يتم التحميل...

الإمام السجّاد عليه السلام في كلام الولي دام ظله

الحياة السياسية

إنّ الحديث عن الإمام السجّاد عليه السلام وكتابة سيرته عمل صعب، لأنّ أساس تعرّف الناس إلى هذا الإمام تمّ في أجواء غير مساعدة إطلاقاً. ففي ذهن أغلب كتّاب السيرة والمحلّلين أنّ هذا الإنسان العظيم قد انزوى للعبادة ولم يكن له أي تدخّل في السياسة.

عدد الزوار: 380

الظروف الاجتماعية والسياسية
إنّ الحديث عن الإمام السجّاد عليه السلام وكتابة سيرته عمل صعب، لأنّ أساس تعرّف الناس إلى هذا الإمام تمّ في أجواء غير مساعدة إطلاقاً. ففي ذهن أغلب كتّاب السيرة والمحلّلين أنّ هذا الإنسان العظيم قد انزوى للعبادة ولم يكن له أي تدخّل في السياسة. حتّى أنّ بعض المؤرّخين وكتّاب السيرة ذكروا هذه المسألة بشكل صريح. أمّا الّذين لم يقولوا هذا الأمر بصراحة فإنّ مفهومهم عن حياة الإمام السجّاد عليه السلام ليس سوى هذا الأمر. وهذا المعنى موجود في الألقاب الّتي تُنسب إليه والتعابير الّتي يطلقها الناس عليه: كما يطلق عليه بعض الناس لقب "المريض"، في حين أنّ مرضه لم يستغرق أكثر من عدّة أيّام في واقعة عاشوراء. ومن الطبيعيّ أنّ كلّ إنسان يمرض في حياته عدّة أيّام، وإن كان مرض الإمام للمصلحة الإلهيّة حتّى لا يُكلّف هذا العظيم بالدفاع والجهاد في سبيل الله في تلك الأيّام، ليستطيع في المستقبل أن يحمل الحمل الثقيل للأمانة والإمامة على عاتقه، ويبقى حيّاً بعد والده لمدّة 35 أو 34 سنة، تُعدّ أصعب مراحل عصور الإمامة عند الشيعة. أنتم عندما تنظرون إلى ماضي حياة الإمام السجّاد عليه السلام سوف تجدون حوادث متنوّعة ولافتة جدّاً، كما حدث لبقيّة أئمّتنا، وربّما إذا جمعنا سير الأئمّة عليهم السلام معاً فلن نجد مثل سيرة السجّاد عليه السلام .

إنّ سيرة كلّ إنسان بالمعنى الواقعيّ للكلمة تتّضح عندما نعرف التوجّه العامّ الّذي سار عليه، ومن بعدها نقوم بملاحظة الحوادث الجزئية في حياته. فإذا عُرف التوجّه العامّ، فإنّ الحوادث الجزئية سوف تصبح ذات معنى، أمّا إذا لم يُعرف ذلك التوجّه أو فُهم خطأ، فإنّ تلك الحوادث الجزئية سوف تصبح دون معنى أو بمعنى خاطئ. وهذا لا يختصّ بالإمام السجّاد عليه السلام أو باقي أئمّتنا عليهم السلام فقط، بل إنّ هذا يصدق وينطبق على سيرة الجميع.

مثلاً في خصوص الإمام السجّاد عليه السلام نجد أنّ رسالته إلى محمّد بن شهاب الزهريّ تُعتبر نموذجاً لأحد الحوادث في حياته. فلو أخذنا هذه الحادثة بنفسها، وبمعزل عن بقية الحوادث في تلك المرحلة، لا يمكن أن نفهم شيئاً. فقد تُفهم هذه الرسالة على أنّها من أحد الّذين ينتسبون إلى آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، لأحد العلماء المعروفين في ذلك الزمان، في هذا المجال توجد عدّة آراء: هذه الرسالة يمكن أن تكون جزءاً من جهادِ واسعِ وأساس، ويمكن أن تكون نهياً بسيطاً عن منكر، ويمكن أن تكون اعتراضَ شخصيّة على شخصية أخرى كالاعتراضات الّتي تُشاهد كثيراً على طول التاريخ بين شخصيّتين أو عدّة أشخاص. ولا يمكن فهم شيءٍ من هذه القضيّة بشكلٍ تلقائيّ وبمعزل عن بقية أحداث تلك المرحلة. والهدف من هذه المسألة هو أنّنا إذا التفتنا إلى الحوادث الجزئية وقطعنا النظر عن التوجّه العامّ في حياة الإمام فلن تُفهم سيرته، لذلك لا بدّ من أن نعرف التوجّه العامّ في سيرته.

إنّ بحثنا الأوّل هو حول التوجّه العام للإمام السجّاد عليه السلام في الحياة ونقرنه بكلماته، وأيضاً بالمفهوم العامّ لحياة الأئمّة عليهم السلام ثمّ نوضحه.

نحن نشاهد بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام ، الّذي وقع في السنة الأربعين للهجرة، أنّ أهل البيت لم يلتزموا البقاء داخل البيت والاقتصار على بيان الأحكام الإلهيّة كما يفهمونها فقط، بل نجد منذ أوّل أيّام الصلح أنّ برنامج كلّ الأئمّة عليهم السلام كان يقوم على تهيئة المقدّمات لإقامة الحكومة الإسلامية بحسب النهج الّذي يرونه. وهذا ما نلاحظه بوضوح في حياة الإمام المجتبى عليه السلام وكلماته.
من هذه الجّهة كان عمل الإمام الحسن عليه السلام عملاً عميقاً جدّاً وتأسيسيّاً. لقد عاش الإمام الحسن عليه السلام مع كلّ تلك التحوّلات عشر سنوات، اجتمع حوله، في هذه المدّة، أفراد وتربّوا على يديه. توزّع قسم منهم في كلّ زاوية لمواجهة نظام معاوية وإضعافه بشهادتهم واعتراضاتهم وصرخاتهم.

وفيما بعد وصل الدور إلى الإمام الحسين عليه السلام . وهذا العظيم تابع ذلك المنهج نفسه في المدينة ومكّة ومناطق أخرى حتّى هلك معاوية وجرت واقعة كربلاء. وإن كانت واقعة كربلاء ثورة مفيدة جدّاً ومربّية لمستقبل الإسلام، لكنّ ذاك الهدف الّذي كان الإمام الحسن عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام يسعيان لأجله، تأخّر بسبب ذلك لأنّ الناس أصبحوا مرعوبين خائفين وجرت تصفية الأتباع المقرّبين للإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام ، وتسلّط الأعداء ووقع ذلك الحادث بشكلٍ طبيعيّ. لو لم تحدث نهضة الإمام الحسين عليه السلام بهذا الشكل، فيبدو أنّه فيما بعده وفي المستقبل القريب كان هناك مجالٌ للتحرّك ينتهي إلى تسليم الحكومة للشيعة. ولا يعني هذا الكلام عدم وجوب نهوض الإمام الحسين عليه السلام ، بل إنّ الظروف الّتي كانت في هذه الثورة كانت تفرض أن تحدث في ذلك الوقت ولا شكّ في ذلك أبداً. لكن لو لم تكن تلك الظروف، ولو لم يستشهد الإمام الحسين عليه السلام في تلك الواقعة، فالاحتمال الأكبر أنّ المستقبل الّذي تطلّع إليه الإمام الحسن عليه السلام كان سيتحقّق بسرعة.

