يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه أهالي مدينة قم المقدسة بمناسبة انتفاضة19 دي

2020

حول حادثة التاسع عشر من دي ينبغي أن نفكر ونستلهم الدروس. أكثركم أيها الإخوة والأخوات المتفضلون بالحضور هنا لم تكونوا موجودين تلك الأيام.

عدد الزوار: 17

كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه أهالي مدينة قم المقدسة بمناسبة انتفاضة19 دي_8/1/2020
 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، لا سيما بقية الله في الأرضين.

أرحّب بكم أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات، أهالي مدينة قم الأعزاء الباعثون على الفخر. تقام هذه المراسم بعظمة كلَّ عامٍ منذ 40 أو 41 سنة. والشعب في كل أنحاء البلد تتسمّر عيونهم على أهالي مدينة قم في يوم التاسع عشر من دي [9 كانون الثّاني 1978م] بمناسبة ذلك الحدث المهم الصانع للتاريخ . أشير باختصار إلى قضية التاسع عشر من دي وحادثة قم. وأشير بعد ذلك إلى شهيد هذه الأيام العزيز، الشهيد سليماني.

حول حادثة التاسع عشر من دي ينبغي أن نفكر ونستلهم الدروس. أكثركم أيها الإخوة والأخوات المتفضلون بالحضور هنا لم تكونوا موجودين تلك الأيام. ولم تشهدوا تلك الأيام. لكن ذكرى تلك الأيام حيّة. وعلينا أن نستلهم الدروس من هذه الذكرى الحيّة. ينبغي أن يكون الماضي دومًا دليلًا وسراجًا ينير لنا درب المستقبل. حادثة التاسع عشر من دي هي أنّ أهالي مدينة قم وضعوا الأرواح على الأكف مقابل قوّات نظام الطاغوت المسلّحة القاسية القلب، دفاعًا عن مكانة مرجعية قائد الثورة العظيم الكبير [الإمام الخميني] الذي لم يكن في إيران حينها. لم يكن الناس يمتلكون أي شيء. كانت أيديهم خالية تمامًا. فما الدّافع الذي ساقهم إلى وسط الميدان؟ الإيمان والغيرة الدينية. لاحظوا أن هاتين مفردتان أساسيتان: الإيمان والغيرة الدينية. وحينما جاء أولئك الأهالي – وكانوا حشدًا من أهالي قم طبعًا – إلى الشوارع وواجهوا الشرطة وقوات النظام واستشهد بعضهم وجُرح الآخر، وتصوّر عناصر الطاغوت حسب أوهامهم أنهم قد سحقوهم ودمّروهم. لم يكن أولئك المنتفضون من أهالي قم ولا الآخرون يتصورون إطلاقًا أن هذا التحرك سيكون مصدر تحوّل عظيم، لا في البلد وحسب بل، في العالم. أليس كذلك؟ ذاك التحرك الذي صدر عن الناس في ذلك اليوم بدافع الإيمان والغيرة الدينية، بارك الله تعالى به واستمر. ودفعت مناسبات الأربعين[1] الناس تباعًا إلى الساحات، وقام الإمام الخميني العظيم بدوره القيادي، وأفضى الأمر إلى القيام العظيم في شهر بهمن من السنة التالية أي سنة 57 [شباط 1979 م]. إنّ تحرك عدد من أهالي مدينة قم المخلصين أطلَق مثل تلك الثورة العظيمة. طبعًا هناك عوامل وأسباب كثيرة. المهم أن منطلق هذه الحركة كان خطوة قام بها الناس بدافع الإيمان والغيرة الدّينية. هذا ما ينبغي أن نتذكره دومًا. يمكننا أن ننجز أعمالًا كبيرة ببركة الإيمان والغيرة الدينية. كما تم إنجاز عمل كبير في تلك القضية، ووقعت حادثة كبيرة وقامت ثورة هزت العالم وغيّرته وغيّرت التاريخ؛ غيّرت مسير تاريخ البلد ومسير تاريخ المنطقة وربما مسير تاريخ العالم -وهذا ما سوف يتمّ الحكم عليه لاحقًا. لننظر إلى العون الإلهي بهذا المنظار. ولننظر للهداية الإلهية وليَد القدرة الإلهية بهذا الشكل في كل أحداث حياتنا. ذلك اليوم، كانت أيدي الناس خالية؛ أما اليوم فأيدينا ليست خالية بحمد الله. أيدينا مليئة. الشعب الإيراني اليوم مجهّز مقابل عتاة العالم. بيد أن الاعتماد ليس فقط على الأدوات والمعدات العسكرية. الأدوات العسكرية تؤثر عندما تعتمد على الإيمان والغيرة الدينية تلك. حينئذ [فقط] تؤثر الأدوات العسكرية وتكون مفيدة. هذا ما ينبغي أن نتذكره اليوم دومًا ونحن مقابل جبهة الأعداء الواسعة. حين يقول الله تعالى: «كم مِن فِئَةٍ قَليـلَةٍ غَلَبَت فِئَـةً كثيرَةً بإذن‌ الله»[2] فهنا أحد المصاديق. أحيانًا تنتصر فئة قليلة على جبهة كبيرة واسعة جدًّا بفضل القدرة الإلهية. [وذلك] عندما تكون تلك الفئة متّكئة على الإيمان والغيرة الدينية.

