نوادر أخبار بني إسرائيل وأحوال بعض الملوك
مقدمات عامة
مجمع البيان عن ابن عباس قال كان في بني إسرائيل عابد اسمه برصيصا عبد الله زمانا من الدهر حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعودهم فيبرءون على يده وأنه أتي بامرأة في شرف قد جنت وكان لها إخوة فأتوه به وكانت عنده فلم يزل الشيطان يزين له حتى وقع عليها فحملت.
عدد الزوار: 377
مجمع البيان عن ابن عباس قال كان في بني إسرائيل عابد اسمه برصيصا عبد الله زمانا من الدهر حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعودهم فيبرءون على يده وأنه أتي بامرأة في شرف قد جنت وكان لها إخوة فأتوه به وكانت عنده فلم يزل الشيطان يزين له حتى وقع عليها فحملت.
فلما استبان حملها قتله ودفنها.
فلما فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها فأخبره بالذي فعل الراهب وأنه دفنها في مكان كذا ثم أتى ببقية إخوتها رجلا رجلا فذكر له.
فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول والله لقد أتاني آت ذكر لي شيئا يكبر علي ذكره فذكره بعضهم لبعض حتى بلغ ملكهم.
فسار الملك والناس فاستزلوه فأقر لهم بالذي فعل فأمر به فصلب.
فلما رفع على خشبة تمثل له الشيطان فقال أنا الذي ألقيتك في هذا فهل أنت مطيعي فيما أقول لك أخلصك مما أنت فيه قال نعم قال اسجد لي سجدة واحدة فقال كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة قال أكتفي منك بالإيماء فأومى له بالسجود فكفر بالله وقتل المرأة.
فأشار الله تعالى إلى قصته في قوله ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ﴾.
قصص الراوندي بإسناده إلى أبي جعفر عليه السلام قال: كان في بني إسرائيل عابد يقال له جريح وكان يتعبد في صومعته فجاءته أمه وهو يصلي فدعته فلم يجبها فانصرفت ثم أتته ودعته فلم يجبه ولم يكلمها فانصرفت وهي تقول أسأل إله بني إسرائيل أن يخذلك فلما كان من الغد جاءت فاجرة وقعدت عند صومعته فأخذها الطلق فادعت أن الولد من جريح ففشا في بني إسرائيل أن من كان يلوم الناس على الزنى فقد زنى وأمر الملك بصلبه فأقبلت أمه إليه تلطم وجهها فقال لها اسكتي إنما هذا لدعوتك فقال الناس لما سمعوا بذلك منه وكيف لنا بذلك قال هاتوا الصبي فجاءوا به فأخذه فقال من أبوك فقال فلان الراعي لبني فلان فأكذب الله الذين قالوا ما قالوا في جريح فحلف جريح أن لا يخالف أمه بل يخدمها أبدا.
و فيه عنه عليه السلام: قال كان في بني إسرائيل رجل وكان له بنتان فزوجهما من رجلين واحد زارع وآخر يعمل الفخار ثم إنه زارهما فبدأ بامرأة الزارع فقال لها كيف حالك فقالت قد زرع زوجي زرعا كثيرا إن جاء الله بالسماء فنحن في أحسن بني إسرائيل حال وذهب إلى الأخرى فسألها عن حالها فقالت قد عمل زوجي فخارا كثيرا فإن أمسك الله السماء عنا فنحن أحسن بني إسرائيل حالا فانصرف وهو يقول أنت لهما.
و فيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان في بني إسرائيل رجل يكثر أن يقول الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين فغاظ إبليس ذلك فبعث إليه شيطانا فقال قل العاقبة للأغنياء فجاءه فقال ذلك فتحاكما إلى أول من يطلع عليهما على قطع يد الذي يحكم عليه فلقيا شخصا فأخبراه بحالهما فقال العاقبة للأغنياء فقطع يده فرجع وهو يحمد الله ويقول العاقبة للمتقين فقال له تعود أيضا فقال نعم على اليد الأخرى فخرجا فطلع الآخر عليه أيضا فقطعت يده الأخرى وعاد أيضا يحمد الله وهو يقول العاقبة للمتقين فقال تحاكمني على ضرب العنق فقال نعم فخرجا فرأيا مثالا فوقعا عليه فقال إني حاكمت هذ وقصا عليه قصتهما قال فمسح يديه فعادتا ثم ضرب عنق ذلك الخبيث وقال هكذا العاقبة للمتقين.
و فيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان فاجر في بني إسرائيل وكان يقضي بالحق فيهم فلما حضرته الوفاة قال لامرأته إذا مت فاغسليني وكفنيني وغطي وجهي على سريري فإنك لا ترين سوءا إن شاء الله تعالى فلما مات فعلت ما أمرها به ثم مكثت بعد ذلك حينا ثم إنها كشفت عن وجهه فإذا دودة تقرض من منخره ففزعت من ذلك فلما كان الليل أتاها في منامها فقال لها فزعت مما رأيت قالت أجل قال والله ما هو إلا في أخيك وذلك أنه أتاني ومعه خصم له فلما جلسا قلت اللهم اجعل الحق له فلما اختصما كان الحق له ففرحت فأصابني ما رأيت لموضع هواي مع موافقة الحق له.
