يتم التحميل...

الوحدة وأثرها في حفظ المجتمع وتماسكه

مواعظ الكتاب

وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

عدد الزوار: 29

قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ1.

1- أصالة الوحدة:

لقد حرص الإسلام في نظرته إلى الإنسانية على إرساء قواعد الوحدة بين أفراد الإنسانية جمعاء، فلا مائز لا من حيث الأجناس، أو الألوان، أو الأقاليم، بين أفراد البشرية، فالجميع من نفس واحدة، وطينة واحدة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَ2، وحتى الاختلاف الشكلي أو الظاهري الموجود لجهة اللون أو اللغة ونحوها، فهو آية من آيات الله، لها حكمتها وفلسفتها الخاصة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ3.

ولهذا، يمكن القول: إنّ الفرقة القسرية التي تفرضها طبيعة جغرافية الأرض والمساحات أو المسافات، لا تُلغي أو تحرف مبدأ التلاقي الإنساني بين جميع بني البشر، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ4. فمبدأ التعارف القرآني هذا يُلغي المسافات ويُقرّب القلوب، ويفرض على الجميع نوعاً من الإلفة والمحبة والتعاون والإيثار، وهي أهم ركائز الوحدة المرجوّة.

2- أصول الوحدة في الدين الإسلامي:

لقد اعتبر القرآن الكريم أنّ مبدأ الوحدة من الثوابت والأصول الفكرية للبشر، التي ترتكز عليه منظومة الأخلاق والقيم التي تشكّل الرابط الأهم بين المجتمعات الإنسانية. ويتضّح هذا الأمر لكل من يلقي نظرة عامة إلى القرآن الذي يخاطب الناس جميعاً في الكثير من الآيات: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ﴿يَا بَنِي آدَمَ، ﴿الْعَالَمِينَ، ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه ودعا في آيات أخرى إلى الاعتصام والتلاقي والتوحّد، قال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ5.

هذا كله إلى جانب وحدة الإله، والنبي المرسل صلى الله عليه واله وسلم، والكتاب المنزل، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرً6، ﴿أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعً7.

وورد في السنة الشريفة: "لا تختلفوا؛ فإنّ من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا"8. "عليكم بالجماعة، وإياكم الفرقة"9.

3- ما هي الوحدة المرجوّة؟

إذا كان الدين الإسلامي قد حرص على الوحدة الإنسانية، فضلاً عن الوحدة الإسلامية، بين أبناء هذا الدين الذي اهتم بتفاصيل العلاقة بين أفراده فضلاً عن كلياتها وأصولها، والتي تضمن- لو اتبعت- حياة سعيدة وهادئة لكل البشر، بل المخلوقات الحيّة، فأيّ وحدة تلك التي ينبغي أن تحكم علاقة المسلمين بين بعضهم، وترسم معالم العلاقة مع الآخر؟

هنا يمكن القول: إنّ مختلف عناوين الوحدة وأشكالها وصورها القائمة على المجاملات- التي لا تتعدّى حدود الألفاظ والشكليات- لا يمكن لها أن تُحقّق أدنى غاياتها، ولو كانت بأفضل صورها وأجملها وأرقاها. وليس هي ما يطمح إليها المسلمون الحريصون على قدسيّة الإسلام ومصالح بنيه وحفظ ثوابته العقائدية والفكرية؛ ولهذا، فإنّ الوحدة المرجوّة هي تلك الوحدة المرتكزة على الأصول الوحدوية للبشر التي ذكرها القرآن الكريم، إضافة للأصول والفروع التي ابتنيت عليها الشريعة الإسلامية، وكُلّف بها أبناؤه وغيرهم، والتي من المفترض أن تقضي على ظاهرة التفرقة والتباين والتكفير ونحوها، وتلغي كلّ المعيقات المصطنعة أو المدسوسة أو المنحرفة التي تمنع تلاقي المسلمين ووحدتهم؛ فقد ورد عن رسول الله أنّه قال صلى الله عليه واله وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو منه تداعى سائره بالحمى والسهر"10.

