مصير الأرواح في البرزخ
الموت والبرزخ
يستفاد من بعض الروايات أن الله تعالى يضع روح الإنسان في عالم البرزخ في قالب مثالي يشبه القالب المادي، وعليه يكون للإنسان في ذلك العالم روح مجردة، لكن تجردها ليس كاملاً بل يكون لها حظ من المادية،
عدد الزوار: 1021
البدن المثالي
يستفاد من بعض الروايات أن الله تعالى يضع روح الإنسان في عالم البرزخ في قالب
مثالي يشبه القالب المادي، وعليه يكون للإنسان في ذلك العالم روح مجردة، لكن تجردها
ليس كاملاً بل يكون لها حظ من المادية، وهذا ما يفسّر أخذها حيّزاً من المكان
وتحرّكها من مكان إلى آخر، وما إلى ذلك، ويكون الثواب العقاب عن طريق ذلك القالب
المثالي.
مما يدل على هذا البدن المثالي أو القالب البرزخي:
أ- صحيحة أبي ولاد الحناط، عن الإمام الصادق
عليه السلام، قال: قلت له: جعلت فداك، يروون أن أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر
حول العرش، فقال عليه السلام "لا، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في
حوصلة طير، ولكن في أبدان كأبدانهم".
ب- وفي معتبرة أبي بصير قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام، إنا نتحدث عن أرواح المؤمنين أنها في حواصل طيور خضر ترعى في
الجنة، وتأوي إلى قناديل تحت العرش، فقال:"لا، ما هي في حواصل طير، قلت: فأين هي؟
قال: في روضة كهيئة الأجساد في الجنة".
ج- وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق
عليه السلام: "إذا قبضه الله صيّر تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا، فيأكلون
ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا".
جنة البرزخ
ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "ما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع
الأرض إلا قيل لروحه: إلحقي بوادي السلام، وإنها لبقعة في جنة عدن".
وقد ورد أن أحدهم قال للإمام الصادق عليه السلام: إن أخي ببغداد وأخاف أن يموت بها،
فأجابه عليه السلام: "ما تبالي حيثما مات، أما إنه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض
ولا غربها إلا حشر الله روحه إلى وادي السلام".
فسأله: وأين وادي السلام؟ قال عليه السلام: "ظهر الكوفة، أما إنني كأني بهم حلق
حلق قعود يتحدثون".
ومن أسماء تلك البقعة المباركة "الغري"، كما أن المدينة التي يقع فيها وادي السلام
هي "النجف الأشرف".
وقد جاء في الأخبار المروية عن أهل البيت عليهم السلام أنه دفن في هذه البقعة
المباركة الكثير من الأنبياء، والأوصياء، منهم آدم ونوح وهود وصالح.
فقد ورد عن المفضل الجعفي: "دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له إني
أشتاق إلى الغري، فقال عليه السلام: فما شوقك إليه؟! فقلت له: إني أحب أن أزور أمير
المؤمنين عليه السلام فقال عليه السلام: هل تعرف فضل زيارته؟ فقلت: لا، يا بن رسول
الله، إلا أن تعرفني ذلك قال عليه السلام: فإذا أردت أن تزور قبر أمير المؤمنين
عليه السلام، فاعلم إنك زائر عظام آدم وبدن نوح وجسد علي بن أبي طالب عليه السلام،
فقلت: إن آدم عليه السلام هبط بسرانديب في مطلع الشمس، وزعموا أن عظامه في بيت الله
الحرام، فكيف صارت عظامه بالكوفة؟ قال عليه السلام: إن الله عز وجل أوحى إلى نوح،
وهو في السفينة- أن يطوف بالبيت أسبوعاً، فطاف بالبيت، كما أوحى إليه، ثم نزل في
الماء إلى ركبتيه فاستخرج تابوتاً فيه عظام آدم عليه السلام، فحمله في جوف السفينة،
ثم طاف ما شاء الله أن يطوف، ثم ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها، ففيها، قال الله
تعالى للأرض "ابلعي ماءك"، فبلعت ماءها من مسجد الكوفة كما بدأ الماء منه، وتفرَّق
الجمع الذي كان مع نوح في السفينة، فأخذ نوح عليه السلام التابوت فدفنه في الغري،
وهو قطعة من الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى تكليماً، وقدس عليه عيسى تقديساً
واتخذ عليه إبراهيم خليلاً، واتخذ محمداً عليه حبيباً وجعله للنبيين مسكناً، والله
ما سكن فيه بعد أبويه الطيبين آدم ونوح أكرم من أمير المؤمنين علي عليه السلام،
وإذا زرت جانب النجف، فزر عظام آدم وبدن نوح وجسم علي بن أبي طالب عليه السلام فإنك
زائر الأنبياء الأولين ومحمداً خاتم النبيين وعلياً سيد الوصيين، فإن زائره تفتح له
أبواب السماء عند دعوته فلا تكن عن الخير نوَّاماً"
وجاء في التهذيب عن الإمام علي عليه السلام أنه قال لما ضربه ابن ملجم: "فإذا مت
فادفنوني في هذا الظهر في قبر أخوي هود وصالح".
وقد ورد في كتب الزيارات لأمير المؤمنين عليه السلام أننا نخاطبه قائلين: "السلام
عليك وعلى ضجيعيك آدم ونوح، وعلى جاريك هود وصالح ورحمة الله وبركاته".
