يتم التحميل...

الوقاية من أمهات مفسدات المجتمع

مواعظ الكتاب

روي عن النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال في حجّة الوداع: "إنّ من أشراط القيامة إضاعة الصلاة، وإتباع الشهوات، والميل مع الأهواء وتعظيم المال، وبيع الدنيا بالدين، فعندها يُذاب قلب المؤمن

عدد الزوار: 33

روي عن النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال في حجّة الوداع: "إنّ من أشراط القيامة إضاعة الصلاة، وإتباع الشهوات، والميل مع الأهواء وتعظيم المال، وبيع الدنيا بالدين، فعندها يُذاب قلب المؤمن في جوفه كما يُذاب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يُغيّره، ثم قال: إنّ عندها يكون المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، ويؤتمن الخائن، ويُخوّن الأمين، ويُصدّق الكاذب، ويُكذّب الصادق، ثم قال: فعندها يجفو الرجل والديه ويبرّ صديقه، ثم قال: فعندها يكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء،... ويشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال... فعليهم من أمتي لعنة الله، ثم قال: إنّ عندها... تكثر الصفوف والقلوب متباغضة، والألسن مختلفة، ثم قال: فعند ذلك تحلى ذكور أمتي بالذهب، ويلبسون الحرير والديباج،... ثم قال: فعندها يظهر الربا، ويتعاملون بالغيبة والرشا، ويوضع الدين وترفع الدنيا، ثم قال: وعندها يكثر الطلاق فلا يقام لله حد ولن يضر الله شيئاً، ثم قال: وعندها تظهر القينات والمعازف... ثم قال: وذلك إذا انتهكت المحارم، واكتسب المآثم، وتسلّط الأشرار على الأخيار، ويفشو الكذب، وتظهر الحاجة،... إلى أن قال: فأولئك يدعون في ملكوت السماء الأرجاس الأنجاس"1.

1- وقاية الأهل والنفس من النار:

يخاطب القرآن الكريم جميع المؤمنين، ويرسم لهم المنهج الصالح لتربية الزوجات والأولاد والأسرة بشكل عام، فهو يقول أولاً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ وذلك بحفظ النفس من الذنوب وعدم الاستسلام للشهوات والأهواء، وحفظ العائلة من الانحراف بالتعليم والتربية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتهيئة الأجواء الصالحة والمحيط الطاهر من كل رذيلة ونقص. وينبغي مراعاة هذا البرنامج الإلهي منذ اللحظات الأولى لبناء العائلة، أي منذ أول مقدّمات الزواج، ثم مع أول لحظة لولادة الأولاد، ويُراعى ويُلاحظ بدقّة حتى النهاية. فإنّ حقوق الزوجة والأولاد لا تقتصر على توفير المسكن والمأكل، بل الأهم تربية نفوسهم وتغذيتها بالأصول والتعاليم الإسلامية وتنشئتها نشأة تربوية صحيحة.

والتعبير ب‍ "قوا" إشارة إلى أنّ ترك الأطفال والزوجات دون أية متابعة أو إرشاد سيؤدّي إلى هلاكهم ودخولهم النار شئنا أم أبينا. لذا عليكم أن تقوهم وتحذّروهم من ذلك "الوقود" وهو المادة القابلة للاشتعال مثل (الحطب) وهو بمعنى المعطي لشرارة النار كالكبريت - مثلاً - فإنّ العرب يطلقون عليه (الزناد). وبناءً على هذا فإنّ نار جهنم ليس كنيران هذا العالم، لأنّها تشتعل من داخل البشر أنفسهم ومن داخل الصخور وليس فقط صخور الكبريت التي أشار إليها بعض المفسّرين، فإنّ لفظ الآية مطلق يشمل جميع أنواع الصخور3.

