الغزو الثقافي والتبادل الثقافي
الغزو الثقافي
عنى الغزو الثقافي والمرادُ منه، هو ان تقوم مجموعة سياسية أو اقتصادية بالهجوم على الأُسس والمقومات الثقافية لأمة من الأمم، بقصد تحقيق مآربها، ووضع تلك الأمة في إطار تبعيتها. وفي سياق هذا الغزو تعمد المجموعة الغازية إلى أن تُحِلَّ في ذلك البلد وبالقسر...
عدد الزوار: 584
مقدمات تأسيسية في مقولتي الغزو والتبادل الثقافي
1- مفهوم الغزو الثقافي
(1) معنى الغزو الثقافي والمرادُ منه، هو ان تقوم مجموعة سياسية أو اقتصادية
بالهجوم على الأُسس والمقومات الثقافية لأمة من الأمم، بقصد تحقيق مآربها، ووضع تلك
الأمة في إطار تبعيتها. وفي سياق هذا الغزو تعمد المجموعة الغازية إلى أن تُحِلَّ
في ذلك البلد وبالقسر، معتقدات وثقافة جديدة، مكان الثقافة والمعتقدات الوطنية لتلك
الأمة1.
(2) الغزو الثقافي كالعمل الثقافي، إذ هو ممارسة تتسم بالهدوء وعدم اثارة الضجيج
ولفت الانتباه2.
(3) يروم الغزو الثقافي ان يسلخ الجيل الجديد عن معتقداته بضروبها المختلفة. فهو من
ناحية يهزّ قناعة هذا الجيل بمعتقده الديني، ويقطعه
من ناحية ثانية عن الاعتقاد بالأصول الثورية، ويهدف من ناحية ثالثة إلى قلعه عن هذا
الطراز من الفكر الفعّال الذي دفع الاستكبار والقدرات الكبرى لاستشعار حالة الخوف
والخطر3.
(4) في عملية الغزو الثقافي يقوم العدو بدفع ذلك الجزء من ثقافته الذي يرغب هو
بدفعه، إلى البلد الذي يروم غزوه، ويغذي الأمة التي يستهدفها بما يريد..
ومعلوم ماذا يريد العدو وما الذي يرغب فيه4.
(5) يقوم الغزو الثقافي- وهو المصطلح الذي كررته مراراً وأشعر أزاءه بحساسية خاصة
تملأ وجودي وتأخذ بكياني قلباً وروحاً- على ركنين، جديرين باهتمامكم:
الركن الأول: ويتمثل في استبدال الثقافة المحلية (الثقافة الوطنية الخاصة)
بالثقافة الأجنبية. وهذه الممارسة هي في واقعها استمرار لتلك السياسة التي كانت
قائمة في العهد البهلوي، وكان يُروَّجُ لها بشكل كبير، وتشيع على نطاق واسع من دون
أن يكون ثمة حاجز أو رادع،. ثم ما لبثت ان انقطعت- بحمد اللَّه- مع انتصار الثورة
الإسلامية، بَيدَانّهم لازالوا يمارسون الضغوط من أجل استئناف ذلك المسار في ترويج
الثقافة الأجنبية واشاعتها.
الركن الثاني: ويتمثل في الهجوم الثقافي على الجمهورية الإسلامية،وقيم هذه
الجمهورية وقيم شعبها، بوسائل مختلفة، من مصاديقها في داخل بلدنا انتاج الأفلام
والمسلسلات التمثيلية التي تتسق مع أهدافهم، ونشر الكتب والمجلات التي تغذى بتوجيه
خارجي5.
2- أهمية الإيمان بوجود الغزو الثقافي وضرورة النهوض لمواجهته
(1) علينا أن نصدّق حقاً، ونقتنع بأننا عُرضة اليوم لأمواج مُتدافعة من ضروب الغزو
الثقافي6.
(2) اننا اليوم عُرضة من كل جهة لسهام خصومنا من الأعداء الأصليين في العالم،
ولعدونا الثقافي الذي يحمل علينا من كل صوب. والخصومة الثقافية ضدّنا تستهدفنا على
أرضية ثقافتنا العامة، وعلى صعيد ضرب ذهنية الشعب والنيل من جهده الثقافي، كما انها
تستهدفنا على صعيد النشاط التعليمي وجهدنا في تربية القوى الإنسانية، وذلك لكي
يحولوا دون بلوغنا مقاصدنا7.
(3) أعتقد انّ هناك هجوماً (ثقافياً) شاملاً ومنظماً ومخطّط له ضدنا. بديهي انَّ
الثورة لم تستطع في البداية ان تجذب فئات المثقفين والفنانين، وهم ممّن لا ينسجم مع
الدين والإيمان والعلماء. نعم، ثمَّ مجموعة من أولئك استطاعت الثورة أن تجذبهم
نظراً لما يتحلّوا به من وجدان يقظ، وبقيت المجموعة الأُخرى في العزلة بعيداً ولم
تستطع الثورة أن تجذبهم.
وقصة هؤلاء أنّ أحداً منهم لم يكن يجرؤ في السنوات الأولى من عمر الثورة على عمل
أدنى شيء. ومردّ ذلك يعود إلى طبيعة هؤلاء.. فأنا أعرف أكثرهم عن قرب قبل الثورة..
هم يتهيبون الأخطار، وينأون بأنفسهم عن خوض الميادين الصعبة. لذلك لم يكن لهذه
الفئة خطر يذكر. لقد دفع الحماس الثوري الذي ترافق مع بداية الثورة، هذه المجموعة
إلى ان تختار العزلة والقعود في الدار، والاستغراق في الذات والانطواء عليها،
والاختباء وراء همومها، بحيث لم يكن يصدر عنهم في الأكثر إلاّ همسات تشهدها حلقاتهم
الخاصة في البيوت وخلف الجدران، يتباحثون خلالها همومهم الشخصية.
بيد أنهم عادوا ليدخولا الساحة تدريجياً. أصدروا في البداية نشرة، ثم عادوا لممارسة
الكتابة والخطابة والشعر، وشجعهم كلام قيل من أحد بنفعهم، فتشجعوا أكثر حين لم
يجدوا أحداً يعترض عليهم.. حينئذ أحسّوا انه يمكنهم العمل في مثل هذا الجوّ بشكل
مُنظّم ومخطط.
كان مبتغاهم أن يكسبوا الخطوط الخلفية للثورة إلى صفّهم. وإذا عرفنا انَّ الخط
الأول يتمثل بالمسؤولين ومن يرتبط بهم، فإنَّ الخطوط الخلفية تتمثل بالقاعدة
الشعبية العريضة والعظمة فهدفهم إذن كسب الجمهور العريض من أبناء الشعب.
كان منطقهم يقوم على أساس التفكير التالي: إذا استطعنا أن نكسب الى صفنا هذه
القاعدة الشعبية العريضة التي تدين بالولاء للمسؤولين، ونقطعها عنهم، فإن كل شيء
سينتهي وهذا تفكير صحيح وصائب.
فإذا كان قُدِّر لهذا التيار أن ينجز هذا الهدف، لكان قد ألحق بالثورة ضربة موجعة.
فإذا قُدِّر لهؤلاء ان يهيمنوا فعلاً على أفكار وقلوب ورغبات الخطوط الخلفية
(الجماهير) ويتحكّموا أحياناً بمسار الاختيارات العقلانية (أي: المواقف) للقاعدة
الشعبية، وأن ينجحوا في جذبها، ومن ثَمَّ سوقها نحو اتجاه معين، لاستطاعوا فعلاً ان
يهيمنوا عليها.
