، صواريخ دقيقة الإصابة،
مدافع أيضاً دقيقة الإصابة، إمكانات متطورة جداً جاءوا بها مع أطقم. الآن العدد
والأطقم يبان كله لاحقاً. لكن هناك حضور ـ المقدار الذي نعرفه حتى الآن ـ بالتأكيد
سيكون مؤثراً في مسار المعركة القائمة.
- وهل هذا التدخل الروسي قابل للتطور في المدى الأطول، بمعنى هل يمكن أن نرى يوماً
ما قوات روسية برية تقاتل إلى جانب الجيش السوري؟
سماحة السيد نصرالله: ممكن، هم أعلنوا ذلك، هم قالوا إذا طلبت منا دمشق أن نرسل
قوات نحن جاهزون، لكن حتى الآن هذا الطلب السوري لم يحصل، وهذا يمكن أن يحصل في أي
وقت.
- ماذا عن الموقف الأميركي ـ سماحة السيد ـ من التدخل الروسي في سوريا، أيضاً كأن
الأميركيين عندهم بعض الإرباك، ساعة تسمع أن هناك تفهّم، مرة أخرى تسمع أن هناك
انتقاداً وقلقاً، وفق فهمك للأمور ما هي حقيقة الموقف الأميركي؟
سماحة السيد نصرالله: أنا أعتقد أن الروس فرضوا أنفسهم، الأميركان ليسوا من النوع
الذين يفتحوا مجالات للضعاف، يعني إذا كنت تتكلم مع الأميركان كعاقل وتطلب أن يكون
لك دور وأن يعطوك مساحة أو هامش، لا هم لا يعملون هكذا، يعني هم "بدفشوا تدفيش"
الأميركان، عقل الهيمنة والاستكبار والتسلط هو الحاسم والزنود عند الأميركان.
الروس استفادوا من هذا التطور، هم يقرأون جيداً، عرفوا أن الموقف الأوروبي يتحول
ويتبدل، رأوا الفشل الأميركي والدولي في مواجهة داعش، هذا الخطر يكبر، جاءوا وفرضوا
أنفسهم على المعادلة. هنا الأميركي تلبك، طبعاً الأميركي برغماتي، لما يفرض عليه
أمر واقع يعبر عن قلقه، عن استيائه، عن انزعاجه، عن مخاوفه، ولكن يتعايش معه ويحاول
أن يقلل الخسائر ويوظف هذا الواقع الجديد بما يخدم رؤيته أو مشروعه. ولذلك ترى
الموقف الأميركي ملتبساً ومرتبكاً.
لكن فكرة أن الذي قيل ببعض وسائل الإعلام أن الروس والأمريكان متفقون على كل شيء له
علاقة بسوريا وله علاقة بالمنطقة وفي هذا السياق جاءت القوة الروسية إلى سوريا، هذا
لا نوافق عليه، هذا كلام، تحليل ليس له أي معطيات.
- هل تؤيدون في هذه المرحلة تحديداً توسيع الشراكة في محاربة داعش بحيث تضم، مثل ما
كنت تقول قبل قليل، الروس والإيرانيين والعراقيين وحزب الله إلى جانب الأميركيين
وحلفائهم؟
سماحة السيد نصرالله: الآن هناك فرق بين الأمريكان وحلفائهم، يعني والله مثلاً إذا
دخلت الدول الإقليمية في مواجهة الإرهاب، هذا ممتاز جداً. يعني مثلاً، تركيا، أصلاً
تركيا ليس هناك داع أن تدخل في مواجهة الإرهاب، يكفي أن تقفل الحدود على الإرهابيين
الذين يأتون من كل أنحاء العالم وهي تسهل دخولهم إلى سوريا، ويكفي أن تقطع عنهم
المال والسلاح والمدد، ويكفي أن توقف بيع النفط الذي يدر المال على داعش وعلى غير
داعش، هذه أكبر خدمة تقدمها تركيا في مواجهة الإرهاب. أيضاً بقية الدول العربية
التي تقدم المال والسلاح وتفتح الحدود وتسهل خروج المقاتلين وإعلامها أيضاً يدعم،
يعني أنا أتهم بعض الفضائيات العربية المعروفة، أنه لا هي داعش، هي تدعم داعش بشكل
غير مباشر، من خلال طريقتها في تقديم الأخبار والتحاليل وإلى آخره.
