مكارم الأخلاق
ولادة الإمام المجتبى(ع)
حجَّ الإمام الحسن عليه السلام خمساً وعشرين مرةً ماشياً، والنجائب تقاد من بين يديه. وكلما مرَّت به طائفة صعقت وخفت بالنزول إجلالاً لسموِّه وكبير مكانته. فلم يزل حتى يعدل بطريقه عن الشارع العام، ليبلغ في تذلله للخالق كلّ مبلغ.
عدد الزوار: 385
أ - العابد الزاهد
1- حجَّ الإمام الحسن عليه السلام خمساً وعشرين مرةً ماشياً، والنجائب تقاد من بين يديه. وكلما مرَّت به طائفة صعقت وخفت بالنزول إجلالاً لسموِّه وكبير مكانته. فلم يزل حتى يعدل بطريقه عن الشارع العام، ليبلغ في تذلله للخالق كلّ مبلغ.
2- وكان إذا ذكر اللـه عزَّ وجلَّ بكى، وإذا سُمِّي لديه القبر بكى، وإذا قيل في البعث شيء بكى، وإذا ذُكِّر بالصراط في المعاد بكى. وأما إذا ذُكر لديه العَرض الأكبر إذ الخلائق بين يدَي اللـه القدير، كلٌ ينظر في شأنه، ولهم شؤون تغنيهم عن الآخرين، فهناك شهق شهقة وغشي عليه خوفاً وذعراً.
أما إذا حدَّث بالجنة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل اللـه الجنة واستعاذ به من النار.
وإذا توضـــأ فإنه كان يصفرُّ لونُه وترتعدُ فرائصُه، فإذا قام إلى الصلاة اشتد اصفرار لونه وارتعاد فرائصـه.
3- وأما أمواله فقد قاسَمَ اللـه فيها ثلاثَ مرات، نصفاً بذل ونصفاً أبقى. وقد خرج من ماله كله مرتين في سبيل اللـه، فلم يبقَ له شيء إلا أعطاه في سبيل اللـه.
4- ولا تمر عليه حال من الأحوال إلاّ ذكر اللـه عزّ وجلّ رغَباً ورهَباً.
5- أما ما قال فيه معاصروه، فقد قالوا: وكان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم بالدنيا.
ولقد أفرد بعض الكتّاب الأولين، موضوع زهد الإمام الحسن عليه السلام في مجلد خاص، مثل محمد بن علي بن الحسين بن بابويه المتوفي سنة 381 في كتابه (كتاب زهد الحسن عليه السلام).
ب - المهيب الحبيب
1- قال واصفوه: ما رآه أحد إلاّ هابه، وما خالطه إنسان إلاّ أحبّه، ولا سمعه عدوٌ له أو صديقٌ خاطباً فاجترأ عليه بالتكلم واللغو. وقالوا في شمائله أيضاً: لم يكن أحد أشبه برسول اللـه صلى الله عليه واله وسلم من الحسن بن علي عليه السلام ، خلقاً وخُلقاً وهيئة وهدياً وسؤدداً.
وقالــوا كذلك: كــان أبيــض اللــــون مُشْربــاً بحمــرة، أدعــج العينيــن سهـــل الخدَّيــــن كَثَّ اللحية جَعْد الشعر كأنَّ عنقه إبريق فضة، حسن البدن، بعيد ما بين المنكبَين، عظيم الكراديس رقيق المرية ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، مليحاً من أحسن الناس وجهاً.
2- كـــان الإمام عليه السلام ، محبوباً لدى الجميع، يكرمه البعيد والقريب سواء، ومن مظاهر محبوبيته العامة، أنه كان يفرش له بباب داره في المدينة، يجلس يقضي حوائج الناس ويحل مشاكلهم، فكلّ من يمرّ به يقف هنيئة يسمع حديثه، ويرى شمائله ويتزود بها من شمائل الرسول الأكرم وملامحه صلى الله عليه واله وسلم ، فلا يزال حتى ينسد الطريق دون المّارة. فإذا عرف الإمام ذلك قام ودخل لكي لا يسبب قطع الطريق.
3- وقال فيه محمد بن إسحاق: ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول اللـه صلى الله عليه واله وسلم ، ما بلغ الحسن بن علي.
4- وقال فيه الزبير: واللـه ما قامت النساء عن مثل الحسن بن علي.
5- وكان ابن عباس يأخذ بركاب الحسن والحسين على عادة من يريد أن يبالغ في تواضعه إلى أحد، ويعرف الناس مدى خضوعه لسموِّه، فإنه كان يقود له الراحلة كالذي يُستأجر لذلك بالمال. فكان ابن عباس يصنع ذلك للحسين، فرآه ذات مرة مدرك بن زياد، فاندهش إذ رأى شيخ المفسرين يصنع هذا الإكرام بالحسين، فقال أنت أسنّ منهما تُمسك لهما بالركاب. فصاح ابن عباس في وجهه: يالكع!! وما تدري من هذان؟. هذان ابنا رسول اللـه. أوليس مما أنعم اللـه عليّ به أن أُمسك لهما وأسوِّي عليهما؟.
6- وقد سبق أنَّه إذا امتطى الصحراء إلى مكة ماشياً، ورآه ملأ من المسلمين نزلوا يمشون إلى جنبه ولا يركبون حتى يعدل عنهم.
ج - الجواد الكريم
1- أتاه رجل يطلب حاجة وهو يستحيي من الحاضرين أن يفصح عنها، فقال له الإمام: اكتب حاجتك في رقعة وارفعها إلينا. فكتب الرجل حاجته ورفعها. فضاعفها له الإمام مرتين، وأعطاه في تواضع كبير.
