يتم التحميل...

النعم الإلهية

الأخلاق والثقافة الإسلامية

من دعاء أبي حمزة الثماليّ:"اللهم وأعطني السعة في الرزق، والأمن في الوطن، وقرّة العين في الأهل والمال والولد والمقام في نِعَمك عندي، والصحّة في الجسم، والقوّة في البدن، والسلامة في الدين، واستعملني بطاعتك وطاعة رسولك محمد صلواتك عليه وآله أبداً ما استعمرتني".

عدد الزوار: 42

من دعاء أبي حمزة الثماليّ:"اللهم وأعطني السعة في الرزق، والأمن في الوطن، وقرّة العين في الأهل والمال والولد والمقام في نِعَمك عندي، والصحّة في الجسم، والقوّة في البدن، والسلامة في الدين، واستعملني بطاعتك وطاعة رسولك محمد صلواتك عليه وآله أبداً ما استعمرتني".

تمهيد:
قال تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ1.

إنّ من أعظم النعم الإلهيّة على الإنسان نعمة الإسلام وولاية الله عزَّ وجلَّ، حيث صفاء القلوب وطهارة الأعمال، ولا سيّما إذا عرفنا أنّ من هذه النعمة العظمى تشعّ كلّ النعم الإلهيّة على العالمين. ولذا أخذ الله سبحانه ميثاقاً على الإنسان لكي يتذكّر هذه النعمة العظمى ويشكره عليها، ﴿وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ2، وشكر الله سبحانه على هذه النعم يزيد في نماء النعم الإلهية وتكاثرها على الإنسان ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ3، ولكن من المحزن أن يكون الشاكرون لله سبحانه هم قلّة بين الناس ﴿وقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ4.

نِعمُ الله لا تُحصى
لقد منّ الله عزَّ وجلَّ بِنِعم يعجز الإنسان عن أن يُحصيها أو يعدّها، قال تعالى: ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ5،وقال تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ6.
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "الحمد لله الّذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يُحصي نعماءه العادون"7.
و عنه عليه السلام - أيضاً -: "أصبحنا وبنا من نعم الله وفضله ما لا نُحصيه، مع كثير ما نُحصيه، فما ندري أيّ نعمة نشكر أجميل ما ينشر أم قبيح ما يستر؟!"8.

أنواع النِّعَم الإلهيّة
تُقسم النِّعَم الإلهيّة على الإنسان بين نِعَمٍ ظاهريّة ونِعَمٍ باطنيّة، قال عزَّ وجلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِير9.

وورد عن ابن عبّاس في تفسير هذه الآية الكريمة، "قال: سألت النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله تعالى: (ظاهرة وباطنة). فقال: يا بن عبّاس! أمّا ما ظهر فالإسلام، وما سوّى الله من خلقك، وما أفاض عليك من الرزق. وأمّا ما بطن فستر مساوئ عملك ولم يفضحك به. يا بن عبّاس إنّ الله تعالى يقول: ثلاثة جعلتهنّ للمؤمن ولم تكن له: صلاة المؤمنين عليه من بعد انقطاع عمله، وجعلت له ثلث ماله أُكفِّر به عنه خطاياه، والثالث: سترت مساوئ عمله ولم أفضحه بشيء منه ولو أبديتُها عليه لنبذه أهله فمن سواهم.10...

من مظاهر النِّعَم الإلهيّة
إنّ نِعَم الله عزَّ وجلَّ على الإنسان كثيرة لا تحصى- كما أشرنا مسبقاً- نذكر هنا بعض مظاهرها وتجلّياتها في حياة الإنسان المؤمن، والّتي من أبرزها وأعظمها:

1ـ نعمة خلق الإنسان وأصل إيجاده في عالم الوجود، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام: "قل ما أوّل نعمة أبلاك الله عزَّ وجلَّ وأنعم عليك بها؟ قال: أنْ خلقني جلّ ثناؤه ولم أك شيئاً مذكوراً، قال: صدقت"11.

