يتم التحميل...

هدى الكتاب

السيد مصطفى الخميني

ثمّ اعلم يا صديقي ويا نور عيني: أنّ ذلك الكتاب فيه هدى، فعليك الجدّ والاجتهاد في أن تكون هدًى، ولا تكتفي بكونك هادياً، ولا تقنع بأن يهتدي بهديك الآخرون، فضلاً عن القناعة بأن يكون الإنسان خارجاً عن زمرة الضّالين والمضلّين،

عدد الزوار: 18

ثمّ اعلم يا صديقي ويا نور عيني: أنّ ذلك الكتاب فيه هدى، فعليك الجدّ والاجتهاد في أن تكون هدًى، ولا تكتفي بكونك هادياً، ولا تقنع بأن يهتدي بهديك الآخرون، فضلاً عن القناعة بأن يكون الإنسان خارجاً عن زمرة الضّالين والمضلّين، فاسعَ سعيك، وجد جدّك في طريقك المثلى، ونهجك المقرّر، حتى تصل إلى هذه المرتبة العليا، ولا يكون ذلك، ولا يناله أحدٌ، وما ناله الأصفياء إلا بالارتياضات النّفسانيّة والتّدبّر والتّفكّر، والاقتداء بالصّالحين، وباتّباع الأولياء المقرّبين المنتشرين في البلاد والقرى، فسيروا في الأرض فانظروا إلى آثار رحمة الله، فإنّ لله في أيام دهركم نفحاتٍ، ألا فتعرّضوا لها1، فهذا الكتاب الإلهيّ جاء ليعلّم النّاس ما يصيرون به مثالاً له، فلا يكون فيه ريبٌ، ويكون هدًى من الضّلالات في جميع النّشآت، فتخلّقوا بأخلاق الله، حتّى يتمشّى لكم ما تمشّى له من المشيّة المطلقة2، فإنّ الإنسان هو الصّورة الجامعة الإلهيّة.. وحتّى يصحّ فيكم أنّه ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ3 من الضّلالات بأقسام الهدايات وأنواعها الممكنة.

ثمّ يا أيّها العزيز، مسّنا وأهلنا الضّرّ، فأوف لنا الكيل، ويا أيّها الحجّة الباقية القائمة، أعنّا على ذلك كلّه، حتّى ندرج في زمرة المتّقين، ونستضيء بأنوار الحقّ واليقين، فإنّ الكتاب الإلهيّ قد حثّ على ذلك بأنحاء كثيرةٍ، ومن أحسنها هذه الآية الكريمة، فإنّها تومئ إلى اعتبار السّنخيّة بين المهتدين بالقرآن العظيم، وبين الكتاب الذي لا ريب فيه، فإنّه لا يعقل هداية الضّال، لأنّه مع فرض كونه ضالًّا لا يعقل هدايته، فإنّ صورة الضّلالة هي الصّورة الآبية عن قبول الهداية، فلا بدّ وأن لا يكون متصوّراً بتلك الصّورة حتّى يكون قابلاً للاهتداء بمثل ذلك الكتاب، فعليك أمرٌ، وعلى الله تعالى أمورٌ: أمّا الذي عليك فهو الاجتهاد في سبيل الخروج عن التعيّن بتلك الصّورة المتعصّيّة والرّادعة المانعة، فإذا كنت خارجاً عنها برفض الشّهوات والبليّات، وأهواء النّفس وأحكام المادة والشّيطنة، تنالك - بحمد الله وإن شاء الله - المشيّة الإلهيّة الظّاهرة في نشأة الغيب والشّهود، ويخرجك من الظّلمات إلى النّور، فإن مجرّد الخروج عن بيت ظلمة الطبيعة ليس من الهداية وصورتها النّوعية، فإنّها حركةٌ نحو الوجود المطلق الإلهيّ، الّتي لا تحصل إلا بعد اكتساب الزّاد والرّاحلة، فكما لا يكون الزّاد والرّاحلة من السّفر والحركة المعنويّة، بل هي استعداد، كذلك الخروج عن ظلمات النّفس وغشاوات الطّبيعة، لا يعدّ من السّفر المعنويّ حقيقةً4.

* من كتاب بصر الهدى، سلسلة وصايا العلماء، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- المجلسي، بحار الأنوار ج 68، ص 221، و ج 80 ، ص 352، و ج 84 ، ص 267، و ج 87، ص 95.
2- وهو مقام فاعليّة الحقّ تعالى التي لها تنزّلات وتعيّنات في جميع العوالم. وبها ظهرت الموجودات وتحقّقت الحقائق.
3- سورة البقرة، الآية 2.
4- الخمينيّ، الشّهيد السّيّد مصطفى، تفسير القرآن الكريم، ج 2، ص 385- 387.

2014-01-16