يتم التحميل...

خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في مسؤولي النظام والعاملين فيه

2013

إنّنا شاكرون لله تعالى حيث مدّ بأعمارنا وأعطانا الفرصة لإدراك شهر رمضان آخر. ومن جملة بركات هذا الشهر، هذا المحفل الحميم والعموميّ حيث يجتمع مسؤولو الدّولة والعاملون الأساسيّون في النّظام في هذا المكان،

عدد الزوار: 23

خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في مسؤولي النظام والعاملين فيه_21/07/2013

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي ‌القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهدييّن لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.

إنّنا شاكرون لله تعالى حيث مدّ بأعمارنا وأعطانا الفرصة لإدراك شهر رمضان آخر. ومن جملة بركات هذا الشهر، هذا المحفل الحميم والعموميّ حيث يجتمع مسؤولو الدّولة والعاملون الأساسيّون في النّظام في هذا المكان، فهو محفل اللقاء والأنس بالأعزّاء والمسؤولين فيما بينهم وهو محلّ الاستماع إلى المطالب التي بمشيئة الله يكون تداولها مفيداً للبلد وللشعب وللجوّ العام في المجتمع.

نشكر الإخوة والأخوات الأعزّاء الذين شرّفوا لإقامة هذا الاجتماع، كما نشكر جناب السيد رئيس الجمهورية لعرضه هذا التقرير المفصّل. ونسأل الله تعالى التوفيق والأجر لكلّ المسؤولين، ولكم جميعاً ولكلّ أولئك الذين يعملون في جميع أنحاء البلد في القطاعات المختلفة على صعيد إنجاز الخدمات وانشاء الله سوف تُعرض أتعابكم وخدماتكم أينما كنتم في ميزان العدل الإلهيّ، وتكون محلاً للثواب الإلهيّ.

فكرتي الأساسيّة، أنا العبد، في هذا الاجتماع أنّه بعد كلّ نصرٍ ينزله الله تعالى على هذا الإنسان، فإنّ هذا الإنسان يصبح مكلّفاً بشكر الله تعالى. فبعد أن وفّقنا الله تعالى في ميدانٍ من الميادين فإنّنا نصبح مسؤولين بزيادة التضرّع والتوسّل وتوجّهنا، هذا هو تكليفنا. قال تعالى: ﴿إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ في‏ دينِ اللَّهِ أَفْواجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ ربِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كانَ تَوَّاباً، النصر هو تفضّلٌ إلهيّ وينبغي ان يقربنا من الله تعالى وأن يحيي ارتباطنا بالله ويزيد من تضرّعنا على أعتابه، ونشكر الله، وبحمد الله فإنّ أنواع النّصر الإلهيّ المتلاحقة شملت حال هذا الشّعب وكان آخرها- وهو انتصارٌ كبير أيضاً- قضيّة الانتخابات ومشاركة الشعب. فشعب إيران عموماً ومسؤولو الدولة خصوصاً كان لهم يد في هذه الملحمة السياسيّة وشملهم هذا اللطف الإلهي والنصر الربّاني. وحيث شملنا نصر الله واستطعنا تحقيق هذه الملحمة الكبرى حيث ستظهر آثارها في القطاعات المختلفة تدريجياً فعلينا أن نمدّ يد التضرّع والتوسّل إلى ذيل عناية الرّب ونشكره تعالى، وبالخصوص حيث أننا في شهر رمضان، فهذه فرصة وتوفيق ونجاح قد كان لنا فيه نصيب في هذه البرهة المهمّة للحركة السياسيّة في البلاد أن كنّا في شهر الرّحمة الإلهيّة، حيث قال(عليه السلام ): "وهذا شهر الإنابة وهذا شهر التوبة وهذا شهر المغفرة والرّحمة وهذا شهر العتق من النار والفوز بالجنة"، فهذا من أدعية أيام شهر رمضان. إنّ رمضان هو شهر الإنابة وشهر التوبة. التوبة هي الرّجوع عن سلوك الطّريق الخاطئ الذي سلكناه بذنوبنا وغفلتنا. فمعنى الإنابة أن نوجد حالة التوجّه إلى الله تعالى في الحاضر والمستقبل. قيل أنّ الفرق بين التّوبة والإنابة هو أنّ التوبة ترتبط بالماضي والإنابة تتعلّق بالحاضر والمستقبل. فنعتذر بين يدي الله من ذنوبنا وأخطائنا ومسلكنا القبيح في أي مجالٍ أو محل صدر منّا، نستغفر ونتراجع وننيب في الحاضر والمستقبل ونقوّي هذه الرابطة القلبية بيننا وبين الله. رمضان شهر الرّحمة وشهر المغفرة، قال: "وهذا شهر العتق من النار"، النّجاة من النار. النّجاة من النّار في الواقع هي نجاة من هذه الأخطاء والمعاصي التي ارتكبناها. فذنوبنا هذه وأخطاؤنا هي تلك الصّور الناسوتية لتلك العذابات الأخرويّة. فلو ارتكبنا ظلماً هنا أو غيبةً أو أمراً قبيحاً، ولو تجاوزنا حدودنا وتعدّينا تكليفنا، فإن کل واحدة من هذه الأعمال لها صورة أخرويّة تظهر عليها بأشكالٍ مختصّة بها وتتجسّم في عالم البرزخ وفي عالم القيامة، وهي مظاهر العذاب الإلهي.