و عنه عليه السلام: أن قوما من بني إسرائيل قالوا لنبي لهم ادع لنا ربك يمطر علينا السماء إذا أردنا فسأل ربه ذلك فوعده أن يفعل فأمطر السماء عليهم كلما أرادوا فزرعوا فنمت زروعهم وحسنت فلما حصدوا لم يجدوا شيئا فقالوا إنما سألنا المطر للمنفعة فأوحى الله تعالى أنهم لم يرضوا بتدبيري.
و قال عليه السلام: إنه كان ورشان يفرخ في شجرة وكان رجل يأتيه إذا أدرك الفرخان فيأخذ الفرخين فشكا ذلك الورشان إلى الله تعالى فقال إني سأكفيك قال فأخرج الورشان وجاء الرجل ومعه رغيفان فصعد الشجرة وعرض له سائل فأعطاه أحد الرغيفين ثم صعد فأخذ الفرخين ونزل بهما فسلمه الله لما تصدق به.
و عنه عليه السلام: قال كان في بني إسرائيل رجل عاقل كثير المال وكان له ابن يشبهه في الشمائل من زوجة عفيفة وكان له ابنان من زوجة غير عفيفة فلما حضرته الوفاة قال لهم هذا مالي لواحد منكم فلما توفي قال الكبير أنا ذلك الواحد وقال الأوسط أنا ذلك وقال الأصغر أنا ذلك فاختصموا إلى قاضيهم قال ليس عندي في أمركم شيء فانطلق إلى بني غنام الإخوة الثلاثة فانتهوا إلى واحد منهم فرأوا شيخا كبيرا فقال ادخلوا إلى أخي فلان فهو أكبر مني سنا فاسألوه فدخلوا عليه فخرج شيخ كهل فقال سلوا أخي الأكبر مني فدخلوا على الثالث فإذا هو في المنظر أصغر فسألوه أولا عن حالهم فقال أما أخي الذي رأيتموه أولا هو الأصغر وإن له امرأة سوء تسوءه وقد صبر عليها مخافة أن يبتلى ببلاء لا صبر عليه فهو منه وأما أخي الثاني فإن عنده زوجة تسوءه وتسره فهو متماسك الشباب وأما أنا فزوجتي تسرني ولا تسوءني لم يلزمني منها مكروه قط منذ صحبتني فشبابي معها متماسك وأما حديثكم الذي هو حديث أبيكم انطلقوا أول وانبشوا قبره واستخرجوا عظامه وأحرقوها ثم عودوا لأقضي بينكم فانصرفوا فأخذ الصبي سيف أبيه وأخذ الأخوان المعاول فلما أن هما بذلك قال لهما الصغير لا تنبشا قبر أبي وأنا أدع لكما حصتي فانصرفوا إلى القاضي فقال يقنعكما هذا ائتوني بالمال فقال للصغير خذ المال فلو كانا ابنيه لدخلهما من الرقة كما دخل على الصغير.
و عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: كان في بني إسرائيل رجل صالح وكانت له امرأة صالحة فرأى في النوم أن الله قد وقت لك من العمر كذ وكذا سنة وجعل نصف عمرك في سعة وجعل النصف الآخر في ضيق فاختر لنفسك أما النصف الأول والنصف الأخير فقال الرجل إن لي زوجة صالحة وهي شريكتي في المعاش فأشاورها في ذلك وتعود إلي فأخبرك فلما أصبح الرجل قال لزوجته رأيت في النوم كذ وكذا فقالت يا فلان خذ النصف الأول وتعجل العافية لعل الله سيرحمن ويتم لنا النعمة فلما كان في الليلة الثانية أتى الآتي فقال ما اخترت فقال اخترت النصف الأول فقال ذلك لك فأقبلت الدنيا عليه من كل وجه ولما ظهرت نعمته قالت له زوجته قرابتك والمحتاجون فصلهم وبرهم وجارك وأخوك فلان فهبهم فلما مضى نصف العمر وجاز حد الوقت رأى الرجل الذي رآه في النوم فقال إن الله تعالى قد شكر لك ذلك ولك تمام عمرك سعة ما مضى.
و عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خرجت امرأة بغي على شباب من بني إسرائيل فافتتنتهم فقال بعضهم لو كان العابد فلانا رآها فتنته وسمعت مقالتهم فقالت والله لا أنصرف إلى منزلي حتى أفتتنه فمضت نحوه في الليل فدقت عليه فقالت آوي عندك فأبى عليها فقالت إن بعض شباب بني إسرائيل راودني عن نفسي فإن أدخلتني وإلا لحقوني وفضحوني فلما سمع مقالتها فتح لها فلما دخلت عليه رمت بثيابها فلما رأى جماله وهيئتها وقعت في نفسه فضرب يده عليها ثم رجعت إليه نفسه وقد كان يوقد تحت قدر له فأقبل حتى وضع يده على النار فقالت أي شيء تصنع فقال أحرقها لأنها عملت العمل فخرجت حتى أتت جماعة من بني إسرائيل فقالت الحقوا فلانا فقد وضع يده في النار فأقبلوا فلحقوه وقد احترقت يده.
و عن أبي عبد الله عليه السلام: أن عابدا كان في بني إسرائيل فأضاف امرأة من بني إسرائيل فهم بها فأقبل كلما هم بها قرب إصبعا من أصابعه إلى النار فلم يزل ذلك دأبه حتى أصبح قال لها اخرجي لبئس الضيف كنت لي.
و عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان في بني إسرائيل جبار وأنه أقعد في قبره ورد إليه روحه فقيل له إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله قال لا أطيقها فلم يزالوا ينقصونه من الجلد وهو يقول لا أطيق حتى صاروا إلى واحدة قال لا أطيقها قالوا لن نصرفها عنك قال فلما ذا تجلدونني قال مررت يوما بعبد من عباد الله ضعيف مسكين مقهور فاستغاث بك فلم تغثه ولم تدفع عنه قال فجلدوه جلدة واحدة فامتلأ قبره نارا.
و عن وهب بن منبه قال: رووا أن رجلا من بني إسرائيل بنى قصرا فجوده وشيده ثم صنع طعاما فدعا الأغنياء وترك الفقراء فكان إذا جاء الفقير قيل لكل واحد منهم إن هذا طعام لم يصنع لك ولا لأشباهك قال فبعث الله ملكين في زي الفقراء فقيل لهما مثل ذلك ثم أمرهما الله تعالى بأن يأتيا في زي الأغنياء فأدخل وأكرم وأجلسا فأمرهما الله تعالى أن يخسفا المدينة ومن فيها.
و بإسناده: أن بني إسرائيل الصغير منهم والكبير كانوا يمشون بالعصا مخافة أن يختال أحد في مشيه.
و عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أبو جعفر صلى الله عليه وآله وسلم يقول نعم الأرض الشام وبئس القوم أهله وبئس البلاد مصر أما إنها سجن من سخط الله عليه من بني إسرائيل ولم يكن دخول بني إسرائيل مصر إلا من سخط ومعصية منهم لله لأن الله عز وجل يقول ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ فأبوا أن يدخلوه وعصوا فتاهوا في الأرض أربعين سنة وما كان خروجهم من مصر ودخولهم الشام إلا من بعد توبتهم ورضاء الله عنهم ثم قال أبو جعفر عليه السلام إنني أكره أن آكل شيئا طبخ في فخار مصر وما أحب أن أغسل رأسي من طينها مخافة أن تورثني تربتها الذل وتذهب بغيرتي.
قصص الراوندي بإسناده إلى عبد الأعلى بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام حديث ترويه الناس من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال حدث عن بني إسرائيل ولا حرج قال نعم قلت أ فنحدث عن بني إسرائيل ولا حرج علينا قال أ ما سمعت ما قال كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع قلت كيف هذا قال ما كان في الكتاب أنه كان في بني إسرائيل فحدث أنه كان في هذه الأمة ولا حرج.
أقول: في النهاية في الحديث حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج أي لا بأس ولا إثم عليكم أن تحدثوا عنهم ما سمعتم وإن استحال أن يكون في هذه الأمة مثل ما روي أن ثيابهم كانت تطول وأن النار تنزل من السماء فتأكل القربان وغير ذلك لا أن تحدث عنهم بالكذب.
و يشهد لهذا التأويل ما جاء في بعض رواياته فإن فيهم العجائب.
و قيل: معناه أن الحديث عنهم إذا أديته كما سمعته حقا كان وباطلا لم يكن عليك إثم لطول العهد ووقوع الفترة بخلاف الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه إنما يكون بصحة روايته وعدالة راويه.
و قيل: معناه أن الحديث عنهم ليس على الوجوب لأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم في أول الحديث بلغوا عني على الوجوب ثم أتبعه بقوله وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج عليكم إن لم تحدثوا عنهم.
الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان عابد في بني إسرائيل لم يقارف من أمر الدنيا شيئا فنخر إبليس نخرة فاجتمع إليه جنوده فقال من لي بفلان فقال بعضهم أنا فقال من أين تأتيه فقال من ناحية النساء قال لست له لم يجرب النساء قال له آخر فأنا له قال من أين تأتيه قال من ناحية الشراب واللذات قال لست له ليس هذا بهذا قال آخر فأنا له قال من أين تأتيه قال من ناحية البر قال انطلق فأنت صاحبه فانطلق إلى موضع الرجل فأقام حذاءه يصلي قال وكان الرجل ينام والشيطان لا ينام ويستريح والشيطان لا يستريح فتحول إليه الرجل وقد تقاصرت إليه نفسه واستصغر عمله فقال يا عبد الله بأي شيء قويت على هذه الصلاة فلم يجبه ثم أعاد عليه فقال يا عبد الله إني أذنبت ذنب وأنا تائب منه فإذا ذكرت الذنب قويت على الصلاة قال فأخبرني بذنبك حتى أعمله وأتوب فإذا فعلته قويت على الصلاة قال ادخل المدينة فسل عن فلانة البغية فأعطها درهمين ونل منها قال ومن أين لي الدرهمين وما أدري ما الدرهمين فتناول الشيطان من تحت قدميه درهمين فناوله إياهما فقام ودخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغية فأرشده الناس وظنوا أنه جاء يعظها فجاء إليها بالدرهمين وقال قومي فقامت فدخلت منزله وقالت ادخل وقالت إنك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها فأخبرني بخبرك فأخبرها فقالت له يا عبد الله إن ترك الذنب أهون من طلب التوبة وليس كل من طلب التوبة وجده وإنما ينبغي أن يكون هذا شيطانا مثل لك فانصرف فإنك لا ترى شيئا فانصرف وماتت من ليلتها فأصبحت وإذا على بابها مكتوب احضروا فلانة البغية فإنها من أهل الجنة فارتاب الناس فمكثوا ثلاثا لا يدفنونها ارتيابا في أمرها فأوحى الله عز وجل إلى نبي من الأنبياء لا أعلمه إلا موسى بن عمران صلى الله عليه وآله وسلم أن ائت فلانة فصل عليه وأمر الناس أن يصلوا عليها فإني قد غفرت له وأوجبت لها الجنة بتثبيطها عبدي فلانا عن خطيئته.
