يتم التحميل...

العبادة الخالصة

السيد مصطفى الخميني

اعلم يا أخا الحقيقة ويا قرّة عيني العزيز، أنّك إذا تأمّلت بعين الإنصاف، وحسن البصيرة، أنّ الّذي تصدّى لتربيتك، والّذي خلقك، وأحسن خلقك، وأرسل إليك الأسباب الباطنيّة والظاهريّة، لإخراجك من الظّلمات إلى النّور،

عدد الزوار: 23

اعلم يا أخا الحقيقة ويا قرّة عيني العزيز، أنّك إذا تأمّلت بعين الإنصاف، وحسن البصيرة، أنّ الّذي تصدّى لتربيتك، والّذي خلقك، وأحسن خلقك، وأرسل إليك الأسباب الباطنيّة والظاهريّة، لإخراجك من الظّلمات إلى النّور، ومن الأدناس للتخلّق بأخلاقه، إنّه هو الرّحمن الرّحيم بجميع الخلائق والعوالم، وإنّه ربّ العالَمين، الغيب والشهود، وإنّه مالك يوم الدّين في الدّنيا والآخرة، وإنّ بيده كلّ شيءٍ، وإليه يرجع كلّ شيءٍ، وإنّه الكمال كلّه وكلّه الكمال، والجمال كلّه وكلّه الجمال، ولا كمال ولا جمال إلا كماله وجماله. فعندما تيقّنت بذلك، وبلغت إلى شهوده في تلك المراحل والمنازل، فهل تقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ كذباً وافتراءً؟!، ولتكن في حذرٍ من ذلك، فعليك بالاجتهاد والجدّ في الوصول إلى غاية المأمول لأصحاب العقول والإيقان، ولأرباب الشّهود والعرفان، وهو أن تقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ خالصاً، ولا شيء وراءه في هذه العبادة والطّاعة في جميع الحلقات المحيطة بها، ولا تخطر في قلبك من أحدٍ شيئاً، ولا تخاف من غير العزيز الجبّار، المنطوي في جبروته مالكيّة غيره، وقاهريّة سواه، فبعد الإقرار والاعتراف بتلك الحقائق والرّقائق، وبعد الإذعان بأنّ ربّ السّماوات العلى والأرضين السّفلى، هو الحميد الغنيّ، وهو المالك، وهو الرّحمن الرّحيم، فلا يجوز في شرع الحقيقة والعرفان اشراك غيره في عبادته بأيّ وجهٍ كانت الشّركة، وهكذا الاستعانة بغيره، بل يرى في هذا الموقف أنّه لا يتمكّن الفقير من إعانة الفقير، والممكن من إعانة الممكن. فإذا وصل القارئ السّالك إلى هذا المقام، وهو مقام الجمع بين الغيب والشّهود، ومقام الأنس مع الرّبّ الودود، فيترنّم بقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ حاصراً ذلك فيه، وإن لم يكن التّقديم للحصر، ولكنّه يجب عليه إرادة الحصر وقصد الانحصار، بل العبد السّالك الفاني عن تعيّنات المادّة، وحدود الشّهوات والمدّة، لا بدّ وأن يسعى في المقامات الأخر الخاصّة بالعارفين بالله، والكاملين في ذات الله، والمخلصين في توحيد الله، وكلّ ذلك رشحٌ من رشحات معرفته بالله في التّوحيدات الثّلاثة، التّوحيد الذاتيّ والصّفاتيّ والأفعاليّ، فإنّ التوحيد في العبادة ظلّ هذه التّوحيدات وصورة تلك الوحدات، وعليك بالتّجريد والتّفريد40 أوّلاً وبالشّهود والعرفان ثانياً، حتّى يتمكّن العبد من توحيده في العبادة على الوجه اللّائق به، وإن حكي عن سيّد البشر صلى الله عليه وآله وسلم: "أنت كما أثنيت على نفسك، ما عبدناك حقّ عبوديتك، وما عرفناك حقّ معرفتك"1

* من كتاب بصر الهدى، سلسلة وصايا العلماء، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- انظر: المجلسي، بحار الأنوار، ج 68 ، ص 23.

2013-12-17