لا تدعوا هذا الدرس يُنسى يا أعزائي! سواء المسؤولون الإعلاميون في البلاد أو العلماء الأجلّاء في قم وغيرها من المناطق في البلد، أو الشباب الناشطون في المجالات الثقافية وصولًا إلى جميع أفراد الشعب. لا تدعوا هذا الدرس منقطع النظير، الذي وقع أمام أنظارنا، يُنسى. درس الانطلاقة المظلومة المستندة على الإيمان والغيرة الدينية والبركة التي يمن الله تعالى بها على مثل هذا التحرك والأحداث العظمية التي تتلوها. يكرر الله تعالى في مواطن عديدة من القرآن هذه القضية وهي أن لا تستسلموا للنسيان وذلك في إشارته للأمم السالفة. يقول: «وَلا يكـونوا كالَّذينَ اوتُوا الكتابَ مِن قَبلُ فَطالَ عَلَيهِمُ الاَمَدُ فَقَسَت قُلوبُهُم»[3] اكتسب بنو إسرائيل ذات يوم قوة معنوية استطاعوا بها الانتصار على فرعون والصمود والمقاومة مع أن رجالهم ونساءهم وأبناءهم كانوا تحت تعذيب فرعون، إلى أن فتح الله تعالى الدرب أمامهم ومنّ عليهم بمثل ذلك الفرج العظيم بإغراق فرعون وأعوانه. لكن بني إسرائيل هؤلاء أنفسهم بعد فترة وجيزة «فَطالَ عَلَيهِمُ الاَمَدُ فَقَسَت قُلوبُهُم»[4] عندما مضى عليهم الزمن بعض الشيء خرجوا عن حالهم الأول وقست القلوب وثقلت مع مرور الزمن. وفقدوا ذلك التوكل وتلك الثقة بالله وتلك الحركة في سبيل الله وذلك الصبر وتلك الاستقامة. فكانت النتيجة «وَضُرِبَت عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ وَالمَسكنَةُ وَ باءوا بِغَضَبٍ مِنَ‌ الله»[5]. هذه إحدى الآيات. وهناك آيات عديدة أخرى. قال النبي موسى لبني إسرائيل: «اَفَطالَ عَلَيكمُ العَهد»[6] لقد كنتم إلى الأمس تحت عذاب فرعون وضغوطه فهل مضى زمن طويل حتى نسيتم وصرتم تقولون «اِجعَل لَنا اِلهًا كما لَهُم ءالِهَة»[7] هذه دروس. وهذا ما أكرّره دومًا. والحمد لله أن الشباب المؤمن المندفع المتحفز في البلد اليوم أعظم بكثير كمًا ونوعًا مما كان في بداية الثورة. هكذا هو الوضع اليوم؛ لسنا غير راضين. ولكن دققوا في أن يتم عبور الطريق بشكل صحيح. وعلينا أن لا ننسى هذا الدرس القرآني والنبوي والإلهي الكبير؛ بأن الله تعالى يمدّ يد عونه «وَمَن يتَوَكل على اللهِ فَهُوَ حَسبُه»[8] ولنتذكره دومًا.

