الشهادة
خاصة الأولياء
لا بد من صفات عسكرية يحملها المجاهد في سبيل الله، صفات نابعة من صميم عمله ولها علاقة مباشرة بأموره الجهادية، فبعد أن فرغنا من الحديث عن الوظائف العامة للمجاهد على الصعيد الديني والخلقي والثقافي والاجتماعي، بقي علينا أن نتحدث عن الوظائف والصفات العسكرية وهذا ما سنضيء عليه بشيء من التفصيل إن شاء الله تعالى.
عدد الزوار: 1012
معنى الشهادة
تترد كلمة الشهادة على ألسنتنا بشكل متكرر كل يوم، وقد لا يعرف الكثير منا ما هو المعنى الحقيقي لكلمة الشهادة، ولماذا سمي الشهيد شهيداً؟
وأما الجواب على هذا السؤال المهم، فنذكر هنا أسباباً عديدة ذكرها العلماء لعلة تسمية الشهيد بالشهيد منها:
1- لقيامه بشهادة الحق على جهة الإخلاص وإقراره به، ودعائه إليه، حتى قتل، بمعنى أنه قتل في سبيل أن يعلو الحق فيشهده الناس.
2- سمي شهيداً، لأنه من شهداء الآخرة على الناس، وإنما يستشهدهم الله بفضلهم وشرفهم 1.
3- سمي الشهيد شهيداً لأن الله وملائكته شهود له بالجنة.
4- سموا شهداء لأنهم ممن يستشهد يوم القيامة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الأمم الخالية2.
5- سمي الشهيد شهيداً لأن روحه شهدت دار السلام وروح غيره لا تشهدها إلا يوم القيامة.
6- سمي بذلك لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة.
7- سمي شهيداً لأنه أشهد عند خروج روحه ما له من الثواب والكرامة.
8- لأنه يشهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله.
9- لأن عليه شاهداً يشهد بكونه شهيداً وهو دمه 3.
ولعل لكل هذه الأسباب مجتمعة سمّي الشهيد شهيداً ولأسباب قد خفيت علينا، وأما الشهادة في دلالتها فهي أن يقتل المرء في سبيل الله.
هل الشهادة مطلوبة لنفسها؟
لعل البعض من الناس يظن، أن الشهادة مطلوبة بحد ذاتها أي لكونها إنهاء لحياة الإنسان بحسب ظاهرها، إلا أن الشهادة لا تطلب لذاتها، بل تطلب لأنها من الطرق المؤدية لرضا الله تعالى.
فليست الشهادة موتاً لأجل الموت، بل هي موت لأجل الحياة.
هل الشهادة تنافي ثقافة الحياة؟
يحاول البعض النيل من أهل الجهاد بترديد شعار نحن نريد الحياة والعيش بسلام، ويعرّضون بالجهاد وأهله وأن الشهادة وطلبها هي ثقافة موت.
ولو دققنا قليلاً في فلسفة الشهادة ومعناها الحقيقي وآثارها في الأمة، لعرفنا أن الشهادة في سبيل الله تعالى وثقافة الشهادة هي ثقافة الحياة السعيدة.
وما ذلك إلا لأننا نؤمن بالغيب كما أمرنا الله تعالى حيث يقول في كتابه: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون﴾(البقرة:2).
وإيماننا بالغيب يعلمنا أن الحياة الحقيقية هي الحياة الأخروية وليست الحياة الدنيوية ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾(العنكبوت:64).
فالحياة الحقيقية هي الحياة الأخروية وليست الحياة العابرة التي هي ممر لنا لنحمل منها العمل الصالح للآخرة، وأهم الأعمال التي توصلنا لتلك الحياة هي الشهادة، والموت بكرامة، لأن من يموت رفضاً للظلم وفي سبيل رفعه عن رأس أمته هو الشهيد، كما يقول إمامنا الحسين عليه السلام في مسيره إلى كربلاء: "إني لا أرى الموت إلا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا برماً"4.
ولهذا فالشهيد هو الحي الحقيقي لأنه وصل لتلك الحياة الخالدة الباقية التي فيها من النعيم المقيم ما فيها ولهذا منعنا الله تعالى من أن نقول للشهيد ميتاً حيث يقول: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ﴾(البقرة:154).
