يتم التحميل...

أطراف الصراع وتجليات الهجوم والدفاع والتضليل والممانعة

الحرب الناعمة

تلحظ فهارس الشبكة الإلكترونية أوجهاً عدة للصراع الخفي. وبالرغم من أن تحليلها وتفسير مضامينها يحتاج إلى مبحث مستقل، سنعمد إلى توضيح مشهد النزاع عبر التركيز على أشكاله التالية:

عدد الزوار: 30

تلحظ فهارس الشبكة الإلكترونية أوجهاً عدة للصراع الخفي. وبالرغم من أن تحليلها وتفسير مضامينها يحتاج إلى مبحث مستقل، سنعمد إلى توضيح مشهد النزاع عبر التركيز على أشكاله التالية:
- الحضور الإسلامي غير المرتبط ببنية الأنظمة السياسية العربية.
- الحضور الرسمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
- الحضور الإسرائيلي المتعدد الأبعاد.

يتبدى الحضور الإسلامي المتنوع بتدخلات فردية، تقع أهميتها في إثارة الوعي حيال أبعاد الحرب الناعمة ومخاطرها على الثقافة الإسلامية. واللافت أن بعضها يحمل تحليلات نقدية لدراسات مؤسسة-"راند"(Rand)- الأمريكية1، حول الإسلام، والتي تحث على بناء شبكات الكترونية ذات طابع إسلامي معتدل، بهدف أمركة مفهوم الاعتدال وتفكيك الصف الإسلامي، وانتداب قوى داخل المجتمعات الإسلامية تنشط لإشعال نزاعات أيديولوجية بين العلمانيين والحداثيين والتقليديين. ويخلص مضمون الاتجاه الإسلامي المتنوع إلى توعية الناشئة، إلى أن هنالك معركة فكرية تشن ضد الإسلام، وتنفذ على أيدي أناس من أبنائه لهدمه الإسلام وتعطيل الشريعة باسم الإسلام.

- يعمل في مؤسسة راند ما يقرب من 1700 شخص في أكثر من خمسين دولة، ولديهم خبرات متفوقة في التوثيق، والتدريب الأكاديمي، والبحث في القضايا السياسية والأيديولوجية، ومسائل العرق والجنس. ويتم تجميع فرق المؤسسة من بين مهنيين مختصين في الأبحاث، ولديها مشرفون يبلغ عددهم حوالي 950 باحثاً في الحقول الأكاديمية والمهنية، وفي فروع الاقتصاد والعلوم السلوكية والطب والهندسة. وللمؤسسة فروع منتشرة في كافة أنحاء العالم، ولها فرع في أبو ظبي وآخر في قطر.2

تناقش المواقع الإسلامية أيضاً جرائم الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش" مظهرة فظاعتها، وتشير إلى أن الرئيس الحالي قد جاء ليغسل وجه أمريكا الملوث بدماء المسلمين، وتدعو إلى اليقظة والتنبه، وتوجه نداءات إلى قادة الأمة الإسلامية للعب دورهم، لأن العلماء هم قادة، ولأن الأمة لا تُنتهك إلا حين يسكت العلماء الناصحون. وعلى المستوى الديني – الإرشادي، تتوجه بعض المواقع إلى دعاة الإسلام في العالم للعب دورهم في الدعوة إلى القيام بالواجبات الدينية ومحاربة المحرمات، وعدم تربية الشباب على دين متفلت من الضوابط الأخلاقية، وتوجه رسائل لكل مسلم ومسلمة حول ما يحاك ضد الأمة الإسلامية من مؤامرات هدفها التفرقة، طالبة منهم الاحتكام إلى قواعد القرآن الكريم، لأن المستقبل في العالم هو مستقبل المسلمين.

أما الحضور المتعلق بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، فيتميز بتبيين مدى استهداف النظام السياسي، وبمساهمات الولايات المتحدة في إنتاج المعارضة الداخلية له بوسائط مختلفة، منها ما هو محلي، ومنها ما هو خارجي. وقد لا يبدو الأمر محيراً لأن إيران مستهدفة منذ قيام ثورتها باستراتيجيات الحرب الناعمة، نتيجة لتنامي دورها الإقليمي الفاعل، ولعدائها المطلق لإسرائيل، وتبنيها برنامجاً نووياً يثير قلق أمريكا ويهدد المصالح الغربية في الشرق الأوسط.