لقد كان الأئمّة عليهم السلام وراء هذا الخطّ وهذا الهدف، وكانوا يسعون دائماً لأجل تشكيل الحكومة الإسلامية. عندما استشهد الإمام الحسين عليه السلام في واقعة كربلاء، وأسر الإمام السجّاد عليه السلام وهو في تلك الحالة من المرض، بدأت في الحقيقة منذ تلك اللحظة مسؤولية الإمام السجّاد عليه السلام . ولو قُدّر في ذلك التاريخ أن ينجح الإمام الحسن عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام في تأمين ذلك المستقبل لقام الإمام السجّاد عليه السلام في ذلك الوقت بالتحديد بهذا الأمر ومن بعده الأئمّة الباقون عليهم السلام .

بناءً على هذا، ينبغي أن نبحث في مجمل حياة الإمام السجّاد عليه السلام عن هذا الهدف الكلّي والمنهج الأصليّ، وأن نعرف دون شك أنّ الإمام السجّاد عليه السلام كان يسعى لأجل تحقيق ذلك الهدف الّذي كان يسعى لأجله الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام .

كان الإمام السجّاد عليه السلام ، في الفترة ما بين تسلّمه للإمامة منذ عاشوراء 61 هـ. واستشهاده مسموماً عام 94 هـ، يتابع مسؤولية تحقّق ذلك الهدف. لذلك ينبغي أن نفسّر جزئيات عمل الإمام والمراحل الّتي مرّ بها والأساليب الّتي استعملها، والتوفيقات الّتي حصلت، وكلّ الأمور الّتي بيّنها، وكلّ التحرّكات الّتي قام بها، والأدعية والمناجاة الّتي جمعت في الصحيفة السجّادية... كلّ هذا ينبغي أن يفسّر بالنظر إلى الخطّ العامّ. ومن المواقف الّتي اتّخذها طوال مدّة الإمامة:

1. موقفه مقابل عبيد الله بن زياد ويزيد، الّذي تميّز بالبطولة والشجاعة والفداء.
2. موقفه من "مسرف بن عقبة" الّذي تميّز بالهدوء، هذا الرجل الّذي قام بتدمير المدينة واستباح أموالها بأمر من يزيد في السنة الثالثة من حكمه.
3. حركة الإمام مقابل عبد الملك بن مروان، أقوى خلفاء بني أميّة وأمكرهم، حيث تميّز موقفه بالشدّة حيناً والاعتدال حيناً آخر.
4. تعامل الإمام عليه السلام مع عمر بن عبد العزيز.
5. تعامل الإمام مع أصحابه وأتباعه ووصاياه لأصحابه.
6. موقف الإمام من وعّاظ السلاطين وأعوان الظلمة.

كل هذه المواقف والتحرّكات ينبغي أن تُدرس بدقّة. ووفق تصوّري أرى أنّه بالالتفات إلى النهج العام، فإنّ كل هذه الجزئيات والحوادث سوف تكتسب معانٍ مناسبة وواضحة. وسوف نجد عندها أنّ هذا الإنسان العظيم قد قضى كلّ حياته وسعيه في طريق الهدف المقدّس وهو عبارة عن إقامة حكومة الله على الأرض وتطبيق الإسلام، وقد استفاد من أنضج وأفضل الوسائل، وتقدّم بالقافلة الإسلامية، الّتي كانت بعد واقعة عاشوراء في تشرذم وتفرّق مهول، وأنجز مهمّته العظمى ومسؤوليته الأصيلة (الّتي سوف نشير إليها بالتفصيل لاحقاً)، والّتي قام بها كلّ أئمّتنا وجميع الأنبياء والصالحين، مراعياً أصول السياسة والشجاعة والدقّة في الأعمال. وبعد 35 سنة من الجهاد المستمرّ، الّذي لم يعرف الراحة أبداً، رحل عن الدنيا كريماً مرفوع الرأس موكلاً حمل ثقل الرسالة من بعده إلى الإمام الباقر عليه السلام .

إنّ انتقال الإمامة إلى الإمام الباقر عليه السلام ، وهي تحمل مهمّة إقامة حكومة الله على الأرض، تظهر بصورة واضحة في الروايات. ففي رواية، نجد أنّ الإمام السجاد عليه السلام يجمع أبناءه مشيراً إلى محمّد بن علي الباقر عليه السلام ويقول: "... احمل هذا الصندوق وخذ هذا السلاح وهذه الأمانة بيدك"، وحينما فتح الصندوق كان فيه القرآن والكتاب1.

لعلّ ذلك السلاح يرمز إلى القيادة الثوريّة، وذلك الكتاب يرمز إلى الفكر والعقيدة الإسلامية، وقد أودعهما الإمام السجّاد عليه السلام الإمام الّذي سيأتي من بعده مودّعاً الدنيا، راحلاً إلى جوار الرحمة الإلهيّة بنفس مطمئنّة ووجدان هادئ ورأس مرفوع. كانت هذه هي الصورة العامّة لحياة الإمام السجّاد عليه السلام . ولكن إذا أردنا أن ندرس تفاصيل الأحداث، علينا أوّلاً أن نمهّد لها بالوضع السابق لها، إذ يوجد في حياة الإمام السجاد فصل قصير ومحدّد نذكره أولاً، ثمّ نقوم بعدها بشرح المسير العاديّ لحياة الإمام وتفصيل الأوضاع وأحوال الزمان والظروف الّتي كانت سائدة.(مجلة باسدار اسلام، 6)

لقد بدأت حياة الإمام السجاد بمرحلة مليئة بالصعاب، حيث جرت حادثة كربلاء، الّتي لم تهزّ كيان الشيعة فقط، وإنّما هزّت الأمّة الإسلاميّة بأجمعها. ومع أنّ القتل والأسر والتعذيب كان شائعاً آنذاك، لكنّ قتل أولاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأسر العائلة النبويّة ووضع رؤوس آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم على الرماح والاستهانة بمن كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقبّل ثناياه، كلّ هذا قد زلزل العالم الإسلاميّ وصعقه. فلم يكن أحد يتوقّع أنّ الأمر سوف يصل إلى هذه المرحلة. ولا أدري مدى صحّة الشعر المنسوب للسيدة زينب عليها السلام : "ما توهّمت يا شقيق فؤادي كان هذا مقدّراً مكتـوباً"2، فقد كان يشير إلى هذه النقطة وهي استنتاج جميع الناس. ففجأةً انتشر الشعور بأنّ السياسة أضحت سياسة مختلفة، والتشديد الّذي كان يشعر به الجميع أصبح أشدّ. فهذا البيت يشير بلا شك إلى أنّ هذا الحدث كان غير متوقّع آنذاك. فلهذا أخذ الهول والفزع ينتاب الأمّة الإسلاميّة حيث شاهدت ورأت ما لم تكن تتوقّعه من التنكيل والتعذيب.