4- واجبات المجتمع الوحدوي:

تؤكّد النصوص الإسلامية على العديد من المفاهيم والقيم التي تساهم في تكريس ثقافة الوحدة وممارستها في المجتمع، وأكدّ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأهل بيته عليه السلام على التآزر والتعاون والتواصل والتحابب ليكون الود والوئام والسلام هو الحاكم في العلاقات الاجتماعية بين الفرد والمجتمع وبين الأفراد أنفسهم، ويبرز ذلك في العديد من الروايات، منها:

أ- كلّكم مسؤول: جعل الإسلام كلّ مسلم مسؤولاً في بيئته الاجتماعية، يمارس دوره الاجتماعي من موقعه، روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته"11ودعا أهل البيت إلى استخدام الأساليب المؤدّية إلى الألفة والمحبّة، ونبذ الأساليب المؤدّية إلى التقاطع والتباغض؛ روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه لا يقول: سلّمت فلم يردّوا عليّ، ولعلّه يكون قد سلّم ولم يُسمعهم؛ فإذا ردّ أحدهم فليجهر بردّه ولا يقول المسلم: سلّمت فلم يردّوا عليّ، ثمَّ قال: كان علي بن الحسين يقول: لا تغضبوا، ولا تُغضبوا، أفشوا السلام، وأطيبوا الكلام، وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام، ثمَّ تلا عليهم قول الله عز وجل: ﴿السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِن.. "12.

ب- المداراة والرفق: قال صلى الله عليه واله وسلم: "مداراة الناس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش" 13.

ج- إدخال السرور على المؤمنين: قال صلى الله عليه واله وسلم: "إنّ أحبّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ إدخال السرور على المؤمنين "14.

د- صدق الحديث وأداء الأمانة: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "أقربكم منّي غداً في الموقف أصدقكم للحديث، وأدّاكم للأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس"15.

هـ- النهي عن إشاعة الفاحشة: قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُون 16.

و- النهي عن الغيبة والنميمة: في الحديث: "إياكم والغيبة؛ فإنّ الغيبة أشدّ من الزنا، إنّ الرجل قد يزني ويتوب، ويتوب الله عليه، وإنّ صاحب الغيبة لا يُغفر له حتى يغفر له صاحبه"17.

وأخبر النبي صلى الله عليه واله وسلم أنّ النمّام يُعذّب في قبره. وأخبر أنّ النمام لا يدخل الجنة يوم القيامة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: "لا يدخل الجنة نمّام"18.

ز- عدم الخضوع للشيطان: يودّ الشيطان إيقاع العداء والتشاحن بين المسلمين، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء19. وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يزالُ إبليس فرحاً ما اهتجر المُسلمانِ، فإذا التقيا اصطكّت رُكبتاهُ وتَخلّعت أوصاله، ونادى يا ويله ما لقي من الثُّبور"20.

ح- إصلاح ذات البين: قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ21، وقد أولت الأحاديث موضوع الإصلاح بين الناس أو إصلاح ذات البين أهمّية فائقة، إلى حدّ أنّ الإسلام لم يُجز التهاجر بين مسلم وآخر أكثر من ثلاثة أيام، كما ورد في بعض الروايات.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "صدقةٌ يُحبّها الله: إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارُبٌ بينهم إذا تباعدوا"22.

وأكّدت الأخبار في العديد من الموارد على تنمية الإحساس بالمسؤولية الإسلامية المشتركة، والاهتمام بأمر المسلمين، والمواساة بينهم، واتّحادهم مقابل الأعداء، مثل: "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم، المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه، وهم يد واحدة على من سواهم". وأمثالها من الروايات المشهورة التي تخلق هذه المشاعر الإنسانية.

5- ثقافة المداراة، لا التملّق والمداهنة:

روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال جَاءَ جبرائيل عليه السلام إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه واله وسلم فَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ، رَبُّكَ يُقْرِئكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ لَكَ: دَارِ خَلْقِي"23.

أ- التملّق والمداهنة والمداراة:
التملّق؛ هو أن تُداهن وتتودّد الى صاحب نفوذ معيّن، إمّا اتّقاءً لشرّه أو لتدعيم مكانتك لديه أو اكتساب صلاحيات ومزايا لا تستحقّها، وغالباً على حساب آخرين أكثر استحقاقاً، والتملّق ليس من أخلاق المؤمنين، كما ورد عن الإمام عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام: "لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ التَّمَلُّقُ وَالْحَسَدُ..."24. والمداهنة؛ أن يتنازلَ المرءُ عن شيءٍ من دينهِ ليحافظ بذلك على دنياهُ أو عرضه.