على كل حال، أما الأميركان، لا الموضوع مختلف، نحن لا نثق بالأميركيين في محاربة
الإرهاب أبداً، نحن نعتبر أن الأميركيين أولاً هم إرهاب، الإدارة الأميركية يعني،
ليس الشعب الأميركي، هي رأس الإرهاب، هي دولة إرهابية وإدارة إرهابية وهي غير مؤهلة
لا أخلاقياً ولا إنسانياً ولا سياسياً لمحاربة الإرهاب. ثانياً، أن هي غير جادة في
محاربة الإرهاب الموجود الآن فعلاً، داعش والنصرة وغيرها، بل هي توظف هذه الحالات
لخدمة مشروعها، هي ليست جادة، وهذا طبعاً بالآراء واضح ومبان.
- سماحة السيد بالانتقال إلى الوضع الميداني السوري، الزبداني تتصدر الواجهة
والمواجهة، لماذا الزبداني، يعني هذا السؤال الذي يخطر على البال تلقائياً، لماذا
ذهب حزب الله إلى الزبداني، كان حسب معرفتنا وحسب ما أنتم كنتم تعملون على الأرض،
كان هناك معركة مفتوحة في جرود القلمون وعرسال، كنا نواكبكم، فجأة فتحت معركة
الزبداني، حتى قبل أن تنتهي معركة الجرود، لماذا؟
سماحة السيد نصرالله: هناك شيء له علاقة بغير المساعدة داخل سوريا، هناك شيء نحن
اعتبرناه من بداية التدخل في الوضع السوري أن هذا له أهداف مشتركة، لبنانية ـ
سورية، بدءاً من معركة القصير وصولاً إلى القلمون، وصولاً إلى جرود عرسال، طبعاً
كان من جهة الشمال حسمت المعركة. نحن بالحد الأدنى، نحن نطمح إلى أن تكون كل الحدود
اللبنانية ـ السورية ممسوكة، وإبعاد الجماعات المسلحة عن الحدود اللبنانية السورية،
وهذا طبعاً يحمي لبنان ويحمي اللبنانيين ويحمي كل البلدات والمدن اللبنانية ويخفف
العبء على الجيش اللبناني الذي هو معني بالتواجد بشكل أساسي على الحدود.
حسناً، بعد إنجاز القصير جاءت القلمون، عندها لماذا القلمون ليس مكان آخر، لأن
القلمون كانت مصدر السيارات المفخخة إلى الداخل اللبناني. انتهينا من القلمون
الأولى نسميها، جاءوا إلى الجرود، ذهبنا إلى المرحلة التي بعدها على جرود القلمون
وجرود عرسال، نحن في الحقيقة ـ تتذكرون ـ عندما تكلمنا عن هذه المعركة، أنا في
التلفاز قلت ليس عندنا سقف مكاني، ليس عندنا سقف زماني، لكن نحن نعلم إلى أين نريد
أن نصل، نريد أن نصل إلى المكان الذي وصلنا إليه بالتحديد. طبعاً، يبقى الهدف أن
يأتي يوم من الأيام يحيث لا يكون هناك مسلح أو إرهابي في جرود عرسال أو في رأس
بعلبك، هذا محسوم، هذا كهدف نهائي. لكن هدف العمليات التي قمنا بها، كان السيطرة
على كل ما سيطرنا عليه وخصوصاً الجبال العليا والتلال العليا لأن هذا يؤدي إلى
محاصرة بقية المسلحين في بقية الجرود وتخفيف مخاطرهم إلى الحد الأدنى الأدنى.
