يتم التحميل...

الوظائف الثقافية للمجاهد

خاصة الأولياء

إلى جانب الوظيفة الجهادية التي يقوم بها المجاهد على ثغور الإسلام والتي تصون الإسلام من الغزو العسكري، وتدافع عن كرامة أهله، هناك وظيفة في الجانب الآخر وهو المجتمع وثقافة أهله، وهو أمر مناط بكل مؤمن وبالمجاهد بشكل أخص، وهي الوظائف الثقافية التي يقوم بها، من الدعوة لله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...

عدد الزوار: 247

تمهيد
إلى جانب الوظيفة الجهادية التي يقوم بها المجاهد على ثغور الإسلام والتي تصون الإسلام من الغزو العسكري، وتدافع عن كرامة أهله، هناك وظيفة في الجانب الآخر وهو المجتمع وثقافة أهله، وهو أمر مناط بكل مؤمن وبالمجاهد بشكل أخص، وهي الوظائف الثقافية التي يقوم بها، من الدعوة لله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...

الدعوة إلى القيم

يقول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(آل عمران:104).

إذا كان الجهاد في سبيل الله تعالى لحفظ الدين وأهله، فإن الدعوة إلى القيم والنهي عن المنكر، من مقومات حفظ الدين، عن الإمام علي عليه السلام: "قوام الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود"1.

وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحصن الداخل "داخل الأمة" من اختراقها من خلال إفساد أفرادها وانحرافهم عن الخط الإلهي.

ولو راجعنا التاريخ لوجدنا أن من أهم أسباب هزائم المسلمين انحراف المجتمع، إذ كان العدو وقبل أن يغزو أرض الإسلام يحاول أن يفكك لحمة المجتمع التي يقوّيها التدين والالتزام.

فمن هنا على المجاهد في مجتمعه أن يكون ملتزماً بوظيفة الدعوة للقيم، والتي يمكن لنا أن نسميها بالجهاد الثقافي، والنقطة المحورية فيها هي مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولا يظن المجاهد أن الجهاد بحد ذاته يغنيه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل عليه أن يجمع الفضيلتين في آن معاً، فعن الإمام علي عليه السلام: "وما أعمال البرّ كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا كنفثة في بحر لجيّ"2.

وعن الإمام الصادق عليه السلام، لما سئل عن قول الله سبحانه ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً...(المائدة:23): "من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنما أحياها، ومن أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها"3.

الدعوة إلى وحدة الكلمة
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ(الأنبياء:92).

فهذه الأمة هي أمة واحدة يجمعها الإسلام ديناً ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبياً، والقرآن كتاباً سماوياً لم ينله أي تحريف ولا نقصان، والعبادات واحدة، فلمَ نسمح لأعداء الأمة بالتفريق بيننا، من خلال إثارة النعرات المذهبية، بينما كتاب الله تعالى يصرخ بين ظهرانينا بالدعوة للتوحد، يقول الله تعالى في محكم قرآنه: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(آل عمران:103).

إن الآية الشريفة تتحدث بوضوح لا يقبل التأويل عن التوحد ونبذ الاختلاف بين المسلمين، حيث تدعوهم للاعتصام أي التمسك جميعاً بحبل الله، والاعتصام يكون طلباً للعصمة وهي الحفاظ والغطاء، وهذا يعني أن في ترك هذا الاعتصام الهلاك الحتمي ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(الأنفال:46).

كما أن الله سبحانه وتعالى يمنُّ علينا بنعمة الإسلام هذا الدين الذي يجمعنا جميعاً، رغم اختلافاتنا، في دائرة واحدة، بعد أن كانت تفرقنا القوميات والعشائر والمناطق والشعوب، فحين هدى الله تعالى الناس برسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، أخرجهم من ظلام هذه القواقع الفارغة إلى رحابة الإسلام دين الإنسانية والرحمة والسلام، وهذا من أكبرِ نعم الله تعالى علينا.

وشكر هذه النعمة الكبرى إنما يكون بالاعتصام بهذا الحبل، وعدم توفير الأرضية المناسبة لمخططات الطاغوت المتمثل بالنظام الأمريكي، ونحن نشاهد مخططاتهم وفتنهم التي يزرعونها بين المسلمين.