قيل: "يا من مزّق قميص يوسف استيقظ أيها الذئب من سباتك العميق"،

في هذا العالم ينشب المرء مخالبه في قلب هذا وذاك وهناك يكون تجلّي العذاب الإلهي والصيرورة ذئباً بعد سُباتٍ (عالم الطبيعة)، هذا شهر العتق من النار والفوز بالجنة، الفوز بالجنة هو هذا: أن نصلح أعمالنا ونطهّر قلوبنا ونؤدّي العبادات في وقتها والنّوافل في محلّها، ونؤدّي النوافل في محلّها. أن نصْدُق ونحافظ على الأمانة والرّفق والصّفاء تجاه المؤمنين، ونعتني بأداء التكليف في كلّ محلّ له، هو الذي يصبح توجّهاً نحو الجنّة في عالم القيامة. وعملنا هذا هو الذي يتجسّم بتلك الصّورة، بصورة النّعم الإلهيّة التي وُعد بها المؤمنون والمتّقون.

قال: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ في‏نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخيفَةً، فذكر الله تضرّعاً هو دعامة وأساس جميع الخيرات وكل البركات التي يمكن للإنسان أن ينالها في مهلة هذه الحياة. فذكر الله هذا لا ينبغي أن يكون مختصّاً بفترات الشدّة والمحنة والضيق، كلا، بل يجب الحفاظ على ذكر الله هذا، في القلب في فترات الرّاحة وأيّام الرّخاء وحين لا يكون هناك قلقٌ مادّيّ. عندما تعرض لنا نحن البشر تلك المصاعب نلجأ إلى ذكر الله، قال: ﴿فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ، ففي البلاء يتوجّه الإنسان إلى الله وعندما يرتفع البلاء ينسى هذا الإنسان. وفي مواضع مختلفة من القرآن نجد مثل هذه الملامة من الله تعالى للبشر تتكرّر وتتكرّر لعلّه عشر مرات أو أكثر فأنا لم أعدّها وهي أنّهم عندما تبتلون بالشدائد تتوجهون وإذا ارتفعت المحن تغفلون، حسناً، إن هذا يسدّ طريقكم ويوقف حركتكم، وفي سورة يونس المباركة تكرّر هذا الموضوع مرّتين، مرّة بلهجةٍ عجيبة لهجة الملامة الإلهية الشديدة لنا، قال: ﴿وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فعندما يواجه الصعوبات يتوجّه إلينا ويدعونا ويتضرّع سواء كان نائماً أو ماشياً أو جالساً، ﴿فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ‏ضُرٍّ مَسَّهُ وعندما يرتفع الأمر ويزول يتحرّك كأنّه لم يكن يطلب منّا شيئاً وكأنّنا لم نعتن به، (هنا) الغفلة المحضة! وبعدها يقول بلهجةٍ شديدة وتوبيخ:﴿كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

إخواني وأخواتي! إنّ علينا أن نطلب العون والمدد من الله تعالى في جميع أحوالنا، ويجب أن تبقى هذه الرابطة القلبيّة بيننا وبين الله في حال الرّاحة والدّعة والمحنة والكرب فهذا هو الضامن لحركة الإنسان التكامليّة والضامن لتعالي الإنسان، هذا هو الأمر الذي يمكنه أن يوصلنا إلى الهدف الأساسيّ للخلقة. برأينا هذا ما يحققه التوسّل والتضرّع في جميع ميادين الحياة. فلو حصل هذا التوجّه إلى الله لن يبقى هناك ركودٌ وسكون ويأس وتراجع وتوقّف في جميع ساحات الحياة المختلفة، والعمل بدوره يلزمه الصبر والتوكل.

أنتم مسؤولو الدّولة في القطاعات المختلفة تتحمّلون عبء الكثير من الأعمال وأعمالكم هي أعمال الدنيا وأعمال الآخرة، فعندما تنهضون لإنجاز تكليفكم فإنّكم تقومون بعمارة الدنيا والحياة وكذلك عمارة باطنكم وسرّكم، وهذا العمل الذي هو عملٌ دنيويّ وعملٌ أخرويّ في الوقت نفسه يحتاج إلى عنصرين: الصّبر والتوكّل. في الآية القرآنية الشريفة التي تقول: ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلين * الَّذينَ صَبَرُوا وَعَلى ‏رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون فالصّبر يعني الثبات والمقاومة والصمود وعدم نسيان الهدف.يقول: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْن في ميدان القتال وفي ميدان مواجهة العدوّ لو صبرتم لاستطعتم أن تغلبوا العدوّ.

لقد ذكّرنا مراراً أنّ المواجهات في الميادين العالمية المختلفة هي في معظمها حرب إرادات، من تضعف إرادته بصورة أسرع فسيُهزم. فالصّبر يعني الحفاظ على هذا العزم وحفظ هذه الإرادة. والتوكّل أيضاً يعني أداء العمل وطلب النتيجة من الله فلا يُظنّ- وبالطبع لا يوجد مثل هذا الظنّ في الأجواء الدينية لعصرنا وإن كان قد وُجد في الماضي وكان يُنشر فيُتوهّم_ أن التوكل يعني الجلوس حتى يأتي (عون) الله، والجلوس حتى يصلح الله، والقعود حتى يحل الله العقد. كلا، التوكّل يعني أداء العمل وطلب النتيجة من الله، انتظر النتيجة من الرّب، لهذا قد أُخذ بتعبيرنا نحن طلبة العلم "العمل" في موضوع التوكّل.