حسناً، بقي عندنا من المصنع لتسير مع الحدود اللبنانية السوري للبحر، بقي عندنا ما
هو بأزاء الزبداني والزبداني. الزبداني باتت في الآونة الأخيرة تشكل تجمع لكل
المسلحين الهاربين من المنطقة، تبقى تشكل أيضاً عبئاً على الحدود اللبنانية السورية
والأهم تستطيع أن تشكل تهديداً وبدأت تشكل تهديداً على طريق المصنع - دمشق، هذا
طريق دولي، بالنسبة لدمشق هذا موضوع مهم جداً، وبالنسبة للبنان هذا مهم جداً. فكانت
معركة الزبداني أيضاً بحيثيات لبنانية سورية، يعني ليست بحيثيات لبنانية محضة، ولا
بحيثيات سورية محضة، يمكن أن تقول إن معركة الزبداني بحيثياتها وملكاتها ومبانيها
قريبة إلى معركة القصير، قريبة لمعركة القلمون. فصار النقاش والاتفاق أن الجيش
السوري وأيضاً هناك قوات دفاع شعبي من أطر مختلفة، وهناك قوات من المقاومة، وضعت
الخطة وشكلت غرفة عمليات مشتركة وبدأت المعركة.
- السؤال التالي، لماذا تعذر او تأخر الحسم العسكري في الزبداني التي بدت عصية
عليكم كما قال بعض السياسيين والإعلاميين في لبنان، هل يعود الأمر إلى مقاومة شرسة
أبدتها المجموعات المسلحة أم إلى حسابات واعتبارات خاصة بحزب الله والجيش السوري؟
سماحة السيد نصرالله: وأضف عليهم بعض الخبراء الاستراتيجيين أيضاً.
العملية - أنا أتيت بالتاريخ هنا معي - بدأت بالزبداني 1-7-2015، وبعد أقل من
أسبوعين من بدء العملية، أصبح وضع المسلحين صعباً جداً، المعركة بدأت في مساحة
واسعة جداً، صار هناك سيطرة على كل السهول والتلال المجاورة والدخول إلى المدينة
بشكل تدريجي وأغلب المساحات تمت السيطرة عليها من قبل الجيش السوري والمقاومة. أصبح
وضع المسلحين صعباً جداً، بدأوا بالاستغاثة.
حسناً، بطبيعة الحال التواجد الأساسي بمنطقة الزبداني وجوارها هو لجهتين، تنظيم
اسمه حركة أحرار الشام وجبهة النصرة، هؤلاء لهم تواجد بمنطقة إدلب، محافظة إدلب،
ماذا يوجد في محافظة إدلب؟ تقريباً المحافظة أغلبها فيها هذه الجماعات المسلحة
باستثناء بلدتين سوريتين ما زالتا، يعني هم مواليتان للنظام، ما زالتا صامدتين،
اسمهما الفوعة وكفريا. لما بدأ المسلحون يستغيثون، قيادتهم هناك اعتبرت أن المكان
الذي يستطيعون أن يضغطوا فيه على الجيش والمقاومة بالزبداني هو الضغط على الفوعة
وكفريا، وطرحوا معادلة الفوعة ـ كفريا ـ الزبداني، هذا حصل في 15-7، يعني بعد 14
يوماً تقريباً من بدء المعركة، لما بدأت الاستغاثات وصار أفق الزبداني واضحاً بأنها
آيلة إلى السقوط العسكري.
أنا أحب أن أؤكد لك في البداية، قبل أن أدخل إلى المعادلة، أؤكد لك أنه كان يمكن
للزبداني أن تنتهي عسكرياً منذ وقت طويل، يعني بـ16،17،18/7. لكن لما أتت هذه
المعادلة، نحن عندما تناقشنا نحن وإخواننا السوريين وبالتنسيق معهم، اعتبرنا أن هذه
فرصة، هذا ليس تهديداً، اعتبرناه فرصة والآن أشرح كيف. حسناً، معنى ذلك أنه لم يعد
ضرورياً أن ننهي الزبداني بسرعة، يجب أن نطيل (مدة سقوط) الزبداني لنستفيد من فرصة
الزبداني لحل مشكلة الفوعة، كفريا، التي أدخلوها هم على المعادلة.