2ـ نعمة الولاية وهي من النِّعم العظيمة الّتي منّ بها الله تبارك وتعالى على شيعة أهل البيت عليهم السلام، وجعلها من تمام الدين: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا12.

وقد جاء في حديث الغدير أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أيّها الناس ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ13. قالوا: بلى، قال: "من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره"14.

وورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "حدّثنا الحسن بن عليّ عليه السلام أنّ الله عزَّ وجلَّ بمنّه ورحمته لمّا فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه، بل رحمة منه، لا إله إلّا هو، ليميز الخبيث من الطيّب، وليبتلي ما في صدوركم، وليُمحِّص ما في قلوبكم، ولتتسابقوا إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنّته، ففرض عليكم الحجّ، والعمرة، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، والولاية، وجعل لكم باباً لتفتحوا به أبواب الفرائض، ومفتاحاً إلى سبيله، ولولا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم والأوصياء من ولده عليهم السلام كنتم حيارى كالبهائم، لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل تُدخل قرية إلا من بابها، فلمّا منّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّكم صلى الله عليه وآله وسلم قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً وأمركم بأدائها إليهم، ليحلّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم، وأموالكم، ومآكلكم، ومشاربكم، ويُعرّفكم بذلك البركة، والنماء، والثروة، ليعلم من يطيعه منكم بالغيب، ثمّ قال عزَّ وجلَّ: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى15 "16.

ولذا، فإنّ وجوب الإطاعة يدور مدار الولاية في تفسير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ17. كما إنّ الطاعة توجب النِّعم الإلهيّة والحشر يوم القيامة مع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا18. ونحن نُردّد يومياً في صلواتنا: ﴿اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين19.

3- ومن نِعَم الله تعالى على الإنسان الرزق والسعة في المال "اللّهمّ اعطني السعة في الرزق". وهنا لا بدّ أن يقطع الإنسان بأنّ مصدر الرزق هو الله تعالى ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا20، بالتالي لا بدّ أن يسعى الإنسان نحو الرزق الحلال الطيّب وأن يكون السؤال والطلب من الله سبحانه، ونحن نقرأ في تعقيب صلاة العشاء: "اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ لِي عِلْمٌ بِمَوْضِعِ رِزْقِي، وَإِنَّمَا أَطْلُبُهُ بِخَطَرَاتٍ تَخْطُرُ عَلَى قَلْبِي، فَأَجُولُ فِي طَلَبِهِ الْبُلْدَانَ، فَأَنَا فِيمَا أَنَا طَالِبٌ كَالْحَيْرَانِ، لَا أَدْرِي أَفِي سَهْلٍ هُوَ أَمْ فِي جَبَلٍ، أَمْ فِي أَرْضٍ أَمْ فِي سَمَاءٍ، أَمْ فِي بَرٍّ أَمْ فِي بَحْرٍ، وَعَلَى يَدَيْ مَنْ وَمِنْ قِبَلِ مَنْ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ عِلْمَهُ عِنْدَكَ وَأَسْبَابَهُ بِيَدِكَ، وَأَنْتَ تَقْسِمُهُ بِلُطْفِكَ وَتُسَبِّبُهُ بِرَحْمَتِكَ.اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْ يَا رَبِّ رِزْقَكَ لِي وَاسِعاً، وَمَطْلَبَهُ سَهْلًا، وَمَأْخَذَهُ قَرِيباً، وَلَا تُعَنِّتْنِي بِطَلَبِ مَا لَمْ تُقَدِّرْ لِي فِيهِ رِزْقاً، فَإِنَّكَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِي، وَأَنَا فَقِيرٌ إِلَى رَحْمَتِكَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَجُدْ عَلَى عَبْدِكَ بِفَضْلِكَ، إِنَّكَ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ"21.