برز الاهتمام الإيراني الرسمي بتأثيرات الحرب الناعمة من خلال مواقف وتوجيهات مرشد الثورة الإسلامية آية الله خامنئي، والتي تدعو إلى التعبئة، نظراً لما تشكله هذه الحرب من مخاطر ترمي إلى إيجاد التفرقة بين أبناء الشعب وإحداث الضرر في إيران. وقد أوضح ذلك مرشد الثورة في مواقف عدة، لاحظاً أن القوى الإستكبارية، وبعد فشلها في استهداف بلاده خلال العقود الثلاثة الماضية، قد لجأت إلى بث التفرقة، وتشويش الأذهان. ودعا جميع وسائل الإعلام والناشطين السياسيين وسائر المسؤولين المعنيين إلى الكف عن الخلافات الهامشية للتصدي للهجمة التي تتعرض لها الجمهورية الإسلامية. أما على المستوى الحكومي. فقد أشار وزير الأمن الإيراني إلى أن بلاده مستهدفة بالحرب الناعمة، وأن هنالك أكثر من ثمانين مؤسسة تعمل في أمريكا، بميزانية تبلغ نحو ملياري دولار سنوياً لإثارة الحرب الناعمة وتحقيق أهدافها في إيران. وقد لحظ الوزير الإيراني أيضاً، أن أمريكا قد حاولت، ولم تزل، أن تؤثر على السياسة الإيرانية عبر سلسلة من العقوبات، إلا أن ذلك لم يفلح، نظراً لقدرة إيران على الممانعة، معتبراً أن استهداف بلاده لم يزل قائماً، نتيجة تنامي القدرات الإيرانية في شتى المجالات. وبما أن مشهد الصراع يشير إلى خروج إيران عن قواعد اللعبة الدولية وتوزع مراكز القوة والنفوذ فإن الغرب، وبقيادة البيت لأبيض، قد وضع على جدول أعماله خيارات عدّة لوقف التقدم الإيراني المتواصل. وما هدف الحرب الإعلامية الناعمة إلا التأثير على فكر الشعب الإيراني، وإخافة المسؤولين من المضي قدماً في الطريق الذي سلكوه. 3

و في مواقع عدة على الشبكة الإلكترونية أيضاً. يتهم المسؤولون الإيرانيون الولايات المتحدة ودولاً أخرى بالسعي إلى الإطاحة بنظام ولاية الفقيه من خلال استخدام القوة الناعمة بمساندة مثقفين وغيرهم من داخل المجتمع الإيراني. ولمواجهة هذه الحرب، يلاحظ تعدد المباحث حول آليات التصدي لهجمة الغرب الثقافية - الأيديولوجية في مدونات وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الداعية إلى ضرورة تبني خطوات ميدانية في حقل المواجهة بين إيران وأعدائها. ففي "ملتقى إستراتيجية وسائل الإعلام الداخلية لمواجهة الحرب الناعمة"، ركز وزير الثقافة الإيراني على أهمية ما يلي:

1- ضرورة تأليف عشرات الكتب التثقيفية لمواجهة هذه الحرب.
2- التنبه إلى ما ينتجه الإعلام، لافتاً إلى أن قدرته على التدمير، هي أقوى وأخطر من القنبلة الذرية، كونه من الوسائل الأكثر أهمية في الحرب الناعمة مما يستوجب ترشيد الإعلام المحلي على كافة المستويات.
3- تفعيل قدرات الحكومة، والجامعات، والمؤسسات، ووسائل الاتصال كافة لمواجهة هذه الحرب.
4- التنبه لتطورات الحرب الإلكترونية، وما يقوم به موقع "فايس بوك" (Facebook) من أنشطة معادية لإيران، معتبراً أن الحقيقة هي الضحية الأولى للحرب الإعلامية.4