بينما مداراة الناس؛ هي حسن صحبتهم، وعدم مجابهتهم بما يكرهون، وحيث إنّ عقول الناس مختلفة ومتفاوتة فمداراة الناس أن تتعامل معهم على قدر عقولهم أيضاً. وهي من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، وترك الإغلاظ لهم في القول.

وهي أيضاً درء الشر المفسد بالقول الليّن وترك الغلظة، والإعراض عن الشرّير إذا خيف شرّه، أو حصل منه ضرر أكبر ممّا هو متلبّس به. وكذلك السكوت عن بعض المخالفات بقصد التصدّي لها في وقت أنسب، على أن لا يكون هذا السكوت مضرًّا بدين الشخص. والمداراة أمر مشروع؛ لأنّ فيه دفعًا للشرّ ومحافظة على الدين.

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "مداراة الناس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش..."25. وهي من أحمد الخلال كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: "المداراة أحمد الخلال"26.

ب- أهميّة الـمـداراة في حياة الناس:
أودع الله تعالى في بني الإنسان تمايزاً وتبايناً في المزاج والطباع والفهم والإدراك، وبذلك سهّل على المتميّز منهم سلوك سبيل المداراة ولين الكلمة لتسهيل سبل المعاملة والعيش المتبادل. ولمّا كانت العلاقات الاجتماعية بين الناس يطبعها أُسلوب التعاون والتآزر، فإنّ ممارسة "المداراة" أمر طبيعي يفرضه السلوك الأخلاقي الذي يمارسه الإنسان مع أخيه الإنسان. والمداراة-لغة- من درأ يدرأ، أي دفع، فكلّ ما يدفعه الإنسان عنه فقد درأه.

روي عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه واله وسلم: "ثلاث من لم يكنّ فيه لم يتمّ له عمل: ورع يحجزه عن معاصي الله، وخُلُق يُداري به الناس، وحلم يردّ به جهل الجاهل"27. وعن رَسُولُ الله صلى الله عليه واله وسلم قال: "أَمَرَنِي رَبِّي بِمُدَارَاةِ النَّاسِ، كَمَا أَمَرَنِي بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ"28.

من خلال الروايات الشريفة تتضح لنا أهميّة "المداراة"، ففي الحديث الأول اعتبر الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم المداراة من الخلق الذي يحتاجه المؤمن في تعامله مع أفراد مجتمعه، وهذا في غاية الأهمية؛ إذ وجود علاقة حميمة بين الناس يساهم في بناء مجتمع خال من العصبيات والمشاكل والاعتداء على الآخر، ويؤمّن فرصة السعادة لبنيه. وفي الحديث الثاني قرن بين مداراة الناس وأداء الفرائض، وهذا في غاية الأهميّة، فعبادة الله تعالى وأداء الفرائض له يلازمها مداراة الناس؛ إذ لا قيمة لعبادة وامتثال للفرائض دون الاهتمام بالخلق والناس ومراعاة حقوقهم. عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "دارِ الناس تستمتع بإخائهم، والقهم بالبشر تُمِت أضغانهم"29.

ونظراً لتأثيرها المباشر على سلوك الإنسان وتفاصيل حياته اليومية الخاصة والعامة، وحاجته إليها في مختلف المواقع اعتبرت المداراة ثمرة العقل وعنوانه ورأس الحكمة كما جاء في مجموعة من الروايات. عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "ثمرة العقل مداراة الناس"30، و"عنوان العقل مداراة الناس"31، "ورأس الحكمة مداراة الناس"32.

ج- كيفية المـداراة:
تتمظهر المداراة في سلوك الناس وتعاملاتهم اليومية في القول والفعل والتقرير، ويمكن جمع أغلب هذه المصاديق في العناوين الآتية:

• تكليم الناس على قدر عقولهم؛ عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: "إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نُكلّم الناس على قدر عقولهم"33.
• عدم تحميل الناس تكاليف وأعمالاً فوق طاقتهم، على قاعدة ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَ34.
• التدرّج معهم في هدايتهم للحق؛ قال الله تعالى: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى35.
• أن يتحدّث المكلّف بكلام مفهوم من قِبَل الجميع، بلا حاجة إلى استخدام العبارات الغامضة، والمصطلحات غير الواضحة؛ عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أحسن الكلام ما زانه حُسنُ النظام، وفهمه الخاص والعام"36.
• ومن المداراة اختصار الكلام وعدم التطويل المؤدّي إلى الملل؛ قال أمير المؤمنين عليه السلام: "الكلام كالدواء، قليله ينفع وكثيره قاتل"37.
• من المداراة أيضًا كشف الحقائق في حال التشكيك بشخصك؛ فعن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لمالك الأشتر: "وإن ظنّت الرعية بك حيفاً، فأصحر لهم بعذرك، واعدل عنك ظنونهم بإصحارك، فإنّ تلك رياضة منك لنفسك، ورفق منك برعيتك، وإعذار تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحق"38.
• عدم المجادلة إلا بالتي هي أحسن، كما في قوله تعالى ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ39.
• عدم المحاسبة على كلّ كبيرة وصغيرة؛ فإنّ محاسبة الناس على كلّ صغيرة وكبيرة، نتيجتُه المتوقّعة أن لا يبقى أحدٌ لديك لا تحاسبه.
• إغماض العين عن بعض العيوب والأخطاء.
• التكلّم مع الشخص الذي تختلف معه بمودّة أو برفق، ودون انفعال وتشنّج، ضمان لك في أن تجتذبه إليك، وتكسبه إلى صفّك.

الخاتمة:
لا بدّ من الإشارة أخيراً إلى أنّ المسلمين لا يعانون مشكلة أو خللاً في الأسس النظرية للوحدة، بل إنّ أهمّ ما تحتاجه وحدة المسلمين هو التوافق على منهج علمي جادٍ وجريء ومشترك لقراءة المبادئ والأصول التي وقع الاختلاف عليها؛ تمهيداً لنشوء نوع من التعاون المنهجي والمعرفي الذي إن توافق المسلمون على قبوله، وتحكيمه، لتمكّنوا من حلّ نصف المشكلة، ويبقى القسم الآخر منها على عاتق العلماء والقادة المدعوّين لإغلاق كياناتهم المذهبية الضيّقة لحساب كيان الإسلام الكبير، واتّخاذ القرارات الجريئة بإعلان الموافقة على مبدأ الوحدة، وتحويلها إلى عنوان للتلاقي والدفاع عن المسلمين، وحماية الإسلام ومقدّساته.

* كتاب قوا أنفسكم وأهليكم، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- آل عمران، 103.
2- النساء، 1.
3- الروم، 22.
4- الحجرات، 13.
5- البقرة، 214
6- سبأ، 29.
7- الأعراف، 158.
8-كنز العمال، ج1، ص177.
9- سنن الترمذي، ج4، ص466.
10- الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء، ج 3، ص 357.
11- صحيح البخاري، ج9، كتاب الأحكام، حديث 2.
12- محمد تقي المجلسي، شرح من لا يحضره الفقيه، ص129.
13- الكافي، ج 2، 117.
14- الكافي، 2، 189.
15- تحف العقول: 32.
16- النور،19.
17- الحر العاملي، وسائل الشيعة،ج12، ص284، باب تحريم اغتياب المؤمن.
18- وسائل الشيعة، ج9، ص139، باب تحريم الطعن في المؤمن.
19- المائدة،91.
20- الكافي، ج2، ص346، باب قطيعة الرحم.
21- الحجرات، 10.
22- الكافي، ج2، ص209، باب الإصلاح بين الناس.
23- الكافي، ج 2، باب المداراة، ح 2.
24- مستدرك الوسائل، ج12، باب تحريم الحسد ووجوب اجتنابه.
25- الكافي، ج2، باب المداراة، ح 5.
26- غرر الحكم، 1313.
27- الكافي، ج 2، باب المداراة، ح 1.
28- الكافي، ج 2، باب المداراة، ح 4.
29- غرر الحكم، 5129.
30- غرر الحكم، 4629.
31- غرر الحكم،6321.
32- غرر الحكم، 5252.
33- الكافي، ج 1، ح 15.
34- البقرة، 286.
35- طه، 44.
36- غرر الحكم، 3304.
37- غرر الحكم، 2182.
38- نهج البلاغة، من عهد أمير المؤمنين لمالك الأشتر.
39- النحل، 125.

2013-12-03