يتم التحميل...

هل يصحّ إلغاء المعاهدة من جانب واحد

الحج

نحن نعرف أنّ الإِسلام أولى أهمية قصوى للوفاء بالعهد والإِلتزام بالمواثيق حتى مع الكفار والمشركين، وهنا ينقدح سؤال وهو: كيف أمر القرآن بإلغاء العهود التي كانت بين المسلمين والمشركين من جانب واحد؟!

عدد الزوار: 18

نحن نعرف أنّ الإِسلام أولى أهمية قصوى للوفاء بالعهد والإِلتزام بالمواثيق حتى مع الكفار والمشركين، وهنا ينقدح سؤال وهو: كيف أمر القرآن بإلغاء العهود التي كانت بين المسلمين والمشركين من جانب واحد؟!

ويتّضح الجواب بملاحظة الأُمور التالية:

أوّلا: كما صرّح في الآيتين (7) و(8) من سورة اليراءة فإنّ إلغاء هذا العهد لم يكن دون أية مقدمة، بل هناك قرائن ودلائل ظهرت من جانب المشركين تدلّ على نقضهم عهدهم، وأنّهم كانوا على استعداد ـ في ما لو استطاعوا ـ أن يوجهوا ضربةً قاضية للمسلمين دون أدنى اعتناء بعهودهم التي عاهدوها، ومن المنطقي أنّه إذا رأى الإِنسان عدوّه يتربص به ويستعد لنقض عهده، ولديه قرائن على ذلك وعلائم واضحة أن ينهض لمواجهته قبل أن يستغفله ويعلن إلغاء عهده ويردّ عليه بما يستحق.

ثانياً: ما المانع من إلغاء العهود والمواثيق التي تُفرض في ظروف استثنائية على بعض الأُمم والشعوب ـ فيضطرون مكرهين على قبولهم والرضا بها ـ من جانب واحد إذا حصلوا على القدرة الكافية لإِلغائها.

وعبادة الأصنام ليست عقيدةً ولا فكراً، بل هي خرافة ووهم باطل خطر، فيجب القضاء عليها وإزالتها من المجتمع الإِنساني، فإذا كانت قوة عَبَدة الأصنام وقدرتهم بالغة في الجزيزة العربية، وكان النّبي صلى الله عليه وآله وسلم مجبوراً على معاهدتهم ومصالحتهم، فإنّ ذلك لا يعني أنّه لا يحق له إلغاء ـ معاهدته إذا ما قويت شوكته ـ وأن يبقى على عهده الذي يخالف العقل والمنطق والدراية.

وهذا يشبه تماماً ظهور مصلح كبير ـ مثلا ـ بين عبدة البقر، فيقوم بعمل إعلامي كبير، وحين يواجه ضغوطاً شديدة يضطر إِلى عقد هدنة بينهم وعندما يجتمع له أتباع بقدر كاف ينتفض لإِزالة هذه الخرافة، والأفكار المنحطة، ويلغي معاهدته.

ولهذا نلحظ أنّ هذا الحكم مختص بالمشركين، أمّا أهل الكتاب وسائر الأقوام الذين كانوا في أطراف الجزيرة العربية من الذين كانَ بينهم وبين النّبي نوع من المواثيق والمعاهدات، فقد بقيت على حالها ولم يلغ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم مواثيقهم وعهودهم حتى وفاته.

أضف إِلى ذلك أن إلغاء عهود المشركين لم يكن قد حدث بصورة مفاجئة، بل أمهلوا مدّة أربعة أشهر، وأُعلن هذا القرار في الملأ العام، وفي اجتماع الحاج يوم عيد الأضحى، وفي البيت الحرام، لتكون لهم الفرصة الكافية للتفكير، ولتحديد الموقف، لعلهم يرجعون عن تلك الخرافة التي كانت أساس تفرقتهم وتشتتهم وجهلهم، ويرتدعون عن خيانتهم. والله سبحانه لم يرض لهم أن يكونوا غافلين عن هذا القرار، فلم يسلبهم فرصة التفّكر، فإنّ لم يُسلموا فقد كانت لهم الفرصة الكافية للإِستعداد للمواجهة القتالية والحرب، لئلا تكون المواجهة غير متكافئة الطرفين.

فلو لم يكن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ليرعى الأُصول الإِنسانية والأخلاقية لما كان أمهلهم مدّة أربعة أشهر، والفرصة الكافية لأن توقظهم من نومتهم; أو يستعدوا لتهيئة القوّة القتالية المناسبة لمواجهة المسلمين ومحاربتهم إيّاهم بها.

أجل، لو لم يكن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك لما أمهلهم ولحاربهم من يوم إلغاء المعاهدة! ومن هنا فإنّنا نجد الكثير من أُولئك المشركين ـ عبدة الأصنام ـ راجعوا أنفسهم وفكروا مليّاً في التعاليم الإِسلامية حتى ثابوا إِلى رشدهم واعتنقوا الإِسلام.1


1- الأمثل في تفسير الكتاب المنزل/ مكارم الشيرازي ج5_ص527_529.

2011-11-01