اهتمام أمير المؤمنين عليه السلام بالنجف
يستفاد من الروايات أن أمير المؤمنين عليه السلام كان كثير الاهتمام بالغري، فقد
ورد أنه زارها ذات يوم مع الأصبغ بن نباتة الذي حدثنا عما جرى قائلاً: إن أمير
المؤمنين خرج من الكوفة ومرّ حتى أتى الغريين، فجازه فلحقناه وهو مستلق على الأرض
بجسده، ليس تحته ثوب، فقال له قنبر: يا أمير المؤمنين، ألا أبسط ثوبي تحتك قال: لا،
هل هي إلا تربة مؤمن أو مزاحمته في مجلسه، قال الأصبع لتربة مؤمن قد عرفناها كانت
أو تكون، فما مزاحمته في مجلسه؟ فقال عليه السلام: "يا ابن نباتة، لو كشف لكم
لرأيتم أرواح المؤمنين في هذا الظهر حلقاً يتزاورون ويتحدثون، إن في هذا الظهر روح
كل مؤمن".
كما ورد أنه عليه السلام نظر ذات مرة إلى الكوفة (والنجف ظهرها) وقال: "ما أحسن
منظرك وأطيب قعرك، اللهم اجعل قبري بها".
بل روي عنه عليه السلام أنه كان إذا أراد الخلوة بنفسه أتى إلى طرف الغري، وذات مرة
وبينما هو هناك، فإذا برجل قد أقبل من البرية راكباً على ناقته وقدامه جنازة، فحين
رأى علياً عليه السلام قصده حتى وصل إليه، فسلَّم عليه، فرد الأمير عليه السلام
وقال له: من أين؟ قال: من اليمن قال: وما هذه الجنازة التي معك؟ قال جنازة أبي
لأدفنها في هذه الأرض فقال عليه السلام: لِمَ لا دفنته في أرضكم؟ قال: أوصى إلي
بذلك، وقال: إنه يدفن هناك رجل يدخل في شفاعته مثل ربيع ومضر فقال عليه السلام:
أتعرف ذلك الرجل؟ قال: لا، فقال عليه السلام: أنا والله ذلك الرجل".
وعن أثر الدفن في جوار أمير المؤمنين كتب الفاضل ملا مهدي المعروف بالنراقي إلى
العلامة آل بحر العلوم.
ألا قل لسكان أرض الغري***هنيئاً لكم في الجنان الخلود
أفيضوا علينا من الماء فيضاً ***فنحن عطاشا وأنتم ورود
فأجابه العلامة:
ألا قل لمولى يرى من بعيد ***ديار الحبيب بعين الشهود
لك الفضل من غائب شاهد***على حاضر غائب بالصدود
فنحن على الماء نشكو الظما***وفزتم على بعدكم بالورود
والمقصود من البيت الثاني إنك وإن كنت غائباً عن أرض الغري ولكن كنت بحكم الحاضر
لأنك تحب المجاورة (ومن أحب عمل قوم شاركهم).
جهنم البرزخ
ورد أن ملك الروم سأل الإمام الحسن بن علي عن أروح الكفار أين تجتمع؟
فأجاب عليه السلام: "تجتمع في وادي حضر موت وراء مدينة اليمن".
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "شرّ بئر في النار برهوت، وهو الذي فيه أرواح
الكفار".
وفي حديث آخر له عليه السلام: "شر ماء على وجه الأرض ماء برهوت، وهو الذي بحضر
موت يرد هام الكفار".
وقد فسر الهام بأنه جمع هامة، والمراد منها أرواح الكفار وأبدانهم المثالية.
وعن الإمام الصادق عليه السلام... "إن عدونا إذا توفي صارت روحه إلى وادي برهوت
فأخلدت في عذابه، وأطعمت من زقومه، وسقيت من حميمه، فاستعيذوا بالله من ذلك الوادي".
أهل البرزخ يزورون أهليهم
يستفاد من عدة روايات واردة عن أهل البيت عليهم السلام أن أهل البرزخ في قالبهم
المثالي يزورون أهليهم، وإن كنا لا نحس بوصول شيء إلينا من عالمهم، فقد ورد في
صحيحة حفص بن البختري عن الإمام الصادق عليه السلام، "إن المؤمن ليزور أهله،
فيرى ما يحب ويستر عنه ما يكره، وإن الكافر ليزور أهله فيرى ما يكره ويستر عنه ما
يحب".
في أي يوم يزورون؟
ورد عن اسحاق بن عمار قلت لأبي الحسن (أي الإمام الكاظم عليه السلام )، يزور المؤمن
أهله؟ فقال، نعم: فقلت في كم؟، قال: "على قدر فضائلهم، منهم من يزور في كل يوم،
ومهم من يزور في كل يومين، ومنهم من يزور في كل ثلاثة أيام (إلى أن قال) أدناهم
منزلة يزور كل جمعة".
في أية ساعة يزورون؟
عن الإمام الصادق: "ما من مؤمن ولا كافر إلا وهو يأتي أهله عند زوال الشمس، فإذا
رأى أهله يعملون بالصالحات حمد الله على ذلك، وإذا رأى الكافر أهله يعملون
بالصالحات كانت عليه حسرة".
* نداء الرحيل، الشيخ أكرم بركات.
2013-09-01