يتم التحميل...

إشخاصه من المدينة إلى مرو

الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)

كان المأمون قد أنفذ إلى جماعة من آل أبي طالب، فحملهم من المدينة إلى خراسان، وفيهم الإمام الرضا 1عليه السلام ، فحملهم إليه على طريق البصرة و الأهواز وفارس، ولم يشخصهم عن طريق بغداد والكوفة...

عدد الزوار: 298
كان المأمون قد أنفذ إلى جماعة من آل أبي طالب، فحملهم من المدينة إلى خراسان، وفيهم الإمام الرضا 1عليه السلام ، فحملهم إليه على طريق البصرة و الأهواز وفارس، ولم يشخصهم عن طريق بغداد والكوفة... وقم، ولمّا كانت البصرة والأهواز وفارس في أيدي إخوته إسماعيل بن موسى، وزيد بن موسى، وكانت لهما شوكة في تلك البلاد، وخضعت لهما العباد، أراد المأمون أن يأتي بالرضا من ذلك الطريق إلى خراسان، لتميل قلوبهم إليه2.

عن مخوّل السجستاني قال: لمّا ورد البريد بإشخاص الرضا عليه السلام إلى خراسان كنت أنا بالمدينة، فدخل المسجد ليودّع رسول الله صلى الله عليه وآله، فودّعه مراراً. كلّ ذلك يرجع إلى القبر، ويعلو صوته بالبكاء والنحيب، فتقدّمت إليه وسلّمت عليه، فردّ السلام، وهنّأته، فقال: " زرني فإنّي أخرج من جوار جدّي صلى الله عليه وآله فأموت في غربة، وأُدفن في جنب هارون" ، قال: فخرجت متّبعاً لطريقه حتّى مات بطوس ودفن إلى جنب هارون3.

وعن الوشّاء قال: قال لي الرضا عليه السلام: "إنّي حيث أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي، فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتّى أسمع، ثمّ فرَّقت فيهم اثني عشر ألف دينار، ثمّ قلت: أَمَا إنّي لا أرجع إلى عيالي أبد"4

في البصرة:
وعن ابن علوان قال: رأيت في منامي كأنّ قائلاً يقول: قد جاء رسول الله صلى الله عليه وآله إلى البصرة، قلت: وأين نزل؟ فقيل في حائط بني فلان، قال: فجئت الحائط فوجدت رسول الله صلى الله عليه وآله جالساً ومعه أصحابه وبين يديه أطباق فيها رطب برنيّ، فقبض بيده كفّاً من رطب وأعطاني، فعددتها فإذا هي ثماني عشرة رطبة، ثمّ انتبهت فتوضّأت وصلّيت، وجئت إلى الحائط فعرفت المكان الذي فيه رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله. فبعد ذلك سمعت الناس يقولون: قد جاء عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، فقلت: أين نزل فقيل: في حائط بني فلان، فمضيت فوجدته في الموضع الذي رأيت النبيّ صلى الله عليه وآله فيه وبين يديه أطباق فيها رطب، وناولني ثماني عشرة رطبة، فقلت: يا ابن رسول الله زدني، فقال: "لو زادك جدّي لزدتك".

ثمّ بعث إليّ بعد أيّام يطلب منّي رداء، وذكر طوله وعرضه، فقلت: ليس هذا عندي فقال: "بلى هو في السفط5 الفلاني، بعثت به امرأتك معك"، قال: فذكرت، فأتيت السفط فوجدت الرداء فيه كما قال6.

في نيسابور:
قالوا: إنّ الرضا عليه السلام لمّا دخل نيسابور نزل في محلّة يُقال له: الفروينيّ، فيها حمّام وهو الحمّام المعروف اليوم بحمّام الرضا عليه السلام، وكانت هناك عين قد قلّ ماؤها، فأقام عليها من أخرج ماءها حتّى توفّر وكثر، واتّخذ من خارج الدرب حوضاً ينزل إليه بالمراقي7 إلى هذه العين، فدخله الرضا عليه السلام واغتسل فيه، ثمّ خرج منه وصلّى على ظهره، والناس ينتابون8 ذلك الحوض، ويغتسلون فيه ويشربون منه التماساً للبركة، ويصلّون على ظهره، ويدعون الله عزّ وجلّ في حوائجهم، فتقضى لهم، وهي العين المعروفة بعين كهلان يقصدها الناس إلى يومنا هذا9.