وفي هذا الزمان تكثر المفسدات الاجتماعية وتتنوّع الابتلاءات بها بين الناس، وقد عدّدت الرواية في مطلع هذا الدرس الكثير من هذه المفسدات الخطيرة، وسنقتصر بالكلام عن بعض هذه الأمراض والابتلاءات المعاصرة وأهمها:

2- ضعف العفّة وهيمنة الشهوات:

تقع "العفّة" في النقطة المقابلة لـ "شهوة البطن والفرج" وهي عبارة عن حصول حالة للنفس تمتنع بها من غلبة الشهوة، وتحفظها من الميول والشهوات النفسانية، وعلى هذا فالعفّة صفة باطنية، وقد ذكر علماء الأخلاق في تعريف العفّة: أنّها الحدّ الوسط بين الشهوة والخمود. وعلى أي حال فإنّ المستفاد من آيات القرآن الكريم والروايات الإسلامية أنّ العفّة من أعظم الفضائل الأخلاقية والإنسانية، ولا يمكن لأي شخص أن يسير نحو الكمال من دون التحلّي بها ونجد في حياتنا الدنيوية أنّ كرامة الإنسان وشخصيته وسمعته رهينة بالتحلّي بهذه الفضيلة الأخلاقية4.

أ- قيمة العفّة في الإسلام:
لقد تحدّثت الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم وأهل بيته عن قيمة العفة، وجعلت العفيف بمنزلة الملائكة، ووصف العفاف بأنّه أفضل من العبادة. روي عن الإمام علي عليه السلام : "أفضل العبادة العفاف"5، وعنه عليه السلام : في وصيته لمحمد بن أبي بكر لمّا ولّاه مصر: "يا محمد بن أبي بكر، اعلم أنّ أفضل العفّة الورع في دين الله والعمل بطاعته..."6. وعنه عليه السلام أيضاً: "ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممّن قدر فعفّ، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة"7. وهي أفضل شيمة، وعنه عليه السلام : "العفة أفضل الفتوة"، "وأفضل شيمة، والعفاف زينة الفقر"، وعنه عليه السلام : "زكاة الجمال العفاف"8.

ب- الحثّ على عفّة البطن والفرج:
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ9. وعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : "أحب العفاف إلى الله تعالى عفاف البطن والفرج"10. وعن الإمام علي عليه السلام : "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً أعف بطنه وفرجه"11.

فالعفّة برنامج حياة وخلق وأدب، يجب أن يتحلّى بها من أراد السموّ والمروءة، ومن أهم أسباب وأسرار تماسك المجتمعات والأسر هو وجود العفّة قوّية راسخة في ذلك المجتمع. وإنّ من أسباب تفكّك المجتمعات والأسر، هو ضياع العفّة وضعفها، وكثرة الابتذال، والتحلّل من القيود والضوابط الدينية، بلا فرق بين الفقهي، والأخلاقي، والاجتماعي والمالي منها، وأكثر ما يؤدّي إلى الابتذال وضعف العفّة أو عدم وجود العفاف هو:
• وسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة وما تُقدّمه من سموم عبر شاشاتها ووسائلها المختلفة.
• حملات الإفساد الموجّهة للمرأة، وتزيين الفاحشة لها، وذلك بالدعوة للتبرّج والسفور، وترك الحجاب.
• تأخّر الزواج عند الشباب، وذلك بسبب صعوبة المعيشة وارتفاع المهور.
• قلّة الورع، وقلة الأمانة، وعدم المبالاة بالحلال والحرام.


3- الشائعات وأثرها في خراب المجتمع:

تشكّل الشائعات أحد الأسباب الرئيسة للكثير من الفتن والاعتداءات والقتل وهتك الأعراض، مع أنّ الإشاعة لا تستند إلى دليل في أغلب الحالات. وقد عالج الدين الإسلامي هذه الظاهرة بالحثّ على التبيّن والتحقّق من الأخبار التي تطرق آذانهم والنهي عن الأخذ بالأخبار إذا جاءت من الفاسقين.

