يتم التحميل...

الإمام موسى الكاظم في ظلّ أبيه عليهما السلام

شهادة الإمام الكاظم(ع)

لقد تميّزت المرحلة التي نشأ فيها الإمام موسى الكاظم عليه السلام وعاصرها مع أبيه ـ منذ ولادته سنة (128 هـ ) حتى وفاة أبيه سنة (148 هـ ) بعدّة منعطفات تاريخيّة ونشاطات نوعية من قبل الإمام الصادق عليه السلام

عدد الزوار: 54

لقد تميّزت المرحلة التي نشأ فيها الإمام موسى الكاظم  عليه السلام  وعاصرها مع أبيه ـ منذ ولادته سنة (128 هـ ) حتى وفاة أبيه سنة (148 هـ ) بعدّة منعطفات تاريخيّة ونشاطات نوعية من قبل الإمام الصادق  عليه السلام  حيث استطاع بقدراته الإلهيّة وحنكته الربانيّة أن يتجاوز تلك التحدّيات، ويرسم الخط الإلهي الأصيل ويُنجز مهامّ الإمامة ويهيئ لولده الإمام الكاظم عليه السلام  الطريق لكي يمارس دوره المستقبلي.

ولمّا كنّا بصدد إلقاء الضوء على أهم ما امتازت به حياة الإمام الكاظم مع أبيه (عليهما السلام) لنتصوّر من خلالها الأدوار المقبلة له أثناء تصدّيه للإمامة كان من الأهميّة أن نلخّص الظواهر البارزة في هذه المرحلة من حياته مع أبيه  عليه السلام  كما يلي:
1 ـ ظاهرة التمرّد على السلطة والاعتقاد بأهميّة الثورة، والندم على موقف السكوت أمام الباطل، والدعوة للعلويين الذين يشكّلون الخط المناهض للحكم الاُموي، فظاهرة التمرّد أفقدت المركزية للسلطة وانتهت الى عدم الطاعة للاُمراء، حتى أصبح شعار الدعوة الى الرّضى من آل محمد صلى الله عليه وآله  في هذه المرحلة حديث الساعة الذي كان يتداوله الناس هنا وهناك.
وهذه الظاهرة أتاحت للإمام الصادق  عليه السلام  أن ينفذ من خلالها لتطبيق برنامجه ما دامت السلطة مشغولة بالاضطرابات التي خلّفتها الثورة الحسينية.

2 ـ في هذه الفترة ظهرت على المسرح السياسي مقدمات نشوء الدولة العبّاسية، حيث استغلّ العبّاسيون هذه الأجواء وعقدوا اجتماعهم بالأبواء وقرّروا في ظاهر الأمر أن يكون الخليفة محمداً ذا النفس الزكية وروّجوا الدعوة للرّضى من آل محمّد صلى الله عليه وآله  لكنهم دعوا الناس الى البيعة للعبّاسيين سرّاً، وعيّن إبراهيم الإمام في حينها غلامه أبا مسلم الخراساني قائداً عسكرياً على خراسان وأوصاه بالقتل والإبادة الجماعية والأخذ على الظِنّة والتهمة لخصومه الاُمويين.

وكان موقف الإمام الصادق  عليه السلام  من هذه الحركة العبّاسية هو الحياد وعدم المشاركة فيها وعدم دعمها وإخباره وتنبّؤه بنتائجها، مع عدم توفر الظرف الملائم للثورة العلوية وذلك لفقدان الشروط الموضوعية لها، وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال مواقفه عليه السلام  من العروض التي تقدّم بها قادة الدعوة العبّاسية للإمام  عليه السلام  أمثال أبي سلمة وأبي مسلم الخراساني حيث صرّح لهم مرّة بأن الزمان ليس بزمانه، ومرّة اُخرى أحرق الرسالة التي وصلته من أحدهم. لقد كانت عروضاً سياسيّة مصلحية وكان الإمام عليه السلام  يدرك خلفيّاتها. وبهذا تخلّص الإمام عليه السلام  من هذه المنزلقات وخلّص شيعته ليفتح لهم آفاقاً أرحب للعمل والجهاد في سبيل الله تعالى.