وَهذا تفكير صحيح، لكن هل استطاعوا فعل ذلك؟ أقول: كلا. ومرده ان تقديرهم كان
ساذجاً سطحياً منذ البداية، ولكن على أي حال، خيّل إليهم انهم يستطيعون، فشرعوا
بالعمل!
هدفوا في البداية ان ينفذوا إلى السينما والمطبوعات، بل وحتى إلى مؤسسة الإذاعة
والتلفزيون التي تملكها الدولة، وجهدوا أن يكون لهم حضورهم في كلّ جزء من المجال
الثقافي، وان يكون منهم رجل في كلّ نشاط ووجود ثقافي.
تحركوا أولاً بلباس النشاط الثقافي المحض، ولكنهم عادوا الآن ليخوضوا المسائل
السياسية. فبادروا إلى توجيه نقدهم إلى الدولة والنظام، بل وضعوا الخلفية الأساسية
التي تقوم عليها مشروعية النظام، في دائرة السؤال والاستفهام.
هذا هو الذي حصل، وهو أمر خطير جداً. وحينما نصفه بأنه خطير جداً لا نعني أنه لا
علاج له، أو انه صعب العلاج. كلا، فعلاجه في غاية السهولة واليسر، بشرط ان يشعر
المريض وكذلك الطبيب بأنّ هناك مرضاً بالفعل. فمع استشعار المرض والاحساس به، يكون
العلاج سهلاً.
انّ الخطر هو ان نجهل أنا وأنتم ما يدور، ولا نستشعر وجود شيء.
نحن ننتمي إلى الصفّ الثقافي، وبذلك لنا قدرة التمييز الثقافي. والذي يعيش في الجوّ
الثقافي ويستنشق هواءه، لا حاجة به إلى اللمس حتى يفهم الشيء ويستشعر وجوده-ـ انما
يكفيه حسّه الثقافي الخاص.
يجب أن يعرف هذه الحقيقة ويدرك مغزاها الكتّاب الصحفيون ومؤسساتنا الثقافية من قبيل
مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، ووزارة الارشاد، ومؤسسة الاعلام الإسلامي، والتربية
والتعليم والجهات الأُخرى!
بديهي ان تكوين هؤلاء (النفسي والداخلي) وطبيعتهم ليست طبيعة مؤمنة صلبة، لذا فهم
ينسحبون إلى الوراء بأقل اشارة.. كلامهم وان كانّ جميل المظهر، إلاّ أنه لا يقوم
على بُنية إيمانية ومرتكز عقائدي.
وفي الحقيقة، هذه صفة الكتّاب والمثقفين من ذوي المنهج المادي، فهم حين تنظر إليهم
من بُعد، تجدهم يجيدون الكلام، تظهر عليهم الحماسة الفائضة، حتى كأنهم يتحدثون من
أعماق نفوسهم، بيدَ انك حين تقترب منهم لا تجد شيئاً، فكلامهم لا يزيد عن لقلقة
لسان، وليس له مستقر أبعد من ذلك.
كتب الكثيرُ من هؤلاء عن الاستعمار والصهيونية والظلم وما شاكل ذلك، ولكنه لم يكن
على استعداد ان يتحرك خطوة، ويكون مع الشعب في الميدان، بل كان يطعن الجمهور.هؤلاء
أسرى الأهواء النفسانية، غرقى بأوهام ذواتهم8.
(4) علينا أن نتعاطى مع مسألة الغزو الثقافي بجد، وبوصفها مقولة حقيقية. فالمعركة
الثقافية ضدَّ الفكر الإسلامي والجمهورية الإسلامية، هي مسألة تنطوي على فروع وشُعب
مُتعدِّدة. وإذا شاء الإنسان ان يتوفر على احصائها والبحث فيها، فسيجد انها مفتوحة
على مجال واسع جداً.
لو افترضنا على سبيل المثال، انَّ الفكر السياسي الإسلامي أصبح عُرضة للشكوك
ولعلامات الاستفهام في الصحف والدوريات، وفي الكتب المختلفة، والمترجمات وحتى في
عملية تدوين التأريخ، فستكون تبعات ذلك خطيرة حينئذ، لأنَّ هذه الثورة ركيزتها
الأولى مباني الفكر السياسي الإسلامي، فإذا لم يكن الإسلام ينطوي على فكر سياسي، لم
يكن ثمة معنى لثورة تقوم على أساس الإسلام، ومن ثم لما انبثق نظام يقوم على أساس
مباني (أُصول ومرتكزات) ذلك الفكر.
وفي كل الأحوال، فقد تشكل هذا النظام وابتنى على أساس الفكر السياسي الإسلامي، وهو
يتحرك في ضوئه. لذلك لا معنى أن نتصوّر بأن يبقى هذا الفكر السياسي من دون معارض،
بل ثمَّ أزاءه أفكار ومدارس ورؤى واتجاهات سياسية أُخرى.
اننا نشهد اليوم الكثير من البحوث والمقالات والكتب والتواريخ وحتى السّيَر الذاتية
وتراجم الشخصيات، وهي تنهض لمواجهة هذه الصيغة من الفكر السياسي الذي يقوم عليه
نظام الجمهورية الإسلامية.
بديهي اننا لا نستغرب أن ينهض أحد المعارضين الفكريين (للنظام)ويقوم بكتابة مقال أو
تأليف كتاب، فهذا السلوك متوقع، وينبغي علينا أن لا نضيق به، ولا نقع في ردّ فعل
شديد إزاءَ ذلك. بل يمكن أن يقوم أحدهم بوضع كتاب ضدَّ التوحيد نفسه، وهذا أمرٌ
طبيعي! فهم يكتبون ضدَّ التوحيد، ونَحنُ نكتب في التوحيد.بيدَ انَّ المسألة تكتسب
شكلاً آخر حينما نضع الأعمال المتفرقة هذه إلى جوار بعضها البعض. إذ نكتشف بالتأمل
ان هذه الممارسات لم تكن وليدة صدفة محضة، بل هي بمجموعها تصدر عن خطة محسوبة، وان
ثمة ارادة تحرّك القضية برمتها.. وهي في الواقع جزء من النشاط السياسي لمواجهة
الفكر السياسي الإسلامي على صعيد حركة المطبوعات.
ثمة أشكال أُخرى لحركة المواجهة هذه، تتمثل هذه المرَّة بإثارة علامات الاستفهام
حيال عقائد الإسلام الأساسية، والردّ عليها بشكل يكشف عن ذكاء ومَكر. يحصل ذلك من
خلال الكتب العامة، والكتب والملازم الدراسية، ومن خلال صفوف الدرس نفسها.
إلا انَّ الشكل الأساس والأهم الذي تتلوّن به حركة المواجهة ضدَّ الفكر السياسي
الإسلامي، والذي يُعَدّ من أهم عناصر الغزو الثقافي، يتمثل ببذل الجهود لجرّ جيل
الشباب نحو مستنقع الفساد والابتذال.
والذي يبعث على الأسف، اننا حينما نتحدَّث عن الغزو الثقافي وضرورة مواجهته، وعن
النهي عن المنكر، فانَّ ذهنية الناس تنصرف في الغالب نحو مصاديق صغيرة، بتأثير
السوابق الذهنية أو أية مؤثرات أُخرى.