أما عن شهيدنا العزيز هذا؛ فأشير إلى نقطتين أو ثلاث حول شهيدنا العزيز الحاج قاسم سليماني:
ومنها ما يتعلق بشخصيته. وقد كان هناك خلال هذه الأيام الكثير من الكلام عن هذا الإنسان العظيم وهذا الرفيق الجيّد والعزيز والشجاع والمحظوظ الذي التحق بالملكوت الأعلى. وقيل الكثير من الكلام الصحيح حول خصوصياته. لكنني أريد أن أذكر عدة نقاط أعتقد أنها مهمة:

أولًا كان الشهيد سليماني شجاعًا ومدبّرًا على السواء. لم يقتصر الأمر على الشجاعة؛ فالبعض لديهم الشجاعة لكنهم لا يمتلكون التدبير والعقل اللازم لاستخدام هذه الشجاعة. والبعض الآخر هم من أهل التدبير، لكنهم ليسوا أهل الإقدام والعمل. ولا يتحلّون برباطة الجأش اللازمة للعمل. شهيدنا العزيز هذا كان يمتلك رباطة الجأش. يقع في فوهة الخطر غير آبه. ليس فقط في أحداث هذه الأيام، بل خلال فترة الدفاع المقدس أيضًا. وفي قيادة لواء ثار الله. وكان أيضًا صاحب تدبير؛ فكان يفكر ويدبر. وكان ذا منطق في أعماله. كانت الشجاعة والتدبير توأمين؛ ليس في الساحات العسكرية فقط، بل كان الأمر كذلك في الساحة السياسية أيضًا. وقد قلت هذا مرارًا للأصدقاء الناشطين في المجال السياسي، وكنا نشاهد سلوكه وأعماله. في الميدان السياسي أيضًا كان شجاعًا وكان مدبّرًا في الوقت نفسه. وكلامه كان مؤثّرًا ومقنعًا وفاعلًا. وفوق كل هذا إخلاصه؛ فقد كان مخلصًا ينفق أداتي الشجاعة والتدبير هاتين في سبيل الله. ولم يكن من أهل التظاهر والرياء وما إلى ذلك. الإخلاص مهم جدًّا. لندرّب أنفسنا على الإخلاص.

خصوصية أخرى كانت أنّه كان قائدًا مقاتلًا بارعًا في المجال العسكري. وفي الوقت نفسه كان دقيقًا جدًّا في مراعاة الحدود الشرعية.

قد ينسى الأفراد أحيانًا الحدود الإلهية في ساحة الحرب. فيقولون [مثلًا]: ليس الآن وقت هذا الكلام... أما هو فلا، كان حذرًا. في الموضع الذي لا ينبغي فيه استخدام السلاح لم يكن يستخدم السلاح. كان يحذر من أن يحصل اعتداء أو ظلم على أحد. كان يحتاط ويلتزم في أمور لا يرى كثيرون أنها ضرورية في الميدان العسكري. أما هو فكان يلتزم ويحتاط. كان يقع في فوهة الخطر لكن يحفظ أرواح الآخرين ما استطاع. كان حذرًا على أرواح من معه وجنوده وزملائِه من الشعوب الأخرى ممن كانوا إلى جانبه.
ذائبٌ في الثورة..

نقطة مهمة [أخرى] أنه لم يكن في إطار القضايا الداخلية في البلد من أهل الأحزاب والأجنحة [السياسية] وما شاكل ذلك. [خصوصًا أنّ] تلك الأمور تتعلق في الغالب بكفاحه ونشاطاته الإقليمية. لكنه كان ثوريًّا بشدة. كانت الثورة والنزعة الثورية خطه الأحمر الحاسم. فلا يحاولنّ البعض صرف الأنظار عن هذا الأمر. هذا هو واقعه. كان ذائبًا في الثورة. وكانت النزعة الثورية خطه الأحمر. لم يكن [مهتمًا] بعوالم التقسيمات إلى أحزاب متنوعة وأسماء مختلفة وفئات وتيارات شتى وما شابه ذلك. أما فيما يخص عالم النزعة الثورية فنعم [كان مهتمًا]. كان ملتزمًا بالثورة أشد الالتزام. ملتزمًا بالخط المبارك النوراني للإمام الخميني الراحل (رضوان الله عليه).