قال الله سبحانه وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين12، والمعنى واضح وهو الأمر بالتأنّي وعدم العجلة حتى تظهر الحقيقة فيما أنبأ به الفاسق.

ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً13، أي لا تنقل خبراً إلا بعد التثبُّت من صحته من قول يقال أو رواية تروى ومن حكم شرعي أو قضية اعتقادية ولا تشهد إلا بما رأت عيناك وسمعته أذناك ووعاه قلبك.

أما في السنة فإنّ النبي صلى الله عليه واله وسلم ينهانا عن كثرة الكلام ويحثّنا على وجوب تمحيص المسموع، وأن يكون لدينا معيار نقيس عليه ما يرد على أذهاننا من كلام فنأخذ منه ما يوافق الشرع ونطرح ما يخالفه، فقد قال صلى الله عليه واله وسلم : "إنّ الله كره لكم ثلاثاً قيلٌ وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال"14، ومعنى (قيل وقال): تجنّب كثرة الكلام وتناقله لأنّها لا تخلو من الخوض في الباطل ولا من الاغتياب ولا من الكذب، وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه واله وسلم : "كفى بالمرء كذباً أن يُحدّث بكل ما سمع"15.

4- انتشار السم القاتل الخمر والمخدرات:

من الأمور الأساسية التي تبتلى بها المجتمعات الحديثة، وتؤدّي إلى الفساد والانحراف، الخمر والمخدرات:

أ- تحريم الخمر في الإسلام:
كان الخمر سلعة رئيسة في المجتمع العربي قبل الإسلام، ومورداً اقتصادياً هاماً، ولهذا كان تداول الناس به على مستوى الصناعة، التجارة، والشرب وغيرها من الأمور الطبيعية وشبه اليومية عند شرائح كثيرة من الناس. ونظراً للمفاسد والأضرار الكبيرة الناشئة عنه حرص المشرّع الإسلامي على القضاء على هذه الآفة ضمن سلسلة من المحرّمات التي تضمن سلامة المجتمع وتحصينه. وهو ما جاء في القرآن الكريم في عدة آيات، قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا16. وفي آية أخرى قال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ17. وفي مورد أخرى قال الله سبحانه: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ18. فالواضح أنّ الله تعالى قد أوضح المفاسد والآثار السلبية الناشئة عن الخمر، حتى اعتبره رجس من عمل الشيطان، وأمر بالاجتناب عنه. وجاء في العديد من الروايات تحريم كل مسكر غير الخمر، ومنها صحيحة فضيل حيث ذكر فيها "وحرّم الله الخمرة بعينها، وحرّم رسول الله المسكر من كل شراب فأجاز الله له ذلك"19إذن فتحريم الخمر صادر عن الله تعالى، وتحريم بقية المسكرات صدر عن النبي صلى الله عليه واله وسلم وكلاهما تشريع إسلاميّ ملزم للناس.

ب- تعاطي المخدّرات:
مشكلة المخدّرات من أخطر المشاكل الصحية والاجتماعية والنفسية التي تواجه العالم أجمع وطبقاً لتقديرات المؤسّسات الصحية العالمية يوجد ما يزيد عن 800 مليون من البشر يتعاطون المخدرات أو يدمنونها20. والمخدّرات في مجملها تؤثّر على المخ وهذا سرّ تأثيرها والكثير منها يتسبّب في ضمور (موت) بعض خلايا الجزء الأمامي لقشرة الدماغ (Cortex). وهناك مخدّرات تسبّب إدماناً نفسياً دون تعوّد عضوي لأنسجة الجسم مثل: القنب (الحشيش)، القات، وعند توفّر الإرادة لدى المتعاطي فإن الإقلاع لا يترك أي أعراض على المتعاطي. وهناك مخدرات تُسبّب إدماناً نفسياً وعضوياً أهمها: الأفيون، المورفين، الهيروين، الكوكايين، الكراك وكذلك الخمور وبعض المنوّمات والمهدّئات. والإقلاع عن تعاطي تلك المخدرات يتسبّب في أعراض قاسية للغاية تدفع المتعاطي للاستمرار بل وزيادة تعاطيه. لذلك يجب التنبّه من عدم الوقوع في شرك المخدّرات والمبادرة إلى طلب المشورة والعلاج مهما كانت مرحلة الإدمان حيث سوف تتحقّق المكاسب الصحية لا محالة.