3 ـ تركّزت نشاطات الإمام الصادق  عليه السلام  نحو البناء الخاص ومعالجة التحدّيات التي كانت تعصف بالوجود الشيعي ضمن عدّة اتّجاهات:
أ ـ التغيير الثقافي والفكري: حين قرّر الإمام  عليه السلام  لزوم الحياد السياسي كان قد أعدّ برنامجه الذي يستوعب عن طريقه طاقات الاُمة ويلبّي حاجاتها الاجتماعية والأخلاقية من خلال جامعة أهل البيت(عليهم السلام) والتي أسّسها وطوّرها كي يتمكّن عن طريقها من مواجهة المدّ الفكري المنحرف الذي روّج له الامويون. وبسبب عجز التيّار السياسي عن معالجة الانحرافات استقطب مختلف الشرائح والاتجاهات، وتشكّلت لهذه الجامعة فروع في البلاد الإسلامية وأصبحت تيّاراً ثقافيّاً يروّج للاتجاه الجعفري الذي كان يمثّل خطّ أهل بيت الرسالة، وكان للإمام الكاظم عليه السلام  دور بارز في مدرسة أبيه  عليه السلام  في هذا الظرف بالذات.

ب ـ وفي الوقت الذي كان الإمام عليه السلام  يطور هذا التيّار الفكري كان يهيّء الأذهان الخاصّة لقبول قيادة الإمام الكاظم عليه السلام  والإيمان بإمامته فقد جاء عن المفضّل بن عمر أنه قال: كنت عند أبي عبدالله  عليه السلام  فدخل أبو ابراهيم موسى وهو غلام فقال لي أبو عبدالله  عليه السلام: استوص به وضع أمره عند من تثق به من أصحابك.

ج ـ وتحرّك الإمام الصادق  عليه السلام  لقطع الطريق أمام الدعوات المشبوهة التي كانت تهدف إلى تمزيق وحدة الصفّ الشيعي وتطرح نفسها كبديل للإمام  عليه السلام، فمن أساليبه  عليه السلام  خلال مواجهته للتيّار الإسماعيلي إخباره الشيعة بأنّ إسماعيل ليس هو الإمام من بعده، وعندما توفّي إسماعيل أحضر الإمام الصادق  عليه السلام  حشداً من الشيعة ليخبرهم بحقيقة موت إسماعيل لئلاّ يستغلّ المنحرفون موت إسماعيل لتمزيق الكيان الشيعي بالتدريج.

4 ـ عاصر الإمام الكاظم  عليه السلام  معاناة أبيه الصادق عليه السلام  وشاهد الاستدعاءات المتكرّرة له من قبل المنصور حتى استشهاده عليه السلام  بعد الوصية لابنه الإمام الكاظم عليه السلام  وإبلاغها لخواصّ شيعته وربط عامّة الشيعة بإمامته.

5 ـ الإمامة منصب ربّاني يتقوّم بجدارة الإنسان المرشّح للإمامة وقابليته لتحمّل أعباء هذه المسؤولية الكبرى، ولهذا يعتبر فيها الاجتباء الربّاني والاصطفاء الإلهي، ومن هنا كان النصّ على كل واحد من الأئمة ضرورة لابدّ منها.

والنصوص العامّة والخاصّة قد بلّغها الرسول صلى الله عليه وآله  الى صحابته وأهل بيته وتناقلتها كتب الحديث والأخبار. ولكن النصوص المباشرة من كل امام على الذي يليه من أبنائه لها ظروفها الخاصّة التي تكتنفها فتؤثر في كيفية التنصيص وأساليب التعبير ودلالاتها التي تتراوح بين الإشارة تارة والتصريح تارة اُخرى.

ومن يتابع نصوص الإمام الصادق عليه السلام  على إمامة ابنه أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام  ويلاحظها بتسلسلها التاريخي يكتشف جانباً من أساليب الإمام الصادق وإضاءاته المكثّفة تجاه تقرير إمامة ابنه أبي الحسن موسى من بعده مراعياً فيها تقلّبات وتطوّرات الواقع الاجتماعي الذي عاشه الإمام عليه السلام  خلال عقدين من الزمن قبل وفاته أي من حين ولادة ابنه موسى والذي ولد من اُمّ ولد أندلسيّة في الوقت الذي كان قد ولد له أبناء آخرون من زوجته فاطمة بنت الحسين الأصغر (الأثرم) عمّ الإمام الصادق عليه السلام  فكان أكبرهم اسماعيل والذي كان يحبّه أبو عبدالله حبّاً شديداً، وكان قوم من شيعته يظنون أنّه القائم بعد أبيه.