حسنٌ، إنّ تأثير الصبر والتوكّل مهمٌّ جدّاً في إدارة البلاد بالإضافة إلى الأعمال الشخصيّة. ففي الأعمال الشخصيّة لصبرنا وتوكّلنا تأثير، فلنكن بصدد تحصيل الصّبر والتوكّل لنتقدّم. وعلى مستوى المشاغل الإدارية فليكن الأمر على هذا النحو وكذلك في الرياضة وفي إدارة أمور الأسرة، فليكن الأمر كذلك في كلّ أمر من الأمور الشخصيّة. وفي إدارة البلد والحكومة أيضاً سواء في الإدارات العامّة أو إدارة القطاعات المختلفة فإنّ للصّبر والتوكّل دورا واضحا. من دون الصّبر والتوكّل لن يتمكّن الإنسان من تأدية الأعمال الملقاة على عاتقه في مجال إدارة البلد. فمع عدم الصّبر وبالعجالة وقلّة الباع والكسل واليأس في مواجهة المشكلات التي تُعدّ جميعاً منافية للتوكّل لا يمكن القيام بالأعمال الكبرى ولا يمكن التقدّم، ولا يمكن تحمّل مسؤولية تطوير البلد المهمّة.

في مجال إدارة الدّولة - حيث يعمل كلّ واحدٍ منكم بنحوٍ ما في هذا المجال، في القطاعات المختلفة الاقتصادية والتقنية والثقافية والعلمية وغيرها وغيرها، أنتم المسؤولون - لو أردنا إعمال الصّبر والتوكّل، فيجب مراعاة عدّة عناصر أساسيّة وجوهريّة:

الأوّل، اختيار الجّهة الصحيحة، ينبغي اختيار التوجّه بشكل صحيح، هذه هي البوصلة وهذا هو الشرط الأساسيّ. فلو أنّنا اخترنا التوجّه بصورة خاطئة ووقعنا في الاشتباه فإنّ جهودنا المضاعفة، لن توصل إلى نتيجة وليس هذا فحسب بل إنّها ستبعدنا عن الطريق، قال: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرينَ أَعْمالاً * الَّذينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وقد وقع سعيهم وبذلهم في ضلالٍ أي أنّه لم يقع في الاتّجاه الصحيح. يجب تحديد التوجه (الجهة) بصورة صحيحة، فلو لم يوجد مثل هذا الشاخص فإنّ جهودنا المختلفة ستبعدنا عن المقصد. إنّ تحديد التوجّهات مسألة مهمّة. أنا العبد وفي ذكرى رحيل الإمام الجليل رضوان الله تعالى عليه في الرابع عشر من شهر خرداد وفي مرقده المطهّر، شرحت توجّهات الثّورة على أساس قراءة الإمام - التي هي بالنسبة لنا معتبرة وحجّة - وبينتها. التوجّه في السّياسة الداخليّة والتوجّه في السّياسة الخارجيّة والتوجّه في الميدان الثقافيّ والميدان الاقتصاديّ، كلّ ذلك شرحته مفصّلاً واستناداً إلى كلمات الإمام ونصوصه رضوان الله تعالى عليه. واليوم بحمد الله، فإنّ نخبنا ومسؤولينا وأفراد شعبنا في كلّ أنحاء البلاد يؤيدون الإمام والجميع اختاره كشاخص. أحياناً يحصل تفسيرٌ خاطئ للإمام، وتفسير خاطئ لتوجّهٍ ما كان مورد عناية الإمام، وهو أمرٌ سيّئ وخطر أيضاً. ولحسن الحظّ، إنّ كلمات (بينات) الإمام أمام ناظرينا فخطبه وصوته وكتاباته وآثاره هي أمام أعيننا. في ذاك اليوم قلنا أنّ وصيّة الإمام هي مختصر وخلاصة لتوجّهات الإمام وهي أمام الجميع. لهذا فإنّ التوجّهات محددة. فنحن لا نعاني من مشكلة في معرفة التوجّهات، ولسنا بحاجة أيضاً لنجلس ونشخّص أو نحدّد شيئاً. كان الإمام فقيهاً وحكيماً ومطّلعاً وبصيراً وناضجاً ويتحدّث بصورة موزونة ويفكّر بشكل صحيح، وبهذا الفكر أوجد هذه الثّورة، وأرسى نظام الجمهورية الإسلامية بعد التّخطيط له، وحدّد الخطوط المحددة والواضحة. لهذا، فإنّ أوّل أعمال أي مدير في أي قطاع هو أن يلتفت إلى التوجّه الصحيح.

الثاني، استخدام جميع الأدوات المتاحة. فيجب استعمال كلّ الوسائل وجميع الطّاقات. ينبغي صبّ كل هذه التوجّهات في قالب السّياسات العمليّة. فالسياسات الكلّيّة هي قسمٌ من هذه السياسات الإجرائيّة. إنّ رؤية الأفق العشريني هي قسمٌ من هذه السياسات العمليّة، السياسات التنفيذية للحكومة في القطاعات المختلفة هي قسم من هذه السّياسات العمليّة. والبرامج التي يتمّ إقرارها في الحكومات والمجالس ويتمّ البناء على تنفيذها هي قسمٌ من هذه الّسياسات العمليّة. ويجب تبيين تلك الأهداف الكلّية والتوجّهات العامّة ضمن هذه السّياسات العمليّة لتأخذ دورها وتظهر.

الثالث، هو النّظر إلى الأولويّات، وهذا عنصرٌ آخر أيضاً. فالأعمال كثيرة وفي بعض الأحيان لا يوجد من الطّاقة والقدرة أو الرأسمال والمصادر الماليّة بما يلبّي جميع الاحتياجات لهذا يجب أخذ الأولويّات بعين الاعتبار. هذا هو العمل الذي يمكننا القيام به في مجال الإدارة لتحقّق الصّبر والتوكّل.