في المقلب الآخر، يتبدى الموقف الإسرائيلي من الحرب الناعمة في محطات أساسي ثلاث: الخوف من سلطة الإعلام، اعتماد أسلوب الخدعة لتشويه الحقائق التاريخية للصراع العربي - الإسرائيلي، و سياسة المواجهة والغزو المتعدد الأهداف.
في نطاق الخوف من سلطة الإعلام، وفي الفترة التي عرض فيها المسلسل التركي "صرخة حجر"، اعترض الإسرائيليون بشدة على المسلسل المذكور، واعتبروا أنه يشكل تحريضاً خطيراً ضدهم فعمدوا إلى استدعاء السفير التركي، واحتجوا لدى تركيا، محدثين ضجة إعلامية كبرى، لأن المسلسل قد أثار حقائق تتناقض مع المشهد الذي تقدمه إسرائيل عن سياستها في الغرب المناصر لها. فالدولة الصهيونية تدرك مدى الخطر الذي يشكله الإعلام عليها. ولذلك، أعطت أهمية كبرى للسيطرة على مرافق إعلام حيوية، سواء في أوروبا، أو في الولايات المتحدة، لأنها تؤمن بأهمية وسائل الإعلام في صناعة رأي عام ملفق يحتضن قضيتها بشتى السبل والمؤثرات.

تنطلق إسرائيل بتنظيرها لمفهوم الحرب الناعمة من خدعة كبرى. والساسة الإسرائيليون يحتاجون دوماً إلى حائط مبكى لإيهام العالم بأن إسرائيل هي دوماً المعتدى عليها، وأنها الضحية التي تذبح من قبل العرب والمسلمين. ففي "مؤتمر هرزليا" اعتمدت إسرائيل في فنون الخدعة على تشويه الحقائق لتمرير فكرة أن مصدر الحرب الناعمة عربي - إسلامي من جهة، وأوروبي معادٍ للسامية من جهة أخرى. ويلاحظ ما ذكرناه من خلال مطالعة أعمال المؤتمر المقصود، حيث وزعت أوراق عمل، تلحظ أن لكراهية اليهود جذوراً عميقة في الإسلام منذ القضاء على القبائل اليهودية في شبه الجزيرة العربية.

وفي المؤتمر المذكور، وضعت إسرائيل موضوع الكراهية والتحريض على جدول الأعمال، مفصلة جملة من التجليات التي تمارس عليها من خلال الحرب الناعمة، والتي نذكر منها ما يلي:
1- كثافة الأنشطة الهادفة إلى عزل إسرائيل، ومقاطعتها من قبل المنتديات الدولية والإسلامية، وممارسة التأثير على بعض المؤسسات العلمية في أوروبا لاستبعاد القدرات الأكاديمية الإسرائيلية.

2- استخدام كافة أساليب التحريض من خلال وسائل الإعلام العربية، كقنوات: الجزيرة، والمنار، والعربية، وغيرها، لإظهار لا شرعية إسرائيل ولا إنسانية الشعب اليهودي والفكر الصهيوني. وتجنيد بعض وسائل الإعلام الغربية كقناة5، (BBC) الانجليزية، التي تبث، ليس إرضاءً للعرب والمسلمين فحسب، بل لأسباب مصدرها أوروبي محلي.

3- ممارسة التحريض في وسائل الإعلام الفلسطينية، حيث إن هنالك محاولات فلسطينية تجري لإخفاء رسائل الكراهية المنتجة لدى السلطة الفلسطينية عن الرأي العام الدولي. فمن وجهة النظر الإسرائيلية، وبالرغم من اعتراف السلطة الفلسطينية بشرعية الدولة الإسرائيلية، فإن هذا الاعتراف لم يؤدِّ إلى اتخاذ موقف صارم من الانتفاضة الشعبية، الأمر الذي جعل بعض الحكومات الغربية تعترف بشرعية نضال الفلسطينيين ضد إسرائيل.

4- تمارس الحرب الناعمة على إسرائيل أيضاً عبر التحريض في الكتب الفلسطينية التي لم يتم إحداث تغيرات جوهرية في مضامينها التي تحمل تحريضاً ضد إسرائيل. لأن كتب التعليم لا تعترف بإنسانية الشعب اليهودي، ولا تنشر ثقافة السلام مع إسرائيل، وتزيف بالتالي حقيقة الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

5- التحريض الذي تمارسه حركة حماس لكسب الرأي العام الفلسطيني، والدور السلبي الذي يلعبه قطاع التعليم في قطاع غزة، لأنه يحرض شفوياً على دولة إسرائيل انطلاقاً من أيديولوجية حماس.

6- دور المنظمات الإسرائيلية غير الحكومية (NGOS) في نشر المعلومات الكاذبة والمحرفة حول إسرائيل. إذ يدعم بعضها الفلسطينيين بتمويل من الاتحاد الأوروبي الذي يمدها بخمسين مليون دولار سنوياً!

