يتم التحميل...

وحدة وانسجام جميع المراكز الثورية

الإمام الخميني(قدس سره)

على الرغم من تلاحم مختلف شرائح الشعب الإيراني، وتزايد نشاط مراكز التوعية ومعاقل الثورة في المساجد والجامعات، ولكن كان ثمة خطر يحتمل أن يتسبب في ايجاد خلل في مسيرة الثورة الإسلامية، ويتلخص في الازدواجية في إبلاغ نداءات الثورة.

عدد الزوار: 203

على الرغم من تلاحم مختلف شرائح الشعب الإيراني، وتزايد نشاط مراكز التوعية ومعاقل الثورة في المساجد والجامعات، ولكن كان ثمة خطر يحتمل أن يتسبب في ايجاد خلل في مسيرة الثورة الإسلامية، ويتلخص في الازدواجية في إبلاغ نداءات الثورة. إلا إنه وعلى الرغم من العراقيل والمؤامرات التي دأب على وضعها عملاء النظام وذيول الاستكبار، فقد أحبط هذه المحاولة أيضاً بفضل وعي الشعب ويقظة علماء لدين. وكان ثمة نداء واحد يتناهى إلى الأسماع من جميع المراكز، وكانت وحدة النداء هذه قد قضت على خطر الازدواجية في القيادة، وعلى مؤامرة إثارة البلبلة في الضمير الثوري للشعب. وقد أدى التنسيق بين المراكز الثورية أفضل دور في هذا الصدد.

كان لوحدة النداء وتأثيرها البالغ في صيانة السمة الإسلامية للثورة التي كانت معرضة في كل لحظة لخطر التحريف والإساءة، وكان هذا هو أسهل وأجدى الطرق لاحباط المحاولات التي كانت ترمي بأساليب شتى إلى إخفاء وتشويه الوجه الإسلامي للثورة من قبل الفئات العميلة.

وضوح طريق المستقبل مذ بداية الحركة:

الثورة عادة تنبثق فجأة، غير أنها تنمو وتتكامل تدريجياً، ونادراً ما تجد ثورة تبلغ في مستقبلها، نفس الطريق الذي رسمته وأعلنه منذ بدايتها.
إلا أن هذه الخاصية تلاحظ في الثورة الإسلامية حيث كان مستقبل طريقها واضحاً منذ بدايته, فما ان انتصرت حتى بدأ العمل لتطبيق نفس الأهداف والخطة التي كانت تحملها شعارات الشعب وكلمات القائد.

كان الهدف الأساسي للثورة الإسلامية في الداخل إقامة الحكومة الإسلامية، وعلى صعيد السياسة العالمية والعلاقات الدولية تطبيق مبدأ لا شرقية ولا غربية، وعلى صعيد العالم الإسلامي تحقيق أهداف الوحدة الإسلامية.

ومن جملة الأهداف التي كانت تتطلع إليها الثورة الإسلامية هو الدفاع عن المستضعفين في داخل البلد، وكذلك دعم الحركات التحررية والمستضعفين في كل أرجاء العالم، ووجدت طريقها إلى حير التنفيذ، وأضحت جزءاً لا ينفصل من السياسة العامة لجمهورية إيران الإسلامية.

التفاني والشهادة:

من خصائص الثورة الإسلامية التي لا يمكن إنكارها، وهي من الخصائص ذات الجذور المتأصلة في الدين الإسلامي، هي التفاني والشهادة التي شكلت على الدوام حافزاً للجهاد. وكان الشهداء بأهدافهم الإسلامية يعكسون نهج وسمة هذه الثورة.

يعتبر التفاني في الثقافة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للإسلام رمزاً لمنتهى الورع والزهد الذي يتحلى به المؤمن، وتعبيراً عن الاتصال بالله والتمسك بالعقيدة. وذكر في القرآن الكريم كأسلوب لتمحيص صلاحية الفرد للزعامة والإمامة اختبر النبي إبراهيم عليه السلام قبل بلوغ مرتبة الإمامة بالقدرة على التضحية والتفاني. وامتدح القرآن الكريم موقف الإيثار والتفاني الذي وقفه علي و فاطمة عليها السلام بقوله: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).

لقد أعطت الشريعة الإسلامية للشهادة مرتبة رفيعة حتى جعلت سائر الأعمال الصالحة الأخرى للإنسان تقاس بها، ومنحتها قيمة تفوق كل القيم الأخرى "فوق كل ذي بر بر حتى يقتل المرء في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر".

لقد جعل الله الشهادة لصالح عباده المتحررين من قيود الدنيا والمجدين بإخلاص في طلب لقاء الله، وطريق الشهادة هو أقرب الطرق وأسرعها لمن ينشد القرب الإلهي.
لقد خلق حب الشهادة على مدى الفترة القصيرة من تاريخ الثورة، والتصدي للمؤامرات الأجنبية خاصة أثناء فترة الدفاع المقدس ضد الهجوم العسكري الاستكباري الذي قاده نظام البعث العفلقي في العراق، ملحمة رائعة في تاريخ الشعوب الحرة، وأصبحت درساً للشعوب الأخرى وللأجيال القادمة في الوقوف بوجه القوى الطامعة، وحطمت قيود الخوف والرهبة التي كانت سبباً في هيمنة تلك القوى على الشعوب المقهورة.