إذا ألقينا نظرة عامّة على البلد. لحسن الحظ فإنّه واقعٌ اليوم في مقطع جيد. أقول لكم إنّ أزمنة انتقال المسؤوليّات من حكومة إلى أخرى تُعدّ من الأزمنة الجيّدة للبلد ولتاريخنا السياسيّ. فانتقال الحكومات هو من المنن الإلهيّة الكبرى علينا، وهو من الفرص العظمى التي أتيحت لنا. تأتي أنفاسٌ جديدة وابتكارات جديدة وأعمال جديدة وسلائق وأذواق جديدة إلى الميدان وقد حدّد الدستور هذه الأمور وهذا يُعدّ من الفرص. بالطبع، إنّ هذه الفرصة قد تتبدّل إلى تهديد لو جرى العمل بنحوٍ آخر، مثلما يحدث في بعض الدّول حيث يشاهد الإنسان أنّ انتقال السلطة يتلازم مع استعراض القوّة وسفك الدماء والعنف، وهو لحسن الحظ غير حاصل في بلدنا. بالطبع قد حصل في عام 88 (2009) أن ارتكب البعض أخطاء كبرى وأوصلوا البلد إلى حافّة تلك الأمور، وأوجدوا لهذا البلد ما يشبه هذه المشكلة، ولكن بحمد الله تعالى وعونه تمكّن الشّعب من تخطّي هذه المشكلة. في هذه السنوات المتتالية منذ بداية الثورة ما خلا تلك المدّة القصيرة لعام 88 تلازم انتقال وتسليم السلطة والمسؤوليات في البلد مع الهدوء والسّرور والفرح، فمثل هذه تُعدّ فرصة فائقة الأهميّة.

وعليه في يومنا هذا حيث يتم انتقال الحكومة وتأتي مجموعة جديدة وفئة جديدة وعناصر جديدة وابتكارات جديدة إلى الميدان يجب التقدّم بهذا البلد إن شاء الله بالاستفادة ممّا أُنجز لحدّ الآن، وبالبناء على ما تمّ بناؤه لحدّ اليوم. إنّ هذه فرصة مهمّة جدّاَ، فرصة جيّدة وهي لبلدنا عيد، ففي الواقع إنّ انتقال السلطات أمرٌ مبارك. فكلّ فئة تمسك بزمام الأمور تنظر بصورة إيجابية إلى الفئة التي سبقتها. حسنٌ، لقد سمعتم هذا التقرير المفصّل للسيد رئيس الجمهورية الدكتور أحمدي نجاد. لقد أُنجز الكثير وتحقّقت أعمالٌ بارزة. ومن الممكن أن تأتي الحكومة اللاحقة وتنجز هذا المقدار ذاته أو ضعفه أو أكثر وتزيد عليه، فأيّ شيء أفضل من هذا بالنسبة للبلد؟ المهمّ أن تستمرّ هذه التوجّهات حيث أنّني سأتحدّث في مجال استمرار التوجّهات وما ينبغي ذكره في هذا المجال في مناسبات لاحقة إن شاء الله سيكون ذلك للمسؤولين والشعب ولا حاجة لذلك هنا الآن ولا اقتضاء.

ما يلزم ويجدر الالتفات إليه اليوم، هو النظرة الشاملة لوطننا وللأوضاع العامّة في البلاد. لا أريد أن نتلهّى بالجزئيّات هناك جزئيّات كثيرة فلننظر نظرة مصيريّة لأمور بلدنا العزيز ونظام الجمهوريّة الاسلاميّة، ولنرَ أين نحن، وما نحن. لقد دوّنت عدّة عناصر هنا ستّة أو سبعة عناصر جميعها حقائق:

الحقيقة الأولى: بلدنا بلد يتمتّع بجغرافيّة مهمّة. الموقعيّة الجغرافيّة لبلدنا واحدة من المواقع الجغرافيّة الممتازة في العالم. إذا قسّمنا بلاد العالم من حيث الموقع الجغرافي إلى عدّة مراتب، فإنّ إيران ستقع يقيناً في المراتب العليا أو في أعلى المراتب. وهذا امتياز من حيث الموقع الجغرافي، هذا ما نتمتّع به، هذه عطيّة إلهيّة.

الحقيقة الثانية: تاريخ حضارتنا وجذورها. جذورنا الحضاريّة القديمة، تاريخنا، هو تاريخ مجيد، خاصّة منذ العهد الاسلامي وما بعده. قبل الإسلام، كانت هناك أيضاً إنجازات بارزة في تاريخ بلدنا، لكنّها ازدادت بمراتب بعد الإسلام، من حيث العلم، الصناعة، من حيث المسائل الثقافيّة، من حيث الأمجاد السياسيّة المتنوّعة، من حيث تطوّر البلد، سواءً التطوّر النوعي، أم التطوّر الكمّي. هذا هو تاريخنا. تراثنا العلمي في الأقسام المختلفة للعلم البشري، والعلوم الالهيّة، هو تراث قلّ نظيره. واقعاً، قلّما نجد بلداً يتمتّع بهذه الميّزات في مناطق آسيا والحضارات القديمة في الهند والصين ومصر وأمثالها، بيد أنه ليس للغربيّين مثل هكذا تاريخ. بناءً على هذا، فإنّنا من ناحية الحضارة من المبرّزين والأفضل، هذه أيضاً حقيقة.

الحقيقة الثالثة:
الثروات الطبيعيّة والإنسانية الهائلة. لقد قيل منذ نيّف وعشرين سنةً أنّ آبار النفط في البلاد سوف تنفد في التاريخ الفلاني وكانوا يحدّدون تاريخاًـ، لكنّ الكشوفات التي تمّت على صعيد آبار النفط والغاز، قد ضاعفت هذه المدة ومدّدتها إلى أربعة أو خمسة أضعاف. على صعيد المعدن، والطاقة، وجميع الثروات المتنوعة التي يحتاجها بلد ما لادارة نفسه، إنّنا بلد غنيّ، بلد استثنائيّ.