أحبط مخطّطات أمريكا في المنطقة
من نماذج تدبيره وشجاعته مما يعلمه أعداؤه جيدًا وقد لا يعلمه بعض الأصدقاء: أنه استطاع بمساعدة شعوب المنطقة أو عن طريق المساعدات التي قدمها لشعوب المنطقة، إحباط كل المخططات غير المشروعة لأمريكا في منطقة غرب آسيا. استطاع هذا الإنسان أن يقف بوجه كل المخططات التي أُعدت بأموال وإعلام الأمريكيّين الواسع وبقدراتهم الدبلوماسية وتعجرفهم وتعسفهم مع ساسة العالم وخصوصًا البلدان الضعيفة وأن يُحبط هذه المخططات في منطقة غرب آسيا.

كان مخطط الأمريكيّين لفلسطين هو إيداع قضيّة فلسطين في غياهب النّسيان وإبقاء الفلسطينيين في حالة ضعف فلا يتجرؤوا أن يفكّروا في المواجهة. [لكن] هذا الرجل بسط أيدي الفلسطينيين وملأها. وعمل ما من شأنه تمكين منطقة صغيرة جدًّا مثل شريط غزة لتقف بوجه الكيان الصهيوني بكل ادعاءاته. وتنزل بهم من الويلات والكوارث ما يجعلهم بعد 48 ساعة يطالبون بوقف إطلاق النار. هذا ما فعله الحاج قاسم سليماني. جعلهم أقوياء مبسوطي الأيدي. فعل ما جعلهم يستطيعون الوقوف والصمود والمقاومة. وهذا ما قاله لي إخوتنا الفلسطينيون مرارًا وتكرارًا. وبالطبع كنتُ أعلم ذلك لكنهم هم أيضًا جاؤوا وشهدوا بذلك عندنا. في الزيارات العديدة التي قام بها هؤلاء القادة الفلسطينيون، صرّحوا كلهم بهذا الأمر. ومع ذلك كان الحاج قاسم في الاجتماعات التي غالبًا ما نعقدها مع هؤلاء المسؤولين ممن لهم علاقة بأعماله ومهامه – الاجتماعات الرسمية العادية – كان يجلس في زاوية لا يُرى فيها أصلًا. وفي بعض الأحيان يريد المرء أن يستوضح شيئًا أو يستشهد بشيء فيجب عليه أن يبحث ليعثر عليه (الحاج قاسم)، لم يكن يضع نفسه تحت الأضواء وأمام الأنظار ولا يتظاهر بشيء.

حزب الله يدُ لبنان وعينه!
أُحبطت مخططات أمريكا في العراق وسورية ولبنان بمساعدات وفعاليات هذا الشهيد العزيز. الأمريكيّون يرغبون أن يكون العراق مثل النظام الطاغوتي الإيراني – النظام البهلوي في إيران في زمن الطاغوت – أو النظام السعودي اليوم. منطقة مليئة بالنفط، خاضعة لهم، يفعلون بها ما يشاؤون. وعلى حد تعبير ذلك الشخص «مثل البقرة الحلوب»؛ هكذا يريدون العراق. لكن العناصر العراقية المؤمنة والشجاعة والشباب العراقيين والمرجعية في العراق وقفت بوجه هذه الأمور. وقام الحاج قاسم (رضوان الله تعالى عليه) بمدّ يد العون لهذه الجبهة التعبويّة كمستشار فعّال وساعدهم وظهر كداعم كبير هناك. وهذا ما كان عليه الحال في سورية أيضًا. وكذلك في لبنان. في خصوص لبنان، يريد الأمريكيّون أن يُحرم لبنان من أهم عوامل استقلاله؛ أي قوى المقاومة وحزب الله. ليكون لبنان أعزلَ مقابل إسرائيل لتأتي وتستولي على بيروت مثلما فعلت قبل سنين (عام 1982). لكن حزب الله -بحمد الله- ازداد قوة يومًا بعد يوم. وهو اليوم يد لبنان وعين لبنان. ودور شهيدنا العزيز في هذا الوضع دور مميّز وبارز؛ تدبير وشجاعة من مجاهد شجاع وأخ حريص.