ولكنّ الأفضل من الرزق والسعة فيه هو "الصحّة في الجسد والقوّة في البدن"، قال الإمام الصادق عليه السلام: "العافية نعمة خفيّة إذا وُجدت نُسيت، وإذا فُقدت ذُكرت والعافية نعمة يعجز الشكر عنها"22. وأمّا أفضل من كلّ ذلك وأهمّ هو (السلامة في الدين)، أي تقوى القلوب وإخلاصها إلى الباري عزَّ وجلَّ. وهذا ما أكّد عليه الإمام عليّ عليه السلام حينما قال: "إنّ من النِّعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحّة البدن، وأفضل من صحّة البدن تقوى القلب"23.

4ـ نعمة الأمان في الوطن، وهي من النِّعم الأساس في حياة الفرد والمجتمع. وإذا كانت نعمة الأمان في الدنيا هي نعمة مطلوبة ومهمّة، فإنّ أمان يوم القيامة ويوم الفزع الأكبر هو أكثر أهميّة من أمان الدنيا والوطن. وهنا نسأل أنفسنا: هل تهيّأنا واستعددنا لذلك اليوم؟ وما هو المطلوب منّا لننال نعمة الأمان والرحمة الإلهيّة يوم القيامة؟

إن أهل الأمان يوم القيامة هم المحسنون في الدنيا، وأهل العمل الصالح، قال تعالى:﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُون24.

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "لمّا كلّم الله عزَّ وجلَّ موسى بن عمران عليه السلام، قال موسى: إلهي، ما جزاء من شهد أنّي رسولك ونبّيك، وأنّك كلّمتني؟ قال: يا موسى، تأتيه ملائكتي فتبشّره بجنّتي.
قال موسى عليه السلام: إلهي، فما جزاء من قام بين يديك يُصلّي؟
قال: يا موسى، أُباهي به ملائكتي راكعاً وساجداً، وقائماً وقاعداً، ومن باهيت به ملائكتي لم أُعذِّبه.
قال موسى عليه السلام: إلهي، فما جزاء من أطعم مسكيناً ابتغاء وجهك؟
قال: يا موسى، آمر منادياً يُنادي يوم القيامة على رؤوس الخلائق: إنّ فلاناً بن فلان من عتقاء الله من النار.
قال موسى عليه السلام: إلهي، فما جزاء من وصل رحمه؟
قال: يا موسى، أُنسئ25 له أجله، وأهوّن عليه سكرات الموت، ويُناديه خزنة الجنّة: هلمّ إلينا فادخل من أيّ أبوابها شئت…
إلى أن يقول عليه السلام:
"إلهي، فما جزاء من صبر على أذى الناس وشَتْمِهم فيك؟
قال: أُعينه على أهوال يوم القيامة.
قال: إلهي، فما جزاء من دمعت عيناه من خشيتك؟
قال: يا موسى، أقي وجهه من حرّ النار، وأومنه يوم الفزع الأكبر..
."26.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام - أيضاً - قال: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:.. يا عليّ، أنت وشيعتك على الحوض تسقون من أحببتم وتمنعون من كرهتم، وأنتم الآمنون يوم الفزع الأكبر في ظلّ العرش، يفزع الناس ولا تفزعون، ويحزن الناس ولا تحزنون، فيكم نزلت هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُون27 وفيكم نزلت ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ 28"29.

5- نعمة الزوجة والأولاد والحياة الأُسريّة السعيدة كما يدعو الإمام زين العابدين عليه السلام: "اللّهمّ وأعطني… قرّة العين في الأهل والمال الولد". ومعنى قرّة العين: أنّ الإنسان تكون عينه هادئة مسرورة، وهو كناية عن الحياة السعيدة بين الزوج والزوجة والأولاد. وهذا ما أكّد عليه المولى عزَّ وجلَّ: ﴿.. رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا30.

