المغترب والدولة والمصارف
فقه المغترب
من المسؤوليات الجسام على المغترب في بلاد الاغتراب، أن يقدم النموذج المحترم عن الإنسان المسلم الملتزم من خلال التزامه الكامل بمقررات الدولة من الأنظمة...
عدد الزوار: 163
مسؤولية المغترب تجاه الدولة
من المسؤوليات الجسام على المغترب في بلاد الاغتراب، أن يقدم النموذج المحترم عن
الإنسان المسلم الملتزم من خلال التزامه الكامل بمقررات الدولة من الأنظمة المدنية، واحترامه
لأمواله، والتزامه _ أيضا _ بدفع الرسوم المستحقة عليه للدولة والبلدية
التابعة لها وسنيين حكم ذلك كله فيما يلي:
الرسوم
يجب على المسلم وجوبا شرعيا أن يلتزم بدفع كل الرسوم على ما استفاد به من شركة
المياه أو الكهرباء والهاتف، ولا يجوز له التهرب بحال من الأحوال.
ولا يجوز للمغترب التهرب من الدفع أو البلدية ما استحق عليه من جراء استفادته من
تقديماتهم، بحجة أن الدولة هناك غير إسلامية فإن الحكم الشرعي في ذلك هو الحرمة
أيضا فالوظيفة الشرعية هنا كالتالي:
يجب على كل من استفاد من الماء والكهرباء من مشروع المياه والكهرباء الحكومي دفع
أجورها إلى الدولة وإن كانت غير إسلامية1.
ولا يصح للمكلف أن يحدد بنفسه ما تستحقه الدولة على ما تقدمه من الخدمات للمواطنين
فإن رسوم البلدية والضرائب الرسمية يجب أن تدفع وفقا لمقررات الدولة2، ولا وفقا لما يراه المستفيد منهما.
أموال الدولة وأملاكها
تمتلك الدولة الكثيرة من المرافق في البلدان، كالهواتف العامة، ومواقف حافلات
النقل العامة، والمطارات والأنفاق والقطارات، والكثير من الأمور الأخرى فكيف يتصرف
الإنسان المؤمن مع هذه الأملاك الأخرى فكيف يتصرف الإنسان المؤمن مع هذه الأملاك
والأماكن العامة؟ وهل تمتلك الدولة هذه الأماكن على نحو الملك المعلوم مالكه كملك
إنسان ما لبيته مثلا فليزم الإذن فيه؟
الجواب: نعم، فأموال الدولة، ولو كانت غير إسلامية، تعتبر شرعا ملكا للدولة، ويتعامل معها معاملة الملك المعلوم مالكه، ويتوقف جواز التصرف فيها على إذن المسؤول
الذي بيده أمر التصرف في هذه الأموال3.
وعلى هذا فيكون أي تصرف من المسلم في هذه الأماكن تصرفا شخصيا بمال الغير، ولو تلف
فعليه أن يضمنه، فلا فرق في وجوب احترام مال الغير، وفي حرمة التصرف فيه بغير إذنه
بين أملاك الأشخاص وبين أملاك الدولة. مسلمة كانت أو غير مسلمة، وبين أن يكون ذلك
في بلاد الكفر أو في البلاد الإسلامية، ولا بين كون المالك مسلما أو كافرا وبشكل
عام تكون الاستفادة والتصرف غير الجائز شرعا في أموال وأملاك الغير غصبا وحراما
وموجبا للضمان4.
القضاء في دول الاغتراب
يشترط في القاضي الشرعي الذي يجوز الترافع إليه في القضايا الخلافية أن يكون عادلا
وفقيها وغيرها من الصفات، ولكن هل تختلف المسألة بالنسبة للمغترب إذا اضطر للترافع
إلى القضاء، كأن ظلمه أحد حقه أو اعتدى على ماله أو عرضه أو غيرها من الأمور
المحرجة أو المضرة؟ فهل يجوز للمغترب الترافع إلى القضاة الأجانب ( أي غير المسلمين
)، والمعينين من قبل حكوماتهم؟
في الأصل لا يجوز الترافع إلى غير القضاء الإسلامي ولكن إذا اضطر بحيث لم يستطع
تحصيل حقه إلا بهذه الطريقة فحينئذ يجوز له ذلك.
وإذا ترافع إليهم (لغير ضرورة) كان عاصيا وما أخذ بحكمهم حرام وإذا كان دينا في
الذمة، أما إذا كان عينا مشخّصة كسيادة محددة مثلا فالإمام الخميني قدس سره قد
استشكل في أخذها أيضا5.
المغترب والبنوك
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم:"شر المكاسب كسب الرب"6.
إن الربا من الأمور المحرمة التي لا خلاف في حرمتها بين أحد من المسلمين وبتحريمها
أتى كتاب ربّ العالمين حيث قال تعالى: ﴿الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ
الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ
الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ
مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ
فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون﴾7.
ويعتبر الربا فضلا عن كونه من المعاصي العظيمة، من الآفات الاجتماعية الخطيرة التي
تؤدي بالمجتمعات إلى الكسل والخمول والبعد عن التكسب والمكاسب المشروعة كالتجارات،
ففي الرواية: سأل أحدهم الإمام الصادق عليه السلام عن على تحريم الربا؟ فقال: "انه
لو كان الربا حلالا لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه فحرم الله الربا لتنفر
الناس من الحرام إلى الحلال وإلى التجارات من البيع والشراء"8.
وأكثر ما يكون الربا في هذه الأيام في القرض ولا سيما في القروض البنكية أو
المصرفية، وهذه المسألة من المسائل التي يبتلى بها المغترب في كثير من الأحيان.
هل تصحّ معاملة الربا؟
أصل الاقتراض ولو كان من البنك الحكومي يصح وضعا (بمعنى أن المعاملة صحيحة غير
باطلة) حتى وإن كان ربوي، إلا أنه إذا كان من المسلم أو من غيره أو من الدولة
المسلمة أو غير المسلمة، إلا إذا كان مضطرا إليه إلى حد يجوز معه ارتكاب الحرام،
(وهذه حالات نادرة) مع قصد الرب، ولكن له التخلص من الحرام بعدم قصد دفع الزيادة
وإن كان يعلم أنهم يأخذونها منه...9.
وهناك حكم للمصارف والأجنبية (أي: التي لا يكون أصحابها من المسلمين)، فيجوز للمسلم
أخذ الفائدة من غير المسلم حتى ولو كان مع اشتراط الفائدة عليه10.
* فقه المغترب، سلسلة الفقه الموضوعي، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- أجوبة الاستفتاءات
طبعة الدار الإسلامية ج2 ص 334.
2- أجوبة الاستفتاءات طبعة الدار الإسلامية ج2 ص334.
3- أجوبة الاستفتاءات طبعة الدار الإسلامية ج2 ص322.
4- أجوبة الاستفتاءات طبعة الدار الإسلامية ج2 ص322، 323.
5- تحرير الوسيلة، السيد الخميني ج2 ص405.
6- وسائل الشيعة ( آل البيت ) الحر العاملي ج81 ص122.
7- سورة البقرة الآية 275.
8- وسائل الشيعة ( آل البيت ) الحر العاملي ج81 ص120.
9- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج2 ص 307.
10- أجوبة الاستفتاءات السيد علي الخامنئي ج2 ص309.