يتم التحميل...

مقدّمات خروج الحسين (عليه السلام) من مكة

محطات من محرم الحرام

مقدّمات خروج الحسين (عليه السلام) من مكة

عدد الزوار: 18


 
عندما وصل كتاب يزيد إلى الوليد بن عتبة، عامل أبيه على المدينة، أرسل إلى الحسين (عليه السلام)، وإلى عبد الله بن الزبير، وأخبرهما بالخبر، فقالا له: نصبح ونأتيك مع الناس، وذلك أن الكتاب وصله ليلا، فقال له مروان بن الحكم: إنهما والله إن خرجا لم ترهما، فخذهما بأن يبايعا، وإلا فاضرب أعناقهما، فقال الوليد: والله ما كنت لأقطع أرحامهما! فخرجا من عنده وتنحيا من تحت ليلتهما، فخرج الحسين (عليه السلام) إلى مكة وأقام بها أياما([1]).

وبحسب رواية ابن أعثم الكوفي أن الحسين (عليه السلام) سأل الوليد عن سبب دعوته له، فقال: دعوتك للبيعة، فقد اجتمع عليه ـ أي على يزيد ـ الناس.

فقال له الحسين (عليه السلام): إن مثلي لا يعطي بيعته سرا، وإنما أحب أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة، ولكن إذا كان من الغد ودعوت الناس إلى البيعة، دعوتنا معهم، فيكون أمرنا واحدا؛.....، فقال مروان: أيها الأمير! إنه إذا فارقك في هذه الساعة لم يبايع، فإنك لن تقدر منه ولا تقدر على مثلها، فاحبسه عندك، ولا تدعه يخرج أو يبايع وإلا فاضرب عنقه.

فالتفت إليه الحسين (عليه السلام)، وقال: ويلي عليك يا ابن الزرقاء، أتأمر بضرب عنقي، كذبت والله، والله لو رام ذلك أحد من الناس لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك، وإن شئت ذلك فرم ضرب عنقي إن كنت صادقا.

ثم التفت الحسين الى الوليد بن عتبة، وقال: أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة وبنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد فاسق شارب للخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننتظر وتنتظرون أينا أحق بالبيعة والخلافة.

ثم خرج إلى منزله([2]).

ما كنت لأقطع أرحامهما:
ولا بد من الإشارة هنا على قول الوليد "والله ما كنت لأقطع أرحامهما"، فهي لا تدل على نحو من أنحاء القرابة أو الصلة الصحيحة بين الحسين (عليه السلام) وبين بني أمية، إذ لم يكن بينهما رابطة نسب أو قرابة، فإن أمية كان عبدا روميا تبناه عبد شمس، وقد كانت عادة العرب أن ينادوا المتبنى بالابن، فكان أمية أخا هاشم بالتبني، لا بالنسب، فظن الناس أنه أخاه بالنسب، كما هي عادة العرب([3]).

وهذا في الحقيقة، يرجع إلى عدم احترام الوليد لقانون الإسلام، الذي نهى عن مثل هذه النسبة كما هو معلوم.

ولعل هذا النحو من الأخوة المزعومة هو ما يفسر الحقد والكراهية التي كان يكنها الأمويون لبني هاشم على العموم، ولبني عبد المطلب على نحو الخصوص، وهو ما أفصح عنه يزيد بن معاوية نفسه، صراحة عندما تمثل بالأبيات المعروفة، والتي تدل على كفره الصريح، ومنها قوله:
لــعبــت هــاشــم بالمـلـك فــلا        خــبر جــاء ولا وحـــي نـــــزل

ولم يكن له أن يصرح بذلك في بداية أمره، بل عمل على تأسيس ملكه على أساس قاعدة تنسجم مع ما أسسه أبوه معاوية من قبل باسم الإسلام.

بل إن مروان بن الحكم، قد قال صراحة للوليد بن عتبة، عندما أرسل إليه يستشيره بأمر الرسالة التي أرسلها له يزيد: "والله لو كنت في موضعك لم أراجع الحسين بكلمة واحدة أضرب رقبته، كائنا في ذلك ما كان. فأطرق الوليد ساعة، ثم رفع رأسه وقال: يا ليت الوليد لم يولد، ولم يكن شيئا مذكورا، ثم دمعت عيناه، فقال له مروان: أوّه أيها الأمير، لا تجزع مما قلت لك فإن آل أبي تراب هم الأعداء في قديم الدهر ولم يزالوا"([4]).