أبو مهدي.. مصداق «وبَيض وَجهِي بنورك»
الشعوب يقظة بحمد الله. الشعوب اليوم يقظة. بيد أن دور الشهيد العزيز ورفاقه المحليّين كان دورًا فذًّا. نظير هذا الشهيد: أبو مهدي (رضوان الله تعالى عليه)؛ هذا الرجل النوراني المؤمن الشجاع الذي يجد الإنسان عندما ينظر له أن وجهه مصداق لـ «وبَيض وَجهِي بنورك»[9] هكذا كان أبو مهدي. الوجه وجه نوراني روحاني إلهي. وقد تمكّن الشهيد سليماني من إنجاز أعمالٍ كبيرة مع أمثال هؤلاء الناس المؤمنين الشجعان النورانيين.

هذا عن الشهيد. وبالطبع يمكن التحدث عن شهيدنا العزيز أكثر من هذا. ولكن هذا المقدار يكفي حاليًّا.

فصل آخر حول الشهيد سليماني هو بركات هذه الشهادة العظيمة.
[كان] في كل مرة يرفع فيها هذا الشهيد العزيز تقريرًا لنا – سواء كان تقريرًا كتبيًّا أو تقريرًا شفهيًّا – عن الأعمال التي قام بها، كنت أُثني عليه قلبيًّا وكلاميًّا. لكنني اليوم أعظِّم ما كان هو سببًا فيه وما حققه للبلاد وللمنطقة[10]. لقد حدث أمر عظيم وقامت قيامة هائلة. روحه المعنوية هي التي جعلت استشهاده بارزًا هكذا. هذه التشييعات الإيرانية وتلك التشييعات العراقية في الكاظمية وفي بغداد وفي النجف وفي كربلاء... ما الذي فعله المشيعون بذلك الجثمان المقطع إربًا إربًا![11] إننا نتقدم لروحه الطاهرة بالشكر من أعماق قلوبنا. 

شهادته أحيت الثورة وفتحت الأعين..
استشهاده أظهر للعالم كله حياةَ الثورة في بلدنا. أراد البعض أن يُظهروا الثورة في إيران وكأنها قد زالت وماتت وانتهت – وبالطبع [لا يزال] البعض يحاول أن يحدث هذا. لكن استشهاده أثبت أن الثورة حية. أرأيتم ما الذي حدث في طهران؟ أرأيتم ما الذي حدث في المدن الأخرى؟ طبعًا أنا أتأسّف وأتألّم عميقًا لهذه الحادثة المريرة التي وقعت في كرمان وتوفّي فيها عدد من أبناء وطننا الأعزاء من الكرمانيين. وأتقدم بالعزاء والسلوان لعوائلهم. وأتمنى أن تحشر الأرواح الطاهرة للمتوفين مع الشهيد سليماني إن شاء الله[12]. لقد فتح الشهيد سليماني الأعين التي يعلوها الغبار بهذه الشهادة. وشعر الأعداء بالخضوع أمام عظمة الشعب الإيراني. وقد لا يبدون ذلك ولكن لا مفر أمامهم. العدو الذي يحاول أن يُقدّم هذا المجاهد العظيم وهذا القيادي في معارك محاربة الإرهاب كإرهابي، هؤلاء الأمريكيّون عديمو الإنصاف، الأمريكيّون الكاذبون، الأمريكيّون الذين يتفوّهون بالترّهات والذين لا يمكن إعطاء أي قيمة لكلامهم. هؤلاء حاولوا العمل بهذه الطريقة. لكن شعب إيران صفعهم على أفواههم.
 
