آية التصدق بالخاتم ودلالتها على الولاية
إضاءات إسلامية
آية التصدق بالخاتم ودلالتها على الولاية
عدد الزوار: 112
يقول تعالى: ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾[1].
1- لا خلاف بين عامة المفسرين في أن مورد نزول الآية الشريفة هو تصدق أمير المؤمنين (عليه السلام) بخاتمه على فقير في المسجد، وهو في حالة الركوع حين صلاته، إلا أن بعضهم كالبيضاوي والقرطبي، بعد إقرارهما بمورد النزول، حاولوا تجاوز الخصوصية، وتعميم هذه الولاية إلى جميع المؤمنين، ما يفقد موردها أهميتها وقيمتها، قال البيضاوي بعد ذكر تعميم المعنى، وبيان مورد نزولها في علي (عليه السلام): ﴿واستدل بها الشيعة على امامته زاعمين أن المراد بالولي المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيها، والظاهر ما ذكرناه، مع أن الجمع على الواحد أيضا خلاف الظاهر﴾[2].
وأما القرطبي فناقش في دلالة الآية من جهة أخرى، حيث اعتبر أن حمل لفظ الزكاة على الصدقة بالخاتم بعيد، لأن لفظ الزكاة لا يطلق إلا على الزكاة المفروضة[3].
ومن هنا ذهبوا إلى أن المراد بالولاية المذكورة ولاية النصرة، وليس المراد ولاية التصرف، التي تدل على الامامة الشرعية، بل زعم الفخر الرازي أن حملها على ولاية التصرف غير ممكن[4].
2- إن من الواضح أن محاولة التعميم المذكور ناتجة عن صعوبة قبول ولاية امير المؤمنين (عليه السلام)، ولهذا حاولوا التمسك بأية قرينة، وان لم تدل على زعمهم، في استبعاد المعنى الصحيح للآية، في إبراز فهم لا يخلو من تكلف، بل تعسف، وذلك:
أما قول البيضاوي بأن حمل الجمع على الواحد خلاف الظاهر، فهو كلام غريب لا ينبغي صدوره من أمثال البيضاوي، خصوصا وأنه عقب ذلك بقوله: ﴿وان صح انه نزل فيه – أي في علي (عليه السلام)- فلعله جيء بلفظ الجمع لترغيب الناس في فعل مثله فيندرجوا فيه﴾[5].
حيث إن نفس مورد النزول يشكل أهم قرينة على إرادته، بل على أنه أهم مصداق للآية، لو سلم دخول غيره في مدلولها، كما اعترف به البيضاوي نفسه في العبارة المذكورة آنفا. وبالتالي فلا يكون جاريا على خلاف الظاهر، قال الزمخشري: "فإن قلت: كيف صح أن يكون لعلي (عليه السلام) واللفظ لفظ جماعة؟. قلت جيء به على لفظ الجمع وان كان السبب فيه رجلا واحدا ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه، ولينبه على أن سجية المؤمن يجب ان تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء، حتى إن لزهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخروه إلى الفراغ منها[6].
أقول: الظاهر أن الوجه في استعمال الجمع، مع أن مورد النزول هو حادثة التصدق بالخاتم، هو الإشارة إلى أن الولاية والإمامة لا تنتهي عند علي(عليه السلام)، وذلك بملاحظة أن الإسلام خاتمة الأديان وهو صالح ما دام على البسيطة إنسان حي، بضميمة ما دل على الأرض لا تخلو من حجة، وما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) بطرق مختلفة أن الأئمة بعده إثنا عشر. ويتضح هذا المعنى أكثر عند بيان المراد من الولاية بعد قليل، وعليه فلا يصح حمل الولاية على عموم المؤمنين.
3- وأما استبعاد القرطبي حمل الزكاة على غير الصدقة المفروضة، فهو أيضا لا يخلو من غرابة، وذلك أن الزكاة بالمعنى المصطلح، قد تحقق معناها بعد نزول القرآن الكريم وفرض الزكاة، وإلا فلفظ الزكاة أعم منها حيث يدل على مطلق التصدق، ويدل عليه الكثير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الزكاة، من قبيل قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ﴾[7]، وقوله تعالى على لسان ابن مريم(عليه السلام) حين كلم الناس في المهد: ﴿وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حي﴾[8]، ومما لا شك فيه أن الزكاة عندهم لم تكن مستعملة بالمعنى الإسلامي المصطلح، فلا بد من حمل لفظ الزكاة في الآية الشريفة على المعنى اللغوي، فتنطبق على مورد النزول، وإلا لم يبق أي مبرر يمكن الاستناد إليه في الروايات الواردة في أسباب النزول، لتفسير الآيات القرآنية وفهم المراد منها، وهذا واضح.