وثمة نتيجتان سلبيتان تترتبان على هذا التداعي الذهني، هما:
الأولى: ان مجموعة من الناس السطحيين لا تلبث أن تحصرالقضية في حدود هذه
المصاديق الصغيرة، فيعبّئوا جهودهم ويستهلكوها في حدود هذه الأمثلة والوقائع
الصغيرة العابرة، التي لا أهمية لها.
الثانية: حين يرى مفكرو المجتمع وقواه الثقافية الخلاّقة، انَّ القضية تقتصر
على مثل هذه المسائل التي لا شأن ولا أهمية لها، ترى اهتمامهم يتضاءل بأهمية القضية
الأساسية المتمثلة بالغزو الثقافي.
وهذا ما يبعث على القلق.على سبيل المثال يمكن ان تتجلى قضية الغزو الثقافي في سلوك
بعض النساء (المتبرجات) من خلال طبيعة زينتهن ولباسهن وكيفية حركتهن في الشارع، من
دون أن يُعير أحد هذا المنكر الاهتمام الذي يستحقه، ولكن القضية لا تقتصر على ذلك،
بل تنطوي على أبعاد أعمق، إذ هي تكشف في حقيقتها عن وجود جبهة واسعة من قبل العدو،
يوظّف فيها الوسائل المؤثرة، الخطيرة والفاعلة، ويستفيد من العلم والتقنيّة، في
مواجهة الجمهورية الإسلامية من خلال الغزو الثقافي.
تحتاج هذه الحركة إلى مواجهة جادَّة، وإذا لم تُواجه بحركة مضادَّة، فهي مُنتصرة
بلا ريب.والذي أؤمن به شخصياً، اننا إذا لم نتحرك بذكاء في مواجهة موجات هذا الغزو،
بحيث نوظّف له الوسائل الصحيحة الناجحة، ونعتمد الحكمة والتدبير، فانَّ آثاره ستكون
خطيرة جداً ومدمِّرة.
علينا إذن ان نتعاطى مع هذه القضية، وان نتجنب إعمال الأذواق والأمزجة الخاصة. فإذا
كان لمسؤول في أحد مجالاتنا الثقافية، ذوق خاص ومزاج خاص أزاء مسألة معينة، فلا
ينبغي ان يتحوَّل هذا الذوق أو المزاج إلى معيار خاص وملاك في الموضوع. وانما ينبغي
رؤية الخطر بحجمه الحقيقي، وادراك ما ينطوي عليه من أهمية9.
(5) الغزو الثقافي الذي أكّدنا عليه مراراً، هو تعبير عن قضية واقعية واضحة، لا
يسعنا ان نقضي على وجودها عملياً بمجرد إنكارها. الغزو الثقافي هو واقع قائم
وموجود، وإذا أنكرناه نكون مصداقاً لكلام أمير المؤمنين علي (صلوات اللَّه عليه)
حيث يقول: "وَمَن نام لم يُنم عنه". فإذا غفلت أو أخذك النوم وأنت في خندقك، فذلك
لا يعني أبداً أن عدوّك في الخندق المقابل اعتراه النعاس وأخذه النوم أيضاً.
لذلك يجب أن تحرص على ان تستيقظ وتخرج من حال الغفلة!
علينا ان ننتبه أنَّ الثورة الثقافية في خطر. كما انَّ أصل ثقافتنا الوطنية
والإسلامية هي تحت طائلة تهديد الأعداء10.
(6)لا يسعنا ان ننكر ما هو موجود واضح للعيان (يعني به مظاهر الغزو الثقافي) في
الجامعة وخارج الجامعة، بل وحتى في وسائلنا الاعلامية وأجهزة الاتصال العامة التي
تختص بنا. كما لا يسعنا ان ننكر ما هو موجود في ثنايا الكتب التي تؤلف، وتلك التي
تُترجم.. وفي الشعر الذي ينظم ويلقى.. وفي البرامج الثقافية العالمية.. التي تبدو
في الظاهر وكأنّها لا صلة لها بنا.. مما يحيط باخباره السادة الحضور، لكونهم من
العناصر الثقافية.
ثمَّ تهيّؤ واستعداد ثقافي في كلّ مكان ضدّ الثورة. وهذا الاستعداد من الخطورة
بمكان.. وهو لا يشبه ما كانَ موجوداً قبل مائة عام مثلاً.
أجل، قبل مائة عام كان هُناك غزو ثقافي ضد الإسلام، ولكن ليس على الشاكلة التي هو
عليها الآن. والفارق بين الحالتين يمكن أن نوضحه بمثال، فعندما يواجه الإنسان عدواً
كسولاً لا همة له، سيكون على ضرب من الاستعداد العسكري يختلف تمام الاختلاف عن
الاستعداد والتجهيز العسكري الذي يتحلى به الإنسان عند مواجهته لعدو يقظ منتبه.
كان العالمُ الإسلامي يومذاك يغطّ في سبات عميق، ويعيش حالة خدر بل كان ثملاً
غائباً عن الوعي. لذلك كان العدو يكتفي آنذاك بضربات يوجهها إلى الجسم الإسلامي في
بعض الأحيان، أو انه يزرق (سمومه) في دمائه وينتهي كلّ شيء. أمّا اليوم فإنَّ
الإسلام- وهو العدو الرئيس لدنيا الغرب- أضحى يقظاً.. الإسلام اليوم أمسى ذكره
يترافق مع ذكرى مواقف ممتدة لا تنتهي، كتلك التي تنطوي عليها شخصية مثل شخصية
الإمام الخميني (رضوان اللَّه عليه).. وَله اليوم كلّ هذه الذخائر الثورية..
والشباب الملتزم.هذه الحالة لا تسمح للآخر أن يتعاطى مع الإسلام اليوم باهمال وعدم
جديّة11.
(7) ثمَّ اليوم غزو ثقافي عظيم يمارس ضدَّ الإسلام وفي مواجهته. وهذا الهجوم الواسع
لا يقتصر على الثورة الإسلامية ولا يستهدفها لوحدها، بل هو يتعدّاها إلى الإسلام
نفسه.
يكتسب الغزو الثقافي الآن، لشدّته، وضعاً استثنائياً عجيباً، وهو يمتد على أبعاد
وسيعة، ثقافياً واجتماعياً وسياسياً.. وهذا الهجوم لا يقتصر على أحد، بل هو ينال
حتى صيغة الإسلام السائد بين جماهير الناس (ما يعرف بالإسلام الشعبي) في الجزائر
مثلاً.
أجل، الصيغة الوحيدة المستثناة من الهجوم، هي صيغة الإسلام المرتبط بالاجهزة
الاستعمارية، والأجهزة السعودية.
فالمواقع التي ترتبط بهذه الصيغ- من الإسلام- هي وحدها المستثناة من الهجوم.
وإذا كان الهجوم لا يوفّر الإسلام بمعنى كونه عقيدة شعبية لعامة الناس، فما بالك
بالإسلام الأصيل.. الإسلام الثوري.. الإسلام بالفهم الإيراني (الإسلام الإيراني)
على حدّ تعبيرهم.الممارسات التي تسمعون بها حيال موقف فرنسا من حجاب الطالبات، لا
تعدو أن تكون شرارة، وجذوة تتقد تحت الرماد، تنذر بآتٍ عظيم لا زال خفياً وراء
الستار. المسألة في قضية الطالبات المحجبات لا تقتصر كما يزعمون على دولة علمانية
ترفض وجود المحجبات، بل تأخذ بُعداً أعمق.