نقطة مهمة [أخرى] جديرة بالاهتمام هي: ما هو واجبنا الآن؟
لقد وقعت حادثة مهمة. قضية الانتقام وما إلى ذلك بحث آخر. لقد تلقوا البارحة صفعة[13] وهذه قضية أخرى. المهم في مقام المواجهة – وهذه الأعمال العسكرية بهذا الشكل لا تكفي لتلك القضية – هو وجوب أن ينتهي التواجد المفسِد لأمريكا في هذه المنطقة. لقد جلبوا الحرب لهذه المنطقة. وجلبوا الاختلافات والفتن والدمار وتخريب البنى التحتية. وهم طبعًا أينما وضعوا أقدامهم في العالم، تصرّفوا بهذه الطريقة. لكن منطقتنا هي الآن أمام أنظارنا. وهم مصرون على أن يجلبوا هذا الفساد وهذا الدمار لإيران العزيزة وللجمهورية الإسلامية. هم مصرّون دومًا. وقضية المفاوضات هذه والجلوس إلى الطاولة وما إلى ذلك هي مقدّمة لتدخّلهم وتواجدهم. ويجب أن تنتهي. هذه المنطقة ترفض تواجد أمريكا في دولها. وشعوب المنطقة ترفض والحكومات المنبثقة من الشعوب ترفض، بلا شك. وهذا بحث مهم آخر وجانب آخر من الموضوع.

واجبنا كشعب وجماهير وكأفراد في الجمهورية الإسلامية هو أولًا معرفة العدو. فلنعرف العدو.
لا تخطئوا في معرفة العدو. لا تقولوا كلنا يعلم بالتالي، نعم، أنتم تعلمون من هو العدو. العدو هو الاستكبار. العدو هو الصهيونية. العدو هو أمريكا. أنتم تعلمون هذا؛ ولكن ثمة مساع واسعة تُبذل من أجل قلب هذه القضية وعكسها وتغيير رأي الناس بأساليب دعائية معقدة. فعلى الجميع أن يحذروا ويدقّقوا. معرفة العدو مهمة جدًا. هذا أولًا. ثم هناك معرفة مخططات العدو وما الذي يفعله وما الذي يريد فعله. ثم معرفة أسلوب مواجهة مخططات العدو. هذا ما يجب على شعبنا معرفته. اعتمادنا هو على شعبنا. وليست الجمهورية الإسلامية بشيء ولا معنى لها من دون إرادة الشعب ودعمه وأصواته المؤيدة الإيجابية. وعلى الشعب أن يعرف العدو ويعرف أساليب عمله ويعرف أساليب مواجهة تلك المخططات. وهذه مهمة أصحاب الفكر. ولحسن الحظ فإن الشجعان المدبرين ليسوا قلائل في بلادنا اليوم. سواء على الصعيد العسكري أو على الصعيد العلمي أو على الصعيد السياسي. لدينا أفراد ذوو تدبير وشجاعة وعلم ووعي. وينبغي الإصغاء لكلامهم. ويجب القيام بشكل صحيح بما يرونه مناسبًا على مستوى البلد وعلى مستوى المجتمع. لا نعاني من قلة في مثل هؤلاء الأفراد. فخرّيجو مدرسة الإمام الخميني يكثر عددهم يومًا بعد يوم لحسن الحظ. ذات مرة قال الإمام الخميني في خصوص الحرب: "إن فتح الفتوح الذي قامت به هذه الثورة هو تربية الشباب وإعداد هذه الغرسات المتوثّبة." هذا ما قاله الإمام الخميني ذات مرة. وكان الحق معه. فقوله هذا صائب تمامًا. هذه حكمة الإمام. فكلّ هذه الفتوح والأعمال والإنجازات المهمة صغيرة مقابل هذا الإنجاز. تربية أفراد مميزين. ولحسن الحظ لدينا اليوم الكثير من هؤلاء الأفراد.