وأما أعراض الخمور وأضرارها فحدّث عن ذلك ولا حرج فأمراض القلب وتصلّب الشرايين، وقرحة المعدة، وانتكاسة الجهاز الهضمي، وجملة الأعراض العقلية والنفسية والسلوكية، وتعرض الجينات الوراثية للأخطار، والتأثير على الأجنة والمواليد، عدا التضحية بالعقل والمال والوقار، وهكذا...

ج- من الأضرار الاجتماعية للمخدّرات:
• انهيار المجتمع وضياعه بسبب ضياع اللبنة الأولى للمجتمع وهي ضياع الأسرة.
• تسلب من يتعاطاها القيمة الإنسانية الرفيعة، وتهبط به في أودية البهيمية، حيث تؤدّي بالإنسان إلى تحقير النفس فيصبح دنيئاً مهاناً لا يغار على محارمه ولا على عرضه، وتفسد مزاجه ويسوء خلقه.
• سوء المعاملة للأسرة والأقارب فيسود التوتّر والشقاق، وتنتشر الخلافات بين أفرادها.
• امتداد هذا التأثير إلى خارج نطاق الأسرة، حيث الجيران والأصدقاء.
• تفشّي الجرائم الأخلاقية والعادات السلبية، فمدمن المخدرات لا يأبه بالانحراف إلى بؤرة الرذيلة والزنا، ومن صفاته الرئيسة الكذب والكسل والغش والإهمال والسرقة.

د- الحكم الشرعي للمخدرات:
أجمع علماء المسلمين من جميع المذاهب على تحريم المخدرات، كونها تؤدّي إلى الإضرار في دين المرء وعقله وطبعه، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾21. وحرّم رسول الله المسكر من كل شراب كما جاء في العديد من الروايات، وقد نهى الدين  الإسلامي عن كل ما يؤدّي إلى الإضرار بالنفس، أو بالآخرين، وهو ما أجمع عليه فقهاء المسلمين من جميع المذاهب.

نماذج من الفتاوى:

• يحرم تعاطي كل ما يضر بالبدن والعقل حرمة شديدة كالأفيون والحشيش والكوكايين وجميع أنواع المخدرات الضارة والسموم22.
• أورد الفقهاء في رسائلهم العملية فتاوى جامعة في حرمة الخمر والمخدرات هذه خلاصتها: يحرم استعمال المخدّرات مع ما يترتّب عليه من الضرر البليغ، سواء من جهة إدمانه، أم من جهة أخرى، بل الأحوط لزوما الاجتناب عنها مطلقاً، إلا في حالات الضرورة الطبية ونحوها، فتستعمل بمقدار ما تدعو إليه الضرورة.

ولقد وقف الإسلام موقفًا حازمًا من الخمر وشربه وبيعه وغرسه وعصره وحمله، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ23.

وروي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم "من شرب الخمر بعد ما حرّمها الله على لساني فليس بأهل أن يزوّج إذا خطب، ولا يشفع إذا شفع، ولا يُصدّق إذا حدّث، ولا يؤتمن على أمانة"24. وفي رواية معتبرة: "لعن الله الخمر وغارسها وعاصرها، وشاربها، وساقيها، وبايعها، وشاريها، وآكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليه"25. وقد عدّ الفقهاء الخمر من الأعيان النجسة فقالوا: الخمر، ويلحق بها كل مسكر مائع بالأصالة من النجاسات، وأما الجامد كالحشيشة - وإن غلى وصار مائعًا بالعرض - فهو طاهر لكن الجميع حرام بلا إشكال. وحرّموا أيضاً بيع العنب أو التمر ليعمل خمراً. وكذا تحرم ولا تصح إجارة المساكن لتباع فيها الخمرة أو تحرز فيها، أو يعمل فيها شيء من المحرّمات، وكذا تحرم ولا تصح إجارة السفن أو الدواب أو غيرها لحمل الخمر، والأجرة في ذلك محرّمة، بل وحرّموا الأكل من مائدة يُشرب عليها الخمر أو المسكر، ويحرم الجلوس عليها.