لذا انتشر الخوف في كافّة المناطق الإسلاميّة إلّا الكوفة وهذا بفضل التوّابين والمختار وثورتهم. أمّا المدينة وحتّى مكّة المكرّمة مع وجود عبد الله بن الزبير، والّذي ثار بعد مدّة، فعاشت حالة الرعب غير المسبوق في العالم الإسلاميّ، بسبب حادثة كربلاء المفجعة. والعامل الآخر هو الفساد السياسيّ.

فما ذكرنا كان وضع كبار الشخصيات الّذين تشبّثوا بفضلات الحياة المادية لرجال الحكومة آنذاك. وأمثال هؤلاء محمّد بن شهاب الزهري، فهذه الشخصية كانت تُعتبر من الكبار ومن تلامذة الإمام السجّاد عليه السلام ، والإمام عليه السلام استطاع أن يفضح حقيقة هؤلاء من خلال رسالة كتبها لتكون حجّة للتاريخ وتبيّن العلائق المادّية الّتي كانوا يتمسّكون بها.

وهناك الكثير من أمثال محمّد بن شهاب، حيث نقل العلّامة المجلسيّ عن ابن أبي الحديد ما يثير ويهزّ المشاعر. فقد نقل في البحار عن جابر أنّ الإمام السجاد عليه السلام قال: "ما ندري كيف نصنع بالناس، إن حدّثناهم بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضحكوا" (فإنّهم لا يكتفون بالرفض وإنما يضحكون استهزاءً)، "وإن سكتنا لا يسعنا"3. ومن ثمّ يذكر ابن أبي الحديد أسماء عدد من الشخصيات ورجال ذلك الزمان من الّذين كانوا من أتباع أهل البيت عليهم السلام ثمّ انحرفوا فيما بعد.

كان يجب أن يصلح دين الأمّة، وأن تُهذّب أخلاق الناس وأن يُخلّص الشعب من الفساد الّذي كان سائداً آنذاك وأن تُوجّه الأمّة معنوياً كي يرجع أساس الدين إلى الأمّة والمجتمع. لذا ترون أنّ أكثر الكلام المنقول عن الإمام السجّاد عليه السلام هو في الزهد. وحتى في بداية كلامه وخطبه، الّتي كانت تتضمّن معنىً سياسيّاً، نجده يبدأها بالكلام حول الزهد، حيث يقول عليه السلام : "إنّ علامة الزاهدين في الدنيا الراغبين عنها في الآخرة...إلخ"4. وفي كلام آخر يصف الدنيا قائلاً "أوَلا حرّ يدع هذه اللماظة لأهلها فليس لأنفسكم ثمن إلا الجنّة ألا فلا تبيعوها بغيرها"5.

إنّ كلمات الإمام عليه السلام كلّها كانت تحمل بين طيّاتها الزهد والمعارف الإسلامية، وكان الإمام يطرح المعارف الإسلامية ويبيّنها من خلال الدعاء، وذلك لأنّ الظروف الصعبة والقمع الّذي كان مسيطراً على الشعب لم يكن يسمح للإمام السجّاد عليه السلام بأن يتكلّم ويطرح آراءه بصورة صريحة وواضحة، فليست السّلطة وحدها كانت مانعة له، وإنّما الناس أنفسهم كانوا يرفضون هذا. المجتمع كان قد أصبح مجتمعاً ضائعاً وكان من الواجب إصلاحه.

كانت حياة الإمام السجاد عليه السلام من عام 61 هـ إلى 95 هـ، على ما ذكرنا. وكلّما كان يمضي الوقت كان الوضع يتحسّن، حتّى قال الإمام الصادق عليه السلام ، كما ذكرناه سابقاً، "ارتدّ الناس بعد الحسين..." إلى أن قال "ثم إنّ الناس لحقوا وكثروا".

وفي زمن الإمام الباقر عليه السلام تحسّن الوضع عمّا كان عليه في زمن السجّاد عليه السلام وهذا بفضل سعي الإمام السجّاد خلال 35 سنة. (28/04/1365)

يظنّ بعض الناس أنّ الإمام فيما لو أراد أن يقاوم نظام بني أميّة لكان ينبغي أن يرفع راية المقاومة العسكرية، أو أن يلتحق بالمختار، أو عبد الله بن حنظلة، أو أن يقودهما معلناً بذلك المقاومة المسلّحة بكلّ وضوح. لكنّنا نفهم من خلال النظر إلى ظروف زمان الإمام السجاد عليه السلام أن هذا ظنٌّ خاطئ وذلك بالالتفات إلى هدف الأئمّة عليهم السلام .

لو قام الأئمّة عليهم السلام ، ومن جملتهم الإمام السجّاد عليه السلام ، في تلك الظروف بمثل هذه التحرّكات العلنية والسلبية، فباليقين لما بقي للشيعة باقية، ولما بقيت الأرضية أو فسح المجال لاستمرار ونموّ مدرسة أهل البيت ونظام الولاية والإمامة فيما بعد. لهذا نجد أنّ الإمام السجّاد عليه السلام في قضيّة المختار لم يعلن التعاون معه، وبرغم ما جاء في بعض الروايات عن ارتباطٍ سريّ بينهما، إلاّ أنّه ودون شكّ، لم يكن ارتباطاً علنياً، حتّى قيل في بعض الروايات إنّ الإمام السجّاد عليه السلام كان يذمّ المختار، ويبدو هذا الأمر طبيعياً جداً من ناحية التقيّة، وذلك حتّى لا يُشعر بوجود أيّ ارتباط بينهما، مع العلم بأنّ المختار فيما لو انتصر فإنّه بالتأكيد كان سيعطي الحكومة لأهل البيت عليهم السلام ، ولكن في حال هزيمته، ومع وجود أدنى ارتباط واضح وعلنيّ، لكانت النّقمة شملت وبشكل قطعيّ الإمام السجّاد عليه السلام وشيعة المدينة واجتثّت جذور التشيّع أيضاً. لأجل ذلك لم يُظهر الإمام عليه السلام أيّ نوع من الارتباط العلنيّ به.

ورد في رواية أنّه عندما دخل مسلم بن عقبة إلى المدينة في واقعة الحرّة، لم يشكّ أحدّ على الإطلاق في أنّ أوّل شخص سيقع ضحيّة نقمته هو عليّ بن الحسين عليه السلام ، لكنّ الإمام السجّاد عليه السلام بتدبيره الحكيم تصرّف بحيث دفع البلاء عنه، وبذلك حافظ على استمرار المحور الأصليّ للشيعة.

وهناك روايات في بعض الكتب - منها "بحار الأنوار" - تحكي عن إظهار التذلّل من قبل السجّاد عليه السلام عند مسلم بن عقبة، ولكن هذه الروايات كاذبة قطعاً وذلك للأسباب التالية:
أولاً: لا تستند هذه الروايات إلى أيّ سندٍ صحيح.
ثانياً: توجد روايات أخرى تكذّبها وتدفعها من حيث المضمون.

ففي لقاء الإمام عليه السلام مع مسلم بن عقبة توجد روايات عديدة لا تنسجم أيّة واحدة منها مع الأخرى، ولأنّ بعض تلك الروايات ينطبق وينسجم أكثر مع نهج الأئمّة وسيرتهم، فنحن بصورة طبيعية نقبلها.