وقد توفّي اسماعيل سنة (142 هـ ) وكان عبدالله بن جعفر المعروف بالأفطح أكبر أولاد الصادق بعد أخيه اسماعيل.
ومن هنا كان النصّ على إمامة موسى تكتنفه ملابسات عديدة بعضها تعود الى أبناء الإمام وبعضها الى أصحابه وجملة منها ترتبط بالوضع السياسي القائم آنذاك.من هنا نقف قليلاً عند نصوص الإمام الصادق على إمامة ابنه موسى(عليهما السلام) مراعين تسلسل صدورها قدر الإمكان.

نصوص الإمام الصادق عليه السلام  على إمامة موسى الكاظم عليه السلام
1 ـ عن يعقوب السراج قال: دخلت على أبي عبدالله عليه السلام  وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى وهو في المهد، فجعل يسارّه طويلا، فجلست حتى فرغ، فقمت إليه فقال لي: "ادن من مولاك فسلّم، فدنوت فسلمت عليه فردّ عليّ السلام بلسان فصيح، ثم قال لي: اذهب فغيّر اسم ابنتك التي سميتها أمس، فانه اسم يبغضه الله، وكان ولدت لي ابنة سمّيتها بالحميراء. فقال أبو عبدالله: انته الى أمره ترشد، فغيّرت اسمه".

2 ـ عن سليمان بن خالد قال: دعا أبو عبد الله عليه السلام  أبا الحسن عليه السلام  يوماً ونحن عنده فقال لنا: "عليكم بهذا، فهو والله صاحبكم بعدي".

3 ـ عن فيض بن المختار قال: "اني لعند أبي عبد الله عليه السلام  اذ أقبل أبو الحسن موسى عليه السلام  ـ وهو غلام ـ فالتزمته وقبّلته فقال أبو عبد الله عليه السلام: أنتم السفينة وهذا ملاّحها، قال: فحججت من قابل ومعي الفا دينار فبعثت بألف الى أبي عبدالله عليه السلام  وألف إليه، فلمّا دخلت على أبي عبدالله عليه السلام  قال: يا فيض عدلته بي؟ قلت: انّما فعلت ذلك لقولك، فقال: أما والله ما أنا فعلت ذلك. بل الله عزّ وجلّ فعله به".

4 ـ عن الفيض بن المختار قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: خذ بيدي من النار من لنا بعدك؟ فدخل عليه أبو ابراهيم عليه السلام، وهو يومئذ غلام، فقال: "هذا صاحبكم، فتمسك به".

5 ـ عن معاذ بن كثير، عن أبي عبدالله عليه السلام  قال: قلت له: اسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها، فقال: "قد فعل الله ذلك". قال: قلت من هو جعلتُ فداك؟ فاشار الى العبد الصالح وهو راقد فقال عليه السلام: "هذا الراقد وهو غلام".

6 ـ عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: سألت عبد الرحمن في السنة التي أخذ فيها أبو الحسن الماضي عليه السلام  فقلت له: إنّ هذا الرجل قد صار في يد هذا وما ندري الى ما يصير؟ فهل بلغك عنه في أحد من ولده شيء؟ فقال لي: ما ظننت ان أحداً يسألني عن هذه المسألة، دخلت على جعفر بن محمد في منزله فاذا هو في بيت كذا في داره في مسجد له وهو يدعو، وعلى يمينه موسى بن جعفر عليه السلام  يؤمّن على دعائه، فقلت له: جعلني الله فداك قد عرفت انقطاعي اليك وخدمتي لك، فمن وليّ الناس بعدك؟ فقال: "إنّ موسى قد لبس الدرع وساوى عليه" فقلت له: لا أحتاج بعد هذا الى شيء.

7 ـ عن يعقوب بن جعفر الجعفري قال: حدّثني اسحاق بن جعفر قال: كنت عند أبي يوماً، فسأله علي بن عمر بن علي فقال: جعلت فداك الى من نفزع ويفزع الناس بعدك؟ فقال: "الى صاحب الثوبين الاصفرين والغديرين ـ يعني الذؤابتين ـ وهو الطالع عليك من هذا الباب، يفتح البابين بيده جميع"، فما لبثنا ان طلعت علينا كفّان آخذة بالبابين ففتحهما ثم دخل علينا ابو ابراهيم.