نحن أيضاً كذلك من حيث المصادر البشريّة. ولقد قلت هذا مراراً في البداية كنّا نقول هذا حدساً وتخميناً، ومن ثمّ أيّدت الإحصاءات الدوليّة هذا الأمر وهو أننا من حيث الاستعدادات الانسانيّة، نقع في المراتب العليا، أي أنّنا نفوق بكثير متوسّط المجتمعات البشريّة الموجودة في العالم، متوسطنا أعلى من متوسّط بلاد العالم. استعداداتنا، شبابنا، استثنائيّة، وها أنتم ترون. لعلّني قلت هذا مرارا، من خلال المعلومات التي تصلني والتقارير التي تردني ومشاهداتي، لا يوجد قسم من أقسام العلم والتقانة المتنوّعة أسسه موجودة في البلاد، لم يستطع شبابنا وعلمائنا أن ينجزوا أعمالاً كبرى في ذلك القسم، وحيثما عجزوا، فذلك بسبب عدم وجود الأسس، إذ ينبغي عليهم بالطبع، العمل على إيجاد هذه الأسس، وهم يعملون على ذلك أيضاً. هذه هي ثروتنا الطبيعيّة والإنسانية.

وهناك حقيقة أخرى (الرابعة) إلى جانب ما ذُكر من وقائع ممّا يجب مشاهدته وهي أنّنا قد تلقّينا ضربات موجعة على مرّ القرون الثلاثة الأخيرة، سواءٌ من جهة الاستبداد المحلّيّ والدكتاتوريّات التي مرّت على هذا البلد أو من جهة الهجمات الخارجيّة. فالضّربات التي تلقّيناها ينبغي عدّها من الحقائق. إنّ تاريخ دخول الدّول الأجنبيّة ونفوذها في بلدنا هو من عام 1800 ميلاديّة أي أنّ أوّل نفوذٍ خارجيٍّ كان قبل 212 سنة بواسطة حكومة الهند البريطانيّة. فقد جاء جون مالكوم البريطانيّ إلى إيران ومن يلاحظ هذا التاريخ يعلم وكان لمجيئه تبعات. وقد كان لضعف تلك الحكومات (المحلّية) في مواجهة نفوذ وغزو الغرب الثّقافيّ والسياسات الغربيّة وحكوماتها أن صار هذا البلد في موقع الانفعال وهكذا ازددنا يوماً بعد يوم ضعفاً وتلقّينا الهزائم، فهذه قضيّة واقعيّة. ونحن لا يمكننا أن نغض النظر عن ذاك العصر عندما نريد أن نفهم قضايا البلد ونتعرّف على وضعه الحالي. لقد وجّهوا إلينا ضربات قاسية وأوجدوا لأنفسهم نفوذاً سياسيّاً وثقافيّاً ونهبوا ثرواتنا. وللأسف، فإنّه لم يجرِ العمل بشكل صحيح في هذا المجال. فعلى محقّقينا ومؤرّخينا أن ينهضوا للقيام بعملٍ مفصّل فيما يتعلّق بغزو الدّول الأجنبيّة النّافذة لمصادرنا وثرواتنا الاقتصاديّة منذ أن جاءت إلى هنا، كما فعل البريطانيّون في إحدى الفترات والروس في فترة أخرى، وآخرون كانوا إلى جانبهما حيث أنّهما الأساس في ذلك ثمّ جاءت أمريكا في النّهاية. نهب الثّروات والتسلّط السياسيّ وإهانة الشّعب. وما سمعتموه من لسان السياسيّين والزّعماء التّابعين للسّياسات الغربيّة والأجهزة الاستبدادية في مجال إهانة إيران والإيرانيين و" أنّنا غير قادرين "، وغيرها وغيرها، كل ذلك ناشئ من ذلك التسلّط الثقافيّ الغربيّ والسّلطة السياسيّة للغرب على بلدنا. فكلّ هذه من الحقائق.

وخامسة تلك الحقائق الصحوة الوطنيّة في ثلاث مراحل. فقد حصلت الصحوة العامّة والوطنيّة عندنا عبر ثلاث مراحل: الأولى، مرحلة المشروطة (الملكيّة الدستوريّة المشروطة). الثانية، مرحلة النهضة الوطنيّة آية الله الكاشاني والدكتور مصدّق. والثالثة مرحلة الثورة الإسلاميّة. وفي المرحلتين الأوليين هُزم الشّعب الإيرانيّ. فثورة المشروطة كانت مهمّة لكنّها هُزمت. وفي النّهضة الوطنيّة حدثت انتفاضة لكنّها هُزمت، أمّا ما هي أسباب هاتين الهزيمتين فهذا ما يتطلّب بحثاً طويلاً ومفصّلاً. ويوجد لكلّ منهما أسبابٌ وعوامل. أمّا الثالثة فهي مرحلة الثورة الإسلاميّة، فهذه هي حركات وطنيّة. وبالطبع قامت حركات وأعمال ونهضات غير عامّة كنهضة التنباك وأمثالها فهي لم تكن حركة وطنيّة لأجل التغيير الجذري وتحقيق تحوّل نوعيّ في البلد، بل كانت لأجل قضيّة خاصّة. ما يمكن أن يُقال بشأن الحركة الوطنيّة والحركة الكبرى ينحصر في هذه المراحل الثلاث. وقد كانت مرحلة انتصار الثّورة الإسلاميّة بخلاف المرحلتين السابقتين اللتين فشلتا، مرحلةً مهمّة هزمت الغرب ومن يعارضها وأركعتهم، وهذا كان ببركة شخص الإمام وشخصيّته وببركة الأحكام والقوانين التي استند إليها إمامنا الجليل (رضوان الله تعالى عليه) وأشاد الجمهوريّة الإسلاميّة على أساسها ورسم خطوطها الواضحة، فهذه من الحقائق، وعليه كان لنا مثل هذا التحرّك المواجه المنتصر المقابل للغرب في مقابل تلك الهزائم التي حصلت في القرنين تقريباً في مواجهة غزو الغربيين، فهذه من الحقائق.

