يتم التحميل...

لماذا لا يصح أن نعجب بأعمالنا؟!

إضاءات إسلامية

لماذا لا يصح أن نعجب بأعمالنا؟!

عدد الزوار: 10


 
كون مصيبتنا من المتدينين المعجبين بدينهم وأعمالهم أكثر من كونها بسبب غير المتدينين. إن كل مصائبنا وآلامنا من عندنا ومن قِبَلنا. لا يحقّ لأحد أن يدعي التديّن أو يحافظ على ظاهره الديني، وهو لم يحضر في الليل في مجالس الدعاء والمناجاة، أو لم يعلُ صوت صجيجه على سجادة عبادته، وحتى أولئك الذين ترتفع أصوات ضجيجهم في جوف الليل على سجادتهم لا يُدرى إلى ماذا سوف تنتهي عاقبتهم.

«خَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ مُتَوَجِّهاً إِلَى دَارِهِ وَقَدْ مَضَى رُبْعٌ مِنَ اللَّيْلِ وَمَعَهُ كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ وَ كَانَ مِنْ خِيَارِ شِيعَتِهِ وَ مُحِبِّيهِ فَوَصَلَ‏ فِي‏ الطَّرِيقِ‏ إِلَى‏ بَابِ رَجُلٍ يَتْلُو الْقُرْآنَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَيَقْرَأُ قَوْلَهُ تَعَالَى‏ ﴿أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾‏ بِصَوْتٍ شَجِيٍّ حَزِينٍ فَاسْتَحْسَنَ كُمَيْلٌ ذَلِكَ فِي بَاطِنِهِ وَأَعْجَبَهُ حَال الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ شَيْئاً فَالْتَفَتَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ إِلَيْهِ وَقَالَ يَا كُمَيْلُ لَا تُعْجِبْكَ طَنْطَنَةُ الرَّجُلِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَسَأُنَبِّئُكَ فِيمَا بَعْدُ فَتَحَيَّرَ كُمَيْلٌ لِمُكَاشَفَتِهِ لَهُ عَلَى مَا فِي بَاطِنِهِ وَلِشَهَادَتِهِ بِدُخُولِ النَّارِ مَعَ كَوْنِهِ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَتِلْكَ الْحَالَةِ الْحَسَنَةِ ومَضَى مُدَّةٌ مُتَطَاوِلَةٌ إِلَى أَنْ آلَ حَالُ الْخَوَارِجِ إِلَى مَا آلَ وَقَاتَلَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَكَانُوا يَحْفَظُونَ الْقُرْآنَ كَمَا أُنْزِلَ فَالْتَفَتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) إِلَى كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالسَّيْفُ فِي يَدِهِ يَقْطُرُ دَماً وَرُءُوسُ أُولَئِكَ الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ مُحَلَّقَةٌ عَلَى الْأَرْضِ فَوَضَعَ رَأْسَ السَّيْفِ عَلَى رَأْسٍ مِنْ تِلْكَ الرُّءُوسِ وَقَالَ يَا كُمَيْلُ‏ ﴿أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِم﴾ أَيْ هُوَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الَّذِي كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَأَعْجَبَكَ حَالُهُ فَقَبَّلَ كُمَيْلٌ قَدَمَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ اللَّه‏»([1]).
 
لا يصح أن نعجب بأنفسنا وبأعمالنا:
لا ينبغي أن يعجب المتديّنون بأنفسهم ولا أن يعوّلوا على أنفسهم وعليهم أن يتضرّعوا ويضجّوا إلى الله. وحتى بعد بكائهم ومناجاتهم لا يستطيع أحد أن يضمن عاقبتهم! أحيانا يغفر الله للعاصين والمذنبين بأنّة ودمعة وتوبة مختصرة، أما نحن المتدينون الذين ننتحل التديّن ومودّة أهل البيت (عليه السلام) فقد تغلق أبواب المغفرة في وجوهنا. فيجب أن نراقب أنفسنا.

يجب يجب أن يكون لكم بكاء أيها الصالحون وأن يكون بكاؤكم شديداً، كما كان الحرّاس الشخصيّون للسيد الإمام يتعجبون من شدّة بكاء السيد الإمام، فقد نقل عنهم: أن الإمام كان يجعل منشفة بجانب سجادته في أواخر عمره، إذ لم يكن تكفيه المنشفة لتنشيف دموعه. هكذا كان إمامنا! هكذا يجب أن تتغيّر ملامح مدننا ويجب أن يتأسى الشباب المتديّنون بإمامهم وقائدهم. ليراجع بعض المتدينين الذين ليسوا أهل البكاء والإنابة أنفسهم ولينظروا أي دين هذا الذي يدّعوه لأنفسهم! فليت شعري أهم عبّاد متديّنون أم أصحاب دكاكين؟!
 
لا أحد كان يتوقع أن يكون ابن ملجم هو قاتل علي (عليه السلام):
لم يكن أحد يتوقّع أن يجرّ ابن ملجم سيفه ويضرب به رأس أمير المؤمنين (عليه السلام)، إذ كان أقرب من كثير من الناس إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، حتى أن الإمام الحسن (عليه السلام) التفت إليه بعد ما ارتكب جريمته العظمى وقال: «یَا عَدُوَّ اللَّهِ هَذَا کَانَ جَزَاؤُهُ مِنْكَ بَوَّأَكَ وَأَدْنَاكَ وَقَرَّبَكَ وَحَبَاكَ وَفَضَّلَكَ عَلَى غَیْرِكَ»([2])، هذه ليست بقضيّة بسيطة ولا ينبغي أن نمرّ عليها مرور الكرام.

هذا أحد الأدعية المذكورة في القرآن في حسن العاقبة: ﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَیْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب﴾([3]) فادعوا به كثيرا في قنوت صلواتكم، فالتقرب من الله أكثر يستلزم بكاءً بين يديه وتضرّعا إليه.
 
الشيطان ينصب حبائل كيده للمتدينين أكثر من غيرهم:
ينصب الشيطان حبائل كيده للمتديّنين أكثر من غيرهم فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «يَا عَبْدَ اللَّهِ لَقَدْ نَصَبَ إِبْلِيسُ حَبَائِلَهُ فِي دَارِ الْغُرُورِ فَمَا يَقْصِدُ فِيهَا إِلَّا أَوْلِيَاءَنَا»([4]) والشيطان نفسه كان متديّنا فقد كان قد عبد الله ستة آلاف سنة ولكن أحبط عمله الطويل كله؛ «فَاعْتَبِرُوا بِمَا کَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بِإِبْلِیسَ إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِیلَ وَجَهْدَهُ الْجَهِیدَ وَکَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ»([5]) فهو يشعر بالانتعاش والنشوة إن استطاع أن يحرف متديّنا. أمّا الإنسان المنحرف من بداية حياته فلا قيمة له عند الشيطان، إذ هو يبحث عن المتديّنين ليغويهم ويحرفهم عن الصراط المستقيم.

ولكن في مقابل هذا العدوّ اللدود والشيطان الرجيم نحن عندنا أمير المؤمنين (عليه السلام) فلنستعن بإمامنا ونتوسّل به إلى الله ليأخذ بأيدينا وينجينا من حبائل الشيطان...
 
سماحة الشيخ علي رضا بناهيان - بتصرّف


([1]) إرشاد القلوب/ج2/ص226
([2]) بحار الأنوار/ج42/ص285
([3]) آل عمران/8
([4]) تحف العقول/301
([5]) نهج البلاغة/الخطبة192

2021-04-29