ينتابهم احساس عميق، بأنَّ الإسلام يمثّل خطراً بالنسبة إليهم. وليس في هذه المسألة
جديد، وانما لها خلفية في الهند. فقد ذكرتُ في كتابي- ولا تحضرني العبارة نصاً
الآن- انَّ أحد حكّام الهند قبل الاستقلال، أي قبل سنة 1947، كان قد ذكر في أوائل
نفوذ الانكليز إلى شبه القارة، ان مشكلتهم الأساسية هم المسلمون. وعليه، فإنَّ أول
ما يجب أن يقوموا به هو قمع المسلمين واستئصالهم، كي يخلو لهم الجو.. ولا بدّ انكم
سمعتم بمقولة غلادستون الذي أعلنها صريحة: "يجب أن يمحى هذا القرآن من الوجود".
انهم إذاً يخشون الإسلام منذ قديم الزمان ويهابونه، ويتمثلونه خطراً عليهم.
وهذا الشعور لم ينشأ من فراغ، أو من لا شيء، بل لأُمور لمسوها في حركة الإسلام. فهم
اطلعوا على سبيل المثال، على حركة "التنباك" (التبغ) وقضايا أُخرى جرت في الهند
وأفغانستان وإيران ومصر، بيد انه سرعان ما غفلوا عما يمثله الإسلام من خطر على
منافعهم، ولَم يعد الاستعمار يبدي حساسية كبيرة ازاءه.
والسبب في ذلك يعود إلى انَّ المسار الإسلامي لم يكن فعلاً ملموساً، مما أدّى إلى
ان يغفل الاستكبار عن الإسلام لفترة.
حالة الغفلة هذه لم تمكث طويلاً، فبعد مرور عدّة عقود انتصرت الثورة الإسلامية، مما
أدّى إلى أن يعود الاستعمار إلى ذاكرته، ويستحضر ما كان قد حفظه في ارشيفه وخزائنه
من معلومات، جمعها عن المسلمين، بواسطة مفكريه وجواسيسه، ثم عاد ليضيف إلى هذا
الخزين حصيلة بحوثه التحليلية الجديدة.. ومن هذه الزاوية بالذات ننظر إلى ما تقوم
به "إسرائيل" على سبيل المثال، من المبادرة لعقد مؤتمر حول الإسلام، أو حول الإسلام
في إيران، أو حول التشيّع.
فأمثال هذه النشاطات تتحرك في المسار الذي يركز معلومات الغرب ويزيدها حيال
الإسلام.
لقد تحرك الغرب والعالم الرأسمالي للحفاظ على وجوده بكل ما يملك، وتوسَّل بالطريقة
العلمية في توجيه الأحداث العالمية. ومردّ ذلك انه يعرف، بأنه إذا لم يفكر.. ولم
يستخدم الأرقام والاحصائيات.. ولم يستشرف المستقبل.. ويستشعر حالة القلق، فسيمنى
بضربة تنال من وجوده.
وقد وُضعت في هذا المضمار، بين يدي الأجهزة الاستكبارية أرقى المؤسسات البحثية،
وأفضل الخبرات الفكرية، التي أخذ يوظفها للتخطيط لقضاياه على المدى البعيد. هُم
منهمكون مُنذ عقد ونصف أو عقدين، أو أكثر من ذلك في التخطيط والتفكير ووضع البرامج.
المهم انَّ هذه الأجهزة دخلت حال الاستنفار حين أحسَّت انَّ الإسلام- وهو الخطر
القديم الذي يخاف منه الاستعمار ويخشاه- عاد إلى الساحة في إيران، بقدرة عظيمة.
لكي تدركوا وطأة عودة الإسلام على الاستعمار والغرب، أعود قليلاً إلى مثال يمكن أن
تقاس عليه أوضاعهم وما ألمَّ بهم بعد انتصار الثورة. ففي عام (63) أو (73) وقع
انقلاب عسكري في العراق أطاح بالملك فيصل ونوري السعيد، فجاءت ردّة فعل الانكليز
والجهاز الاستعماري عنيفة لا توصف. ومما يذكره ايدن رئيس وزراء بريطانيا في
مذكراته، انه كان يمضي فترة استراحة آخر الاسبوع، في جزيرة، حين سمع بالخبر، فأحسَّ
حينها- وكما يقول- وكأنَّ ضربة موجعة نزلت على دماغه، وانَّ الدنيا أخذت تدور
برأسه.. لا أتذكر الآن نصّ تعبيره بيدَ انه كانَ يدور حول هذا المضمون.
ثم توالت على هذا المنوال، كتابات الانكليز بعد ايدن في كتب المذكرات وغيرها، وهي
تؤكد لعدّة سنوات على حجم الضربة وشدّتها.وَلكم الآن أن تقارنوا بين واقعة بحجم
الثورة الإسلامية، وَبين انقلاب عسكري، لتدركوا ثقل الوطأة التي ألّمت بالاستعمار.
لم يتحملوا انقلاباً عسكرياً عادياً، لجهة ان العراق كان مستعمرة انكليزية، مع انه
كان للأجهزة الاستعمارية نفسها يد في هذا الانقلاب كما تأكدَّ فيما بعد.. وبالرغم
أيضاً من ان التبعات التي ترتبت عليه، والتي ظهرت بعد عشرين أو ثلاثين سنة، متمثلة
في طبيعة الحكم الراهن الذي يسيطر على العراق.
طبيعي لا يمكن قياس حدث الثورة الإسلامية بانقلاب عسكري، ولكن قارنوا بين
الواقعتين، لتدركوا ماذا دهى الاستكبار.
لقد وضعت الثورة الإسلامية بانتصارها، حيثية النظام القيمي للاستعمار الغربي
والعالم الرأسمالي، في دائرة الشك والسؤال، وبالتالي أخذت تُهدّد مستقبلهم بالكامل.
ولما كانت الثورة قد نهضت على أساس الإسلام، فانَّ معنى ذلك انَّ الثورة أضحت
مشروعاً ممكناً بالقوة، وقابلة للتحقّق الفعلي في كل مكان يتواجد فيه المسلمون، كما
رأوا ذلك فيما بعد في نماذج وأحداث مختلفة.
لقد نهض الإسلام في مدار المحور الإسلامي برمته، من أفغانستان حتى اندونيسيا،
مروراً بماليزيا ومصر وتونس وجميع البلدان الأُخرى، حتى تلك التي يسود فيها ما يطلق
عليها الأنظمة الثورية كالجزائر أو ليبيا.. فالإسلام على امتداد هذه الرقعة، كان
ولا يزال ينادي: هل مِن مُبارز. وعلى حدِّ كلمته تتحدَّد ملامح خريطة المستقبل في
هذه البلدان.
بعثت هذه الحالة من النهوض، في كيان العالم الرأسمالي الاستكباري، احساساً بالخوف،
دفعهم لتظافر الأيدي واجتماعها في مواجهة الإسلام.