سادس هذه الحقائق تجربة التقدّم في الميادين المختلفة. إنّ البعض يقولون لنا أنّ علينا أن نكون واقعيين في مجال القضايا السياسيّة سواء السياسية الخارجية أو الداخلية أو الاقتصاد أو غيره. حسنٌ هذه هي الحقائق وعلينا أن نراها، ومن أهمها: كل هذا التطوّر الذي حصل للبلاد. فإيران قد تغيّرت منذ مرحلة انتصار الثورة أي منذ عام 1979 إلى اليوم بمعدّل لا نراه في أيّ دولةٍ أخرى خلال هذه المدّة. فأنا العبد، لم أشاهد نظيراً له. فالدّول المتطوّرة على المستوى العمراني والصّناعي والعلميّ كانت المدّة الزمنيّة لمسيرتهم حتّى وصولهم إلى هذه النّقطة التي وصلنا إليها اليوم مدّة أطول. وبالمقدار الذي لديّ أنا العبد من معلومات يبدو أنّه قليلاً ما شوهد هذا المستوى من التطوّر في العالم أو أنّه ليس مشهوداً. فنحن قد تطوّرنا في المجالات العلميّة حيث أشار السيّد رئيس الجمهوريّة اليوم إلى جانبٍ منها، وبالطّبع إنّ تطوّرنا العلميّ هو أكثر من ذلك بكثير، لا أنّنا نطلق هذا الكلام كمسؤولين محليّين، كلا، فهذا حكم المراكز العلميّة في العالم وكذلك في المجال السياسيّ. ففي مجال السّياسة الدّاخليّة هذا الأنموذج الجديد للسيادة الشعبية الدينية الذي قدّمناه للعالم، وهذه الانتخابات، وهذا التداول للسّلطات التنفيذيّة والتشريعيّة، يُعدّ ذلك كلّه من أعظم النّجاحات. إنّ السّيادة الشعبيّة الدينيّة هي سيادة شعبيّة صحّيّة ونزيهة، خالية من الألاعيب والخدع والأساليب المعتمدة في العالم. وكم يؤسفني عدم اطّلاع شبابنا على هذه الأساليب المعتمدة في العالم، في أمريكا وفي الغرب وفي أوروبا في مجال الانتخابات حيث أنّها في الظاهر ديمقراطية وفي الباطن غير ديمقراطيّة. لقد ألّف العديد من الكتب الجيدة في هذا المجال كتبها الغربيّون أنفسهم، ويجب مطالعتها والنّظر فيها كيف يتمّ انتخاب عمدة أو حاكم في الولاية الأمريكيّة الفلانيّة ثمّ يصبح سيناتوراً وبعدها رئيساً للجمهورية، كيف يتم استقطاب الناس إلى هذه الميادين وكيف يجري ذلك، ثمّ مقارنة ذلك مع ما يجري هنا حيث يأتي شخصٌ إلى النّاس ويتحدّث معهم ويجذبهم دون أن يكون له أيّة سابقة في العمل التنفيذي، فيحدث هذه الأمواج ويذهب النّاس إلى صناديق الاقتراع وينتخبوه مع كل هذه النّسب المرتفعة فمثل هذا أنموذجٌ جديد للديمقراطية وهذا هو تطوّرنا السياسيّ.
وفي السياسة الخارجيّة الأمر هو كذلك، فالجمهوريّة الإسلاميّة اليوم لها دورٌ لا يمكن لأحد إنكاره فيما يتعلّق بقضايا المنطقة المختلفة والمسائل الأساسيّة فيها. وقضايا منطقتنا هي قضايا عالميّة، وهذا معروف ضمناً. فالتقدّم على صعيد السياسة الداخليّة والأنموذج الجديد للسيادة الشعبيّة والقدرة الانتخابيّة للشعب، وفي السياسة الخارجيّة، كل هذا التأثير: إنّ هذه حقائق.

التقدّم في مجال إعادة الإعمار. فما أُنجز في مجال إعادة الإعمار طيلة هذه العقود الثلاثة هو أمرٌ مدهش في الواقع. قبل الثورة كنا نذهب إلى المدن المختلفة إلى القرى ونشاهد أوضاع المناطق المحرومة، نعلم جيّداً كيف كان يجري العمل في ذاك الزمان، فلو حدث زلزالٌ وأنا العبد نفسي قد شكّلت لجاناً في الإمداد في عدّة هزّات كبرى معروفة وعملت فيها شاهدت بأيّ نحوٍ كانوا يعملون ويتحرّكون في ذلك الزّمان وها نحن اليوم في هذا العصر وأنتم تلاحظون أنّه لو وقعت هزّة أرضيّة في منطقة ما من هذا البلد أو حدثت كارثة طبيعيّة ووقع النّاس في بلاءٍ ومصيبة كيف أنّ الإمدادات تصل إليهم وبأيّة سرعة إنّ هذا لا يُصدّق لكنّه من الحقائق.

