يتم التحميل...

الحرب الناعمة وإشكالية الممانعة

الحرب الناعمة

ومفهوم الحرب الناعمة لم يدخل حيز التداول في البلدان العربية والإسلامية إلا مؤخراً، وبمستوى من الفهم الخجول المقتصر على بعض النخب التي تهتم بالدراسات الإستراتيجية، أو لدى جهات إقليمية تدرك مدى خطورة أنشطة وبرامج الحرب الناعمة

عدد الزوار: 55

تمهيد
شهد مفهوم " الحرب الناعمة " (Soft War )، أو "القوة الناعمة" ( Soft Force )، تألقاً في نهاية القرن الفائت، وأصبح موضع اهتمام أكاديميين ودوائر سياسية وأمنية وعسكرية وإستراتيجية عدة، وبصورة خاصة في الولايات المتحدة الأميركية التي أنتج مفكروها فلسفة المفهوم بأبعاده المختلفة. ومفهوم الحرب الناعمة لم يدخل حيز التداول في البلدان العربية والإسلامية إلا مؤخراً، وبمستوى من الفهم الخجول المقتصر على بعض النخب التي تهتم بالدراسات الإستراتيجية، أو لدى جهات إقليمية تدرك مدى خطورة أنشطة وبرامج الحرب الناعمة التي تظهر تجلياتها على الشبكة الإلكترونية، وفي فهارس محتويات المحرك الدولي للمعلومات (Google)، بأثواب مختلفة، تتيح تلمس المظاهر الأولية لأوجه صراع خفي تستخدم فيه أدوات وآليات غير مألوفة في المواجهات الحربية المباشرة، أو في الحروب الصلبة الظاهرة للعيان. فمن يتصفح بدقة صفحات الشبكة المتعلقة بالموضوع المعالج، يمكنه - ومن منحى نقدي مقارن-أن يلاحظ مشاهد عدة، أبرزها: مشهد الغياب الصريح للاستعدادات والإرشادات التوعوية العربية الرسمية في مواجهة تداعيات ومخاطر الحرب المقصودة على مستقبل تحولات الصراع العربي - الإسرائيلي. إضافة إلى بروز مشهد آخر لافت يظهر كيفية ظهور الحضور الإسرائيلي من خلال جملة مواقع، منها ما يروج أن فكرة الحرب الناعمة من ناحية المفهوم إنما تعود إلى المجتمعات العربية والإسلامية التي تكن العداء البالغ لدولة إسرائيل. وفي مواقع الكترونية عدة، تشير "البروباغاندا" الإسرائيلية إلى تورط بعض البلدان الأوروبية أيضاً بتشويه سمعة إسرائيل دولياً، تحت عنوان معاداة السامية.وقد وثق ذلك في تقرير "مؤتمر هرزليا العاشر"، الذي عقد في العام 2010، والذي أطلق توصيات أمل أن تتبناها الدولة العبرية على المستويات التنظيمية والقضائية والسياسية والإعلامية. بالمقابل، و بمواجهة الحملة الإسرائيلية المنظمة، تظهر صورة الصراع الإقليمي - الناعم، الدائر في الشرق الأوسط من خلال الحضور الإلكتروني المكثف للجمهورية الإسلامية، والذي يحدد مدى خطورة الحرب الناعمة وما يعد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من أعمال عدائية، ترمي إلى تغيير القيم والهوية الثقافية الإسلامية، إذ يبدي الإيرانيون قلقهم البالغ، ويدعون إلى التنبه لمواجهة ما يعد للأمة الإسلامية من مؤامرات تستهدف ممانعة الشعوب التي تطمح إلى التفلت من قبضة أميركا، والعمل على الحد من الآثار السلبية للعولمة الثقافية التي تمارس غزواً ثقافياً منظماً على الشعوب المستضعفة.

إن المشاهد المختلفة التي عرض لها، تفتح باب السجال في محافل "الإنتليجنسيا" "العربية والإسلامية حول آليات الممانعة. ففي قواميس بعض المثقفين العرب لا يوحي مستوى التعامل مع الممانعة كمفهوم، إلا بردة فعل تصادمية لا قيمة كبرى لها. والممانعة بنظر بعضهم ليست سوى أداء سلبي قاطع مع العصر، ومعيق للتقدم على كافة المستويات. بينما ينظر البعض الآخر إلى الممانعة كثقافة متكاملة ومتفاعلة مع إيجابيات العولمة، متخذة من الحداثة ما يتناسب مع مصالح الأمة، ومنسجمة مع أصالتها لجهة مقاومة الأهداف الاستعمارية التي تطمح إلى استغلال الشعوب المستضعفة وتحويلها إلى صيغة مستهلك لكل ما هو منتج غربي. وبما أن الحرب الناعمة تستهدف بصورة أولية صيغ الممانعة القائمة، وانطلاقاً من أنها منهج صراع غير مباشر تستخدم فيه شتى سبل السيطرة المعنوية لقهر الشعوب المستضعفة، لا بد من استنهاض أسئلة أبرزها: ما هي حقيقة الحرب الناعمة؟ وما هي انعكاساتها على البلدان العربية والإسلامية؟ كيف تتجلى تأثيراتها؟ وما هي أهمية بناء مجتمع ممانع للحروب الخفية التي تشن بالوكالة الداخلية على البلدان العربية والإسلامية؟


*الحرب الناعمة مقومات الهيمنة وإشكاليات الممانعة ، سلسلة الندوات الفكرية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

2015-07-23