يتم التحميل...

فلسفة وجود النار

الموضوعات الغيبية في القرآن

يـسـال الـكـثير عن مدى ضرورة وجود النار. فاللّه تعالى لايحب الانتقام وان العقوبات توضع لكي لايرتكب الناس الاخطا ثانية او حتى تكون عبرة للاخرين.بينما نعلم ان لاعودة لهذا العالم بعد هذه الحياة. ولا وجود هناك للتكليف والطاعة والذنب وعلى هذا. ما المفهوم الذي ستحمله عقوبة باهضة كدخول النار؟ هذا من جانب.

عدد الزوار: 26

يـسـال الـكـثير عن مدى ضرورة وجود النار. فاللّه تعالى لايحب الانتقام وان العقوبات توضع لكي لايرتكب الناس الاخطا ثانية او حتى تكون عبرة للاخرين.بينما نعلم ان لاعودة لهذا العالم بعد هذه الحياة. ولا وجود هناك للتكليف والطاعة والذنب وعلى هذا. ما المفهوم الذي ستحمله عقوبة باهضة كدخول النار؟ هذا من جانب.

ومـن جـانب آخر يتمثل الهدف من جميع التعاليم الدينية في تربية وتهذيب وتكامل الانسان. وان لم يقبل بذلك بعض الناس فستكون عقوبتهم الحرمان من بلوغ الدرجات الرفيعة.

فما هي الضرورة لوجود جهنم. ومركز الغضب والعقاب الصارم؟

ينبغي الالتفات الى نقطتين في ازاء هذا التساؤل:
1 ـ قـلـنـا مـرارا ان العقوبات الالهية سواء في هذا العالم او في عالم الاخرة هي نتيجة اعمال الناس انـفـسهم. وانما تنسب الى اللّه جل شانه باعتباره مسبب الاسباب فالكثير من نعم الجنة هي تجسيد لاعـمـال الانـسان الصالحة. والكثير من عذاب جهنم تجسيد لاعماله السيئة. ونحن نعلم ان نتائج العمل وآثاره ليست بالامرالهين الذي يمكن التساهل فيه.

مـثلا. الشخص الذي يتناول المشروبات الروحية والمخدرات. ليقضي فترات من الارتياح وهدؤ الـبـال ـ حسب تصوره ـ في ظل هاتين المادتين المخدرتين. ولينتشي باللذة المتاتية من نسيان الدنيا يحذر بان هاتين المادتين المخدرتين هما من عوامل الافساد والتحلل وستؤديان في النهاية الى القضاء عـليه.فالمشروبات الكحولية تسبب لك امراض القلب والشرايين والاعصاب والكبد.والمخدرات تدمر الاعصاب بل وتنهي كل كيان الانسان.

فـاذا لـم يصغ الى هذا الانذار وتمادى في ممارسته الخاطئة فانه سيواجه عقوبته وجزاه وهذا لا يـحـتاج الى فلسفة ودليل سوى قانون العلية. وهي النتيجة الطبيعية لعمل كل انسان وغالبا ما تكون الـذنـوب عـلـى هذه الشاكلة.

 وتعقبها نتائج في هذه الدنيا. وفي الاخرة وهي تتجسد على صورة العذاب في جهنم.

ولـهـذا يـلحظ هذا التعبير الذي يتكرر كثيرا في الايات الشريفة والذي يقول انكم تجزون ماكنتم تـعـمـلـون فـنقرا في الاية (90) من سورة النمل: ﴿وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.

ونـقـرا في الاية (7) من سورة التحريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.

فالمعذرة نافعة حين لاتكون القضية متعلقة بالعلة والمعلول والنتيجة للاعمال.

فالايات التي تتحدث مثلا عن تجسيد الاعمال وتشبه اكل مال اليتيم باكل النار تدل باجمعها على هذا الـمـعنى. وكذلك الروايات التي تقول ان الطباع الحيوانية في الانسان. تظهر من داخله يوم القيامة وترتسم على خارجه. فتغدو صورالاشخاص شبيهة بالحيوانات المتميزة بتلك الطباع.