7- ضعف وسائل الإعلام الإسرائيلية وتأخرها بالرد على بعض الأنظمة العربية التي لا ترغب بإحراجها، إذ تتمادى هذه الأنظمة في السماح ببث الكراهية ضد إسرائيل، وتسمح بمهاجمتها من قبل القوى الداخلية المعادية.

أما لناحية الحلول التي تطرح إسرائيلياً في مواجهة الحرب الناعمة. فقد لحظت خلاصات "مؤتمر هرزليا" جملة من التوصيات التي تدعو إلى انتهاج مبدأ التحول من قاعدة الدفاع، إلى قاعدة الهجوم الإعلامي. ووفقا لنتائج المؤتمر، يتطلب ذلك إحداث تغييرات تنظيمية، وتحقيقات، ومراقبة شاملة،وتوثيق، ورد سريع، ونشاط إعلامي في مؤسسات التعليم الأوروبية. وفي المجال القضائي، تفترض المواجهة الفاعلة تغيير بعض التشريعات وتقديم الدعاوى بحق الذين يكنون الكره لإسرائيل. وعلى المستوى السياسي، يتطلب الأمر تغييرات جوهرية في الدبلوماسية العامة، من خلال أخذ زمام المبادرة، وليس الرد بمنع التحريض فحسب، كأن يتم عرض الوجه الجميل والمشرق لإسرائيل، وإبراز نجاحاتها ومساهماتها العلمية والطبية والزراعية. وطالب المؤتمر، بأن يُعمل دولياً على سن تشريعات ضد التحريض، وتغيير القانون الدولي بخصوص موضوع الإرهاب، بطريقة تسمح لدول العالم وإسرائيل العمل بحرية أكبر في حقل مكافحة الإرهاب، دون أن يعتبر الأمر خارقاً لحقوق الإنسان أو جريمة حرب! أما على المستوى الإعلامي، فخلص المؤتمر إلى إطلاق توصيات لتغذية وسائل الإعلام في إسرائيل وخارجها، لسماع الرواية الإسرائيلية والمس بالرواية المعادية، والتوصية بتأسيس محطة تلفزيونية فضائية لبث صوت إسرائيل في العالم العربي، والرد على المواقع الإلكترونية التي تستقطب أعداداً كبيرة من المشاهدين. وقد أوصى المؤتمر بضرورة وجود جسم رسمي يركز على مواجهة الكراهية من خلال قنوات: الدين، والقانون الدولي، وخطط التعليم. واقترح أن يتم تشكيل وحدة خاصة في مجلس الأمن القومي، مهمتها البحث بصورة منهجية بأساليب الدعاية العربية، وأن يتشكل جسم آخر في أجهزة الاستخبارات، يهتم بجمع المعلومات حول الإعلام المعادي لدولة إسرائيل.

وعلى صعيد الحرب الإلكترونية، بدأ الإسرائيليون منذ زمن بعيد بأعمال التجسس على الاتصالات، وبالحضور بكثافة عبر المواقع الإلكترونية كموقع "إسرابيدياً (Israpedia)، وموقع "فايس بوك" (Facebook).

وبصدد استخدام الإنترنت في الحرب الناعمة، دعا القنصل الإسرائيلي لوسائل الإعلام والشؤون العامة في نيويورك إلى تشجيع انتهاج دبلوماسية جديدة لتعزيز صورة إسرائيل في أوساط مستخدمي الشبكة الإلكترونية، إيماناً منه بأن فكرة أن العالم ضد إسرائيل هي ببساطة ليست صحيحة!6

*الحرب الناعمة مقومات الهيمنة وإشكاليات الممانعة , سلسلة الندوات الفكرية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- http://www.rand.org/publications/pubs-search.html-
2- لمزيد من التفصيل أنظر الموقع الإلكتروني الرسمي للمؤسسة: http://www.rand.org/publications/pubs-search.html-
3- جريدة القبس : ( محطات إيرانية – الحرب الناعمة والخيارات الفاشلة ضد إيران . 19/3/2011 .
4- جريدة النهار اللبنانية : ( وزراء نجّاد يتعهدون بمواجهة الحرب الناعمة ضد إيران ) . 2/9/2009 .
5- لمزيد من المعلومات حول "مؤتمر هرزليا العاشر"، أنظر الموقع الرسمي التالي: http://www.herzliyaconference.org/eng
6- لمزيد من الاطلاع على مؤتمرات هرزليا أنظر موقعFacebook/http://www.facebook.com/HerzliyaConference

2015-08-07