فقال له بعض الشاهدين ما كان أعظم بركة الرقعة عليه، يابن رسول اللـه!. فقال: بركتها إلينا أعظم حين جعلنا للمعروف أهلاً، أما علمت: إن المعروف ما كان ابتداءً من غير مسألة. فأمَّا مَن أعطيته بعد مسألة فإنما أعطيته بما بذل لك من وجهه. وعسى أن يكون بات ليلته متململاً أرقا، يميل بين اليأس والرجاء ليعلم بما يرجع من حاجته أبكآبة ردّ، أم بسرور النجح، فيأتيك وفرائصه ترعد، وقلبه خائف يخفق، فإن قضيت له حاجته فيما بذل من وجهه فإن ذلك أعظم مما ناله من معروفك.
2- وجاءه رجل يسأل معروفاً، فأعطاه خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار، وقال له: إئت بحمّال لك، فأتى بحمال فأعطاه طيلسانه وقال هذا كرى الحمّال.
3- وجاءه أعرابي يريد أن يسأله حاجة، فقال الإمام لمن حوله: أعطوه ما في الخزينة. فوجد فيها عشرون ألف درهم، فدفعت إليه قبل أن يسأل. فاندهش الأعرابي وقال: يا مولاي ألاّ تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي، فأنشأ الإمام يقول:
نحـــــنُ أنـــاسٌ نـــــوالـــنـــــا خضـــلٌ * يرتـــعُ فــــيـــه الــــرجــــاءُ والأمــــلُ
تــجـــــودُ قبـــلَ الســؤالِ أنــفسُنــــــــا * خوفاً علــــى مــــاء وجْــــهِ مَن يَســَلُ
4- وحجّ ذات سنة هو وأخوه الإمام الحسين عليه السلام ، وعبد اللـه بن جعفر، ففاتتهم أثقالهم فجاعوا وعطشوا، فرأوا عجوزاً في خباء فاستسقوها فقالت هذه الشويهة، أحلبوها واستطعموها، فذبحت لهم شاتها وشوتها، فلما طعموا قالوا لها: نحن نفر من قريش، نريد هذا الوجه، فإذا عدنا فَمُرِّي بنا، فإنا صانعون بك خيراً. ثم مضت بها الأيام وأضرت بها الحال، فرحلت حتى وصلت المدينة المنورة. فرآها الحسن عليه السلام ، فعرفها فقال لها: أتعرفينني؟. قالت: لا. قال: أنا ضيفك يوم كذا وكذا. فأمر لها بألف شاة وألف دينار، وبعث بها إلى الحسين عليه السلام ، فأعطاها مثل ذلك ثم بعثها إلى عبد اللـه بن جعفر، فأعطاها مثل ذلك.
5- وتنازع رجلان، هذا أموي يقول: قومي أسمح، وهذا هاشمي يقول: بل قومي أسمح.
فقال أحدهما: فاسألْ أنت عشرة من قومك، وأنا أسأل عشرة من قومي، يريد أن يسأل كلٌّ عطاء عشرة من قومه، فينظروا أيّ القومين أسخى وأسمح يداً. ثم إذا عرفوا ذلك أرجع كلّ منهما الأموال إلى أهلها، كلّ ذلك شريطة أن لا يخبرا من يسألاه بالأمر.
فانطلق صاحب بني أمية فسأل عشرة من قومه فأعطاه كلّ واحد منهم ألف درهم. وانطلق صاحب بني هاشم إلى الحسن بن علي فأمر له بمائة وخمسين ألف درهم، ثم أتى الحسين فقال: هل بدأت بأحد قبلي؟ قال: بدأت بالحسن، قال: ما كنت أستطيع أن أزيد على سيدي شيئاً، فأعطاه مائة وخمسين ألفاً من الدراهم، فجاء صاحب بني أمية يحمل عشرة آلاف درهم من عشرة أنفس وجاء صاحب بني هاشم يحمل ثلاثمائة ألف درهم من نفسَين، فغضب صاحب بني أمية، حيث رأى فشله في مبادراته القبلية.
فردّ الأول حسب الشرط ما كان قد أخذه من بني أمية فقبلوه فَرحِين، وجاء صاحب بني هاشم الحسن والحسين يردّ عليهما أموالهما فأبيا أن يقبلاهما قائلين: ما نبالي أخذتها أم ألقيتها في الطريق.
د - المتواضع الحليم:
1- مرّ بطائفة من الفقراء جلوساً على كسيرات من الرغيف يأكلونها، فلما رأوا موكب الإمام قاموا إليه، ودعــــوه إلى طعامهم قائلين هلّم يابن رسول اللـه إلى الغداء، فنزل وهو يقول:"إن اللــه لايحب المتكبريــــن"وجعل يأكل معهم ثم دعاهم إلى ضيافته فأطعمهم وكساهم.
2- وعصفت به ظروف عصيبة أن لو مرت على الجبال لتدكدكت، وازدحمت فوق كتفيه مسؤوليات عظيمة فاضطلع بها وتغلب على صعابها في حلم وأناة، مما دفع أشدّ الناس عداوة له - وهو مروان - إلى أن يقول: كان من حلمه ما يوازن به الجبال. وكانت صفة الحلم أبرز سماته عليه السلام ، حيث كان يشبّه فيها بالنبي صلى الله عليه واله وسلم 1.
1-الامام الحسن قدوة وأسوة / اية الله مدرسي.
2012-08-03