ولمّا كان الأصل في حرمة الخمر هو الإسكار، فكل الفصائل المسكرة محرّمة كالبيرة والبارندي والويسكي وأمثالها، لأنّ القاعدة: حرمت الخمر لإسكارها، وبعبارة أوضح تحرم تلك الأصناف عامة لأنّها مسكرة ومنها الفقاع - وهو البيرة – شراب مخصوص متّخذ من الشعير غالباً، وليس منه ماء الشعير الذي يصفه الأطباء. ولا يجوز للمسلم تقديم الخمر لأي كان، وإن كان مستحلّاً له، ولا يجوز له غسل أوانيه، ولا تقديمها لغيره، إذا كان ذلك الغسل وهذا التقديم مقدّمة لشرب الخمر فيها. كما لا يجوز إجارة نفسه لبيع الخمر، أو تقديمه، أو تنظيف أوانيه مقدّمة لشربه، كما لا يجوز له أخذ الأجرة على عمل كهذا لأنه حرام...

* كتاب قوا أنفسكم وأهليكم، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1-الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص278، باب جملة مما ينبغي تركه من الخصال.
2- التحريم، 6.
3-مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج18، ص454.
4- آية الله ناصر مكارم شيرازي، الأخلاق في القرآن الكريم، ج1، بتصرّف.
5-الكافي، ج2، ص79، ح3.
6-بحار الأنوار، ج77، ص390، ح11.
7-نهج البلاغة، الحكمة 474.
8-غرر الحكم، 729،730،1168،529،1989،35.
9-المعارج، 29 - 30.
10-تنبيه الخواطر، 2/30.
11-غرر الحكم، 4114.
12-الحجرات، 6.
13-الإسراء، 36.
14-رواه البخاري في صحيحه ج2، ص537ـ حديث رقم 1407ـ كتاب الزكاة ـ باب لا يسألون الناس إلحافاً.
15-رواه مسلم في صحيحه ج1، ص10ـ حديث رقم 5 ـ المقدمة ـ باب النهي عن الحديث بكل ما سمع.
16-البقرة، 219.
17-المائدة، 91.
18-المائدة، 90.
19-راجع وسائل الشيعة ج27 باب تحريم كل مسكر والوافي ج2 ص142.
20-الإدمان على مخدر ما، يعني تكوّن رغبة قوية وملحة تدفع المدمن إلى الحصول على المخدر وزيادة جرعته بأي وسيلة، مع صعوبة أو استحالة الاقلاع عنه سواء للاعتماد (الإدمان) النفسي أو لتعوّد أنسجة الجسم عضوياً ( Drug Dependency ) وعادة ما يعاني المدمن من قوة دافعة قهرية داخلية للتعاطي بسبب ذلك الاعتماد النفسي أو العضوي. ولقد تضافرت عديد من العوامل السياسية، الاقتصادية والاجتماعية لتجعل من المخدرات خطراً يهدّد العالم أو كما جاء في بيان لجنة الخبراء بالأمم المتحدة " إن وضع المخدرات بأنواعها في العالم قد تفاقم بشكل مزعج وأن المروّجين قد تحالفوا مع جماعات إرهابية دولية لترويج المخدرات".
21-المائدة، 90.
22-الغروي، محمد، الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيتR، ص19.
23-المائدة، 90-91.
24-فروع الكافي، ج6، ص396.
25-الصدوق، من لا يحضره الفقيه،ج4،ص4.

2013-12-07