الكافي بإسناده إلى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سأله حمران قال جعلني الله فداك لو حدثتنا متى يكون هذا الأمر فسررنا به قال يا حمران إن لك أصدقاء وإخوان ومعارف إن رجلا كان فيما مضى من العلماء وكان له ابن لم يكن يرغب في علم أبيه ولا يسأله عن شيء وكان له جار يأتيه ويسأله ويأخذ عنه فحضر الرجل الموت فدعا ابنه فقال يا بني إنك كنت تزهد فيما عندي وتقل رغبتك فيه ولم تكن تسألني عن شيء ولي جار قد كان يأتيني ويسألني ويأخذ مني ويحفظ عني فإن احتجت إلى شيء فأته وعرفه جاره فهلك الرجل وبقي ابنه فرأى ملك ذلك الزمان رؤيا فسأل عن الرجل فقيل له قد هلك فقال الملك هل ترك ولدا فقيل له نعم ترك ابنا فقال ايتوني به فبعث إليه فقال الغلام والله ما أدري لما يدعوني الملك وما عندي علم ولئن سألني عن شيء لأفتضحن فذكر ما كان أوصاه أبوه فأتى الرجل الذي كان يأخذ العلم عن أبيه فقال له إن الملك قد بعث إلي يسألني ولست أدري فيما بعث إلي وقد كان أبي أمرني أن آتيك إن احتجت إلى شيء فقال الرجل ولكني أدري فيما بعث إليك فإن أخبرتك فما أخرج الله لك من شيء فهو بيني وبينك فقال نعم فاستحلفه واستوثق منه أن يفي فأوثق له الغلام فقال إنه يريد أن يسألك عن رؤيا رآها أي زمان فقل له هذا زمان الذئب فأتاه الغلام فقال له الملك لم أرسلت إليك قال أرسلت إلي تريد أن تسألني عن رؤيا رأيتها أي زمان هذا فقال له الملك صدقت فأخبرني أي زمان هذا فقال له زمان الذئب فأمر له بجائزة فقبضها الغلام وانصرف إلى منزله وأبى أن يفي لصاحبه وقال لعلي لا أنفذ هذا المال ولا آكله حتى أهلك ولعلي لا أحتاج ولا أسأل عن مثل هذا الذي سئلت عنه فمكث ما شاء الله ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه يدعوه فندم على ما صنع وقال والله ما عندي علم آتيه به وما أدري كيف أصنع بصاحبي وقد غدرت به ولم أف له ثم قال لآتيه على كل حال وأعتذرن إليه ولأحلفن له فلعله يخبرني فأتاه فقال إني صنعت الذي صنعت ولم أف لك بما كان بيني وبينك وتفرق ما كان في يدي وقد احتجت إليك فأنشدك الله أن لا تخذلني وأنا أوثق لك أن لا يخرج لي شيء إلا كان بيني وبينك إلى الملك ولست أدري عما يسألني فقال إنه يريد أن يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا فقل له زمان الكبش فأتى الملك فدخل عليه فقال الملك لم بعثت إليك قال إنك رأيت رؤي وإنك تريد أن تسألني أي زمان هذا فقال له صدقت فقال هذا زمان الكبش فأمر له بصلة فقبضه وانصرف إلى منزله وتدبر رأيه في أن يفي لصاحبه ولا يفي فهم مرة أن يفعل ومرة أن لا يفعل ثم قال لعلي لا أحتاج بعد هذه المرة أبد وأجمع رأيه على الغدر فمكث ما شاء الله ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه فندم على ما صنع فيما بينه وبين صاحبه وقال بعد غدرتين كيف أصنع وليس عندي علم ثم أجمع رأيه على إتيان الرجل فأتاه فناشده الله تبارك وتعالى وسأله أن يعلمه وأخبره أن هذه المرة يفي له وأوثق منه وقال لا تدعني على هذه الحال فإني لا أعود إلى الغدر فاستوثق منه فقال إنه يدعوك يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا فإذا سألك فأخبره أنه زمان الميزان قال فأتى الملك فدخل عليه فقال له لم بعثت إليك فقال رأيت رؤي وتريد أن تسألني أي زمان هذا فقال صدقت فأخبرني أي زمان هذا قال هذا زمان الميزان فأمر له بصلة فقبضه وانطلق بها إلى الرجل فوضعها بين يديه وقال قد جئتك بما خرج لي فقاسمنيه فقال له العالم إن الزمان الأول كان زمان الذئب وإنك كنت من الذئاب وإن الزمان الثاني كان زمان الكبش يهم ولا يفعل وكذلك كنت تهم ولا تفي وكان هذا زمان الميزان وكنت فيه على الوفاء فاقبض مالك لا حاجة لي فيه ورده عليه.
أقول: قوله عليه السلام إن لك أصدقاء وإخوانا قيل لعل المقصود من إيراد الحكاية بيان أن هذا الزمان ليس زمان الوفاء بالعهود فإن عرفتك زمان ظهور الأمر فلك أصدقاء ومعارف فتحدثهم فيشيع الخبر بين الناس وينتهي إلى الفساد والعهد بالكتمان لا ينفع لأنك لا تفي به وإذا لم يأت بعد زمان الميزان.