حديث سلسلة الذهب10:
ولمّا أراد أبو الحسن الرضا عليه السلام أن يرحل من نيسابور إلى المأمون، اجتمع إليه أصحاب الحديث11، وعرض له في السوق الإمامان الحافظان للأحاديث النبويّة: أبو زرعة، ومحمّد بن أسلم الطوسيّ، فقالا: أيّها السيّد ابن السادة، أيّها الامام وابن الأئمّة، أيّها السلالة الطاهرة الرضيّة، أيّها الخلاصة الزاكيّة النبويّة، بحقّ آبائك الأطهرين، وأسلافك الأكرمين، إلّا أريتنا وجهك المبارك الميمون، ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدّك، نذكرك به. فاستوقف البغلة، ورفع المظلّة، وأقرّ عيون المسلمين بطلعته المباركة الميمونة، فكانت ذؤابتاه12 كذؤابتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والناس على طبقاتهم قيام كلّهم، وكانوا بين صارخ وباك وممزّق ثوبه، ومتمرّغ في التراب، ومقبّل حزام بغلته، ومطوّل عنقه إلى مظلّة المهد، إلى أن انتصف النهار، وجرت الدموع كالأنهار، وسكنت الأصوات، وصاحت الأئمّة والقضاة: معاشر الناس اسمعوا وعُوا، ولا تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عترته، وأنصتوا، فأملى صلوات الله عليه هذا الحديث، وعُدّ من المحابر أربعة وعشرون ألفاً سوى الدويّ13، والمستملي أبو زرعة الرازيّ ومحمّد بن أسلم الطوسيّ..

فقال عليه السلام: "حدّثني أبي موسى بن جعفر الكاظم، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد الصّادق، قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ الباقر، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين زين العابدين، قال: حدّثني أبي الحسين بن عليّ شهيد أرض كربلا، قال: حدّثني أبي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب شهيد أرض الكوفة، قال: حدّثني أخي وابن عمّي محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: حدّثني جبرئيل عليه السلام، قال: سمعت ربّ العزّة سبحانه وتعالى يقول: كلمة لا إله إلّا الله حصني، فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أَمِنَ من عذابي. صدق الله سبحانه، وصدق جبرئيل عليه السلام، وصدق رسول الله والأئمّة14 عليهم السلام". فلمّا مرّت الراحلة نادانا: " بشروطها، وأنا من شروطها"15.

وعن إسناد هذه الرواية الذي أورده الإمام عليه السلام، يقول الإمام أحمد بن حنبل: لو قرأت هذا الإسناد على مجنونٍ لبُرىء من جنّته16. ونقل أنّ هذا الحديث بهذا السند بلَغ بعض أمراء السامانيّة، فكتبه بالذهب وأوصى أن يدفن معه17.

قرب قرية الحمراء18:
عن أبي الصلت الهرويّ قال: لمَّا خرج عليّ بن موسى الرضا عليه السلام من نيسابور إلى المأمون، فبلغ قرب قرية الحمراء، قيل له: يا ابن رسول الله قد زالت الشمس أفلا تصلّي؟ فنزل عليه السلام فقال: " ائتوني بماء" ، فقيل: ما معَنا ماء، فبحث عليه السلام بيده الأرض فنبع من الماء ما توضأ به هو ومَن معه، وأثرُه باق إلى اليوم.

وسناباد حيث تربته الطاهرة:
ولمّا وصل إلى " سناباد" دخل دار حميد بن قحطبة الطائيّ والقبّة التي فيها قبر هارون الرشيد، ثمّ خطّ بيده إلى جانبه، ثمّ قال: " هذه تربتي، وفيها أدفن، وسيجعل الله هذا المكان مختلف شيعتي وأهل محبّتي، والله ما يزورني منهم زائر، ولا يسلّم عليّ منهم مسلّم، إلّا وجب له غفران الله ورحمته بشفاعتنا أهل البيت عليهم السلام". ثمّ استقبل القبلة وصلّى ركعات ودعا بدعوات، فلمّا فرغ سجد سجدة طال مكثه، فأحصيت له فيها خمسمائة تسبيحة، ثمّ انصرف19.

قرب طوس:
عن موسى بن سيّار قال: كنت مع الرضاعليه السلام وقد أشرف على حيطان طوس، وسمعت واعية فاتبعتها، فإذا نحن بجنازة، فلمّا بصرت بها رأيت سيّدي وقد ثنى رجله عن فرسه، ثمّ أقبل نحو الجنازة فرفعها، ثمّ أقبل يلوذ بها كما تلوذ السخلة20 بأمِّها، ثمّ أقبل عليّ وقال: يا موسى بن سيّار، من شيّع جنازةَ وليٍّ من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه لا ذنب عليه، حتّى إذا وضع الرجل على شفير قبره، رأيت سيّدي قد أقبل، فأفرج الناس عن الجنازة حتّى بدا له الميت، فوضع يده على صدره، ثمّ قال: " يا فلان بن فلان، أبشر بالجنّة، فلا خوف عليّك بعد هذه الساعة" ، فقلت: جعلت فداك هل تعرف الرجل؟ فوالله إنّها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا، فقال لي: " يا موسى بن سيّار، أما علمت أنّا معاشر الأئمّة تعرض عليّنا أعمال شيعتنا صباحاً ومساءً، فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا الله تعالى الصفح لصاحبه، وما كان من العلو سألنا الله الشكر لصاحبه"21 .

إلى مرو
22:
حيث كان المأمون ينتظره ويستعدّ لاستقباله والحفاوةِ به ،ولمّا دخلها أنزله منزلاً كريماً محاطاً بكلّ مظاهر التقدير والاحترام23... وفيها دخل دعبل بن عليّ الخزاعيّ رحمه الله على أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، فقال له: يا ابن رسول الله إنّي قد قلت فيك قصيدة، وآلَيْت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك، فقال عليه السلام: "هاتها"، فأنشده:
مدارسُ آياتٍ خَلَتْ مِنْ تِلاوَةٍ    ومَنْزِلُ وَحْيٍ مُقْفِرُ العَرَصَاتِ

فلمّا بلغ إلى قوله:
أرَى فَيْئَهُمْ في غَيْرِهِمْ مُتَقَسَّم   وأَيْدِيَهُمْ مِنْ فَيِئْهِمْ صَفِراتِ

بكى أبو الحسن الرضا عليه السلام، وقال له: "صدقت يا خزاعيّ"، فلمّا بلغ إلى قوله:
إِذا وُتِرُوا مَدُّوا إِلى واتِرِيهمُ    أَكُفاً عنِ الأوتارِ مُنْقَبِضَاتِ

جعل أبو الحسن عليه السلام يقلّب كفّيه ويقول: "أجل والله منقبضات"، فلمّا بلغ إلى قوله:
لَقدْ خِفْتُ في الدُّنيا وأيّامِ سَعْيِه   وإنِّي لَأَرْجُو الأَمْنَ بَعْدَ وَفاتي

قال الرضا عليه السلام: "آمنك الله يوم الفزع الأكبر"، فلمّا انتهى إلى قوله:
وقَبْرٌ ببغدادٍ لنفْسٍ زكيَّةٍ    تَضَمَّنَها الرَّحمنُ في الغُرُفاتِ

قال له الرضا عليه السلام: "أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين، بهما تمام قصيدتك؟" فقال: بلى يا ابن رسول الله، فقال عليه السلام:
وقبرٌ بطُوسٍ يا لها مِنْ مُصيبَة    تَوَقَّدُ بالأَحْشاءِ بالحُرُقاتِ
إِلى الحشْرِ حتّى يبعثَ اللهُ قائم    يُفَرِّجُ عنّا الهَمَّ والكُرُباتِ


فقال دِعبل: يا ابن رسول الله، هذا القبر الذي بطوس، قبر مَنْ هو؟ فقال الرضا عليه السلام: "قبري! ولا تنقضي الأيّام والليالي حتّى تصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له".

ثمّ نهض الرضا عليه السلام، بعد فراغ دِعبل من إنشاد القصيدة، وأمره أن لا يبرح من موضعه، فدخل الدار، فلمّا كان بعد ساعة، خرج الخادم إليه بمائة دينار رضويّة، فقال له: يقول لك مولاي: "اجعلها في نفقتك"، فقال دِعبل: والله ما لهذا جئت، ولا قلت هذه القصيدة طمعاً في شيء يصل إليّ، وردّ الصرّة، وسأل ثوباً من ثياب الرضا عليه السلام الرضا عليه السلام ليتبرّك ويتشرّف به، فأنفذ إليه الرضا عليه السلام جبّة خزّ مع الصرّة، وقال للخادم: قل له: "خذ هذه الصرّة فإنّك ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها"، فأخذ دعبل الصرّة والجبّة 24...
* غريب خرسان، سلسلة مجالس العترة، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