على كلّ حال، مع أنّنا لا نقبل تلك الروايات الّتي تتحدّث عن صدور مثل هذه الأفعال عن الإمام، ولكنّنا لا نشك أيضاً في أنّ الإمام لم يقابل مسلم بن عقبة بتصرّف معادٍ، لأنّ أيّ تصرّف من هذا القبيل سوف يؤدّي إلى قتل الإمام، وهذا سيؤدّي بدوره إلى خسارة عظيمة لا تُجبر بلحاظ الدّور الّذي ينبغي أن يقوم به الإمام السجّاد عليه السلام بالنسبة لثورة الإمام الحسين عليه السلام وتبليغ حقيقتها. لهذا يبقى الإمام عليه السلام - وكما قرأنا في رواية الإمام الصادق عليه السلام - ويلحق الناس به شيئاً فشيئاً ويزداد عددهم. وفي ظلّ تلك الظروف الصعبة وغير المساعدة يبدأ عمل الإمام السجّاد عليه السلام .

في تلك الفترة ساد حكم عبد الملك - حيث إنّ معظم مدّة إمامة الإمام السجّاد، البالغة ثلاثين سنة ونيّف، كانت في ظل هذه الحكومة - وكان نظامه يقوم بالرّصد التام والمراقبة الدائمة لحياة الإمام السجّاد عليه السلام ، ويستخدم الجواسيس والعيون الكثيرة الّتي كانت تنقل إليه أدقّ التفاصيل حتّى المسائل الداخلية والخاصّة بالإمام عليه السلام .

أهداف حركة الإمام السجاد عليه السلام

بعد أن توضّحت ساحة عمل الإمام السجّاد عليه السلام أشير بشكلٍ مختصر إلى الهدف والمنهج الّذي اعتمده الأئمّة. وبعد ذلك نقوم بدراسة جزئيات حياة هذا الإمام فيما يتعلّق بهذا النهج.

ممّا لا شكّ فيه أنّ الهدف النهائيّ للسّجاد عليه السلام كان إيجاد الحكومة الإسلامية، وكما جاء في كلام الصادق عليه السلام فإنّ الله تعالى وقّت عام 70 لقيام الحكومة الإسلامية، ثمّ بسبب قتل الإمام الحسين عليه السلام سنة 60 فإنّ الله أخّرها إلى سنة 147 - 148هـ، فهذا يحكي بشكلٍ واضح عن أنّ الهدف النهائيّ للإمام السجّاد عليه السلام وسائر الأئمّة هو إيجاد الحكومة الإسلامية. ولكن كيف يمكن أن تُقام الحكومة الإسلامية في مثل تلك الظروف؟ إنّ هذا يحتاج إلى عدّة أمور:

1- ينبغي أن تدوّن وتُدرس وتُنشر المدرسة الإسلامية الحقيقية الّتي يحمل علمها الأئمّة عليهم السلام ، هذه المدرسة الّتي هي أيضاً المبنى الأساس للحكومة الإسلامية. بعد أن انفصل المجتمع الإسلاميّ ولمدّة طويلة من الزمن عن الفكر الإسلاميّ الصحيح، كيف يمكن إقامة حكومة على أسس الفكر الإسلاميّ الأصيل في حين أنّ الأرضية الفكريّة لم يتمّ تحقيقها بين الناس، ولم تدّون تلك الأحكام الأصيلة؟

إنّ أعظم الأدوار الّتي مارسها الإمام السجّاد عليه السلام هي أنّه دوّن الفكر الأصيل للإسلام: كالتوحيد، والنبوّة، وحقيقة المقام المعنويّ للإنسان، وارتباطه بالله. وأهمّ دور أدّته الصحيفة السجّادية هو في هذا المجال. فانظروا إلى هذه الصحيفة، ثمّ جولوا ببصركم في أوضاع الناس على صعيد الفكر الإسلامي في ذلك الزمن ستجدون مدى المسافة الّتي تفصل بين الاثنين.

ففي ذلك الزمن الّذي كان المسلمون في كلّ أنحاء العالم الإسلاميّ يسيرون نحو الحياة المادية والملذّات، بدءاً من شخص الخليفة عبد الملك بن مروان، إلى العلماء المحيطين به (ومن جملتهم محمّد بن شهاب الزهريّ، وسوف أذكر أسماء علماء البلاط فيما بعد)، نزولاً إلى الجميع الّذين كانوا يغوصون في بحر الدنيا والماديات، يقف الإمام السجّاد عليه السلام ويقول مخاطباً الناس: "أوَلا حرّ يدع هذه اللماظة لأهلها؟".

ففي هذه الجملة يوضح الإمام أنّ الفكر الإسلاميّ الأصيل كان عبارة عن جعل الهدف للمعنويات والتحرّك نحو الوصول إلى الأهداف المعنوية والإسلامية، وجعل الإنسان يرتبط بالله عبر التكليف. وهذا هو الموقف المقابل تماماً لحركة الناس المادية في ذلك الزمن. كان على الإمام السجّاد عليه السلام أن يقوم بعملٍ كبيرٍ لأجل أن يحفظ الفكر الأصيل للإسلام في فضاء المجتمع الإسلاميّ. وكانت هذه الحادثة بداية أعمال الإمام السجّاد عليه السلام .

2- تعريف الناس إلى أحقّية أولئك الّذين ينبغي أن يتسلّموا زمام الحكم. إذ كيف يمكن لأهل البيت تشكيل حكومة في الوقت الّذي كان الإعلام والتبليغ ضدّ آل الرسول قد ملأ العالم الإسلاميّ طوال عشرات السنين حتّى عصر الإمام السجّاد عليه السلام ، وفيه ظهرت الأحاديث الموضوعة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والّتي تخالف حركة أهل البيت بل إنّها في بعض الموارد تشتمل على سبّهم ولعنهم، وقد نُشرت بين أناس ولم يكن لديهم أي اطّلاع على المقام المعنويّ والواقعيّ لأهل البيت.
لهذا، فإنّ أحد الأهداف والتحرّكات المهمّة للإمام السجّاد عليه السلام كان يرتبط بتعريف الناس إلى أحقّية أهل البيت، وأنّ مقام الولاية والإمامة والحكومة حقٌّ ثابت لهم وهم الخلفاء الواقعيّون للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم . وهذا الأمر، إضافة لما له من أهميّة عقائدية وفكرية، له ماهيّة سياسية وهي الارتباط بالحركة السياسية المناهضة للنظام الحاكم.

3- كان على الإمام السجّاد عليه السلام أن يؤسّس الأجهزة والتشكيلات الّتي يمكن أن تكون منطلقاً أصلياً للتحرّكات السياسية المستقبلية، ففي مجتمع ممزّق، يعيش تحت أنواع القمع والفقر والتضييق الماليّ والمعنويّ، حتّى أنّ الشيعة عاشوا من الرعب والتضييق إلى درجة أنّ تشكيلاتهم تلاشت فكيف يمكن للإمام السجّاد عليه السلام أن يبدأ عمله وحيداً أو مع مجموعة قليلة وغير منظّمة؟ لهذا كان همّ الإمام السجاد عليه السلام أن يبدأ بتشكيل هذه التنظيمات الّتي كانت، برأينا، موجودة منذ أيّام أمير المؤمنين عليه السلام غير أنّها ضعفت وتلاشت إثر واقعة عاشوراء والحرّة وثورة المختار.