و فيه عن الحسن بن الجهم قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول إن رجلا في بني إسرائيل عبد الله أربعين سنة ثم قرب قربانا فلم يقبل منه فقال لنفسه وما أتيت إلا منك وما الذنب إلا لك قال فأوحى الله تبارك وتعالى إليه ذمك لنفسك أفضل من عبادتك أربعين سنة.
و عن أبي جعفر عليه السلام: أن رجلا من بني إسرائيل كان له ابن وكان له محبا فأتي في منامه فقيل له إن ابنك ليلة يدخل بأهله يموت قال فلما كانت تلك الليلة وبنى عليه أبوه توقع أبوه ذلك فأصبح ابنه سليما فأتاه أبوه فقال يا بني ما عملت البارحة شيئا من الخير قال لا إلا أن سائلا أتى الباب وقد كانوا ادخروا لي طعاما فأعطيته للسائل فقال هذا دفع عنك.
الأمالي بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رجل شيخ ناسك يعبد الله في بني إسرائيل فبينا هو يصلي وهو في عبادته إذ بصر بغلامين صبيين قد أخذا ديك وهما ينتفان ريشه فأقبل على ما هو فيه من العبادة ولم ينههما عن ذلك فأوحى الله إلى الأرض أن سيخي بعبدي فساخت به الأرض فهو يهوي أبد الآبدين ودهر الداهرين.
الكافي مسندا إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: كان ملك في بني إسرائيل وكان له قاض وللقاضي أخ وكان رجل صدق وله امرأة قد ولدتها الأنبياء فأراد الملك أن يبعث رجلا في حاجة فقال للقاضي ابغني رجلا ثقة فقال ما أعلم أحدا أوثق من أخي فدعاه ليبعثه فكره ذلك الرجل وقال لأخيه إني أكره أن أضيع امرأتي فعزم عليه فلم يجد بدا من الخروج فقال لأخيه يا أخي لست أخلف شيئا أهم علي من امرأتي فاخلفني فيه وتول قضاء حاجتها قال نعم فخرج الرجل وكانت المرأة كارهة لخروجه فكان القاضي يأتيه ويسألها عن حوائجه ويقوم لها فأعجبته فدعاها إلى نفسه فأبت عليه فحلف عليها لئن لم تفعل ليخبرن الملك أنها قد فجرت فقالت اصنع ما بدا لك لست أجيبك إلى شيء مما طلبت فأتى الملك فقال إن امرأة أخي فجرت وقد حق ذلك عندي فقال له الملك طهرها فجاء إليها فقال إن الملك أمرني برجمك فما تقولين تجيبيني وإلا رجمتك فقالت لست أجيبك فاصنع ما بدا لك فأخرجها فحفر لها فرجمه ومعه الناس فلما ظن أنها قد ماتت تركها فانصرف وجن بها الليل وكان بها رمق فتحركت فخرجت من الحفيرة ثم مشت على وجهها حتى خرجت من المدينة فانتهت إلى دير فيه ديراني فنامت على باب الدير فلما أصبح الديراني فتح الباب فرآها فسألها عن قصتها فخبرته فرحمه وأدخلها الدير وكان له ابن صغير لم يكن له غيره وكان حسن الحال فداواها حتى برأت من علته واندملت ثم دفع إليها ابنه فكانت تربيه وكان للديراني قهرمان يقوم بأمره فأعجبته فدعاها إلى نفسه فأبت فجهد بها فأبت فقال لئن لم تفعلي لأجهدن في قتلك فقالت اصنع ما بدا لك فعمد إلى الصبي ودق عنقه وأتى الديراني فلما رآها قال لها ما هذا فقد تعلمين صنيعي بك فأخبرته بالقصة فقال لها لست تطيب نفسي أن تكوني عندي فاخرجي فأخرجها ليل ودفع إليها عشرين درهم وقال لها تزودي هذه الله حسبك فخرجت ليلا فأصبحت في قرية فإذا فيها مصلوب على خشبة وهو حي فسألت عن قصته فقالوا عليه دين عشرون درهم ومن كان عليه دين عندنا لصاحبه صلب حتى يؤدى إلى صاحبه فأخرجت العشرين درهم ودفعتها إلى غريمه وقالت لا تقتلوه فأنزلوه عن الخشبة فقال ما أحد أعظم علي منة منك نجيتني من الصلب ومن الموت فأنا معك حيث ما ذهبت فمضى معه ومضت حتى أتيا إلى ساحل البحر فرأى جماعة وسفنا فقال لها اجلسي حتى أذهب أن وأعمل لهم واستطعم وآتيك به فأتاهم فقال ما في سفينتكم هذه.