وخـلاصـة القول: ان هذه الدنيا مزرعة. والاخرة اوان الحصاد. فان كان الانسان قد زرع بذور الـورد. فـمـحصوله اغصان طيبة وطرية ومعطرة من الورد. وان كان قد بذر الشوك فلا يجني سـواه. جـاء في حديث عن النبي: "جاء رجل الى النبي فقال: يارسول اللّه اوصني فقال: احفظ لسانك. قال: يا رسول اللّه اوصني قال:احفظ لسانك. قال: يارسول اللّه اوصني. قال: احفظ لسانك ويحك وهل يكب الناس على مناخرهم في النار الا حصائد السنتهم "..

2 ـ لاشـك ان الـتبشير والتحذير يعتبران دعامتين اساسيتين في اسراالبرامج التربوية. فكما ان التبشير بالجزاء الاوفر الذي يحظى به الانسان في الجنة يعد عاملا فاعلا في الدعوة الى طاعة اللّه وترك معصيته. فكذلك التحذير والوعيد بالعذاب الصارم في جهنم يعتبر هو الاخر مؤثرا قويا في هذا الجانب. لا. بل ثبت بالتجربة ان للعقوبات تاثيرا اقوى.

ولهذا فان جميع القوانين التي تسنها مراكز التشريع القانوني في العالم تتضمن عقوبات للمخالفين وهو ما يصطلح عليه علماء الحقوق باسم الضمانة التنفيذية. وتحظى هذه الضمانة بقدر كبير من الاهمية بـحـيث تعتبر واحدة من العناصر الاساسية التي يبنى عليها القانون. ولو ان قانونا استن ولم يتضمن اي عقاب للمخالفين ( كالسجن والجلد و الغرامة المالية والحرمان من بعض الحقوق الاجتماعية ) فلا يمكن ان يطلق عليه قانون.

فـكيف تكون القوانين الالهية ـ والحالة هذه ـ خالية من الضمانة التنفيذية؟ القانونية. ولايرى المخالفون لها والمتخلفون عنها اي دافع او وازع لاطاعتها والالتزام بها. ويبقى هدف القانون عقيم.

صـحـيح ان الاثار الوضعية والطبيعية لعدم الالتزام قد تكون رادعا امام التماهل والتجاهل. الا انها غير كافية لوحدها ولهذا فقد ادرج سبحانه وتعالى سلسلة من العقوبات لمن يتخلف عن الالتزام بها. فكما يهدد اقواما بالعقوبة الدنيوية (وامثلة ذلك كثيرة وقد تحققت في الوجود الخارجي واشار اليها الـقـرآن فـي تـبـيانه لحياة الاقوام السالفه ) فهو ـ جل شانه ـ قد وضع ايضا العقوبات في الاخرة لمن يتوانى عن التقيد به.

ومن الواضح كذلك انه كلما اشتدت لهجة الترغيب والترهيب. كلما كان التاثير اقوى واكثر.

وهذا الامر يوضح احد الابعاد الاساسية لفلسفة وجود الجنة والنار.

ربما يقال هنا ان جميع الاثار التي عرضت انما تترتب على الوعيد بالعقاب والجزاء. وعلى هذا. فما الـمـانـع ان يكون سبحانه وتعالى قد عرض كل هذه التهديدات والتحذيرات. الا انها لا تتحقق في الـقـيامة. لعدم وجود ضرورة لها.وذلك لخلو ذلك العالم من درس العبرة للاخرين وانعدام تكرار الذنب من قبل المجرمين؟

ان هذا الكلام يستلزم ان يرتكب اللّه عز وجل القبيح وانه ـ والعياذ باللّه ـيكذب ويتخلف عن وعده فهو يوعد بالعقاب للمتخلفين وحتى انه يقسم بتنفيذوعيده. وكيف لا يطبق ذلك فعليا؟ ان هذا الفعل قبيح لا يليق بذاته المقدسة بل ولا يفعله الانسان المهذب الحكيم.

والـنـتـيـجة ان: وجوب التهديد والوعيد بالعقاب والجزاء ضمانة تنفيذية.هذا من جهة. ومن جهة اخرى لابد من تطبيق تلك الوعود والتهديدات لدفع القبح عن ذاته المقدسة.

وهذه هي فلسفة تحقق جهنم وعقوباته.
ومـن اجـل هذا نصت الاية (47) من سورة ابراهيم: ﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ  ثم يشرح في اعقاب هذه الاية بعضا من عذاب يوم القيامة.


*نفحات قرأنية /6/ بحث الجنة / اية الله مكارم الشيرازي. 2015-02-01