المعاد
زاد المغترب
وهو الأصل الخامس من أصول الدين، وقد دعا إليه كل الأنبياء واتفقت عليه جميع الأديان السماوية، وكثرت الايات القرانية المتعرضة للمعاد وتفاصيله، وقد ورد ذكر المعاد ضمن اياته الكريمة إشارة أو تصريحاً ضمن أكثر من ألفي اية...
عدد الزوار: 153
وهو الأصل الخامس من أصول الدين، وقد دعا إليه كل الأنبياء واتفقت عليه جميع
الأديان السماوية، وكثرت الايات القرانية المتعرضة للمعاد وتفاصيله، وقد ورد ذكر
المعاد ضمن اياته الكريمة إشارة أو تصريحاً ضمن أكثر من ألفي اية كما ذكر العلامة
الطباطبائي قدس سره.
وقد أطلق القران الكريم على المعاد أسماء كثيرة، مثل: يوم القيامة، يوم الحساب،
اليوم الاخر، يوم البعث وغير ذلك من عشرات الاسماء.
فحياة الانسان لا تنتهي بالموت، بل هناك عالم اخر وأرحب لا يقاس بهذه الحياة
الدنيا، وسيقف الإنسان ليرى أعماله خيرها وشرّها، قال الله تعالى: ﴿فَمَن
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرًّا يَرَه﴾1
.
معنى المعاد
وهو في الأصل بمعنى العود والرجوع، يُقال: هذا وقت معاده أي وقت عوده ورجوعه، ونقصد
به هنا، إعادة الانسان بروحه وجسده، وبعثه من جديد يوم القيامة للحساب والجزاء.
الأدلة على المعاد
يمكن إقامة عدة أدلة لإثبات المعاد، نعرض منها، إثنين:
الدليل الأول: إنَّ الله سبحانه وتعالى خلق الانسان على أفضل صورة وأحسن تقويم،
وكلما إزداد العلماء تحقيقاً وصلوا الى مزيدٍ من أسراره وعجائب خلقه، سواء في قواه
المعنوية من عقل وإدراك وغيرهما، أو في قواه المادية والبدنية، وسخر له كل هذا
الكون بهوائه ومائه وترابه ونباته وحيواناته وشمسه وقمره ونجومه، كل ذلك ليواصل
حياته.
وهنا يرد الى أذهاننا سؤال، ما هو الهدف من خلق الإنسان؟ وما هو هدف هذه السنين
المحدودة التي يعيشها الإنسان؟ هل ستكون بلا هدف وبمجرد موته ينتهي كل شيء؟ إن كان
الموت هو النهاية فهذا يعني أن خلقنا في الحياة الدنيا فقط لغو وعبث، والحكيم لا
يفعل اللغو والعبث، تعالى عن ذلك علواً كبيراً. وعليه، فإنَّ حياة الانسان لا تنحصر في العيش القصير ضمن هذا العالم ليفنى بالموت
ويطوي سجل حياته نهائياً، بل خُلِق لعالم اخر أبدي، وانما العيش في هذه الدنيا بهدف
أن يربّي الانسان نفسه بالايمان والعمل الصالح والأخلاق الحسنة، يقول تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ
أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُون﴾2
.
الدليل الثاني: بعض أفراد البشر مؤمنون صالحون، أبرار طيّبون يؤدون واجباتهم ولا
يظلمون، ويتصفون بصفات الصلاح والورع، كذلك يُوجد فريق اخر من الناس جاحدون، يقصرون
في أداء واجباتهم، ظالمون معتدون، ويتصفون بصفات السوء والفجور، وهذان القسمان من
الناس غالباً ما لايرون جزاءهم على أعمالهم الحسنة أو السيئة في هذه الدنيا.
كذلك هناك أشخاص يقضون حياتهم في طريق العدالة والخير والطاعة لله عزوجل، ويعيشون
العسر والمشقة والتعب والنصب ثم يرحلون عن هذه الدنيا من دون أن يروا ثواب أعمالهم
بصورة كاملة، بل رب أشخاص قدّموا الغالي والنفيس وبالغوا في محاربة الظلم والظالمين
وتحقيق العدالة وجاهدوا في سبيل الله عزوجل وبذلوا النفس في هذا الطريق المقدّس،
ونالوا الشهادة دون أن يحصلوا في هذا العالم على فائدة تعود اليهم، كما يُوجد أشخاص
يقضون حياتهم في طريق الظلم والشر والمعصية لله سبحانه وتعالى، ثم يغادرون هذه
الدنيا دون أن يلقوا نتائج ما أقترفت أيديهم بصورة تامة.
وهنا يأتي السؤال، هل يقبل العقل أن يكون هذا المحسن وذلك المسيء بمنزلة سواء؟
وإذا لم يكن هناك عالم أخروي ومعاد وحساب، فعلى أي أساس يدعو الانبياء الناس الى
الخير والطاعة،ويحذرونهم الفساد والمعصية؟
إنَّ من العدل الإلهي أن يُثاب المحسن، ويُعاقب المسيء بحسب ما يستحق، ولهذا لا
بد من وجود عالم اخر يتحقق فيه العدل الإلهي الكامل فيُثاب المحسن، ويُعاقب المسيء
بحسب ما يستحق، وهذا العالم هو عالم الاخرة الذي يتميز فيه المحسنون عن المسيئين
والمطيعون عن العاصين، فيفوز الابرار المحسنون بالجنة، وينالون ثواب أعمالهم
ويعيشون في تلك الدار الأبدية في جوار الأنبياء والأئمة والصالحين وحسن أولئك
رفيقاً. وأما المسيئون الظالمون فيدخلون نار جهنم، ويلاقون أعمالهم السيئة، وبئس
الورد المورود.