قالوا كثيرة لا نحصيها قال فإن معي شيئا هو خير مما في سفينتكم قالوا ما معك قال جارية لم تروا مثلها قط قالوا فبعناها قال على شرط أن يذهب بعضكم فينظر إليها ثم يجيئني فيشريه ولا يعلمه ويدفع إلي الثمن ولا يعلمها حتى أمضي أنا فقالوا ذلك لك فبعثوا من نظر إليها فقال ما رأيت مثلها قط فاشتروها منه بعشرة آلاف درهم ودفعوا إليه الدراهم فمضى فلما أمعن أتوها فقالوا لها قومي وادخلي السفينة قالت ولم قالوا قد اشتريناك من مولاك قالت ما هو مولاي قالوا لتقومين ولنحملنك فقامت ومضت معهم فلما انتهوا إلى الساحل لم يأمن بعضهم بعضا عليها فجعلوها في السفينة التي فيها الجواهر والتجارة وركبوا هم في السفينة الأخرى فبعث الله عز وجل عليهم ريحا فغرقتهم وسفينتهم ونجت السفينة التي كانت فيها حتى انتهت إلى جزيرة من جزائر البحر وربطت السفينة ثم دارت في الجزيرة فإذا فيها ماء وشجر فيه ثمر فقالت هذا ماء أشرب منه وثمر آكل منه أعبد الله في هذا الموضع فأوحى الله عز وجل إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن يأتي ذلك الملك فيقول إن في جزيرة من جزائر البحر خلقا من خلقي فاخرج أنت ومن في مملكتك حتى تأتوا خلقي هذا فتقروا له بذنوبكم ثم تسألوا ذلك الخلق أن يغفر لكم فإن غفر لكم غفرت لكم فخرج الملك بأهل مملكته إلى تلك الجزيرة فرأوا امرأة فتقدم إليها الملك فقال لها إن قاضي هذا أتاني فخبرني أن امرأة أخيه فجرت فأمرته برجمه ولم تقم عندي البينة فأخاف أن أكون قد تقدمت على ما لا يحل فأحب أن تستغفري لي فقالت غفر الله لك اجلس ثم أتى زوجه ولا يعرفها فقال لها إنه كان لي امرأة وكان من فضله وصلاحه وإني خرجت وهي كارهة لذلك فاستخلفت أخي عليها فلما رجعت سألت عنها فأخبرني أخي أنها فجرت فرجمه وأنا أخاف أن أكون قد ضيعتها فاستغفري لي فقالت غفر لك الله اجلس فأجلسته إلى جنب الملك ثم أتى القاضي فقال إنه كان لأخي امرأة وإنها أعجبتني فدعوتها إلى الفجور فأبت فأعلمت الملك أنها قد فجرت وأمرني برجمه وأنا كاذب عليها فاستغفري لي قالت غفر الله لك ثم أقبلت على زوجها فقالت اسمع اجلس ثم أقبل الديراني فقص قصته وقال أخرجتها بالليل وأنا أخاف أن يكون قد لقيها سبع فقتلها فقالت غفر الله لك اجلس ثم تقدم القهرمان فقص قصته فقالت للديراني اسمع غفر الله لك ثم تقدم المصلوب فقص قصته فقالت لا غفر الله لك ثم أقبلت على زوجها فقالت أنا امرأتك وكلما سمعت فإنما هو من قصتي وليس لي حاجة في الرجال فأنا أحب أن تأخذ هذه السفينة وما فيه وتخلي سبيلي فأعبد الله عز وجل في هذه الجزيرة فقد ترى ما قد رأيت من الرجال ففعل وأخذ السفينة وما فيه وخلى سبيله وانصرف الملك وأهل مملكته.
و فيه عن الديلمي عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام فلان من عبادته وفضله ودينه كذ وكذا فقال كيف عقله قلت لا أدري فقال إن الثواب على قدر العقل إن رجلا من بني إسرائيل كان يعبد الله في جزيرة من جزائر البحر خضراء نظرة كثيرة الشجر ظاهرة الماء وإن ملكا من الملائكة مر به فقال يا رب أرني ثواب عبدك هذا فأراه الله ذلك فاستقله الملك فأوحى الله إليه أن اصحبه فأتاه الملك في صورة إنسي فقال له من أنت فقال أنا رجل عابد بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد الله معك فكان معه يوم ذلك فلما أصبح قال له الملك إن مكانك لنزه ولا يصلح إلا للعبادة فقال العابد إن لمكاننا هذا عيبا قال وما هو قال ليس لربنا بهيمة فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع فإن هذا الحشيش يضيع فقال له الملك وما لربك حمار فقال لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش فأوحى الله إلى ذلك الملك إنما آتيته على قدر عقله.
و فيه مسندا إلى علي بن الحسين عليه السلام قال: إن رجلا ركب البحر بأهله فكسرت السفينة بهم فلم ينج ممن كان في السفينة إلا امرأة الرجل فإنها نجت على لوح من ألواح السفينة حتى التجأت إلى جزيرة من جزائر البحر فكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق ولم يدع لله حرمة إلا انتهكها فلم يعلم إل والمرأة قائمة على رأسه فرفع رأسه إليها فقال إنسية أم جنية فقالت إنسية فلم يكلمها بكلمة حتى جلس منها مجلس الرجل من أهله فلما أن هم بها اضطربت فقال لها ما لك تضطربين فقالت أخاف من هذ وأومأت بيدها إلى السماء قال فصنعت من هذا شيئا قالت ل وعزته قال فأنت تخافين منه هذا الخوف ولم تصنعي شيئ واستكرهتك استكراها فأن والله أولى بهذا الخوف وأحق منك فقام ولم يحدث شيئ ورجع إلى أهله وليس له همة إلا التوبة والمراجعة فبينما هو يمشي إذ صادفه راهب يمشي في الطريق فحميت عليهما الشمس فقال الراهب للشاب ادع الله يظلنا بغمامة فقد حميت علينا الشمس فقال الشاب ما أعلم أن لي عند ربي حسنة فأتجاسر على أن أسأله شيئا قال فأدعو أن وتؤمن أنت قال نعم فأقبل الراهب يدعو والشاب يؤمن فما كان بأسرع من أن أظلتهما غمامة فمشيا تحتها مليا من النهار ثم انفرقت الجادة جادتين فأخذ الشاب في واحدة وأخذ الراهب في واحدة فإذا السحاب مع الشاب فقال الراهب أنت خير مني لك استجيب ولم يستجب لي فخبرني ما قصتك فأخبره بخبر المرأة فقال غفر الله لك ما مضى حيث دخلك الخوف فانظر كيف تكون فيما يستقبل.