يعني، دعني هنا آتي قليلاً على الفوعة وكفريا ومن ثم أعود للزبداني. فوعة – كفريا
هما محاصرتان منذ أكثر من 7 أشهر 8 أشهر، طبعاً هم حصارهم قديم، لكن كان عندهم خط
طريق على مدينة إدلب، عندما سقطت مدينة إدلب أصبحوا هم في حصار تام. الجماعات
المسلحة دائماً هي تهاجم الفوعة – كفريا، يعني هي لم تهاجمها بسبب معركة الزبداني،
دائماً كانت تهاجم الفوعة ـ كفريا وتقصف الفوعة كفريا وتحاول أن تجتاح البلدتين،
وهناك مخطوفون وأسرى من أهل الفوهة ـ كفريا لدى الجماعات المسلحة. فهم اعتبروا هنا
أنهم يستطيعون أن يضغطوا، حسناً، هناك مسؤولية عند النظام، مسؤولية النظام بالدرجة
الأولى بسوريا، وأيضاً طبعاً له أيضاً عند حلفائه، أنه يجب أن نجد حلاً لمشكلة
الفوعة ـ كفريا. الحل الذي كان دائماً يتم التفكير فيه والذي هو منطقي، هو إيجاد
معالجة معينة لإخراج، لتسهيل خروج أهل الفوعة ـ كفريا إلى خارج المنطقة، لأن بقاءهم
في المنطقة (يستدعي) إما أن يقبلوا بحكومة المسلحين، إذا قبل المسلحون أصلاً
ببقائهم، وإما أن يخرجوا والأفضل لهم والآمن لهم أن يخرجوا من هذه المنطقة بعد
سقوطها، الآن لاحقاً الأمور تعالج مثل كل الملفات في سوريا.
فكان هذا الموضوع يناقش، أن هذا كيف يمكن أن يتحقق، لما هم ربطوا الفوعة ـ كفريا
بالزبداني، هنا قلت أنا، اعتبرنا التهديد، اعتبرناه ماذا؟ فرصة.
حسناً، صار يقال، إذا سقطت الزبداني نحن سنهجم ونأخذ الفوعة ـ كفريا، إذاً لما
"نطوّل بالنا" على الزبداني نكون نحمي الفوعة ـ كفريا، فـ "نطوّل بالنا" على
الزبداني مع استمرار الضغط من أجل التفاوض. مع ذلك، نحن كنا نضغط بالزبداني بحدود
أن لا تسقط الزبداني، يعني القرار كان أن لا تسقط الزبداني قبل الوصول إلى اتفاق
حول الفوعة ـ كفريا.
- إذاً كان قرار حزب الله ودمشق.
سماحة السيد نصرالله: دمشق وحزب الله.
طبعاً التفاوض والاتفاق يمكن أن يُنهي معركة الزبداني دون الحاجة إلى معركة عسكرية.
هنا ذهبنا إلى التفاوض، إذاً الزبداني لم تكن عصية على الجيش السوري والمقاومة،
الزبداني كانت في معرض السقوط المبكر، الاستغاثات كانت مبكرة جداً في الزبداني، لكن
ولو فتح الطريق، يعني أساساً بالعسكر نحكي القليل من العسكر. في القصير المعركة
كانت أخذت وقتاً قليلاً، لكن لما هم أيقنوا أنه لم يعد هناك أفق بالقصير هم فاوضونا
وفاوضوا الجيش السوري، قالوا لنا افتحوا لنا طريقاً لننسحب، فتحنا لهم طريقاً
فانسحبوا، هكذا سقطت القصير، الجزء الثاني من القصير.
بالقلمون، أصلاً بالدنيا كلها، بالعسكر، لما يحصل حرب، القوة المهاجمة التي تريد
السيطرة على مدينة، أول شيء "تعمل حصار" لضرب إرادة القتال ومعنويات المقاتلين داخل
المدينة، لكن إذا هدفها المدينة، فهي تفتح منفذاً لخروج المسلحين. هذا المنفذ لم
يفتح للمسلحين وكان يمكن أن يفتح في أي وقت وتسقط الزبداني، لم يفتح لتبقى الزبداني
فرصة لمعالجة موضوع الفوعة ـ كفريا طالما أنهم هم أوجدوا وقبلوا بهذه المعادلة
وذهبوا إلى التفاوض.
- سماحة السيد نريد أن نقف مع فاصل أول، أريد أن أخبر المشاهدين أنه بعد الفاصل
سيكشف سماحة السيد عن التفاصيل المتعلقة بالاتفاق الذي تم لإنهاء ملف الزبداني،
كفريا والفوعة برعاية الأمم المتحدة، كل التفاصيل والأسرار المتعلقة بهذا الاتفاق
بعد الفاصل.