يتم التحميل...

القوة الناعمة في مشهد الإعلام وحالة الصراع الدولي - الإقليمي

الحرب الناعمة

من قواعد الحرب الناعمة أن تستخدم وسائل الإعلام بهدف التأثير على قناعات ومبادئ الخصم عبر وسائط الاتصال المختلفة، وذلك ليس من أجل إحداث نشر ثقافة بديلة عن الثقافة المحلية فحسب، بل من أجل إحداث قلب في معايير التفكير واتجاهات الرأي العام في البلد المستهدف.

عدد الزوار: 35

القوة الناعمة في مشهد الإعلام وحالة الصراع الدولي - الإقليمي على الشبكة الإلكترونية

من قواعد الحرب الناعمة أن تستخدم وسائل الإعلام بهدف التأثير على قناعات ومبادئ الخصم عبر وسائط الاتصال المختلفة، وذلك ليس من أجل إحداث نشر ثقافة بديلة عن الثقافة المحلية فحسب، بل من أجل إحداث قلب في معايير التفكير واتجاهات الرأي العام في البلد المستهدف.

وفي استراتيجيات الحرب الناعمة، يُعمل بما يسمّى بحرب المواقع الإلكترونية لإثارة السجالات، ومحاولات الجذب والتأثير، والقرصنة ومهاجمة مواقع الآخر المستهدف "بالفايروسات" المتنوعة. وأمور كهذه، تمكن ملاحظتها في مضامين موضوعات الشبكة، التي تظهر ما ينظّر حول الحرب الناعمة في دائرة الصراع الدولي - الإقليمي، حيث تتبدى أنماط حضور مختلفة، تبحث في مخاطر هذه الحرب وأشكالها في منطقة الشرق الأوسط، بين أطراف سياسية تمثل اتجاهات عدة، تتمثل بحضور قوى إسلامية مستقلة، حضور إيراني، وحضور إسرائيلي، يقابله غياب حضور غالب الحكومات العربية عن مسرح التصدي لهذا النوع من الحروب. وربما يحدث ذلك بحكم أن هذه الحكومات لا تشعر بأنها معنية بتأثير الفايروسات الناعمة، أو ربما لأنها تلعب دوراً لصالح انتشارها، وإن بصورة غير مباشرة، فما الذي يستحق إثارة السجال والجدل؟

على صعيد الإعلام، يروج الغرب الأمريكي دوماً لحرية التعبير عن الرأي وحقوق النشر، وحرية نقل المعلومات والإفادة منها، باعتبارها حقوقاً إنسانية لا يمكن المساس بها. وتحت عناوين كهذه، تلام وتعنف الأنظمة الشمولية والدكتاتورية على قمع الصحافة الحرة، وتوجه الانتقادات عندما يتعلق الأمر ببلدان غير صديقة، أو وفية للولايات المتحدة والغرب عموماً. أما الجانب المغفل الذي لا يتم الحديث عنه، فيقع في إستراتيجيات الإعلام في الحرب الناعمة، وفي منهجية السيطرة والتحكم بعقول الشعوب، عبر تحويل أساليب التفكير والذهنيات نحو أمور تافهة أحياناً لا تصب بمعظمها في محيط تناول قضايا حيوية، فتبعد العقول عن ملامسة مسائل التغير البنيوي، وتحولها إلى عقول مستهلكة غير منتجة، الأمر الذي يضع الأفكار والمعلومات في دائرة استهلاكية، ويرجح التعاطي مع الشعوب بمنطق إغراقي شبيه بمنطق الإغراق السلعي، الذي يوقع مستهلك المعلومات في هستيريا الاختيار.

وبصدد وظائف الإعلام في التحكم والتأثير، نلفت إلى قائمة أعدّها المفكر الأمريكي "نعوم تشومسكي" (Noam Chomsky) اختزل فيها الطرق التي تستعملها وسائل الإعلام العالمية للسيطرة على الشعوب، والتي حددها بعشر إستراتيجيات أساسية وهي:

1- إستراتيجية الإلهاء، وهدفها الأساس يتمثل في تحويل انتباه الرأي العام عن المشكلات الهامة، من خلال بث جملة من الإلهاءات والمعلومات التافهة التي تضع المتلقي في خانة التشتت.

2- إستراتيجية ابتكار المشكلة، وإحداث ردة الفعل، ومن ثم تقديم الحل، أي أن يثير الإعلام مشكلة تحدث ردة فعل من قبل الشعب، فيطالب بحلها، في وقت يفترض المطالبة بحل مشاكل أكثر أهمية وملامسة لظروف الحياة اليومية.