8 ـ عن صفوان الجمّال، عن أبي عبدالله عليه السلام  قال: قال له منصور بن حازم: بأبي أنت واُمي إنّ الانفس يُغدا عليها ويراح، فاذا كان ذلك، فمن؟ فقال أبو عبدالله  عليه السلام: "إذا كان ذلك فهو صاحبكم"، وضرب بيده على منكب أبي الحسن  عليه السلام  الأيمن ـ في ما أعلم ـ وهو يومئذ خماسي وعبدالله بن جعفر جالس معنا.

9 ـ عن المفضل بن عمر قال: ذكر أبو عبدالله عليه السلام  أبا الحسن عليه السلام  ـ وهو يومئذ غلام ـ فقال: "هذا المولود الذي لم يولد فينا مولود أعظم بركة على شيعتنا منه ثم قال لي: لا تجفوا اسماعيل.

10 ـ عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام، عن أبي عبدالله عليه السلام  قال: قلت له: "ان كان كون ـ ولا أراني الله ذلك ـ فبمن أئتم؟ قال: فأومأ الى ابنه موسى  عليه السلام. قلت: فان حدث بموسى حدث فبمن أئتم؟ قال: بولده. قلت: فإن حدث وترك أخاً كبيراً وابناً صغيراً فبمن أئتم؟ قال: بولده، ثم قال: هكذا ابداً، قلت: فإن لم أعرفه ولا أعرف موضعه؟ قال: تقول: اللهم إني أتولى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي، فانّ ذلك يجزيك ان شاء الله".

11 - عن فيض بن المختار في حديث طويل في أمر أبي الحسن عليه السلام  حتى قال له أبو عبدالله عليه السلام: هو صاحبك الذي سألت عنه، فقم إليه فاقرّ له بحقه، فقمت حتى قبّلت رأسه ويده ودعوت الله عزّ وجلّ له، فقال أبوعبدالله عليه السلام: أما انه لم يؤذن لنا في أوّل منك، قال: قلت: جعلت فداك فأخبر به احداً؟

فقال: نعم أهلك وولدك، وكان معي أهلي وولدي ورفقائي وكان يونس بن ظبيان من رفقائي، فلمّا اخبرتهم حمدوا الله عزّ وجلّ وقال يونس: لا والله حتى أسمع ذلك منه وكانت به عجلة، فخرج فاتبعته، فلماانتهيت الى الباب، سمعت أبا عبدالله  عليه السلام  يقول له: ـ وقد سبقني إليه ـ يا يونس الأمر كما قال لك فيض. قال: فقال: سمعت وأطعت، فقال لي أبو عبدالله  عليه السلام: خذه اليك يا فيض.

12 ـ عن صفوان الجمال قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام  عن صاحب هذا الأمر فقال: "إنّ صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب، وأقبل أبو الحسن موسى وهو صغير ومعه عناق مكّية وهو يقول لها: اسجدي لربك، فأخذه أبو عبدالله  عليه السلام  وضّمه إليه وقال: بأبي واُمي من لا يلهو ولا يلعب".

13 ـ روى زيد النرسي، عن أبي عبدالله  عليه السلام  أنّه قال: "اني ناجيت الله ونازلته في اسماعيل ابني أن يكون بعدي فأبى ربي إلاّ أن يكون موسى ابني".

14 ـ عن يزيد بن أسباط قال: دخلت على أبي عبدالله عليه السلام  في مرضته التي مات فيها، قال عليه السلام:"يا يزيد أترى هذا الصبي؟ ـ وأشار لولده موسى ـ إذا رأيت الناس قد اختلفوا فيه، فاشهد عليَّ بأني أخبرتك أن يوسف إنّما كان ذنبه عند اخوته حتى طرحوه في الجب، الحسد له، حين أخبرهم أنه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر وهم له ساجدين، وكذا لابد لهذا الغلام من أن يحسد، ثم دعا موسى وعبدالله واسحاق ومحمد والعباس، وقال لهم: هذا وصيُّ الأوصياء وعالم علم العلماء وشهيدٌ على الأموات والأحياء، ثمّ قال: يا يزيد ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ1.


1-موسوعة اعلام الهداية سيرة الامام الكاظم

2012-12-21