وفي المجال الثقافي الأمر كذلك. فلقد حصل تحوّلٌ بنسبة 180 درجة على الصعيد الثقافيّ مقارنةً بما قبل الثّورة وفي زمن الطّاغوت، ونحن هنا لا ندخل في التفاصيل ولكننا بنظرة كليّة نجد أنّ التحوّل كان شاملاً. وبالطبع لو أنّنا عملنا بصورة أفضل وكنّا أكثر اطّلاعاً وجدّيّة لكنّا ناجحين في الجزئيّات.

المستقبل المفعم بالأمل هو بذاته من الحقائق الأخرى في البلد. فللجيل الشاب أهميّة فائقة. العام الفائت وفي شهر رمضان قد أتيت على ذكر أمرٍ هنا وقد كان بصورة مختصرة لا كاملة، فتحديد النّسل هو قضية خطرة على بلدنا. إنّني أقول لكم إنّ تحديد النّسل هو خطرٌ كبير بالنّسبة لبلدنا. لقد توغّلنا كثيراً في منطقة الخطر، ويجب أن نتراجع وكان يمكننا أن نحول دون هذا الأمر لكنّنا لم نفعل. إنّ ما قام به المتخصّصون والخبراء من دراساتٍ وتدقيقات علميّة يوصلنا إلى هذه النّتيجة وهي أنّه سوف نواجه مشاكل جمّة في بلدنا إذا استمرّينا على هذا المسلك، فسوف يصبح هذا البلد هرماً، إنّ تحديد النّسل هذا أمرٌ سيّئ. بالطبع سمعت أنّ هناك مشروعاً تتمّ دراسته في المجلس، غاية الأمر أنّه بحسب ما نُقل لنا فإنّ المشروع ليس حلّاً، فما ظهر في هذا المشروع لا يلبي الحاجة للحل. على المسؤولين والمهتمّين والعارفين بمستلزمات هذا الأمر في المجلس أن يلتفتوا وينجزوا الأمر بصورة صحيحة.

سابعة هذه الحقائق، أنّ بلدنا يواجه جبهةً عدائيّة لدودة، ونحن في هذا المجال كالكثير من المجالات والميادين الأخرى نقف لوحدنا في العالم! ليس أمامنا أي دولة يقف في مواجهتها مثل هذه الجبهة المعارضة اللدودة مع ما لديها من طولٍ وعرض. يوجد جبهةٌ رجعيّة وجبهة الاستكبار ويوجد بعض زعماء الدّول الغربيّة وبعض ضعاف المسؤولين في دول المنطقة. في النهاية، يوجد جبهة تقف أمامنا. وبالطبع، لكلّ هذه شواهدها الواضحة والمشخّصة، ويمكن بيانها وتحليلها وليس محلّها الآن لكنّ واقع الأمر أنّه يوجد مثل هذه الجبهة. حسنٌ، إنّ علينا أن نتّخذ قرارات في مواجهة هذه الجبهة وبالاستناد إلى تلك الحقائق وبالنظر إلى تلك الأهداف الكلّيّة. إنّ على كلّ مسؤولٍ في أيّ قطاعٍ هو أن يعلم ما هو طريق المستقبل في مثل هذه الظروف، وعليه أن يتمكّن من تشخيصه. وبرأينا، إنّ هذه الحقائق تدلّنا على طريق المستقبل. إنّ الابتكارات التي تقوم بها الحكومات ويصنعها مدراء القطاعات المختلفة هي بالنسبة للبلد فرصة ونعمة إلهيّة. إنّ العقد الذي نعيشه اليوم وهو العقد الرّابع من عمر الثّورة يمكن أن يكون عقد التقدّم والعدالة بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى. إنّ هذه الوقائع التي نشاهدها تملي كلّها علينا أنّه يمكننا أن نجعل هذا العقد عقد التقدّم والعدالة بالمعنى الواقعيّ للكلمة.

وفي التقدّم نحو الأهداف العليا يجب أن نزيد من إحكام البنية الداخليّة للقدرة فهذا هو الأصل في العمل. نحن إذا أردنا أن نستمرّ على هذا الطريق ونتحرّك بهذا الاتّجاه ونسعى نحو هذه الأهداف ونتطلّع إلى تلك القيم والأهداف ونتقدّم ونصمد مقابل كل هذه المخالفات (والعداوات) ونعمل الصبر والتوكّل، علينا أن نزيد من بينة القدرة الوطنيّة في داخل البلد، ونمنحها المزيد من الإحكام والرّسوخ. وعناصر هذا الرّسوخ بعضها دائميٌّ وبعضها الآخر موسميّ. وما هو من العناصر المستديمة هو العزم الرّاسخ الذي أشرنا إليه. يجب على مسؤولي البلد أن يحفظوا عزمهم في مواجهة المشاكل وأن يحافظوا على عزمهم الرّاسخ ولا يتزلزلوا. إنّ التحرّك نحو الأهداف العليا يتطلّب مثل هذا العزم الرّاسخ. فلا ينبغي التزلزل عند مشاهدة عبوس العدوّ وتهديده وحركاته المخالفة التي يمارسها بأساليب شتّى في الدّعايات والسياسة والاقتصاد وأمثالها. فالمطلوب هو العزم الرّاسخ للمسؤولين وكذلك للشّعب. بالطبع، الأمر الثاني أي العزم الرّاسخ للشّعب له متطلّباته وهي الآن معروفة. فنحن إذا أردنا أن نحافظ على العزم الرّاسخ للشّعب علينا أن ننجز مجموعة من التكاليف.