و عن الرضا عليه السلام: أن الرجل كان إذا تعبد في بني إسرائيل لم يعد عابدا حتى يصمت قبل ذلك عشر سنين.
و في الكافي عن ابن عمارة قال: روينا أن عابد بني إسرائيل كان إذا بلغ الغاية في العبادة صار مشاء في حوائج الناس عانيا بما يصلحهم.
إكمال الدين بإسناده إلى ابن أبي رافع عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن جبرئيل عليه السلام نزل علي بكتاب فيه خبر الملوك ملوك الأرض قبلي وخبر من بعث قبلي من الأنبياء والرسل وهو حديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة قال لما ملك الأشيخ بن أشكان وكان يسمى الكيس وملك مائتين وست وستين سنة ففي سنة إحدى وخمسين من ملكه بعث الله عيسى ابن مريم عليها السلام واستودعه النور والعلم وبعثه إلى بيت المقدس إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى الإيمان بالله فأبى أكثرهم إلا طغيان وكفرا فلما لم يؤمنوا به دعا ربه وعزم عليه فمسخ منهم شياطين ليريهم آياته فلم يزدهم إلا طغيان وكفرا فأتى بيت المقدس يدعوهم إلى الله ثلاث وثلاثين سنة حتى طلبته اليهود وادعت أنها عذبته ودفنته في الأرض حي وادعى بعضهم أنهم قتلوه وصلبوه وكذبو وإنما ﴿شُبِّهَ لَهُمْ﴾ ولما أراد أن يرفعه إليه أوحى إليه أن يستودع نور الله وحكمته
و علم كتابه شمعون بن حمون الصفا خليفته على المؤمنين فلم يزل شمعون يقوم بأمر الله عز وجل بجميع مقال عيسى عليه السلام ويجاهد الكفار حتى بعث الله يحيي بن زكريا فمضى شمعون وملك عند ذلك أردشير بن أسكان أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وفي ثمانية سنين من ملكه قتلت اليهود يحيى بن زكريا عليه السلام فلما أراد الله أن يقبضه أوحى إليه أن يجعل الوصية في ولد شمعون ويأمر الحواريين وأصحاب عيسى بالقيام معه ففعل وعندها ملك سابور بن أردشير ثلاثين سنة حتى قتله الله وعلم الله نوره وحكمته في ذرية يعقوب بن شمعون عليه السلام وعند ذلك ملك بختنصر مائة سنة وسبع وثمانين وقتل من اليهود سبعين ألف مقاتل على دم يحيى بن زكري وخرب بيت المقدس وتفرقت اليهود في البلدان وفي سنة سبع وأربعين من ملكه بعث الله العزير نبيا على أهل القرى التي مات أهلها ثم بعثهم له وكانوا من قرى شتى فهربوا خوفا من الموت فنزلوا في جوار عزير وكانوا مؤمنين وكان عزير يختلف إليهم ويسمع كلامهم وأحبهم على ذلك فغاب عنهم يوما واحدا ثم أتاهم فوجدهم موتى صرعى فحزن عليهم وقال أنى يحيي هذه الله بعد موتها تعجبا منه حيث أصابهم وقد ماتوا في يوم واحد فأماته الله عند ذلك مائة سنة ثم بعثه الله وإياهم وكانوا مائة مقاتل ثم قتلهم الله أجمعين على يد بختنصر ثم ملك مهرويه بن بختنصر عند ذلك ست عشرة سنة وعشرين يوما فأخذ عند ذلك دانيال وخد له خدا في الأرض وطرح فيه دانيال عليه السلام وأصحابه من المؤمنين وألقي عليهم النيران فلما رأى أن النار لا تعذبهم ولا تحرقهم استودعهم الجب والسباع وعذبهم بكل نوع من العذاب حتى خلصهم الله منه وهم الذين ذكرهم الله في كتابه فقال ﴿قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ﴾ فلما أراد الله أن يقبض دانيال أمره أن يستودع علمه وحكمه مكيخا بن دانيال ففعل وعند ذلك ملك هرمز ثلاث وستين سنة وثلاثة أشهر وأربعة أيام وملك بعده بهرام ست وعشرين سنة وولي أمر الله مكيخا بن دانيال وأصحابه المؤمنون غير أنهم لا يستطيعون أن يظهروا الإيمان في ذلك الزمان وعند ذلك ملك بهرام بن بهرام سبع سنين وفي زمانه انقطعت الرسل وكانت الفترة وولي أمر الله يومئذ مكيخا بن دانيال وأصحابه المؤمنون فلما أراد الله أن يقبضه أوحى إليه في منامه أن يستودع نور الله وحكمته أنشوا بن مكيخ وملك بعده وكانت الفترة بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم أربعمائة سنة وثمانين سنة وأولياء الله في الأرض يومئذ ذرية أنشوا يرث ذلك منهم واحدا بعد واحد ممن يختاره الجبار عز وجل فعند ذلك ملك سابور بن هرمز اثنتين وسبعين سنة وهو أول من عقد التاج ولبسه وولي أمر الله يومئذ أنشوا بن مكيخ وملك بعده أردشير أخو سابور سنتين وفي زمانه بعث الله عز وجل الفتية أهل الكهف والرقيم وولي أمر الله يومئذ دسيخا بن أنشوا بن مكيخ وعند ذلك ملك سابور بن أردشير خمسين سنة وولي يومئذ دسيخا بن أنشو وملك بعده يزدجرد بن سابور إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر وتسعة أيام وولي أمر الله يومئذ في الأرض دسيخا بن أنشوا عليه السلام فلما أراد الله تبارك وتعالى أن يقبض دسيخا أوحى الله إليه في منامه أن يستودع علم الله ونوره نسطورس بن دسيخ وفعل وعند ذلك ملك بهرام جور ست وعشرين سنة وثلاثة أشهر وثمانية عشر يوم وولي أمر الله في الأرض نسطورس بن دسيخ وعند ذلك ملك فيروز بن يزدجرد بن بهرام سبع وعشرين سنة وولي أمر نسطورس بن دسيخ وأصحابه المؤمنون فلما أراد الله عز وجل أن يقبضه أوحى إليه في منامه أن يستودع علم الله ونوره وحكمته وكتبه مرعيد وعند ذلك ملك فلاس بن فيروز أربع سنين وولي أمر الله مرعيد وملك بعده قباد بن فيروز ثلاث وأربعين سنة وملك بعده جاماسب أخو قباد ست وستين سنة وولي أمر الله يومئذ في مرعيد وعند ذلك ملك كسرى بن قباد ست وأربعين سنة وثمانية أشهر وولي أمر الله مرعيد وشيعته المؤمنون فلما أراد الله عز وجل أن يقبض مرعيدا أوحى إليه في منامه أن يستودع نور الله وحكمته بحيرا الراهب ففعل وملك عند ذلك هرمز بن كسرى ثمان وثلاثين سنة وولي أمر الله يومئذ بحير وأصحابه المؤمنون وشيعته الصديقون وعند ذلك ملك كسرى بن هرمز بن أبرويز وولي أمر الله يومئذ في الأرض بحيرا حتى إذا طالت المدة ودرس الدين وتركت الصلاة واقتربت الساعة وكثرت الفرق وصار الناس في حيرة وظلمة وأديان مختلفة وعند ذلك استخلص الله تعالى لنبوته ورسالته محمدا صلى الله عليه وآله وسلم.
إكمال الدين عن مكي بن أحمد قال: سمعت إسحاق الطوسي يقول وقد مضى عليه سبعة وتسعون سنة على باب يحيى بن منصور قال رأيت سربابك ملك الهند في بلد تسمى صرح فسألناه كم أتى عليك من السنين قال تسعمائة وخمس وعشرين سنة وهو مسلم فزعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنفذ إليه عشرة من أصحابه منهم حذيفة بن اليمان وعمرو بن العاص وأسامة بن زيد وأبو موسى الأشعري وغيرهم يدعونه إلى الإسلام فأسلم وقبل كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت له كيف تصلي مع هذا الضعف فقال قال الله عز وجل ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وقُعُوداً وعَلى جُنُوبِهِمْ﴾.
فقلت له ما طعامك قال أكل ماء اللحم والكراث وسألته هل يخرج منك شيء قال في كل أسبوع مرة شيء يسير وسألته عن أسنانه فقال أبدلتها عشرين مرة ورأيت في إصطبله شيئا من الدواب أكبر من الفيل يقال له زندة قيل فقلت له ما تصنع بهذا قال يحمل ثياب الخدم إلى القصور ومملكته مسيرة أربع سنين في مثله ومدينته خمسون فرسخا في مثله وعلى كل باب منها عسكر مائة ألف إذا وقع في أحد الأبواب حدث خرجت تلك الفرقة إلى الحرب لا تستعين بغيره وهو في وسط المدينة وسمعته يقول دخلت المغرب فبلغت إلى رمل عالج وصرت إلى قوم موسى فرأيت سطوح بيوتهم مستوية ويبدر الطعام خارج القرية يأخذون منه القوت والباقي يتركونه هناك وقبورهم في دورهم ليس فيهم شيخ ولا شيخة ولا يعتلون إلى أن يموتو ولهم أسواق إذا أراد الإنسان شراء شيء منهم صار إلى السوق فوزن لنفسه وأخذ ما يصيبه وصاحبه غير حاضر وإذا أرادوا الصلاة حشروا فصلو وانصرفوا لا يكون بينهم خصومة ولا كلام يكره إلا بذكر الله عز وجل والصلاة وذكر الموت.
و عن أبي عبد الله عليه السلام: أن تبع الملك أتى بيت الله وكساه وأطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مائة جزور حتى حملت الجفان إلى السباع في رءوس الجبال ونثرت الأغلال في الأودية للوحوش ثم انصرف من مكة إلى المدينة فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسان وهم الأنصار.
اللهم انصرنا بنصرك وتفضل علينا بكرمك وارحمنا برحمتك1.
1 _ النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.
2012-11-29