وكذا كان الحال في العالم الاشتراكي، ولكن على نحوٍ آخر. ومردّ ذلك انَّ العالم
الاشتراكي تنقصه الأدوات الفكرية اللازمة، وهو بالتالي يفتقر إلى النظرة المستقبلية
التي يتحلى بها الغرب في هذا المضمار. وسبب هذا التخلف يعود إلى أنَّ الأرقام
وتخزين المعلومات والاحصائيات المتخصصة، وبحوث التنبؤات ( بالمستقبل) هي جميعها جزء
من الحضارة الصناعية. وتخلُّف المعسكر الشرقي في هذا المضمار يتناسب مع نسبة تخلفه
عن الغربيين في المجال الصناعي والتقني.
لذلك كلّه لم يكن انتباه المعسكر الشرقي (للانبعاث الإسلامي) على قدر انتباه الغرب
ويقظته.علاوة على ذلك، كان ثمة احساس يُخامر المعسكر الشرقي يوحي لهم بمنافع
مُشتركة مع الثورة.. فالمعسكر الاشتراكي رأى صدمة الغرب من الثورة، فخيّل إليه انَّ
هذه الحالة ايجابية بالنسبة إليه.
لقد انتهت الآن قصة الغرب والشرق، ولم يعد ثمة معنى للمعسكر الشرقي والمعسكر
الغربي. فالاتحاد السوفياتي انتهى، وتلاشى تبعاً له المعسكر الشرقي، لُيسدل الستار
بذلك على التطلعات الماركسية، ويغلق ملف الاشتراكية.
وفي كل الأحوال، يستهدف التفكير المضاد (الغربي- الاستعماري) الإسلام الأصيل وإذا
شئنا أن نكون أكثر دقة، فهو يستهدف الدين الأصيل والذي نعنيه بالدين الأصيل النقي،
هو نمط من الفكر يتجاوز الثورة الإسلامية. فالهجوم المضاد لا يقتصر على الثورة
وحدها، بل هو يستهدف الإسلام برمته.. وهو يستهدف في وجه من الوجوه، أي دين يحسّ
(الغرب) انه ينطوي على أصالة.
ومعنى ذلك، انَّ رجل الدين المسيحي في أمريكا اللاتينية، مغضوب عليه بنفس الدرجة
التي يُغضب فيها على العلماء الثوريين المصريين أو التونسيين.
مثل هذه الحالة من الأصالة والنقاء الديني مستهدفة في أنحاء العالم كافة، بيدَ أنَّ
المركز الأصلي (الأساس) لها في إيران. وقد انتبه (الغرب) إلى ان إيران أضحت هي
الموطن الأصيل لهذه الحالة.
يمكن تصوير الموقف الآن بوجود جبهة ثقافية عظيمة تتعاضد في دعمها السياسة
والتقنيَّة والمال وضروب الدعم الأُخرى، وهي اليوم تنحدر كالسيل ضدّنا.وهذه الحرب
ليست حرباً عسكرية، ومن ثمَّ لا أثر للتعبئة العسكرية العامة في مواجهتها.. الخطير
فيها اننا في اللحظة التي ننتبه إلى آثارها نكون قد أُصبنا بها وشملنا بلاؤها.
الغزو الثقافي يشبه قنبلة كيميائية تنفلق غلسة دون أن يحسّ بها أحد، ولكن بعد
انفجارها ببضع ساعات، ترى الوجوه والأيدي قد أصيبت جميعاً.
يتحرك الغزو الثقافي المعادي على نفس هذه الشاكلة، إذ نراه فجأة وقد ظهرت علائمه
وأنبثت آثاره في مدارسنا وشوارعنا وجبهاتنا، وفي حوزاتنا ومدارسنا.. بتنا الآن نرى
شيئاً من هذه العلامات وستبرز هذه المظاهر في المستقبل أكثر.من علامات الحالة
اليوم، هي طبع كتاب هنا، وانتاج فيلم هُناك، ونفوذ الفيديو إلى البلد. والمستهدفون
هُم نحنُ والإسلام والثورة.
أمّا بصدد مُواجهة الغزو الثقافي وصدّه، فلا ينبغي ان نشك في أننا بحاجة إلى
المال والميزانية الخاصة، وإلى إمكانات الدولة ودعمها السياسي. بيَد انَّ الدولة
تريد من اعطاء المال وتقديم الدعم، ان توجد تياراً فكرياً، ولكن أين يُنتج هذا
الفكر وكيف12؟
(8) بات العدو يؤكد الآن أكثر ما يكون على الغزو الثقافي. حين أنظر الآن إلى
المشهد، من موقعي كإنسان أُمارس الثقافة والسياسة، أجد انَّ المعركة محتدمة بينك..
أنت أيّها الشعب الإيراني الذي تأخذ جانب الإسلام والمستضعفين، وتعادي الاستكبار في
العالم، وبين أعدائك من أركان جبهة الاستكبار، المعادين للإسلام، وذيولهم من
الأرذال الذين دفعتهم مصالحهم الشخصية وأهواؤهم النفسية، لكي يكونوا بوقاً
للاستكبار ومطايا له.. الصراع ناشبٌ بين الطرفين.
لقد انتهت الحرب المسلّحة، ولو استطاع الاستكبار العالمي لاشعل شرارة الحرب
العسكرية ضدّنا مرةً أُخرى. بيدَ أنها ليست مهمة سهلة بالنسبة إليه.. ولكن انبثقت
بديلاً عن الحرب، حالة من الصراع الفكري والحرب الثقافية السياسية.. فكل إنسان له
دراية بالاخبار واحاطة ذهنية بما يجري في العالم، يستطيع ان يلمس مِن خلال نظرة
يلقيها على الساحة، ان العدو بصدد أن ينفذ عن طريق الوسائل الثقافية، ويمارس أكثر
ضغوطاته بهذا الأُسلوب.. وهذا الأمر يبدو من المسلّمات.
انّهم ليسوا قلّة أولئك المأجورون من حملة الأقلام والمتعلمين الذين باعوا دينهم
وتجاوزوا وجدانهم وضميرهم، وجَلسوا على مائدة الفساد الاستكباري، وراحوا يحققون
بأقلامهم مآرب الاستكبار، وبعض جماعاتهم تمارس نشاطها ولا تزال في داخل البلد13.
(9) هناك في أمريكا الآن مجاميع.. تستلم الأموال.. تأخذ الأموال من صدام، وتنشط
ضدَّ الجمهورية الإسلامية.. وهي تحتاج إلى غطاء ثقافي تتستر به.. واصدار مجلة هناك،
وكتاب روائي هُنا، هو الذي يوفّر الغطاء المطلوب. انهم يستهدفون تهيئة الساحة من
خلال النشاط الثقافي.
ومن الخطأ ان ينظر إلى ممارسات هؤلاء على أنّها نشاط ثقافي محض.. وفي الواقع لو
كانت هذه أعمال ثقافية محضة، فهي تحتاج أيضاً إلى تعبئة المؤمنين إزاءها، ومواجهته،
لكونها تمارس تخريباً ثقافياً.
بيدَ انّها ليست ممارسة ثقافية محضة، بل هي ممارسة ثقافية سياسية، وهي ممارسة
اقتصادية في جهة من الجهات، لأنها مدعومة من الشركات.. ومن أجهزة الاستكبار.. حتى
إذا ما توارت العوامل الحقيقية عن الواجهة وانسحبت إلى الوراء، ظهرت الأعمال
بالصورة (الثقافية) التي نعاينها.
وَمردّ ذلك ان الخط الأول الذي يكون في مواجهة الشعب، لا يمكن إلاّ أن يكون بهذه
الكيفية.. فالقاعدة الجماهيرية العريضة لا تُواجه بالدبابة والمدفع والرشاش، وانما
بالكتاب والمجلة والقلم14. (أي بالتخريب الثقافي).