وهو يظهر الخديعة التي استعملها يزيد حين أرسل رسالته إلى الوليد، فقد ذكر ابن أعثم أن يزيد كتب فيها معلنا أن أباه كان قد أوصاه قبل موته "أن أحدث آل أبي تراب بآل أبي سفيان، لأنهم أنصار الحق وطلاب العدل، فإذا وردك كتابي هذا فخذ البيعة من أهل المدينة والسلام".

وأضاف إليها رسالة أخرى سرية، كما يظهر من كلام الكوفي، حيث يقول: وضم إليها رسالة أخرى، في صحيفة صغيرة، كأنها أذن فأرة، "أما بعد فخذ الحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب أخذا عنيفا ليست فيه رخصة، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه"([5]).

أما عن سبب تسمية هؤلاء بالخصوص، فالظاهر أن كلا منهم كان يرى نفسه جديرا بالخلافة، وأنه أحق من يزيد بها، لأنهم أبناء الخلفاء السابقين.

وأما عبد الله بن الزبير فقد اشتهر أمره من حب السلطان، واهتمام عائشة به، لأنه ابن أختها، حتى أنها كانت تكنى به حسب زعم بعض المؤرخين، وإن كان قد تقدم عن المحقق العاملي عدم صحة هذه النسبة، وأنها كانت في الحقيقة تكنى بولد لها، قبل أن تتزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان أبوه الزبير أحد الستة الذين رشحهم عمر بن الخطاب لتولي الخلافة بعده.

من مكة إلى المدينة:
في صبيحة اليوم التالي خرج الحسين (عليه السلام) من منزله ليستمع الأخبار، فالتقى بمروان بن الحكم، فقال له: أبا عبد الله، إني لك ناصح فأطعني ترشد وتسدد، فقال الحسين (عليه السلام): وما ذلك، قل حتى أسمع.

فقال مروان: أقول إني آمرك ببيعة أمير المؤمنين يزيد.

فاسترجع الحسين وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.

ثم أقبل على مروان، وقال له: ويحك أتأمرني ببيعة يزيد وهو رجل فاسق! لقد قلت شططا من القول يا عظيم الزلل، لا ألومك على قولك، لأنك اللعين الذي لعنك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت في صلب أبيك الحكم بن أبي العاص، فإن من لعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يمكن له ولا منه إلا أن يدعو إلى بيعة يزيد. ثم قال إليك عني يا عدو الله! فإنا أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والحق فينا وبالحق تنطق ألسنتنا، وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الخلافة محرمة على آل أبي سفيان وعلى الطلقاء أبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه، فوالله أهل المدينة على منبر جدي فلم يفعلوا ما أمروا به، قاتلهم الله بابنه يزيد([6]).

وفي الليلة التالية خرج لزيارة قبر الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأمضى الليل كله يناجي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويشكو له ما حل بأهل بيته وبأمته، فلما لاح بياض الصباح غفا على القبر الشريف، فرأى رسول الله في منامه، وأخبره أنه مقتول عن قريب في أرض كربلاء، فاستيقظ واستعبر، وعزم على الخروج من المدينة، فأوصى أخاه محمد بن الحنفية، وحمل عياله وأهل بيته، وخرج في جوف الليل، لثلاث خلون من شعبان سنة ستين للهجرة باتجاه مكة المكرمة، فجعل يسير ويقرأ قوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
 
سماحة الشيخ حاتم اسماعيل


([1]) المصدر نفسه، ص241.
([2]) الفتوح، ج5، ص17 ـ 18.
([3]) راجع: هاشم وأمية في الجاهلية، صدر الدين شرف الدين، ص17 وما بعدها.
([4]) الفتوح، ابن أعثم الكوفي، ج5، ص12.
([5]) المصدر نفسه، ص10.
([6]) الفتوح، ج5، ص23 ـ 24.

2019-08-30