بالنتيجة نجد أنّ عمل الإمام كان يدور ضمن ثلاثة محاور أساس:

الأول: تدوين الفكر الإسلاميّ بصورة صحيحة وطبق ما أنزل الله، بعد مرور أزمنة من التحريف والنسيان عليه.
الثاني: إثبات أحقّية أهل البيت في الخلافة والولاية والإمامة.
الثالث: إيجاد التشكيلات المنسجمة لأتباع أهل البيت عليهم السلام وأتباع التشيّع.

هذه الأعمال الثلاثة الأساس هي الّتي ينبغي أن ندرسها ونبحث فيها لنرى أيّ واحد منها قد تحقّق في حياة الإمام السجّاد عليه السلام .

إلى جانب هذه الأعمال، كانت هناك أيضاً أعمال أخرى هامشية أو ضمنية وتحرّكات قام بها الإمام وأتباعه لأجل اختراق ذلك الجوّ المرعب والقمعيّ. ففي ظلّ الإجراءات الأمنية المشدّدة الّتي كان يفرضها الحكم، نلاحظ مواقف عديدة للإمام عليه السلام أو أتباعه كان الهدف منها كسر حواجز القمع وصناعة بعض الأجواء الملائمة واللطيفة، خاصّة مع الأجهزة الحاكمة أو التابعة لها، مثل المواقف الّتي حدثت بين الإمام عليه السلام وعبد الملك عدّة مرات، أو الأمور الّتي جرت مع العلماء المنحرفين والتابعين لعبد الملك (من قبيل محمّد بن شهاب الزهريّ) كلّ ذلك لأجل خرق ذلك الجوّ المتشدّد.

إنّ الباحث عندما يستعرض الروايات، سواء الأخلاقية منها أم المواعظ أم الرسائل الّتي نقلت عن الإمام أو المواقف الّتي صدرت عنه وذلك على أساس ما بيّناه، فإنّه سوف يجد لها المعاني المناسبة، وبتعبيرٍ آخر سوف يرى أن جميع تلك التحرّكات والأقوال كانت ضمن الخطوط الثلاثة الّتي أشرنا إليها والّتي كانت تصبّ جميعاً في دائرة إقامة الحكومة الإسلامية. وبالتأكيد لم يكن الإمام يفكّر في إيجاد حكومة إسلاميّة في زمانه لأنّه كان يعلم أنّ وقتها في المستقبل، أي في الحقيقة في عصر الإمام الصادق عليه السلام .

وبهذه الأعمال الثلاثة سوف تتهيّأ أرضيّة إقامة الحكومة الإسلاميّة والنظام العلَويّ.(مجلة باسدار اسلام،8)

لقد ذكرتُ سابقاً، وأؤكّد ما ذكرتُه، أنّ الإمام السجّاد عليه السلام لم يكن يرى أنّه سيتمّ تحقيق الحكومة الإسلاميّة في زمانه (وهذا بخلاف ما عمل لأجله الإمام الصادق عليه السلام في زمانه)، فقد كان معلوماً بأنّ الأرضيّة في عصر الإمام السجّاد عليه السلام لم تكن معدّة لذلك، وكان الظلم والقمع والجهل كبيراً إلى الدرجة الّتي يصعب فيها إزالتها خلال هذه السنوات الثلاثين. وكان الإمام السجّاد عليه السلام يعمل للمستقبل. ومن خلال القرائن العديدة، نفهم أيضاً أنّ الإمام الباقر عليه السلام لم يكن يهدف إلى إقامة حكومة إسلاميّة في زمانه، أي أنّه منذ سنة 61 وحتّى 95 هـ (شهادة الإمام السجّاد عليه السلام )، ومنذ سنة 95 وحتّى 114 هـ (شهادة الإمام الباقر عليه السلام )، لم يكن في فكر أيّ منهما أنّه ستقام هذه الحكومة في زمانه، ولهذا كانا يعملان على المدى البعيد.

وسوف نستشهد على هذه الفكرة بكلمات الإمام السجّاد عليه السلام ، لأنّها أفضل المصادر وأكثرها أصالة للتعرّف إلى سيرة حياته عليه السلام بل على حياة كلّ الأئمّة عليهم السلام . غاية الأمر - وكما أشرنا سابقاً - أنّنا نفهم هذه البيانات بصورة صحيحة عندما نطلّع على حركة الأئمّة ومقصدهم من الجهاد والمواجهة والسعي والسير، وبغير هذه الصّورة قد نفهم معاني هذه الكلمات - الّتي سوف أبينّها - مغلوطة. وبعد أن اطّلعنا على بعض تلك الحوادث، والّتي استفدناها ببركة كلمات الأئمّة عليهم السلام ، سوف نعتمد على نفس المصادر وسنرى أيّة استنتاجات صحيحة نحصّلها.

قبل أن ندخل في صلب البحث ينبغي أن نذكّر بنقطة موجزة أنّه وبسبب مرحلة القمع الشديد الّتي كان يعيشها الإمام السجّاد عليه السلام ، لم يستطع أن يبيّن لنا تلك المفاهيم بصورة واضحة ولذلك كان يستفيد من أسلوب الموعظة والدعاء (خاصّة أدعية الصحيفة السجّادية الّتي سوف نتعرّض لها فيما بعد والبيانات والروايات الّتي نُقلت عن الإمام عليه السلام والّتي كانت تطغى عليها حالة الموعظة)، حيث كان الإمام ضمن بيان الموعظة والنصّيحة يبيّن ما أشرنا إليه سابقاً، وبهذا اتّبع الإمام السجّاد عليه السلام منهجاً حكيماً وشديد الحذاقة. وبذلك الأسلوب الّذي ظاهره موعظة الناس ونصحهم، أدخل الإمام عليه السلام إلى أذهانهم ما يريده، وهذا من أفضل أشكال التعاطي الأيديولوجيّ والفكريّ الصحيح.

الإمام السجّاد عليه السلام وتجلّيات المواجهة السياسية

ما سنقوم بدراسته هنا هو كلمات الإمام السجّاد عليه السلام الواردة في كتاب "تحف العقول" حيث نشاهد عدّة أنواع من الأسلوب المذكور والّتي تشير إلى طبيعة الجهات المخاطبة.

أحد تلك الأنواع هو الكلمات الموجهّة لعامّة الناس، والّتي يظهر فيها أنّ المستمع ليس من الجماعة المقرّبة والخاصّة للإمام أو من الكوادر التابعين له. وفي هذه الخطابات يستند الإمام عليه السلام دائماً إلى الآيات القرآنية، لماذا؟ لأنّ عامّة الناس لا ينظرون إلى الإمام السجّاد عليه السلام كإمام، بل يطلبون الدليل في كلماته، ولهذا كان الإمام يستدلّ إمّا بالآيات أو بالاستعارة من الآيات، حيث استخدم هذا الأسلوب في أكثر من 50 مورداً ذكر في تلك الروايات، بصورة مباشرة أو بطريق الاستعارة.