الدور الريادي للعلماء الثوريين:

منذ أن تبلورت صيغة المرجعية الدينية العامة قبل ما يقارب القرن صارت تحظى بمزيد من النفوذ والشعبية والمحبوبية بين الجماهير، وتهيئت لرجال الدين قوة حاسمة حتى ابان ذروة تسلطت حام الجور. ويمكن القول إن السلطة الحقيقية كانت (بالقوة) بيد العلماء المتنفذين، الذين كانوا يفرضون إرادتهم على السلطات الحاكمة متى ما شاؤوا.

ولكن لم تستغل هذه القوة كما ينبغي في الكثير من الموارد التي كان فيها العلماء يلتزمون جانب التحفظ، حتى تحول هذا التحفظ إلى خصلة تاريخية فيهم. إلا إن هذه القوة استغلت في مواقف أخرى كالفتوى التاريخية التي أصدرها الميرزا الشيرازي بتحريم التبغ، والتي كسرت ظهر الاستبداد الذي كان يمارسه ناصر الدين شاه، ووجهت ضربة قاتلة للاستعمار الإنجليزي، وأثبتت قوة الدور والنفوذ الذي يتمتع به مراجع التقليد والعلماء ورجال الدين على العموم.

كما برهنت أحداث المشروطة بدورها مدى الاقتدار السياسي الذي يحظى به العلماء في تقرير مصير البلد ومني رضا خان ـ رغم شراسته وقسوته ـ بانتكاسة مريرة في صراعه مع رجال الدين. حتى تأكدت هذه الحقيقة على المدى الطويل.

وفي أحداث تأميم النفط كانت إزاحة التيار الديني الثوري خيانة ألحقت الضرر بالبلد وبالشعب. كما أثبت انعزال التيار الليبرالي عن العلماء بعيد انتصار الثورة الإسلامية، للانتهازيين مدى القدرة المعنوية والمكانة الجماهيرية لرجال الدين.

لم يكن دور العلماء بمعزل عن المساجد في أحداث الثورة، إلا أن نفوذ وسلطة العلماء لا تنحصر في دور المساجد, مثلما لم يكن العلماء بمعزل عن القيادة, والقائد هو نفسه على رأس علماء الدين، وكان علماء الدين طوع أمر القيادة وجعلوا من أنفسهم شبكة اتصال لإبلاغ بيانات الإمام إلى أعماق المجتمع.

لقد أثبت تاريخ القرن الأخير في بلدنا، أن الشعب والبلد متى ما تعرضنا لأعاصير ومخاطر جادة كان العلماء على الدوام يتقدمون صفوف الجهاد والمواجهة، لتوعية الشعب إلى تلك المخاطر، وإنقاذ البلد من السقوط.

يمكن معاينة هذه الحقيقة عن كثب حتى في ظروف عزلة العلماء بعيداً عن الساحة السياسية، حيث كان العلماء يعودون بعد انتهاء تلك الأزمات إلى مواقعهم القديمة تاركين وراءهم ميدان السياسة.
كان من جملة المؤامرات التي استهدفت إزاحة العلماء عن ميادين السياسة ولكنها ـ ولحسن الحظ ـ أحبطت أثناء وقائع الثورة الإسلامية، هو طرح شعار "إسلام بلا علماء". وهذا وهو تكتيك لانتزاع السلاح من يد العلماء. ولم يقتص هدف المنادين بهذا الشعار على نزع السلاح من أيدي العلماء فسحب، بل كان الهدف الأساسي منه التشكيك بشرعية المؤسسات الدينية، والأهم من كل ذلك رفض قضية المعرفة العلمية المتخصصة في الشؤون الدينية، لتمهيد الطريق أمام الإدلاء بمختلف الآراء في قضايا الإسلام، ونشر الفوضى في فهم الآراء الإسلامية، والعمل بشكل عام على إضعاف دور الإسلام في المجتمع.

وقد حذر سماحة الإمام الخميني مرات عديدة من الهدف الكامن وراء هذا الشعار، ومن الانتهازيين الذين ينادون به، ومن المخاطر التي تتمخض عنه، قائلاً: "الإسلام بلا علماء يعني لا شيء! فالعلماء هم الذين أشعلوا فتيل الثورة الإسلامية. وكل شيء يستلزم وجود الأشخاص والمتخصصين به، والمتخصصون في شؤون الإسلام هم العلماء".

لقد اختلف موقع العلماء عما كان عليه قبل مائة سنة أو حتى قبل خمسين سنة، لأن قضية الإسلام والعلماء مطروحة اليوم على مستوى العالم، وأصبحت لدى القوى العظمى حساسية من العلماء وما يضطلعون به من دور، كما عقد المفكرون والمحرومون عليهم الآمال. فالعالم اليوم ينظر إلى علماء الشيعة كأسوة في مقارعة الاستكبار العالمي وخاصة أمريكا. ومن هنا فإن الضرورات العينية توجب على العلماء التسلح بمزيد من الوعي واليقظة.


* د. عميد زنجاني.

2013-02-01