(10) أضحى الإسلام اليوم، بالفهم الثوري، أو بحسب تعبير الإمام الراحل، الإسلام
المحمّدي الأصيل، حضوره بازاء جميع مظاهر استعراض القوة التي تمارس استكبارياً،
بحيث يخشاه الأعداء. فها هو ذا الإسلام يجذب إليه الشعوب، بحيث انك حيثما تتنقل في
بقاع العالم الإسلامي أو غير الإسلامي، تجد أعداداً كبيرة من الناس.. من الشباب،
يدفعهم الشوق إليه- الشوق إلى هذا الشبح الذي يسمع به ويلمسه عن بعد- وقد عقدوا
الآمال عليه. ومرد هذه الحالة إلى انّ الإسلام أضحى الآن الخندق الوحيد الذي بقي
يواجه الاستكبار بمثل هذه العظمة والجلال، ويقارع الشيطان وأحابيله.
وأضحى العداء نتيجة ذلك، أكثر عمقاً وتجذراً للإسلام وللنظام السياسي الذي يحمي
حقيقته ويروّج له ويرفع لواءه.. وفي الواقع هذا هو الجانب الآخر في القضية.
ومعنى هذا، ان علينا ان ننتظر عداءاً عميقاً جاداً ومعقّداً من جهة الاستكبار.
ولمّا كانَ من المستبعد ان يتجسَّد هذا العداء في شكل هجوم عسكري مسلّح، بلحاظ
التجارب السابقة. لذا من المحتمل جداً ان يُلجأ إلى خيارات أُخرى للمواجهة، منها
تضييق حلقة الحصار الاقتصادي، وزيادة الضغط السياسي، وممارسة الضغوط عبر ترويج
مراكز الفساد والابتذال في الداخل.
إن حديثي مكرراً عن وجود مؤامرة ثقافية.. أراها رأي العين.. واتمثلها مجسدة أمامي،
هو حديث يستند إلى الأدلة وليس محض شعار. وهذه المقدمات (التي تبرز على السطح الآن)
يمكن ان تؤكد ادعاءنا وتقرّبه كثيراً إلى الأذهان.. هذا الادّعاء القائل انَّ العدو
اليوم يخوض حرباً ثقافية ضدّنا بتمام المعنى، يوجهها في الداخل بأساليب ذكية جداً15.
(11) يعود مبعث تأكيدي على الغزو الثقافي إلى انه يُشكّل جبهة لم تُكتَشف بعد..
وإذا لم نكتشف الجبهة التي يتحرك مِن خلالها العدو، وتتجمع عناصره عندها.. وإذا لم
نعرف نقطة نفوذه، فكيف يمكننا ان نمارس الدفاع؟ الأمور الضرورية للمجتمع الآن والتي
ينبغي ان لا تهمل في مثل هذه الأوضاع، هي أولاً حفظ التوجهات، وثانياً حفظ الإيمان،
ثم ثالثاً عدم نسيان العدو والغفلة عن خصومته16.
(12) يحصل أحياناً وان تبعث بعض الأحاديث على الملل لكثرة تكرارها وعدم التعاطي
العميق معها.. وعدم الاقدام على انجاز الأعمال التي تتطلبها، واتخاذ المواقف التي
تستحقها.. وكذلك التعاطي السطحي العابر معها.
في مثل هذه الحالة يشعر الإنسان ان تكرار مثل هذه الأحاديث يبعث فعلاً على الملالة.
والمتصوّر- لدى البعض- ان مصطلح الغزو الثقافي هو على هذا الغرار.. لذلك لا ينبغي
تكراره، في حين أعتقد انَّ هذه القضية ليست من سنخ القضايا التكرارية، ولا يمكن
تجاوزها بهذه السهولة.
وبالنسبة لي، وان كنت لا أملك الوقت الكافي، إلاّ اني في الغالب أتصفّح المجلات
التي تصدر والكتب التي تُطبع، وعلى الأخص الكتب الأدبية والثقافية، وأمرّ على
المقالات الجيدة بيدَ اني لا ألحظ إلاّ القليل من الاهتمام بقضية المواجهة
الثقافية، رغم انها تتحرك في اطار جبهة، تمارس عملها ضدّنا، وتشن الهجوم علينا بشكل
منظّم ومخطّط.
ورغم انجاز الكثير من الخطوات في هذا المضمار، إلا اننا لم نصل في الدفاع إلى مستوى
تشكيل حركة منظمة وتيار فاعل، لذلك يشعر الإنسان بالخطر.وما ننتظره هو ان تحاط هذه
القضايا حقاً بالاهتمام الجاد وبالمثابرة17.
(13) بادر العدو في البرهة الراهنة إلى تشكيل جبهة واسعة، وظّف فيها أدوات ووسائل
مؤثرة، خطيرة وفاعلة، مستفيداً في تعضيدها من العلم والتقنيَّة. وهدف هذه الجبهة هو
شنّ هجوم ثقافي شامل ضدّ الجمهورية الإسلامية. طبيعي ان مواجهة هذا الهجوم الثقافي
الخطير جداً، والمدمِّر يحتاج إلى ذكاء.. وإلى توظيف أدوات ووسائل مشابهة لما
يستخدمه العدو، أو ما يكون بديلاً فاعلاً لها18.
(14) الحرب الثقافية تواجـه بمثلهـا. فالفعل الثقافي.. والهجـــــوم الثقافي لا
يمكن أن يُواجه بالبندقية.. بل القلم هو الذي يحلّ هُنا مكان البندقية19.
(15) أُريد أن أوصي الكتّاب وأهل الرأي وحملة الأقلام.. وأصحاب المنابر الاعلامية،
ان لا يخشوا الرأي المخالف.. ترى لماذا يجب ان نهاب الرأي الآخر؟ اننا أصحاب منطق
وحجة واستدلال.. وكلامنا لا يقتصر قبوله على شعبنا وحده، بل نحن نوجهه إلى مئات
الملايين من المسلمين وغير المسلمين.. وحين يكون الكلام منطقياً مدعماً بالحجة
والدليل، فلماذا إذاً نهاب الرأي الآخر ونخشى من إنسانٍ يبدي رأياً معارضاً؟!
أجل، أي كلام يجانب الصواب، يجب أن يُردّ عليه، ولا يبقى هكذا دون جواب، ولكن بشرط
أن لا نحيد عن جادّة الأدب20.
مقولة الثقافة تختلف عن مقولة ساحة المعركة، والمقولة الثقافية لا تخضع للعصا
والسوط (القمع والقوة)، فكل ميدان يتطلب أداة وسلاحاً من سنخه. ونحنُ لسنا قلقين
حتى مما يقوم به المعارضون للجمهورية الإسلامية، من حشدٍ لأساليب فكرية دقيقة،
ووسائل وأدوات ثقافية، في توجيه الحملة المعارضة لها، وشنّ الحملات الفكرية ضدّها،
وبث الأفكار التي تختلف معها.
وبالنسبة لي شخصياً، لستُ غير قلق وحسب، بل أشعر بالفرح في بعض الأوقات، لما يتسّب
به طرح الفكر المعارض من بث حركة في المجتمع، تعدّ مغنماً بالنسبة لنا.. لذلك لا
نستاء من هذه الحالة بل نستقبلها. ولكن شرط أن يكون إلى جوارها تيار (نقدي) من بين
الأدباء والمثقفين والكتّاب والشعراء والفنانين والسينمائيين والأساتذة والعلماء،
يتحرك بشكل جبهة عريضة لمواجهة الهجوم الثقافي الذي يوجه العدو مساره...