وأمّا ما هو مقطعيّ من هذه العناصر وهو في الوقت الحاليّ أولويّة للبلد وهو برأيي قضيّة الاقتصاد وقضيّة العلم. على المسؤولين العامّين للبلد وعلى واضعي السياسات فيه، وأولئك الذين يتولّون إدارة الأمور الأساسيّة أن يلتفتوا إلى هاتين النقطتين الأساسيّتين فيما يتعلّق بالتقدّم والتطوّر. عليهم الاعتماد على قضية الاقتصاد وكذلك على قضيّة التطوّر العلميّ في البلد. وإنّ الاعتناء بالاقتصاد صار لحسن الحظّ أمراً عامّاً نسبيّاً، فهناك التفات من قبل الجميع. لقد كانت الملحمة الاقتصاديّة من شعارات هذه السنّة وأملنا أن تتحقّق الملحمة الاقتصاديّة بهمّة المسؤولين أيضاً مثلما تحقّقت الملحمة السياسية. بالطبع إن العمل الاقتصادي ليس عملاً قصير المدى. فليس هو عمل شهر أو شهرين أو حتّى سنة، ولكن يجب أن يبدأ. وإنّني أعتمد على قضيّة العلم أيضاً. في السّنوات العشر الأواخر كان لنا حركة علميّة ممتازة. لقد كانت السّرعة العلميّة وسرعة التطوّر جيّدة جدّاً. لكن لا ينبغي أن تتباطأ. لو أردنا أن نصل إلى المستوى المطلوب، ولو أردنا أن نصل إلى الخطوط الأماميّة للعلم والمعرفة في العالم فعلينا أن نحافظ على هذه السّرعة من التطوّر.

النقطة الثانية في هذا المجال، قضيّة التعامل مع العالم وهي التي تُذكر كثيراً في هذه الأيّام فنحن نؤمن بالتّعامل مع العالم وفي التصرّف هذا، وفي التعاطي مع العالم يجب معرفة الطرف المقابل، لأنّنا إذا لم نشخّصه ونعرفه فسوف نتلقّى الضّربات. لا ينبغي أن ننسى ملفّات خصومنا. من الممكن أحياناً للمرء أن لا يأتي على ذكر السوابق فلا إشكال في ذلك، فأنتم أحياناً تواجهون شخصاً وتريدون أن تنجزوا عملاً، ولديكم معرفة بسوابقه، لكنّكم لا ترون مصلحة لذكرها واستحضارها، فلا إشكال في ذلك، لكن لا ينبغي أن تنسوها. فلو نسيتم سوف تتلقّون ضربة.

يقول الأمريكيّون أنّنا نريد التفاوض مع إيران. حسنٌ، إنّهم ومنذ سنوات أنّنا نريد التفاوض، فمثل هذا لا يُعدّ فرصة بالنسبة لنا من قبلهم. لقد قلت في بداية هذا العام أنّني لست متفائلاً. ونحن لا نمانع التفاوض في القضايا الخاصّة مثل القضيّة الخاصّة التي كانت لنا في الملفّ العراقيّ وفي بعض القضايا الأخرى، لكنّني لست متفائلاً، لأنّ تجربتي تدلّ على هذا. فالأمريكيّون ليسوا محل ثقة وهم غير منطقيين، كذلك في تعاملهم ليسوا صادقين. وهذه الأشهر الأربعة التي مرّت على حديثي السابق آنذاك تؤيّد هذا الأمر. إنّ مواقف المسؤولين والزّعماء الأمريكيين دلّت على أنّ ما ذكرناه بأنّنا غير متفائلين صحيحٌ. فقد أثبتوا ذلك عمليّاً. والبريطانيّون هم بنحو آخر، وهكذا غيرهم. فالتعاطي مع العالم لا إشكال فيه فنحن منذ البداية كنّا كذلك، غاية الأمر أنّه علينا في التعامل مع الآخرين أن نعرفهم ونعرف أساليبهم ونأخذ بعين الاعتبار أهدافهم الأساسيّة والعامّة. من الممكن أن يعترضكم عدوّ ويقول لكم يُمنع المرور من هنا، فالصّلح معه لا يعني أن تقبلوا وتتراجعوا، والمهارة هنا هي أن تقوموا بما يجعلكم تستمرّون على طريقكم ولا يتمكّن هذا العدوّ من منعكم. أمّا إذا كان التّوافق والتّفاهم يعني أن يقول هو أنّ عليكم أن ترجعوا من حيث أتيتم وأنتم تقولون حسناً جدّاً، فهذا خسارةٌ. وعلى المسؤولين وأعضاء الحكومة أن يلتفتوا إلى هذه الجّهات والأبعاد. بالطبع، إنّ قضايا المنطقة مهمّةٌ جدّاً حيث تأخذ قسماً من اهتماماتنا وتفكيرنا ولكن لم يعد هناك مجال الآن.

إخواني وأخواتي الأعزّاء! تحمّلتم واستمعتم وأملنا أنّ الله تعالى سيشملكم جميعاً بفضله.

اللهمّ! وفّقنا للتضرّع إليك في هذا الشهر. نجّنا من جهنّم التي أشعلناها لأنفسنا.

اللهمّ! اهدنا إلى عمل الخير والعمل الصالح.

اللهمّ! بمحمد وآل محمد اشمل بلطفك وعنايتك شعب إيران ومسؤولي هذا البلد والمسؤولين الذين كانوا إلى هذا اليوم و المسؤولين الذين سيأتون غداً.

اللهمّ! تقبّل كلّ جهدٍ بُذل من هؤلاء لأجل هذا البلد ولأجل هذا الشّعب.

اللهمّ! وفّق أولئك الذين عزموا على العمل من أجل هذا البلد وخدمته والسّهر عليه. اللهمّ فاهدهم إلى الطريق الصحيح الذي هو مورد رضاك. اجعل القلب المقدّس لولي العصر.

اللهمّ! ادخل الرّضا والسّرور إلى روح إمامنا الجليل المطهّر والأرواح المطهّرة للشهداء

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

2013-07-10