يتم التحميل...

الجبر والإختيار

بحوث ومعتقدات

تنص الآيات القرآنية على أن المشركين كانوا معتقدين بالجبر وسلب الاختيار، وإليكم فيما يلي ما ذكره القرآن في هذا المجال:يقول تعالى:سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ ابَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْ‏ء...

عدد الزوار: 24

الجبر عند المشركين
تنص الآيات القرآنية على أن المشركين كانوا معتقدين بالجبر وسلب الاختيار، وإليكم فيما يلي ما ذكره القرآن في هذا المجال:

1- يقول تعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ ابَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْ‏ء(الأنعام:148).

ولكن الذكر الحكيم يرد عليهم تلك المزعمة بقوله:

﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنّ‏َ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ(الأنعام:148).

2- ويقول تعالى في آية أخرى حاكياً كلام المشركين في تعليل ارتكابهم الفحشاء بأمر من اللَّه تعالى: ﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا ابَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنّ‏َ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون(الأعراف:28).

3- ويقول تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُون(الزخرف:20).

فهذه الآيات وغيرها من الآيات تبين لنا موقف المشركين من الجبر الإنساني، المرفوض بصراحة في القرآن الكريم.

الإعتقاد بالجبر عند بعض المسلمين
المؤسف أن بعض المسلمين وقعوا في شبهة الجبر التي وقع فيها المشركون نظراً إلى التفسير الخاطئ لبعض الآيات الكريمة التي تسند الخلق والفعل للَّه تعالى حيث اعتبروا أن اللَّه تعالى هو الذي يفعل كل الأفعال من دون اختيار وإرادة للإنسان وكأن الإنسان فقط الة يتحرّك كيف يشاء اللَّه تعالى كقوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلّ‏ِ شَيْ‏ء(الزمر:62), ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ(فاطر:3), ﴿واللَّه خلقكم وما تعملون(الصافات:96).

الرد عليهم
ولكن هؤلاء المسلمين لو أمعنوا النظر في كتاب اللَّه عزَّ وجلّ‏َ لوجدوا آيات كثيرة تدل على إسناد الفعل إلى العباد مما يدل على أن الإنسان مختار ومريد لأفعاله، يقول تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمّ‏َ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ(البقرة:79).

﴿إن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنّ‏َ وَمَا تَهْوَى الأَنفُس﴾(النجم:23).

﴿إِنّ‏َ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ(الرعد:11).

هذه الآيات الكريمة، واضحة في إسناد الأفعال إلى نفس الإنسان حيث إنهم يكتبون بإرادتهم واختيارهم ويتبعون الظن وأهواء أنفسهم وأن التغيير منوط بإرادتهم ويوجد ايات كثيرة تدل على ذلك حتى أنه وللأسف ظهرت فرق من المسلمين تقول إن الإنسان يفعل بإرادته واستقلاله من دون تعلق لإرادة اللَّه تعالى في أفعاله أي أن اللَّه فوَّض للإنسان أفعاله على نحو الاستقلال من دون تدخل للقدرة الإلهية في شي‏ء من أفعاله.

وبالطبع فإن هذه العقيدة أعظم بطلاناً من الأولى لأنها تجعل الإنسان خالقاً في قبال اللَّه سبحانه وتعالى وكأنه شريك للَّه في خلق الأفعال واللَّه تعالى يقول في كتابه: ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبّ‏ُ الْعَالَمِينَ(التكوير:29).

عقيدة الشيعة بين الجبر والتفويض
ذهب الشيعة في عقيدتهم إلى الأمر بين الأمرين كما قال الإمام الصادق عليه السلام: "لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين، سئل عليه السلام ما الأمر بين الأمرين؟ قال عليه السلام: مثل ذلك رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته، ففعل تلك المعصية، فليس حيث لم يقبل منك فتركته أنت الذي أمرته بالمعصية"1.

وقال البصري لأبي عبد اللَّه عليه السلام: الناس مجبورون؟ قال عليه السلام: لو كانوا مجبورين لكانوا معذورين، قال: ففوض إليهم؟

قال عليه السلام: لا، قال: فما هم؟ قال: علم منهم فعلاً فأوجد فيهم الة الفعل، فإذا فعلوا كانوا مع الفعل مستطيعين2.

تبيَّن أن عقيدة الشيعة هي لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين فإن اللَّه تعالى هو خلق السبيل وخلق الإنسان وأعطاه القدرة والاختيار وكل ذلك متعلق بقدرة اللَّه واختياره أيضاً ولكن يختار اللَّه لنا ما نختاره لأنفسنا لذلك ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُوراً(الإنسان:3) ولذلك صحت المحاسبة.

يقول تعالى: ﴿مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ(النساء:123).

ويقول تعالى: ﴿كُلّ‏ُ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِين(الطور:21).

ويقول تعالى حاكياً قول الشيطان الرجيم: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي(إبراهيم:22).

وكذلك صح الثواب والعقاب.

يقول تعالى: ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون(الأنعام:160).

وقوله تعالى:﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ امِنُونَ(النمل:89).

وقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة(النحل:97).

وأيضاً مما يدل على ذلك الآيات التي تعلِّق أفعال العباد على مشيئتهم كقوله تعالى: ﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ(الكهف:29) ﴿فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا(المزمل:19).

ومما يؤيد ذلك أيضاً الآيات التي تأمر الناس بالعمل وإلا لولا وجود الاختيار لكان الأمر عبثاً ولغواً تعالى اللَّه عن ذلك علوَّاً كبيراً.

كقوله تعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(ال عمران:133).

وقوله عزَّ وجلّ‏َ: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ(التوبة:105).

عقيدة الجبر والسياسة
إن عقيدة الجبر التي ظهرت عند بعض الفرق الإسلامية إنما وراؤها غاية سياسية استغلَّها الحكام للوصول إلى ماربهم الشخصية والسلطوية وكذلك لتبرير أفعالهم وانتهاكاتهم. يقول الشهيد مطهري: "يشير التاريخ إلى أن مسألة القضاء والقدر كانت مستمسكاً صلباً وقوياً لحكام بني أمية الذين كانوا من المؤيدين الأشداء لمسلك الجبر، وكانوا يقتلون المؤيدين للاختيار والحرية البشرية بتهمة أنهم من المعارضين للمعتقدات الدينية أو كانوا يرمونهم في السجون حتى عرف في ذلك الوقت أن الجبر والتشبيه أمويان والعدل والتوحيد علويان"3.

ويقول أبو هلال العسكري: "إن معاوية أول من زعم أن اللَّه يريد أفعال العباد كلها"4.

ويقول ابن قتيبة: "وإن أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء وليس للعباد خيرة من أمرهم"5.

وجرى على هذه السياسة سائر الخلفاء الأمويين وتبعهم العباسيون.

السِّر في ذلك
السر في انتهاج هذه السياسة هو


1- سلب إرادة واختيار الناس واجبارهم على الانصياع للسلطة.
2- إظهار إرادة الحكام الظالمين على أنها إرادة اللَّه تعالى ليبرروا ظلمهم وجرائمهم أمام الناس وساعدهم على ذلك علماء السوء ووعَّاظ السلاطين.

* عقائد قرآنية, إعداد ونشر جمعية المعارف الثقافيه, ط1, كانون الثاني 2006م, ص 47-55.



1- الاعتقاد للشيخ المفيد، ص‏30.
2- تفسير القمي، ج‏1، ص‏227.
3-دروس في العقيدة الإسلامية(ري شهري)، ص‏143.
4- الأوائل، ج‏2، ص‏125.
5- الإمامة والسياسة، ج‏1، ص‏171.

2009-09-16