والمسألة جدُّ مهمة.. انها ترتبط بايران والإسلام، فالعدو يبغي العبث بأعزّ ثروات
الأمّة.. يريد أن يسخر منها، لذلك علينا أن نبادر لايجاد الجبهة الثقافية، وأن نضع
المتاريس الثقافية... فاليوم عمل ومثابرة.. وعلى كلّ مستطيع ذي استعداد أن يبادر
للعمل في المجال الثقافي.. لا سيّما وأن هُناك الكثير ممّا يجب عمله في هذا
المضمار.من الضروري أن نتحرك، وأن نبادر في هذا المجال، وأنا أوجّه خطابي إلى جميع
أهل الفكر والثقافة، والأدب والفن، والعلم والمعرفة21.
3- الفوارق بين التفاعل الثقافي والغزو الثقافي
(1) نحنُ إيرانيون.. فعلينا إذاً أن نبحث عما يتصل بنا، ونعثر عليه. بديهي هذا لا
يعني أن لا نتعلّم من محاسن الآخرين. فالإنسان يتعلّم مما لدى الآخرين من محاسن
وأشياء جيدة، ولكن من الأفضل أن يذوّب ما يكسبه داخل إطاره الثقافي، ثم يستفيد منه.
لقد تحدّثت مرَّة عن الثقافة، وقلت لا ضير من تلقي ثقافة الآخرين، ولكن على نحوٍ
يتم فيه التمييز بين كيفيتين. ولتقريب المسألة نضرب لها مثالاً من عمل جسم الانسان...
فجسم الإنسان يتعاطى مع العناصر الغريبة عنه بكيفيتين.. في الكيفية الأولى يتناول
الإنسان طعاماً يحوي فيتامينات مختلفة، فيخلط الطعام باللعاب ويدفعه إلى داخل
المعدة. وحينئذٍ تمتص المعدة ما تراه مفيداً مناسباً للجسم، وتترك الباقي، فتدفعه
وتلفظه.
هذا هو التعاطي الايجابي. وبإزائه ثمة نوع آخر من التعاطي، إذ نأتي بالإنسان ونرسف
يديه بالقيود، ثم نحقن في بدنه مادة لا يريدها ولا يرغب بها هذه الحالة هي غير
الحالة الأولى في التعاطي مع العناصر الغريبة عن الجسم، وكان يمكن للمسألة أن تهون
لو أن الحقن في الحالة الثانية، يتم من قبل طبيب عارف، وحريص على الإنسان.
ولكن ماذا لو كان هذا الطبيب عدواً، فماذا تراه يحقن بجسم خصمه؟
هذا المثال، يلخص قصتنا مع الثقافة الغربية، فنحن اليوم مع الأسف، نستهلك الثقافة
الأجنبية، وهي تجدُ طريقها سالكاً إلى أجسامنا، من دون أن يصدر عنّا ردّ فعل.وهذا
هو ما يصطلح عليه بالغزو الثقافي.يتخيل بعضهم إنه هو المعني بالقضية. في حين إنَّ
المسألة تأخذ بعداً آخر، فالغزو الثقافي يأتينا من جهة معادية.. من جهة الغرب،
وعلينا أن نستيقظ ونعي المسألة.. فنحن لا يسعنا أن نقول للعدو لا تتعامل معنا
بعداوة وخصومة، لأنَّ العداوة من طبيعة العدو. لذلك لا نملك، أنا وأنتم، سوى أن
نستقيظ ونلتزم جانب الحذر.
أجل لو عثرنا في معارف الغرب على ما يناسبنا، فعلينا أن نجذبه، ونتعاطى معه كما
يتعاطى الإنسان السليم مع الغذاء، إذ هو يجذب المفيد لجسمه ويدفع الضار. وكذا
الحال- مع منتجات ثقافة الغرب- إذ علينا أن نتعامل معها تعامل الجسم السليم الحي..
نأخذ ما يفيدنا ونلفظ ما لا ينفعنا.
في ضوء ذلك، لا يصح أن نتعامل مع ثقافة الآخر، تعامل الإنسان الفارغ، الخالي من أي
شيء.. الفاقد لكل خلفية، كما لا يصح أن نتعامل معها تعامل الإنسان الحائر الثَّمِل.
لا أدري ماذا دهانا، حتى تُحقن الثقافة الغربية بمثل هذا الشكل في أبداننا، في حين
إننا نملك إمكانية الاختيار؟ ما هو حاصل الآن أن موج الثقافة الغربية يغزونا وينفذ
في وجودنا من خلال الراديو والتلفزيون وكتب الموضة والموديلات والمجلات، ومن خلال
الموج الدعائي والصخب الاعلامي22.
إذا انفتح مجتمع ما على المعارف، فستزداد مناعته في مقابل العدو. وإذا كان للمجتمع
رغبة وولع في العلم، فسيبادر حين يتواصل مع البلاد والمجتمعات الأخرى، لكسب العلم
وأخذه منها.
لقد مارست القدرات الاستعمارية نشاطها في إيران منذ سنوات بعيدة، وعندما جاء الحديث
عن التبادل والتفاعل فيما بين بلدنا والبلدان الأخرى. رأينا المسألة تأخذ مساراً
ضاراً. فبدلاً من أن نعرض ثقافتنا العظيمة أمام العالم ليتعلّم الآخرون منها،
ونستفيد نحن في المقابل من علوم الآخرين، رأينا أنفسنا نعرض صناعتنا اليدوية مثلاً
في معارض الآخرين، ونعطيهم نفطنا لكي يدير عجلة مصانعهم، وبالمقابل، نبقى جلوساً
هكذا بانتظار أن يهبونا ثقافتهم الفاسدة!.
هذه هي خلاصة قصة طلائع دعوة ارتباط إيران ثقافياً مع الغرب. فأولئك الرموز
والروّاد الأوائل، لم يَدْعوا مواطنيهم الايرانيين أبداً إلى كسب ما يستطيعون كسبه
من العلم من الغرب. ولو كانوا قد دعوا إلى ذلك لاستقبلنا دعوتهم.
ونحنُ الآن نعلنها بصراحة.. إن العالم شهد تقدماً في العلوم، وأبقانا متخلفين قرنين
أو ثلاثة قرون عن ركبه.. علينا أن نلحق بالركب ونبلغ التقدم... علينا أن نستفيد من
علومهم ونكتسبها. الدعاة الأوائل لارتباط إيران والتحاقها بالغرب (المتغربون
الأوائل) لم يقولوا هذا، وإنما دعوا إلى أن تلتحق إيران بالغرب ظاهراً وباطناً.. في
الشكل والمظهر.. وفي اللباس.. وأن تكتسب شكلاً غربياً في الأخلاق وفي الارتباطات
والعلاقات اللامشروعة وفي كلّ شيء.
وقد لمسنا تبعات هذا الارتباط غير السليم أواخر العهد الملكي المنحوس، وما زالت
رواسب ذلك العهد- في مجتمعنا- حتى الآن.