ولكن في الخطاب الموجّه إلى المؤمنين نجد الأمر مختلفاً، لأنّ هؤلاء المؤمنين يعرفون الإمام السجّاد عليه السلام وقوله مقبول عندهم، لهذا لم يكن يستند في كلامه إلى الآيات القرآنية. ولو أحصينا كلّ كلامه الموجّه إليهم لوجدنا أنّ استخدام الآيات القرآنية فيه قليل جداً.

في رواية مفصّلة من كتاب "تحف العقول" تحت عنوان: "موعظته لسائر أصحابه وشيعته وتذكيره إيّاهم كلّ يوم جمعة"6، نجد هنا أنّ دائرة المستمعين واسعة وهذا ما نستنتجه من القرائن المفصّلة الواردة فيها. ففي هذه الرواية لم يستخدم الإمام عليه السلام كلمة "أيّها المؤمنون" أو "أيّها الإخوة"، وأمثالها، حتّى نعلم أنّ خطابه موجّه إلى جماعة خاصّة، ولكنّه قال "أيّها الناس" وهذا يشير إلى عموميّة الخطاب. في حين أنه في بعض الروايات الأخرى كان الخطاب موجّهاً بصورة خاصّة إلى المؤمنين.

ثانياً؛ لا يوجد في هذه الرواية تصريحٌ بشيء معارض للجهاز الحاكم، بل انصرف كلّ الخطاب لبيان العقائد، وما ينبغي أن يعرفه الإنسان وذلك بلسان الموعظة. فالخطاب يبدأ هكذا: "أيها الناس، اتقّوا الله واعلموا أنّكم إليه راجعون...". ثمّ يتطرّق الإمام عليه السلام إلى العقائد الإسلامية ويوّجه الناس إلى ضرورة فهم الإسلام الصحيح. وهذا يدلّ على أنّهم لا يعرفون الإسلام الصحيح، يريد بذلك إيقاظهم من غفلة الجهل إلى معرفة الإسلام وتعاليمه.

كيف مثلاً يستفيد الإمام السجاد عليه السلام من أسلوبه الجذّاب، حيث يقول: "ألا وإنّ أوّل ما يسألانك عن ربّك الّذي كنت تعبده" ويمضي على هذا المنوال ناصحاً، ويخوّف من ذلك الوقت الّذي يوضع المرء في قبره ويأتي منكر ونكير لمساءلته. وبهذا يريد أن يوقظ فيهم الدافع لمعرفة الله وفهم التوحيد، "وعن نبيّك الّذي أُرسل إليك"، ثمّ الدافع لفهم النبوة، "وعن دينك الّذي كنت تدين به، وعن كتابك الّذي كنت تتلوه...".

وأثناء عرضه لهذه العقائد الأصيلة وهذه المطالب الأساس للإسلام، كالتوحيد والنبوّة والقرآن والدين، يبيّن هذه النقطة الأساس بقوله عليه السلام : "وعن إمامك الّذي كنت تتوّلاه"7، فهو هنا يطرح موضوع الإمامة. وقضيّة الإمامة عند الأئمّة تعني قضية الحكومة أيضاً، إذ لا يوجد فرق بين الولاية والإمامة على لسان الأئمّة عليهم السلام . وإن كان للوليّ والإمام معانٍ مختلفة عند بعض الناس ولكن هاتين القضيّتين - الولاية والإمامة - على لسان الأئمّة أمرٌ واحدٌ والمراد منهما واحد. وكلمة "الإمام" المقصودة هنا تعني ذلك الإنسان المتكفّل بإرشاد الناس وهدايتهم من الناحية الدينية، وأيضاً المتكفّل بإدارة أمور حياتهم من الناحية الدنيوية، أي خليفة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الإمام هو قائد المجتمع، أي ذلك الإنسان الّذي نتعلّم منه ديننا وتكون بيده أيضاً إدارة دنيانا، بحيث تكون إطاعته في أمور الدين وأمور الدنيا واجبة علينا.

في عالم التشيّع تعرّضت هذه القضيّة (دور الإمام) إلى فهمٍ خاطئ طيلة قرون متتالية. ففي السابق كان الناس يتصوّرون أنّ الإمام يتفرّد بحكم المجتمع، وهو الّذي ينبغي أن يدير أمور الحياة بيده وبجهده الذاتي: فيحارب ويصالح ويعمل وينفّذ كلّ طلب بنفسه؛ فهو يأمر الناس وينهاهم من جهة، وفي نفس الوقت هو الّذي ينفّذ هذه الأمور وحده لإصلاح دينهم! واليوم أيضاً تعرّضت هذه القضيّة للفهم الخاطئ بحيث أصبحنا نعتبر أنّ الإمام في عصر الغيبة ليس إلاّ عالماً دينياً، وهذا بالطبع تصوّرٌ خاطئ. لفظة "الإمام" تعني المتقدّم والقائد. فالإمام الصادق عليه السلام عندما كان يخاطب الناس في منى أو عرفات بقوله: "أيّها الناس إنّ رسول الله كان الإمام"، كان يشير إلى أنّ الإمام هو الّذي يتوّلى أمور الناس الدينية والدنيوية.

في المجتمع الإسلاميّ أيّام حكم عبد الملك بن مروان وفي عصر الإمام السجّاد عليه السلام كان هذا المعنى يُفهم فهماً خاطئاً. لأنّ إمامة المجتمع، وهي إدارة شؤون حياة الناس وبسط نظام العيش الّذي يمثّل قسماً مهماً من الإمامة، قد سلبت من أهلها وأعطيت إلى من لا أهليّة لهم بها، حيث كانوا يلقّبون أنفسهم بالأئمّة ويعرفهم الناس بذلك. فالناس كانوا يُطلقون لقب الإمام على عبد الملك بن مروان، ومن قبله أبيه وقبلهما يزيد وغيره. وقد قبلوهم على أساس أنّهم قادة المجتمع والحكّام على النظام الاجتماعيّ للناس. وقد ترسّخ ذلك في أذهان الناس.

وهكذا عندما كان الإمام السجّاد عليه السلام يقول إنّك ستُسأل عن إمامك في القبر، كان يشير إلى أنّك هل انتخبت الإمام المناسب والصحيح؟ وهل أنّ ذلك الشخص الّذي كان يحكمك، ويقود المجتمع الّذي تعيش فيه هو حقّاً إمام؟ وهل هو ممّن رضي الله عنه؟ لقد كان الإمام بهذا الكلام يوقظ الناس ليجعل هذه القضيّة حسّاسة في نفوسهم.

بهذه الطريقة كان الإمام يحيي قضيّة الإمامة. ففي حين أنّ الجهاز الأمويّ الحاكم لم يكن يرضى بأن يتمّ الحديث عنها، استخدم الإمام أسلوب الموعظة.(كانت هذه من إحدى الوسائل الهادئة الّتي استخدمها الإمام في هذا المجال، وسوف نشير لاحقاً إلى أساليب أكثر تشدّداً).