وقد أرشد القران الكريم إلى هذا الدليل، يقول تعالى: ﴿أَمْ
نَجْعَلُ الَّذِينَ امَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي
الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾.
ويقول سبحانه: ﴿إِلَيْهِ
مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ
يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ امَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَاب مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُواْ
يَكْفُرُونَ﴾.
الموت
مِن طلائع العالم الاخر وبداياته، هو الموت، فما هي حقيقته؟ وهل هو بداية أو نهاية؟
وهل ما بعده مرحلة واحدة أو مراحل متعددة؟
حقيقة الموت
ليس الموت زوالاً وانعداماً لحياة الانسان، بل جسر للعبور الى الحياة الدائمة
الابدية، ومفارقة الروح للبدن، والموت أمر حتمي سيصيب كل إنسان بل كل نفس، يقول
تعالى: ﴿كُلُّ
نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ وبعده ينتقل الى عالم اخر، فيلاقي الانسان أعماله إن
خيراً فخير إن شراً فشر، فإما أن يعيش في نعيم دائم أو يبقى في جحيم مستمر.
ومن الكلمات المنقولة عن الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء: صبرا بني الكرام فما
الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة،
فأيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟، وما هو لأعدائكم إلا كمن ينتقل من قصر إلى
سجن وعذاب. إن أبي حدثني، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن الدنيا سجن المؤمن
وجنة الكافر والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم، ما كذبت ولا كذبت
3 .
الموت بداية البرزخ
والموت هو نهاية هذه الحياة الدنيا وبداية عالم جديد، يسمى بالبرزخ، والبرزخ في أصل
اللغة، هو الحاجز أو الحائل بين شيئين، ونقصد به هو العالم الذي يتوسط بين الدنيا
وعالم الاخرة، وتبق الأرواح في عالم البرزخ حتى يوم القيامة.
قال تعالى: ﴿حَتَّى
إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ
صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَة هُوَ قَائِلُهَا وَمِن
وَرَائِهِم بَرْزَخ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون﴾
4 ، هذه الاية القرانية المباركة تحكي عن وجود حياة برزخية مخفية
للمشركين.
ويصف القران الكريم في اية أخرى حياة برزخية سعيدة لبعض المؤمنين من الشهداء بقوله
تعالى: ﴿فَرِحِينَ
بِمَا اتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ
يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْف عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ
يَحْزَنُونَ﴾5
.
السؤال في القبر
عندما يودع بدن الإنسان في القبر، يأتي إليه ملائكة الرب فيسألونه عن عقائده من
التوحيد والنبوة وغيرهما، ومن الواضح أن إجابة المؤمن ستختلف عن إجابة الكافر، لأنه
في دار صدق لا غش ولا كذب فيه، فمن أجاب بالصواب فاز بروح وريحان في قبره، وبجنة
النعيم في الاخرة، ومن لم يجب بالصواب فله نُزُل من حميم في قبره، وتصلية جحيم في
الاخرة، وبالتالي يكون عالم البرزخ مظهرا من مظاهر الرحمة للمؤمن، أو مصدرا من
مصادر النقمة والعذاب للكافر. ويبقى الانسان في هذا العالم حتى تقوم الساعة.
يوم القيامة
ولقد تحدث القران الكريم بإسهاب وفي ايات عديدة حول علائم يوم القيامة من انهدام
النظام الكوني وتلاشيه وتكوير الشمس والقمر، وانكدار النجوم، وتناثرها، وتفجير
البحار وتسجيرها، وتسيير الجبال، وغيرها من الحوادث التي ملخصها هو اندثار النظام
السائد فعلا، وظهور نظام جديد، وهو في حقيقته تجلٍّ للقدرة الإلهية التامة، يقول
تعالى: ﴿يَوْمَ
تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ
الْقَهَّارَ﴾
6 .
وبعد بروز الخلائق أجمعين يُنفخ في الصور مرتين، مرة يموت فيها كل حي الا من شاء
الله، وأخرى يتم فيها إحياء الموتى، يقول تعالى: ﴿وَنُفِخَ
فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء
اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَام يَنظُرُونَ﴾
7 .
وتبدأ المحكمة الإلهية بمحاسبة الناس على أعمالهم، وتبرز صحائف الاعمال والشهود من
داخل الإنسان وخارجه تشهد يوم القيامة على أعماله التي عملها في الدنيا، يقول عز
وجل: ﴿وَنَضَعُ
الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا
وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا
حَاسِبِينَ﴾،
وبعد الشفاعة وتميز الجمعان أهل الجنة وأهل النار يعطي الله سبحانه وتعالى لواء بيد
النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله يسمى "لواء الحمد" فيتحرك أمام أهل الجنة،
إلى الجنة، ويشرب المؤمنون من حوض الكوثر بأيدي النبي الأكرم وأهل بيته عليه السلام
.
وفقنا الله وإياكم للعقائد الحقة والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة لنرزق السعادة
في الدارين، والشرب من معين الكوثر بأيدي محمد واله الطاهرين المعصومين عليه السلام
.
*زاد المغترب, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- سورة الزلزلة،
الاية: 7و8.
2- سورة المؤمنون، الاية: 115.
3- بحار الأنوار العلامة المجلسي ج 44 ص 297.
4- سورة المؤمنون، الايتان: 99 100.
5- سورة ال عمران، الاية: 170.
6- سورة ابراهيم، الآية 48.
7- سورة الزمر، الاية68.