فلنعرف العدو. وأقولها بحسم: العدو هو أمريكا والكيان الصهيوني والجهاز الاستكباري. والجهاز الاستكباري لا يتمثّل بأمريكا فقط، ولا بالحكومات فقط. بل هم مجموعة من الشركات وناهبي العالم وظالميه وما إلى ذلك. وهم يعارضون أي جهة تعارض الظلم والنهب. هؤلاء هم العدو. إننا لا نعتبر الحكومة الفلانية في المنطقة أو خارج المنطقة التي ربما أطلقت ضدنا بعض التصريحات في بعض الأحيان، عدوًّا. هؤلاء ليسوا أعداءً. طالما لم تصدر عنهم تحركات في خدمة العدو وضد الجمهورية الإسلامية فلا نعتبرهم أعداءً. أولئك هم الأعداء. وينبغي عدم الوقوع في خطأ في معرفة العدو. إذا علمنا هذا وإذا علمنا طريقة مواجهة مخطط العدو، فسوف يُكتب لنا النجاح. مخطط العدو هو أن يصاب شبابنا وجماهيرنا بضعف العزيمة والإرادة في مختلف القطاعات. هذا هو المخطط الأساسي للعدو. بثّ الشّكوك والتّرديد في إيمان الناس وعزيمتهم الراسخة. يعني نفس ذلكما العنصرين اللذين أشرت لهما أي المفردتين الأساسيتين: الإيمان والغيرة الدينية. بث الشكوك والارتياب في إيمان الناس وغيرتهم الدينية هو ما ينشده العدو ويطمح إليه. وهم يعلمون أنه لو حصل هذا التشكيك والارتياب، فسوف يترك تأثيراته على القوة الهجومية -وحتى القوة الدفاعية للجمهورية الإسلامية- ويزيلها. لذلك يمارسون مؤامراتهم.

مؤامرات أمريكا.. في كلّ الميادين
طبعًا مؤامرات أمريكا وأمثالها لا تقتصر على هذه الأمور. بل هذه أهمها. فهم يحيكون المؤامرات ضد الجمهورية الإسلامية في المجال السياسي وفي المجال الاقتصادي – وأنتم ترون العقوبات– وفي المجال الأمني. قبل أيام من أحداث شهر آبان [نوفمبر 2019] – هذه الأحداث المتعلقة بالوقود وما شاكل – وفي بلد أوروبي، بلد صغير في أوروبا لكنه شرير وخبيث حقًّا، اجتمع عنصر أمريكي مع عدد من الإيرانيين المرتزقة بائعي الأوطان ضد الجمهورية الإسلامية وراحوا يخططون ويبرمجون. وكان المخطط ما شاهدناه بعد أيام من ذلك في أحداث [رفع سعر] الوقود. أي إن النّاس كانوا مستائين من وضع [سعر] الوقود وخرج عدد منهم معترضين. وبمجرد أن نزل الناس إلى الساحة – طبعًا بعض الناس ولم يكونوا كثيرين – بدأ أولئك المخدوعون المغرضون عملاء العدو بتنفيذ خطتهم تلك. وهي أن يأتوا ويخربوا المواقع الحكومية ومواقع الشعب ويحرقوها ويقتلوا البشر ويهدموا ويبدأوا حربًا. كانت خطة مسبقة. طبعًا حين أقول "قبل أيام من ذلك" فإن ذلك كان تجديدًا للخطة. إنما هذه أعمال كانت معدًّا لها مسبقًا وأعدّوا لها الأفراد وأعطوا بعض المرتزقة أموالًا. وهم يقومون بممارسات من هذا القبيل أيضًا. ويفعلون كل ما بوسعهم. وقد قلت ذلك اليوم أمام الناس[14] حين وقعت تلك الأحداث؛ بأن عناصر الحكومة الأمريكية فرحوا في أمريكا وواشنطن. وقالوا لهذا الطرف إن أمر إيران قد انتهى. وتبين بعد يومين أن أمرهم هم قد انتهى. فعادوا محزونين منزعجين مهمومين جدًّا. ينبغي فهم مخطط العدو. ويجب في مقابل مخطط العدو التركيز على النقاط الأساسية. النقاط الأساسية هي الركائز الفكرية – سواء الركائز الفكرية الإسلامية أو القضايا المتعلقة بالثورة – والوحدة الوطنية. هذه الوحدة التي شوهدت بين الناس لحسن الحظ تحت نعش الجثمان الطاهر للشهيد سليماني ومن معه من الشهداء؛ يجب أن تحفظ وتصان وينبغي أن يكون توجه الناس بهذا الاتجاه: الاتجاه الثوري، اتجاه تكريم رجال الثورة، اتجاه تكريم الشهداء وتكريم كل ما يذكّر بقيم الثورة. 