بناءً على هذا، ففي البيان العام الموجّه إلى عامّة الناس نجد أنّ إمامنا، وبلغة الموعظة، يحيي المعارف الإسلاميّة، وخاصّة تلك المعارف الحسّاسة في ذهن الناس، ويسعى لأجل أن يتعرّف الناس إليها ويتذكّروها. ويمكن الالتفات في هذا النوع من الخطاب إلى نقطتين اثنتين:

الأولى: أنّ هذا الأسلوب البيانيّ للإمام لم يكن تعليمياً، بل هو من نوع التذكير. أي أنّ الإمام لم يكن يجلس ليبيّن للنّاس دقائق التوحيد، أو ليفسّر لهم مسألة النبوّة، وإنّما يذكّرهم بها. لماذا؟ لأنّ المجتمع الّذي كان يعيش فيه الإمام السجاد عليه السلام لم تكن تفصله عن مرحلة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مسافة زمنية كبيرة حتّى ينحرف كلياً عن العقائد الإسلاميّة. بل كان هناك الكثير من الأشخاص الّذين عايشوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومرّت عليهم مرحلة الخلفاء الراشدين، وقد عاصروا أئمّتنا العظام من أمير المؤمنين عليه السلام إلى الإمام الحسن عليه السلام وإلى الإمام الحسين عليه السلام . ومن الناحية الاجتماعيّة لم يكن الوضع قد وصل إلى مرحلة يعاني فيها المجتمع الإسلاميّ من الانحراف العقائديّ والأصوليّ بالنسبة لمسألة التوحيد والنبوّة والمعاد والقرآن. نعم، كانت هذه المسائل تدريجيّاً تخرج من ذاكرتهم، وكانت الحياة المادّية تحيط بهم إلى درجة تنسيهم الفكر الإسلاميّ والعقيدة الإلهيّة.

كانت الحياة الدنيوية والمادية تسري في المجتمع بحيث لا تُبقي في أذهان الناس أيّ توجّه للمسابقة في مضمار المعنويات والخيرات. وإذا وُجد هذا الأمر فإنّه لم يكن ليتعدّى القشور والسطوح. أمّا بالنسبة للمفهوم الّذي كان النّاس يحملونه، في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعصر المتّصل به، عن التوحيد والحساسيّة المتميّزة تجاهه، فقد كانوا يفتقدونه في عصر الإمام. وهذا ما كان يستدعي التذكير حتّى يرجع الأمر إلى سابق عهده، لا أنّ هناك أشياء محرّفة ينبغي أن تصحّح.

وهذا بخلاف المراحل اللاحقة، كمرحلة الإمام الصادق عليه السلام ، لأنّ المسألة حينها لم تكن بهذا الشكل. فقد ظهر في ذلك الوقت الكثير من المتكلّمين والمتفلسفين والمفكّرين، وتحت عناوين متعدّدة كانوا يجلسون في المساجد الكبرى، مثل مسجد المدينة وحتّى المسجد الحرام ومسجد الشام، ويدرّسون العقائد المنحرفة والباطلة. لقد برز حينها أناس مثل "ابن أبي العوجاء" يدرّسون عقائد الزنادقة والإلحاد. لهذا، بالتأمّل بأحاديث وكلمات الإمام الصادق عليه السلام نجد بيان التوحيد والنبوّة وأمثالها بصورة استدلالية8. فالحاجة إلى الاستدلال ضرورية لمواجهة استدلال الخصم، وهذا ما لا نجده في كلمات الإمام السجّاد عليه السلام ، الّتي كانت تعتمد على الحالة الشعوريّة والوجدانيّة الّتي تذكّر بالقضايا الأساس.

وباختصار، لم يكن عصر الإمام السجّاد عليه السلام يحكي عن خروج عن الفكر الإسلاميّ، حتّى عند الحكّام، إلّا في بعض الموارد الّتي يظهر فيها مثل هذا الأمر. وذلك عندما أُلقى يزيد اللعين تلك الأبيات الشعرية في حالة السكر عندما أُحضر أسرى أهل البيت عليهم السلام فقال:
لعبت هاشم بالملك فلا***خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل9.

ولكنّنا نستطيع أن نقول إنّ هذا الكلام كان تحت تأثير السكر. فحتّى أمثال عبد الملك أو الحجّاج لم يكونوا يجرؤون على إعلان مخالفتهم لفكرة التوحيد أو النبوّة. لقد كان عبد الملك بن مروان يقرأ القرآن إلى درجة أنّه عُرف كأحد قرّاء القرآن. ثمّ عندما وصل إليه خبر تنصيبه خليفة قبّل القرآن وقال: "هذا فراقٌ بيني وبينك"، إنّ هذا ما حدث فعلاً. والحجّاج بن يوسف الّذي سمعتم عن ظلمه (وباليقين إنّ الّذي سمعتموه هو أقلّ بكثير ممّا فعله) كان عندما يخطب في الناس يأمرهم بالتقوى. وهكذا نفهم سبب اعتماد الإمام السجّاد عليه السلام على التذكير بالأفكار الإسلامية لإخراج الناس من مستنقع الدنيا والأهواء المادّية إلى ساحة معرفة الله والدين والقرآن.

الثانية: وهي ما أشرنا إليه سابقاً، من أنّ الإمام كان يأتي على ذكر مسألة الإمامة من خلال بيانه العامّ الّذي اتّخذ أسلوب الموعظة والإرشاد، وعندما كان بعض الناس يتحدّث إليكم ويذكّركم قائلاً: أيّها الناس فكّروا بالله، وبالتوحيد والنبوّة وبقضيّة الحكومة... أما إذا جاء ذلك بلغة الوعظ وعلى لسان رجل زاهد وعابد فإنّه يمكن أن يُقبل، وبتعبير آخر لن يثير الحساسيّات. هذا نوع من بيانات الإمام السجّاد عليه السلام .(مجلة باسدار إسلام، 9).

تحذير الخواص من الدنيا والرفاهية

أمّا النّوع الثاني فهو ذلك الخطاب الموجّه إلى مجموعة خاصّة لا تعرف هويّتها. ولكن من الواضح أنّه كان موجّهاً إلى مجموعة من الّذين يخالفون النظام الحاكم. فمن يمكن أن يكون هؤلاء؟ هذه الخطابات وإن لم يُعلم منها بالتحديد من هي تلك الفئة المخاطبة، ولكن من الواضح أنّها لفئة مخالفة للنظام الحاكم، وأفرادها هم في الواقع من أتباع الإمام عليه السلام ومن المعتقدين بحكومة أهل البيت عليهم السلام .

ولحسن الحظّ أنّنا نجد في كتاب تحف العقول نموذجاً لهذا النوع من الكلمات الصادرة عن الإمام السجّاد عليه السلام (وذلك لأنّنا لا نجد في غيره من الكتب موارد أخرى من هذا النوع بالرغم من أنّ هناك الكثير في حياة الإمام السجّاد عليه السلام ، ولكن على أثر الحوادث المختلفة الّتي جرت في ذلك العصر من القمع والتنكيل والاضطهاد وقتل الأصحاب زالت تلك الآثار وبقي القليل منها).