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "احذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال وذميم الأعمال، فتذكروا في الخير والشر أحوالهم، واحذروا أن تكونوا أمثالهم، فإذا تفكّرتم في تفاوت حالهم فالزموا كلّ أمر لزمت العزة به شأنهم "حالهم"، وزاحت الأعداء له عنهم، ومدّت العافية به عليهم، وانقادت النعمة له معهم، ووصلت الكرامة عليه حبلهم: من الاجتناب للفرقة، واللزوم للألفة، والتحاضّ عليها، والتواصي بها. واجتنبوا كل أمر كسر فقرتهم، وأوهن متنهم، من تضاغن القلوب، وتشاحن الصدور، وتدابر النفوس، وتخاذل الأيدي، وتدبروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم... فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء مجتمعة، والأهواء مؤتلفة، والقلوب معتدلة، والأيدي مترادفة، والسيوف متناصرة، والبصائر نافذة، والعزائم واحدة، ألم يكونوا أرباباً في أقطار الأرضين، وملوكاً على رقاب العالمين؟! فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم حين وقعت الفرقة، وتشتت الألفة، واختلفت الكلمة والأفئدة، وتشعبوا مختلفين، وتفرقوا متحاربين، قد خلع الله عنهم لباس كرامته، وسلبهم غضار نعمته، وبقي قصص أخبارهم فيكم عبراً للمعتبرين"4.

اجتذاب الشباب
يقول الإمام الخميني قدس سره: "أولئك الشباب الذين هم حقاً بحسب خطتهم "الأعداء" يجب أن يكون لديهم تلك المفاسد وتلك الأدمغة، تحولوا دفعةً واحدة إلى أدمغة نورانية، إنسانية إسلامية، ولو لم يحصل ذلك لما استطاعت هذه الأمة تحطيم هذه القوة العظمى وهذه القوى الشيطانية".

إن الشباب الناشىء ينبغي أن يحظى من المجاهد بالاهتمام والرعاية، والتركيز على اجتذابه لخط الإيمان والجهاد، وهذا ما أوصانا به أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، فعن الإمام الصادق عليه السلام يتحدث مع أحد أصحابه: "أتيت البصرة؟

قال: نعم.

قال عليه السلام: كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر ودخولهم فيه؟

فقال: والله إنهم لقليل، وقد فعلوا وإن ذلك لقليل.

فقال عليه السلام: عليك بالأحداث، فإنهم أسرع إلى كل خير5.

وما ذلك إلا لأن قابلية الناشئة والشاب لتلقي الدين والأفكار المستقيمة وهمّته العالية يجعلانه أقدر من غيره على أداء المهام الموكلة إليه، بل إن فترة الشباب هي فترة العطاء، لأن الشاب يكون في كامل قوته البدنية، وفي أعلى درجة من الاندفاع والهمة العالية.

يتحدث الإمام الخميني قدس سره عن نماذج من الشباب المؤمن، الشباب المندفع واصفاً حالتهم بالقول: "عندما أشاهد هؤلاء الشباب الأعزاء في عنفوان الشباب الذين يطلبون مني مع البكاء، أنا المقصّر، الدعاء لأجل الشهادة، أيأس من نفسي وأخجل منهم".

خطر ترك المسؤولية الثقافية
إن ترك المسؤولية الثقافية الملقاة على عاتق المؤمن والمجاهد له آثار سلبية في الدنيا والآخرة، فترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجب لانتشار الفساد وطغيان أهله، وفساد جيل الشباب، وهو يوجد ثغرة تنادي العدو ليدخل منها بكل يسر وسهولة.

ومما ورد عن الإمام علي عليه السلام من وصيّته للحسنين، بعد أن ضربه ابن ملجم: "لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم"6.

وعن الإمام الباقر عليه السلام: "أوحى الله تعالى إلى شعيب النبيّ: إني معذّب من قومك مائة ألف: أربعين ألفاً من شرارهم وستين ألفاً من خيارهم.

فقال: يا رب، هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟!

فأوحى الله سبحانه إليه: داهنوا أهل المعاصي فلم يغضبوا لغضبي
"7.

*خاصة الاولياء، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2007م، ص91-101.


1- غرر الحكم 6817.
2- نهج البلاغة: الحكمة 374.
3- الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 2 - 012 - 1.
4- نهج البلاغة: الخطبة 192.
5- الحميري، عبد الله بن جعفر، قرب الإسناد، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم 128-450.
6- نهج البلاغة: الكتاب 47.
7- مشكاة الأنوار: 1-4 - 238.

2011-03-31