فمن يسير على الدرب التي رسمها الشهيد يشعر تماماً بمعنى الحياة الحقيقية، وبمقدار تفاهة أعوام تمضي على الإنسان كلمح البصر قد يقضيها ذليلاً خانعاً تابعاً أو عبداً مأموراً عند أناس ترأسوا في الحياة ظاهراً وهم في واقعهم قد استعبدهم إبليس وارتهنتهم أنفسهم الأمارة بالسوء.
هذه إذاً ثقافة الحياة الحقيقية، أما ثقافة الموت، فهي ثقافة موت القلوب بغرقها في تفاهات الحياة وشهواتها وقشورها، التي تخرج الإنسان من إنسانيته ليصبح كالبهيمة التي همها علفها ومرعاها.
فضل الشهيد عند الله تعالى
هذا كله على مستوى الفرد، وأما على مستوى المجتمع فلا شك أن المجتمع الخانع الذليل هو مجتمع ميت لا هوية ولا شخصية حقيقية له، وليس إلا ساحة يعربد عليها كل طامع ومحتل، وأما مجتمع المجاهدين والشهداء فهو مجتمع ينبض بالحياة والكرامة والعزة، له هويته وحضوره، ويملك أرضه ويحقق مصالحه.
إن قطرة الدماء تلك ربما تكون قطرة من جهة الحجم، ولكنها ليست كباقي القطرات، إنها تختصر كل شيء، إنها التوحيد الحقيقي الذي نطق به لسان العمل مع كل ما يتفرع عنه، هي إثبات الإخلاص حيث يرفع الإنسان يديه عن كل شيء ليتوجه نحو خالق كل شيء، هي تكبيرة الإحرام العملية التي يرفع فيها المؤمن يده تعبيراً عن نفض يديه من كل شيء، من الدنيا وما فيها من مال وجاه وفتن ويتوجه إلى الحق سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(الأنعام:162).
وقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "فوق كل ذي بر بر حتى يقتل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر"5.
لعل تلك القطرة حصلت في شهادة حصلت في لحظة من الزمن، ولكنها لحظة أشرف من سنين طويلة، وكأنها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، تنزل فيها الملائكة لتبشر الشهيد وتحتضنه وترفعه إلى جوار الأنبياء والأولياء والشهداء، ترفعه إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر!
الشهادة هي لقاء الله
إن لقاء الله سبحانه وتعالى هو حلم الأنبياء وأمنية الأولياء والشهداء، كل أمر يصبح بمقارنتها أمراً تافهاً وصغيراً ولا قيمة له، هذه الأمنية هي من أهم الأمور التي يحصل عليها الشهيد بالإضافة إلى مجاورة الأنبياء والشهداء، لذلك نجد الآية الكريمة تؤكد على اللقاء الذي سيتفرع عنه كل رزق ونعمة ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾(آل عمران:169-170).
مقام الشهيد في الجنة
في رواية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وأن له ما على الأرض من شيء، 6 غير الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيُقتل عشر مرات، لما يرى من كرامة الله"7.
وتتحدث الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشهادة وبركاتها على الإنسان: "للشهيد سبع خصال من الله: أول قطرة من دمه مغفور له كل ذنب، والثانية يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين، وتمسحان الغبار عن وجهه، وتقولان: مرحباً بك ويقول هو مثل ذلك لهما، والثالثة يكسى من كسوة الجنة، والرابعة تبتدره خزنة الجنة بكل ريح طيبة أيهم يأخذه معه، والخامسة أن يرى منزله، والسادسة يقال لروحه: اسرح في الجنة حيث شئت، والسابعة أن ينظر في وجه الله وإنها لراحة لكل نبي وشهيد"8.
*خاصة الاولياء، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2007م، ص111-118.
1- ورد هذان المعنيان في تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج3، ص126.
2- ورد هذان المعنيان في لسان العرب، ابن منظور، ج3، ص242.
3- المعاني الخمسة الأخيرة من كتاب فطرة الناس على معرفة الله وتوحيده - مركز المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
4- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج2، ص1512.
5- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج2، ص1512.
6- يعني لا يجب الرجوع ولو أعطي كل ما على الأرض.
7- الطبرسي، المحقق النوري، مستدرك الوسائل ومستنبط الوسائل، مؤسسة أهل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأولى، ج11، ص13.
8- الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، مؤسسة أهل البيت، الطبعة الثانية، 1414هـ.ق.، ج15، ص16.