يبدأ الخطاب التابع لهذا النّوع الثاني هكذا: "كفانا الله وإيّاكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش الجبّارين". ويعلم من هذا البيان أنّ الإمام والجمع الحاضر مهدّدون من قبل السلطات الحاكمة، وأنّ المسألة ترتبط بمجموعة خاصّة: المؤمنين بأهل البيت عليهم السلام ، ولذلك جاء الخطاب بصيغة "يا أيّها المؤمنون"، خلافاً للنوع الأوّل حيث يستعمل "يا أيّها الناس" أو "يا ابن آدم"، وذلك لأنّ الخطاب موجّه إلى المؤمنين في الحقيقة بأهل البيت وأفكار أهل البيت عليهم السلام .

والدليل الآخر الواضح جدّاً عندما يقول عليه السلام : "أيّها المؤمنون لا يفتنّنكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في الدنيا، المائلون إليها المفتونون بها، المقبلون عليها"10.

فالمقصد الأصليّ من الكلام هو حفظ هؤلاء المؤمنين وبناء الكادر اللازم للمستقبل. ومن الواضح أنّه على أثر الصراع الشديد في الخفاء ما بين أتباع الأئمّة عليهم السلام وأتباع الطواغيت، فإنّ أتباع الأئمّة عانوا من الحرمان الكبير والخطر الأكبر الّذي يهدّد المجاهدين هو أن يتوجّهوا إلى الرفاهية، هذه الرفاهية الّتي لن تجرّهم إلاّ إلى ترك الجهاد.

لقد كان الإمام عليه السلام يؤكّد كثيراً على هذه النقطة، ويحذّر الناس من الرفاهيات في هذه الدنيا المتلألئة الكاذبة الخدّاعة الّتي لن تؤدّي إلّا إلى التقرّب من الطواغيت. لهذا نجد في هذا البيان، وفي العديد من كلمات الإمام السجاد عليه السلام ، وفي الروايات القصيرة الّتي نُقلت عنه، تأكيداً على هذا الأمر.

ماذا يعني التحذير من الدنيا؟ يعني حفظ الناس من الانجذاب نحو المترفين والإيمان بهم وتمييزهم بحيث تقلّ حدّة مواجهة الناس لهم. وهذا النوع من الخطابات موجّه للمؤمنين، أمّا في الخطاب المتوجّه إلى عامّة الناس، فقليلاً ما نجد مثل هذا النوع. ففي خطاب عامّة الناس، كثيراً ما يظهر: أيها الناس التفتوا إلى الله، إلى القبر والقيامة، إلى أنفسكم والغد. فما هو هدف الإمام عليه السلام من هذا النوع الثاني من الخطاب؟ المقصود هو بناء الكادر.

فهو عليه السلام يريد أن يصنع من المؤمنين كوادر ملائمة للمرحلة، ولهذا يحذّرهم من الانجذاب نحو أقطاب القدرة والرفاهية الكاذبة. ويكرّر ذكر النظام الحاكم خلافاً للنوع الأوّل من الكلمات، كما يقول مثلاً: "وإنّ الأمور الواردة عليكم في كلّ يوم وليلة من مظلمات الفتن وحوادث البدع وسنن الجور وبوائق الزمان وهيبة السلطان ووسوسة الشيطان"11.

وهنا نجد أنّ الإمام مباشرة بعد ذكر هيبة السلطان وقدرته يذكر وسوسة الشيطان، يريد بذلك أن يلفت، وبكلّ صراحة، النظرَ إلى حاكم ذلك الزمان ويضعه إلى جانب الشيطان. وفي تتمّة الكلام جملة لافتة جداً ولأنّها مهمّة جدّاً أنقلها وهي تحكي عن مطلب ذكرته سابقاً: "لتثبّط القلوب عن تنبهها وتذهلها عن موجود الهدى ومعرفة أهل الحق"12. تلك الهداية الموجودة الآن في المجتمع. فهذه الأحداث الّتي ترد على الإنسان في حياته في الليل والنهار - في عصر القمع - تمنع القلوب من تلك النيّة والتوجّه والدافع والنشاط المطلوب للجهاد.

فالإمام السجّاد عليه السلام يعظهم بنفس الأسلوب السابق، "وإيّاكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين" فهو يحذّرهم من مجالسة أهل المعاصي. من هم أهل المعاصي؟ أولئك الذين جُذبوا لنظام عبد الملك الظالم. الآن، حاولوا أن تتصوّروا شخصية الإمام السجّاد وأن تكوّنوا تصوّراً عنه13 عليه السلام . هل ما زال ذلك الإمام المظلوم الصامت المريض الّذي لا شأن له بالحياة؟ كلّا، فالإمام هو الّذي كان يدعو مجموعة من المؤمنين والأصحاب ويحذّرهم، بهذه الصّورة الّتي ذكرناها من التقرّب إلى الظلَمة ونسيان المجاهدة، ويمنعهم من الانحراف عن هذا الطريق، وكان يحفزهم ويشحنهم بالنشاط، ويدفعهم من أجل أن يكونوا مؤثّرين في إيجاد الحكومة الإسلاميّة.

من جملة الأشياء الّتي أراها جليّة وشديدة الأهميّة في هذا القسم من كلمات الإمام السّجاد عليه السلام ، تلك الكلمات الّتي يذكّر فيها بتجارب أهل البيت عليهم السلام الماضية. ففي هذا القسم يشير الإمام عليه السلام إلى تلك الأيّام الّتي مرّت على الناس من قبل الحكّام الجائرين، مثل معاوية ويزيد ومروان، ووقائع مثل الحرّة وعاشوراء، وشهادة حجر بن عديّ ورشيد الهجريّ، وعشرات الحوادث المهمّة والمعروفة والّتي مرّت على أتباع أهل البيت طيلة الأزمان الماضية واستقرّت في أذهانهم. ويريد الإمام عليه السلام أن يحثّ أولئك المخاطبين من خلال ذكر تلك الحوادث الشديدة، على التحرّك والثورة. والتفتوا الآن إلى هذه الجملة: "فقد لعمري استدبرتم من الأمور الماضية في الأيّام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيها ما تستدلّون به على تجنّب الغواة"14.

أي أنّكم تستحضرون تلك التجارب وتعلمون ماذا سيفعل بكم أهل البغي والفساد - وهم حكّام الجور - عندما يتسلّطون عليكم. ولذلك يجب عليكم أن تتجنّبوهم وتواجهوهم. وفي هذا الخطاب يطرح الإمام مسألة الإمامة بصورة صريحة، أي قضيّة الخلافة والولاية على المسلمين والحكومة على الناس وإدارة النظام الإسلاميّ. هنا يبيّن الإمام السجّاد عليه السلام قضية الإمامة بالصراحة، في حين أنّه في ذلك الزمن لم يمكن يطرح مثل هذه المطالب على العامّة. ثم يقول عليه السلام : "فقدّموا أمر الله وطاعته وطاعة من أوجب الله طاعته".

وهنا يعيّن الإمام فلسفة الإمامة عند الشيعة والإنسان الّذي يجب أن يُطاع بعد الله. ولو فكّر الناس في ذلك الوقت بهذه المسألة لعلموا بوضوح أنّه لا يجب طاعة عبد الملك. لأنّه من غير الجائز أن يوجب الله طاعة عبد الملك. ذلك الحاكم الجائر بكلّ فساده وبغيه. وبعد أن يقدّم الإمام هذه المسألة يتعرّض لرد 2013-04-01