3- إستراتيجية التدرج، ويعمل بهذه الإستراتيجية من أجل تقبل إجراء من الصعب تقبله. بمعنى إقناع الشعب بضرورة حصول التغيرات الاجتماعية والاقتصادية بنحو تدرّجي تصاعدي.

4- إستراتيجية التأجيل كما يسميها "تشومسكي" وهي طريقة يتم الالتجاء إليها من أجل إكساب الأمور المكروهة حالة التقبل، كتقبل إجراء ما في الحاضر يفترض تطبيقه في المستقبل، وترسيخ فكرة أن ما يقدمه الشعب في الحاضر، سيجعله في موقع تفادي التضحية المطلوبة في المستقبل.

5- وتتجلى في مخاطبة الناس وكأنهم مجموعة من أطفال صغار، وبواسطة شخصيات وخطب لا تستدعي لدى المتلقي الحس النقدي السليم.

6- وتنطلق من استثارة العاطفة بدل تفعيل التحليل المنطقي. أي محاولة تحريك مشاعر وعواطف الناس من خلال إثارة الرغبات والمخاوف والنزعات السلوكية، بشتى الوسائل.

7- وتكمن في إبقاء الشعوب في حالة من الجهل والحماقة، وإبعادها عن التكنولوجيات المتقدمة ونوعية التعليم الجيد. وتتقاطع هذه الإستراتيجية مع إستراتيجية الإلهاء.

8- تشجيع الشعب على استحسان الرداءة، كأن يجد الفرد أنه من الرائع أن يكون "غبيا".

9- استبدال حالة التمرد بحالة من الشعور بالذنب. أي جعل الفرد يظن بأنه المسؤول الأوحد عن أخطائه وتعاسته، وأن مشكلاته الحياتية إنما تعود إلى سوء اندماجه ونقص ذكائه وقدراته، عوضاً عن قيامه بحراك سياسي يستهدف بنية النظام الاقتصادي القائم.

10- إستراتيجية سيطرة الإعلام من خلال تقدم العلوم البيولوجية والنفسية. فبرأي "تشومسكي" يلعب التطور العلمي دورا"هاما" في عمليات التأثير نتيجة دراسة طباع الناس وميولهم. وقد نتج ذلك التأثير برأيه عن الفجوة المعرفية بين عامة الناس، وبين الذين يمتلكون أدوات السيطرة، مما يجعل تأثير القوى الحاكمة أقوى من تأثير الأفراد على أنفسهم.1

من هنا، نستنتج أن للإعلام دوراً مستتراً أيضاً، يمارس عبر الديمقراطيات المثالية على الشعوب المستهدفة، بهدف تفريغها من عناصر القوة والممانعة انطلاقاً من ازدواجية الدور المرسوم له.

يتكرر فعل هذه الاستراتيجيات في حقل آخر، هو حقل الحرب الإلكترونية الذي تتم تجلياته في اتجاهين مترابطين: اتجاه أول، وتتدخل فيه تقنية مهاجمة الأعداء "بالفايروسات" بواسطة مخترقين (Hackers)، واتجاه ثاني، يتأسس على غزو العقول، وتغيير أساليب التفكير، وصناعة الأذواق، وإثارة التضليل المقصود. على مستوى الاتجاه الأول، تخترق أنظمة الحواسيب من خلفيات سياسية واقتصادية وثقافية من جهة، وأعمال قرصنة وسرقة معلومات من جهة أخرى. وقد استهدفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على سبيل المثال بفايروس "ستاكسنت" (Stuxnet)، وهو منتج فايروسي استخدم لإحداث أضرار بالبرنامج النووي الإيراني وأجهزة الطرد المركزي خاصته. أما على مستوى الاتجاه الثاني، فإنه يعبر عن الصراعات وأساليب الدفاع والتحصين والدعاية المنظمة من خلال الشبكة الإلكترونية. وبمجرد تصفح فهارس المواقع الخاصة بالحرب الناعمة، تمكن ملاحظة أطراف الصراع الدائر، خاصة على الصعيد الإقليمي، والذي سنعرض لتمثيل أشكال حضوره، بغية تفنيد أبعاده ومراميه، ووعي خطورة ما يجري في عالم يدعي "الدمقرطة"، ولا يعمل من أجلها إلا القليل.

*الحرب الناعمة مقومات الهيمنة وإشكاليات الممانعة ، سلسلة الندوات الفكرية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- جريدة السفير اللبنانية ( عشر استراتيجيات للتحكم بالشعوب – شباب السفير ) 15/2/2011 .

2015-09-05