.. «لِيغيظَ بِهِمُ الكفّار»
ولنعلم كلنا أن عداء هذه الجبهة من الأعداء الذين ذكرت أسماءهم ليس موسميًّا أو فصليًّا. بل هو عداء ذاتي دائم. وسوف يوجّهون ضرباتهم متى ما استطاعوا. وعلاج ذلك هو أن نقوّي أنفسنا. نقويها من الناحية العسكرية، ومن الناحية الأمنية، ومن الناحية السياسية، ومن الناحية الاقتصادية. نقوي أنفسنا من نواح مختلفة، حتى لا يستطيع العدو توجيه ضرباته. وإلا فعداؤه عداء ذاتي. إنه لخاطئ جدًا من يتصور أننا لو تراجعنا خطوة إلى الوراء وتنازلنا قليلًا فسوف يتراجع الأمريكيّون عن العداء. إنه خطأ فادح. أن يوصي البعض بعدم القيام بما يغضب أمريكا – وهذا ما يقوله البعض ويكتبونه في الصحف – فهذا على العكس تمامًا مما يقوله رب العالمين: «وَمَثَلُهُم فِي الإِنجيلِ كزَرعٍ أَخرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى‌ على سُوقِهِ يعجِبُ الزُّرَّاعَ لِيغيظَ بِهِمُ الكفَّارَ»[15]. إنّ نموّ العناصر المؤمنة، هذه الغرسات الطاهرة، هؤلاء الشباب المؤمنين، هو أساسًا «لِيغيظَ بِهِمُ الكفّار». من أجل إغاظة العدو. وهم غاضبون من هذا أكثر. غاضبون من شباب الميدان العلمي. ومن شباب ساحة الجهاد. ومن شباب ميادين الخدمة. ومن شباب الميادين العسكرية. إنهم غاضبون من هذه الأمور.

نتمنى إن شاء الله أن تكون أصواتكم قوية على الدّوام وألسنتكم بليغة ناطقة وخطواتكم راسخة في هذا الدرب. ورحم الله تعالى أعزاءنا الشهداء هؤلاء. الذين استشهدوا مؤخّرًا – الشهيد سليماني والشهيد أبا مهدي ومن كان معهم من الأعزاء العراقيين منهم والإيرانيين –  ورحم الله كل الذين يعبّدون مسيرة هذا الشعب.

وقرار مجلسنا بالأمس[16] كان قرارًا جيّدًا جدًّا. وقرار البرلمان العراقي قبل أمس أيضًا كان قرارًا جيّدًا جدًّا. وهو قرار إخراج أمريكا من العراق. نتمنى أن يوفّقهم الله جميعًا ويعينهم إن شاء الله ليتمكّنوا من تكليل هذا المسار بالنّجاح حتّى النّهاية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[1] - المدن التي أحيت مناسبات أربعين شهداء قم وسلسلة الأربعينيات..
[2] سورة البقرة، آية 249.
[3] سورة الحديد، آية 16.
[4] سورة الحديد، آية 16.
[5] سورة البقرة، آية 61
[6] سورة طه، آية 86
[7] سورة الأعراف، آية 138
[8] سورة الطلاق، آية 3
[9] الكافي، ج 4، ص 562.
[10] بكاء الحضور.
[11] بكاء الحضور.
[12] في اليوم الذي سبق كان عدد من المواطنين الإيرانيين قد قضوا نحبهم إثر الزحام أثناء تشييع جثمان الشهيد سليماني في كرمان.
[13] بعد منتصف الليل قبل تاريخ هذه الكلمة أمطر حرس الثورة الإسلامية بصواريخه قاعدة عين الأسد الجوية في العراق.
[14] كلمة الإمام الخامنئي في لقائه حشدًا من الممرضين والممرضات من كل أنحاء البلاد بتاريخ 01/01/2020 م.
[15] سورة الفتح، آية 29
[16] القرار الفوري لمجلس الشورى الإسلامي في إيران والذي اعتبر كل قادة ومنتسبي البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) عناصر إرهابية.

2020-01-14