معركة بدر الكبرى
معركة بدر الكبرى
كانت "معركة بدر" أوّل معركة مُسلَّحة كبرى خاضها النبيّّ صلى الله عليه واله وسلم والمسلمون في مواجهة المشركين من قريش، وذلك يوم الجمعة في السابع عشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثانية من الهجرة،
عدد الزوار: 451
كانت "معركة بدر" أوّل معركة مُسلَّحة كبرى خاضها النبيّّ صلى الله عليه واله وسلم والمسلمون في مواجهة المشركين من قريش، وذلك يوم الجمعة في السابع عشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثانية من الهجرة، قُرْبَ بدر على بُعد حوالي مائة وستين كيلو متراً من المدينة فيما بينها وبين مكّة المكرّمة.
سبب المعركة
خرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومعه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أصحابه مستهدفين السيطرة على القافلة التجاريّة التي كان يقودها أبو سفيان، المُتوجِّهة من الشام إلى مكّة، لا طمعاً في المال والغنيمة وإنّما بُغية التعويض على المسلمين ممّا أخذه منهم المشركون، وفرض حصار اقتصاديّ على قريش، علَّ ذلك يدفعها إلى الامتناع عن محاربة الدعوة، والتآمر على الإسلام والمسلمين.
لقد كان قرار التصدّي للقافلة ينطوي على احتمال تطوُّر الموقف، وحصول مواجهة عسكريّة، ونشوب معركة حاسمة ومصيريّة، وهو ما حصل فعلاً.
فقد علم أبو سفيان بتحرُّك النبيّّ صلى الله عليه واله وسلم فغيّر طريقه، وأرسل إلى مكّة يطلب النجدة من قريش، فأقبلت قريش بأحقادها وكبريائها بألف مقاتل لحماية القافلة، وحين علمت قريش بنجاة القافلة حاول بعض قادتها أن يكتفي بذلك ويدعو إلى الانسحاب والعودة إلى مكّة، إلّا أنّ أبا جهل وغيره أصرَّوا على العدوان، فقرّروا الهجوم على المسلمين، والتقى الجمعان في بدر.
أحداث المعركة
وبدأت المعركة بالمبارزة ثمّ التحم الجيشان وهما غير مُتكافئين لا من حيث العدد ولا من حيث العتاد، ولكنّ الله أنزل الكثير من ألطافه ورحمته، فتدخّلت يد الغيب، وجاء الإمداد الملائكيّ للنبيّّ صلى الله عليه واله وسلم، فحقّق الله سبحانه النصر للإسلام والمسلمين، واندحرت قوّة قريش، وتشتّت جيشها بين قتيل وجريح وأسير؛ حيث أسفرت المعركة عن قتل سبعين من المشركين وأسر سبعين، ولم يسقط من المسلمين سوى تسعة شهداء وقيل: أحد عشر، وقيل: أربعة عشر شهيداً، ولم يُؤسر منهم أحد.
وقد برز للإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام في هذه المعركة دور كبير، وظهرت شجاعته المُتميِّزة بين صفوف المسلمين، حيث رُوي أنّه قُتل بيده ثُلث قتلى المشركين، وقيل: قتل نصفهم بيده وشارك الآخرين في قتل النصف الآخر.
نتائجها:
لقد حقّق المسلمون في بدر مكاسب ماديّة وأمنيّة وعقيديّة وإعلاميّة، ساهمت في خدمة الدعوة وتثبيت أركانها، وتحقيق نقلة نوعيّة في مجمل الأحداث في الجزيرة العربيّّة.
ولعلّ أبرز نتائج هذه المعركة أنّها:
أوّلاً: عزّزت ثقة المسلمين بأنفسهم، وثبّتت إيمان بعض المتردِّدين في إسلامهم.
ثانياً: جعلت من المسلمين قوّة مرهوبة الجانب عند القبائل المشركة واليهود في المنطقة.
ثالثاً: شجّعت الكثيرين على الدخول في الإسلام بعد أن كانت قريش تُشكِّل الحاجز النفسيّ والماديّ لهم.
رابعاً: أضعفت هيبة قريش ونفوذها ومكانتها بين العرب.
خامساً: فتحت الأبواب أمام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم للانطلاق بحريّة أكبر في نشر الدعوة.
سادساً: زادت من قوّة التضامن والتماسك بين المهاجرين والأنصار، وعزّزت وحدة الفريقين في مواجهة التحدّي.
وأثبتت تجربة بدر:
أوّلاً: أنّ القِلّة المؤمنة المجاهدة الصابرة التي تملك إرادة قويّة وعزيمة راسخة، وإخلاصاً، ووعياً، وتخطيطاً، تستطيع أن تُحقّق الانتصارات والإنجازات الكبرى بإذن الله حتّى ولو كان العدوّ يملك الكثرة والقوّة الماديّة الكبيرة.
يقول الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّة ٌ﴾ 1.
ويقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ*الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ 2.
وثانياً: إنّ النصر بحاجة إلى عنصر روحيّ معنويّ هو الإيمان بالله، والإخلاص له، والاعتماد عليه، والثقة به، وغير ذلك ممّا يُوفِّر للإنسان قوّة روحيّة ومعنويّة، تُبعده عن الشعور بالقلق والخوف والضياع أمام مواقف التحدّي.وقد كان هذا العنصر حاضراً بقوّة في بدر ومجاهديها، وقد ساهم بصورة أساس في تحقيق الانتصار في هذه المعركة، وفي كلّ المعارك التي خاضها المسلمون في مواجهة أعدائهم.
عوامل انتصار المسلمين
كانت هزيمة قريش وانتصار المسلمين في بدر مفاجأة غير مُتوقَّعة، وصلت أصداؤها إلى الحبشة. ويُمكن تلخيص أسباب وعوامل هذا الانتصار الباهر للمسلمين بما يلي:
1 القيادة الصالحة للنبيّّ صلى الله عليه واله وسلم وشجاعته وإقدامه، وفي ذلك يقول الإمام عليّ عليه السلام: " كُنّا إذا احمرّ البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه واله وسلم؛ فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه" 3.
2 ـ شجاعة عليّ عليه السلام وتضحيته الفذّة، فهو وحده قتل نصف عدد من قُتلوا من المشركين 4.
3 ـ العقيدة الراسخة والمعنويّات العالية، حيث كان المسلمون على درجة عالية من الإيمان وقوّة الروح المعنويّة، وقاتلوا بكلّ بسالة وأظهروا من الشجاعة ما أثار دهشة المشركين.
4 ـ الإمداد الغيبيّ، الذي حصل على عدّة وجوه، مثل نزول الملائكة على المسلمين بالنصر وحضورهم في ساحة المعركة، وإلقاء الرعب في قلوب المشركين 5.
* دروس من سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، إعداد جمعية المعارف الإسلامية، ط3، بيروت/لبنان، 2007م/1426هـ، ص 69-72.
1- آل عمران: 123.
2- الأنفال: 65 ـ 66.
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج13، ص279.
4-م.ن، المقدّمة ص24.
5- راجع: سورة الأنفال، الآيتان: 9 و17.