1- المفيد: الإرشاد ج2 ص 259.-
2- عطارديّ عزيز الله: مسند الإمام الرضاعليه السلام ج1 ص 52.
3-الصدوق: عيون أخبار الرضا
عليه السلام ج 2 ص 234.
4-الصدوق: عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 235، القطب الراونديّ: الخرائج والجرائح ج 1 ص 363.
5- السفط وعاء شبه القفّة يخبّأ فيه الطيب وكأنّه معرّب سبد بالفارسيّة.
6-ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 371، والمجلسيّ: بحار الأنوار ج 49 ص 119، والبرنيّ تمر معروف أصله "برنيك" أي الحمل الجيد.
7- المراقي: جمع المرقاة أي الدرجة.
8- أي يأتونه مرّة بعد مرّة.
9- الصدوق: عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 145.
10- قال السيّد اليزديّ في العروة الوثقى ج 1 ص 296، في مستحبّات الكفن: ويناسب أيضاً كتابة السند المعروف بسلسلة الذهب وهو..إلخ.
11- الصدوق: الأمالي ص 306.
12-الذؤابة في اللغة: الناصية وهي شعر في مقدّم الرأس، وذؤابة كلّ شيء أعلاه، ومنه "هو ذؤابة قومه": أي المقدّم فيهم.
13-جمع دوى مفرده دواة أي ما يكتب منه.
14-الأربليّ: كشف الغمّة ج 3 ص 98.
15- الصدوق: الأمالي ص 306.
16-مرتضى العامليّ جعفر: الحياة السياسيّة للإمام الرضا عليه السلام ص 145.
17- الأربليّ: كشف الغمّة ج 3 ص 98
18-وهي التي يقال لها اليوم "ده سرخ" بين نيسابور ومشهد الرضا عليه السلام.
19- الصدوق: عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 147.
20- السخلة: مولود الضأن والماعز، ذكراً كان أو أنثى، وربّما عمّم ليشمل كلّ مولود حديث من غير المعز.
21- ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 370.
22- وهي مرو الشاهجان وهي مرو العظمى أشهر مدن خراسان، وهناك مرو الرود، والرود النهر بالفارسيّة فكأنّه مرو النهر، وهي مدينة صغيرة بالنسبة إلى مرو الأخرى، وهي قريبة منها على نهر عظيم، فلهذا سمّيت بذلك، أنظر: ياقوت الحمويّ: معجم البلدان ج 5 ص 112.
23-الحسنيّ هاشم معروف: سيرة الأئمّة الاثني عشر ج 2 ص387
24- الصدوق: كمال الدين وتمام النعمة ص 373، وعيون أخبار الرضاعليه السلام ج 2 ص 294، عنه، المجلسيّ: بحار الأنوار ج 49 ص 239. وتتمّة الرواية:..وانصرف وسار من مرو في قافلة، فلمّا بلغ "ميان قوهان"، وقع عليهم اللصوص، فأخذوا القافلة بأسرها، وكتّفوا أهلها، وكان دعبل فيمن كتّف، وملك اللصوص القافلة، وجعلوا يقسّمونها بينهم، فقال رجل من القوم متمثّلاً بقول دعبل في قصيدته:
أرى فيئهم في غيرهم متقسّم وأيديهم من فيئهم صفرات
فسمعه دعبل، فقال له دعبل: لمن هذا البيت؟ فقال لرجل من خزاعة، يقال له دعبل بن عليّ، قال: فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت، فوثب الرجل إلى رئيسهم وكان يصلّي على رأس تلّ...، فأخبره فجاء بنفسه حتّى وقف على دعبل، وقال له: أنت دعبل؟ فقال: نعم، فقال له: أنشدني القصيدة فأنشدها فحلّ كتافه وكتاف جميع أهل القافلة، وردّ إليهم جميع ما أخذوا منهم لكرامة دعبل. وسار دعبل حتّى وصل إلى قم، فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة، فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع. فلمّا اجتمعوا صعد المِنبر فأنشدهم القصيدة، فوصله الناس من المال والخلع بشيء كثير، واتصل بهم خبر الجبّة، فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار، فامتنع من ذلك، فقالوا له: فبعنا شيئاً منها بألف دينار، فأبى عليهم، وسار عن قم. فلمّا خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب، وأخذوا الجبّة منه، فرجع دعبل إلى قم وسألهم ردّ الجبّة عليه، فامتنع الأحداث من ذلك، وعصوا المشايخ في أمره، فقالوا لدعبل: لا سبيل لك إلى الجبّة فخذ ثمنها ألف دينار، فأبى عليهم، فلمّا يئس من ردهم الجبّة عليه، سألهم أن يدفعوا إليه شيئاً منها، فأجابوه إلى ذلك، وأعطوه بعضها، ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار. وانصرف دعبل إلى وطنه، فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله، فباع المائة دينار التي كان الرضاعليه السلاموصله به، فباع من الشيعة كلّ دينار بمائة درهم، فحصل في يده عشرة آلاف درهم، فذكر قول الرضا عليه السلام: "إنّك ستحتاج إلى الدنانير". وكانت له جارية لها من قلبه محل، فرمدت عينها رمداً عظيماً، فأدخل أهل الطب عليها، فنظروا إليها فقالوا: أمّا العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة وقد ذهبت، وأمّا اليسرى فنحن نعالجها ونجتهد ونرجو أن تسلم، فاغتمّ لذلك دعبل غمّاً شديداً، وجزع عليها جزعاً عظيم، ثمّ أنّه ذكر ما كان معه من فضلة الجبّة، فمسحها على عيني الجارية وعصّبها بعصابة منها من أوّل الليل، فأصبحت وعيناها أصحّ ممّا كانتا قبل، ببركة أبي الحسن الرضا عليه السلام.

2013-04-01