وهنا لا بدّ أن نسأل: كيف تكون الحياة الزوجيّة والأُسريّة سعيدة بنظر الإسلام العزيز؟
نُلاحظ أنّ روايات أهل البيت عليهم السلام جاءت بالعديد من النصائح والتوجيهات لكلا الزوجين، ودعتهم للأخذ بها عند الإقبال على بناء بيت الزوجية، بُغية التمتّع بنعمة الحياة الأُسريّة المليئة بالحبّ والعاطفة والسعادة. فعلى سبيل المثال ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّ خير نسائكم الولود الودود العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرِّجة مع زوجها، الحصان على غيره، الّتي تسمع قوله وتُطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما يُريد منها"31.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من سعادة المرء الزوجة الصالحة"32.
وفي المقابل قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا جاءكم من ترضون خُلقه ودينه فزوّجوه، إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"33.

وممّا سبق نستنتج: أنّ رؤية الإسلام للحياة السعيدة في الأُسرة لا تقوم على المال فقط ولا على الجمال فقط، بل الحياة السعيدة هي الّتي تجمع بين الجانب الماديّ والجانب الأخلاقيّ معاً. فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إذا تزوّج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وُكِلَ إلى ذلك، وإذا تزوّجها لدينها رزقه الله الجمال والمال"34، ولذا كان دعاء سيّد الساجدين عليه السلام جامعاً: " اللهم وأعطني… قرّة العين في الأهل والمال الولد".

وقد قدّم الإمام عليّ والسيّدة فاطمة عليه السلام نموذجاً جميلاً يعكس جماليّة الحياة السعيدة في الإسلام، حيث كانت فاطمة عليه السلام تعجن وتطبخ وتطحن، في حين كان عليّ عليه السلام يحتطب ويكنس البيت. رويَ عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "كان أمير المؤمنين عليه السلام يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة عليه السلام تطحن وتعجن وتخبز"35.

من الأمور التي تُديم النِّعم وتزيدها:
لقد سخّر الله تعالى جميع مخلوقاته في خدمة الإنسان والرقيّ به نحو الكمال، وهي نِعَم لا تدوم ولا تزيد إلا بوجود أسبابها وأداء الواجب نحوها، كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام في صفة الإسلام: "فيه مرابيع النِّعم36، ومصابيح الظُلَم، لا تُفتح الخيرات إلّا بمفاتيحه، ولا تُكشف الظلمات إلّا بمصابيحه"37. لذا كان لا بدّ للإنسان من أن يقوم بما يفي لهذه النِّعم الإلهيّة ولو بالقليل، كالقيام على سبيل المثال بـ:

1- أداء الشكر لله على هذه النِّعم، لأنّ الشكر يزيد في النِّعم والبركات. قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون38، ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ39. وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "من أُعطي الشكر أُعطي الزيادة يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُم".

2- الدوام على ذكر نِعَم الله وعدم الغفلة عنها، قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُون40. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ (أي): "بنعم الله وآلائه"41، وعن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ42: "الّذي أنعم عليك بما فضّلك، وأعطاك وأحسن إليك، ثم قال: فحدّث بدينه وما أعطاه الله وما أنعم به عليه"43.

- أيضاً: معناه اذكر نعمة الله وأظهرها وحدِّث بها، وفي الحديث: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله، ومن لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، والتحدُّث بنعمة الله شُكر وتركه كُفر"، وعن الإمام الحسن عليه السلام: "تُجهل النِّعم ما أقامت، فإذا ولَّت عُرِفت"44، وعن الإمام عليّ عليه السلام: "أحسنوا صحبة النِّعم قبل فِراقها، فإنّها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها"45.

3- القناعة بنِعَم الله تعالى وعدم الإسراف فيها، قال الإمام الكاظم عليه السلام: "من اقتصد وقنع بقيت عليه النِّعمة، ومن بذّر وأسرف زالت عنه النِّعمة"46.

4- السعي في قضاء حوائج الناس، قال الإمام عليّ عليه السلام: "من كثُرت نِعَم الله عليه كثُرت حوائج الناس إليه، فمن قام لله فيها بما يجب فيها عرّضها للدوام والبقاء، ومن لم يقم فيها بما يجب عرّضها للزوال والفناء"47.