التعليم والتعلم أمران ضروريان.. وعلى كل واحد منّا أن يتعلّم.. فحين نعود إلى
الاسلام في الحديث المشهور "اطلبوا العلم ولو في الصين"، نجد أنه لم يكن
ثمَّ ما هو أبعد منها، من البلدان عن وطن المسلمين. ومؤدى المثال أن يكابد المسلم
المشاق ليكسب العلم وليتعلّم.
هكذا علّم النبي المسلمين.. ونحنُ اليوم على هذه العقيدة.. علينا أن نستفيد من جميع
العلوم، ولكن بشرط أن يكون مبتغانا تعلم العلم ونيله، وليس كسب مفاسد الأخلاق..
التلوّث الأخلاقي.. الادمان.. الأمراض الخطيرة المميتة كالطاعون الأمريكي المسمى
بالأيدز، وبقية ضروب المفاسد الأخلاقية.
ينبغي أن ينفتح المحيط الاجتماعي على قضية التعليم، بحيث يشيع حالة التعليم
والتعلّم وتنشط في أجوائنا. بديهي إننا نحتاج إلى التربية والتهذيب الاخلاقيين إلى
جوار التعليم. ولو سلكنا الطريق السليم في التعليم، فهو ينطوي على التزكية23.
(3) يحصل أحياناً وأن يكون العلم بيد أعدائنا، فنذهب إليهم وننحني أمامهم لكسبه..
ليسَ في ذلك ضير، فالعلم أرفع شأناً من أن ينصرف عنه الإنسان لعداوة مع من يستحوذ
عليه ولكن ما نريد الوقوف عنده هو أن يخضع الانسان إلى تأثير العدو ويكون تابعاً له
وتحت سلطته، وذلك في المسائل التي لا تنتسب إلى العلم..
أي في السياسة والثقافة وما شابه ذلك.
ما يريدونه لما يطلق عليه بالعالم الثالث، وما يخططون له، هو التبعية الثقافية
والسياسية. لقد رتبوا الأمور على نحو لا يتم فيه تبادل العلم والتقنيَّة.
ويمكن أن ندرج معضلة فرار العقول وهجرة الأدمغة، التي يعاني منها العالم المتخلّف
منذ عشرات السنين، في هذا المضمار.. فهم يخطفون أفضل الطاقات والعقول التي تتحلّى
بها بلادنا، بل ولم يسمحوا- في إطار إبقاء حالة التخلّف وترسيخ التبعية- للطاقات
المستعدّة التي تلقت تعليمها في العالم الثالث نفسه، أن تعود للخدمة إلى بلادها24.
(4) ثمّ فارق بين الغزو الثقافي وبين التفاعل أو التبادل الثقافي. يُعبّر التفاعل
الثقافي عن ضرورة تحتاج إليها الشعوب. فليس ثمة شعب من الشعوب يستطيع الاستغناء عن
الافادة من معارف الشعوب الأخرى.. والثقافة والمسائل التي تندرج في العنوان الثقافي
هي من بين ذلك.
لقد كان مسار التاريخ كاشفاً أبداً، عن حالة التفاعل هذه ويشهد عليها.
قادت العلاقة بين الشعوب والتواصل فيما بينها، إلى التفاعل فيما بينها على صعيد
آداب العشرة.. الأخلاقيات العامة.. العلم.. شكل اللباس.. طراز الحياة.. اللغة..
المعارف.. والدين. وهذا الضرب من التفاعل يفوق في أهميته عملية التبادل الاقتصادي
والسلعي.
شهدنا طوال التأريخ أمثلة قادَ فيها التفاعل (التبادل) الثقافي إلى تغيير دين بلد
بأكمله. فالذي حصل على سبيل المثال في شرق آسيا، أي في شرق المنطقة الإسلامية، هو
دخول الإسلام إلى بلاد من أمثال أندونيسيا وماليزيا. وأجزاء مهمة من شبه القارة، عن
طريق أفراد قلائل (آحاد) من الشعب الإيراني. وَلم يتم نشر الإسلام هُناك عن طريق
ممارسة المبلغين للدعوة.. وإنما تحوّل الشعب الأندونيسي الذي ربّما يعد اليوم أكبر
الشعوب الإسلامية، إلى الإسلام عن طريق حركة التجار والسيّاح الإيرانيين.
إذن لم يصل الاسلام إلى تلك المنطقة للمرة الأولى، لا عن طريق الدعاة والمبلغين
الدينيين، ولا عن طريق السيف والحرب، بل كانت الفضيلة لعملية التزاور والتبادل
الثقافي.
لماذا نذهب بعيداً، ونحن نجد أن شعبنا تعلّم أشياء كثيرة طوال تأريخه من الأمم
الأخرى. وحالة التفاعل هذه تعدّ أمراً ضرورياً للعالم برمته، لكي تبقى الحياة
الثقافية والمعرفية نابضة بالحركة والحيوية والتجدّد.هذا هو ما نعنيه بالتبادل
الثقافي الايجابي والمطلوب25.
(5) الهدف من التبادل الثقافي هو اثراء الثقافة الوطنية وسوقها نحو التكامل. أما
الغزو الثقافي فهو يهدف إلى استئصال الثقافة الوطنية واجتثاثها.
في مسار عملية التبادل، تأخذ الأمة ما تراه لائقاً جيداً من ثقافة الآخرين، وما هو
مورد علاقة بالنسبة إليها.
افرضوا مثلاً.. إن الشعب الإيراني رأى في الشعوب الأوروبية إنها تتصف بالمثابرة
(بمعنى الصبر والاصرار على انجاز الشيء) والتوثّب وروح المغامرة، فلو إنه أخذ هذه
الصفات منها، لكان ذلك أمراً حسناً.
وفي مثال آخر، نرى أنَّ الإيراني حين يذهب إلى أقصى نقاط شرق آسيا يجد الناس تتحلى
بالاحساس بالمسؤولية، وبوجدان يقظ في الانكباب على العمل.. وبالمثابرة والانضباط
والنظم.. وتظهر شوقاً وافراً للعمل.. تستثمر الوقت وتقدّر قيمته.. تتبادل المحبة
فيما بينها، وتتحلى بالأدب، فلو أنه اكتسب منها هذه الخصال لكان ذلك أمراً حسناً.
يبادر الشعب في التبادل الثقافي إلى النقاط الايجابية، وما يقود إلى تكامل ثقافته
واثرائها فيستعمله، تماماً كالإنسان الذي يُصاب بالضعف في بدنه، فينكب على تناول
الغذاء الجيّد أو الدواء المناسب، لكي يتعافى وتعود إليه السلامة مجدداً.
أمّا في الغزو الثقافي، فإنَّ الأمة المستهدفة بالغزو تُغذى بأمور سلبية وثقافة
ضارَّة. على سبيل المثال، عندما بدأ الغزو الثقافي الأوروبي لبلدنا، لم يصطحب
الأوربيون معهم قيماً من قبيل روحية احترام قيمة الوقت.. الشجاعة والاقدام.. تحمل
الأخطار في مواجهة الأمور.. وروحية التدقيق والمثابرة في البحث العلمي، ولم يريدوا
لشعبنا أن يتربى على هذه القيم ويتبعها، لكي لا يكون الشعب الإيراني شعباً يتحلى
بالمسؤولية وبضمير يقظ في الانكباب على العمل.. ولا أن يتصف بالمثابرة العلمية.كلّ
الذي جلبوه إلى هذه البلاد هو التحلّل والاباحية الجنسية26<
2014-09-11