5- الامتناع عن ظلم الناس والاستعانة بنعم الله على معاصيه لا سيّما التكبُّر على عباده، قال الإمام عليّ عليه السلام: "ما أنعم الله على عبد نعمة فظلم فيها، إلّا كان حقيقاً أن يُزيلها عنه"48. وورد في زبور داود عليه السلام: يقول الله تعالى: "يا بن آدم! تسألني وأمنعك لعلمي بما ينفعك، ثمّ تُلحّ عليّ بالمسألة فأُعطيك ما سألت، فتستعين به على معصيتي"49. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يقول الله تبارك وتعالى: يا بن آدم ما تنصفني! أتحبّب إليك بالنِّعم وتتمقّت إليّ بالمعاصي، خيري عليك منزَل وشرّك إليّ صاعد"50، ويقول الإمام عليّ عليه السلام: "بالتواضع تتمّ النِّعمة"51.

6- إظهار النِّعم الّتي أنعم الله بها على الإنسان، قال الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ الله جميل يُحبُّ الجمال، ويُحبُّ أن يرى أثر النِّعمة على عبده"52.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أنعم الله على عبده بنعمة فظهرت عليه سُمّيَ حبيب الله محدِّثاً بنعمة الله، وإذا أنعم الله على عبد بنعمة فلم تظهر عليه سُمّيَ بغيض الله مُكذِّباً بنعمة الله"53، وعنه عليه السلام: "إنّ الله تعالى يُحبُّ الجمال والتجميل، ويُبغض البؤس والتباؤس، فإنّ الله عزَّ وجلَّ إذا أنعم على عبد نعمة أحبّ أن يرى عليه أثرها، قيل: وكيف ذلك؟ قال: يُنظِّف ثوبه، ويُطيِّب ريحه، ويُجصِّص داره، ويكنس أفنيته، حتّى أنّ السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق"54.

* مظاهر الرحمة ، سلسلة الدروس الثقافية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- المائدة:6 - 7.
2- آل عمران:144.
3- إبراهيم:7.
4- سبأ:13.
5- إبراهيم:34.
6- النحل:18.
7- نهج البلاغة، الخطبة 1.
8- تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص210.
9- لقمان:20.
10- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج8، ص 88.
11- تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي، ج4، ص 214.
12- المائدة:3.
13- الأحزاب:6.
14- غاية المرام، السيد هاشم البحراني، ج1، ص 157.
15- الشورى:23.
16- الأمالي للشيخ الطوسي، ص 655.
17- النساء:57.
18- النساء:69.
19- الحمد:6 - 7.
20- هود:6.
21- مفاتيح الجنان، عبّاس القمي، ص 70.
22- روضة الواعظين، النيسابوري، ص472.
23- نهج البلاغة، ج4، ص 93.
24- النمل:89.
25- نسأ الشيء:أخّره.
26- أمالي الصدوق، ص 276.
27- الأنبياء:21.
28- الأنبياء:21.
29- أمالي الصدوق، ص657.
30- الفرقان:74.
31- الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص324.
32- م. ن، ص327.
33- الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص347.
34- م. ن، ج5، ص333.
35- م. ن، ج5، ص86.
36- مرابيع:جمع مِرباع، بكسر الميم:المكان ينبت نبته في أوّل الربيع.
37- نهج البلاغة، الخطبة 152.
38- الأعراف:96.
39- المائدة:66.
40- فاطر:3.
41- الدر المنثور، للسيوطي، ج4، ص 70.
42- الضحى:11.
43- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 94.
44- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 75، ص 115.
45- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج2، ص 464.
46- ميزان الحكمة، ج4، ص 3313.
47- نهج البلاغة، الحكمة 372.
48- عيون الحكم والمواعظ، الواسطي، ص 482.
49- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج70، ص 365.
50- م. ن، ج70، ص 352.
51- ميزان الحكمة، الريشهري، ج4، ص 3318.
52- الكافي، الشيخ الكليني، ج6، ص 438.
53- الكافي، الشيخ الكليني، ج6، ص 438.
54- أمالي الطوسي، ص 275.

2015-01-26