والظاهر أن الذي ألجأه إلى هذا الكلام عدم قدرته على تقبل ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) أصلا، ولذلك ناقش في أصل حادثة التصدق بالخاتم، وإمكان انطباق الآية الشريفة عليها. وأرسل رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) مفادها إنكار انحصار دلالتها بأمير المؤمنين (عليه السلام)، كما أرسل في بداية حديثه عنها رواية مفادها أنها نزلت في عبد الله بن سلام، ضاربا عرض الجدار الروايات المتضافرة لدى الفريقين، والدالة على أنها نزلت بحق علي (عليه السلام).
4- يطلق لفظ الولي في اللغة على متولي الأمر أي المتصرف فيه وعلى النصرة والمحبة، والظاهر أن الأصل فيه هو القرب بين شيئين بدون فاصل بينهما[9]، ومن مصاديقه القرب المكاني والقرب المعنوي، الذي يعني مطلق التصرف في الأمر مما يليه، كولاية الميت، وولاية الصغير، فيكون من لوازم معنى الولي هو المدبر للأمر.
وفي الآية المباركة لا يصح حمل الولي على الناصر والمحب، كما زعمه مفسرو العامة، انسجاما مع وحدة السياق في الآيات السابقة واللاحقة للآية الشريفة محل الكلام، لأن المسلمين قد أجمعوا على أن الآيات قد نزلت في أوقات ومناسبات مختلفة، ولم تنزل دفعة واحدة كما أن آيات القرآن الكريم لم ترتب بحسب نزولها، وإنما رتبت بأمر الرسول(صلى الله عليه وآله)، أو بعد رحلته عند جمع القرآن، على الخلاف، وعليه فلا يمكن التمسك بالسياق، لأنه لا يكافئ ما عداه من الأدلة إذا وردت.
وعلى فرض صحة التمسك بالسياق، فإن سياق الآيات، التي تتحدث عن ولاية أهل الكتاب، لا يساعد على إرادة ولاية المحبة والنصرة، حيث إنها بمجملها تتحدث عن الحكم والاتباع، فيكون السياق دالا على إرادة الولاية بمعنى الحاكمية، أي تعيين من يجب عليهم اتباعه، وهو الإمام.
هذا بالإضافة إلى إن إسناد الولاية إلى الله تعالى، ورسوله، والذين آمنوا، في إسناد واحد، يكشف عن أن المراد بالولاية للذين آمنوا هو نفس المعنى المراد بولاية الله تعالى ورسوله، ولا معنى لولاية الله بمعنى المحبة والنصرة، خصوصا وأنها تخالف التركيب الذهني والفكري للذين آمنوا، وبعد الحروب التي دارت رحاها بين المسلمين من جهة، وبين المشركين وأهل الكتاب من جهة أخرى، طيلة فترة تواجد الرسول (صلى الله عليه وآله) في المدينة المنورة. وهذا يشكل قرينة إضافية على عدم إمكان تعميم الولاية المقصودة لجميع المؤمنين كما ذهب إليه مفسرو العانة.
كما إن استعمال "إنما" الدالة على الحصر والإختصاص يدل على أن المراد الولاية بمعنى الإمامة، التي هي من سنخ التدبير والتصرف في الأمر، على غرار ولاية الله تعالى وفي طولها ولهذا عبر بصيغة المفرد "وليكم" ولم يقل "أولياؤكم" بصيغة الجمع للإشارة إلى هذا المعنى.
فتحصل أن الآية الشريفة تامة الدلالة على الإمامة، ولا يرد عليها شيء من الإشكالات والتشكيكات التي أوردها الفخر الرازي على طريقته في التعامل مع المسائل العلمية.
سماحة الشيخ حاتم اسماعيل
[1] سورة المائدة، الآية: 55
[2] تفسير البيضاوي، ج1 ص 439.
[3] تفسير القرطبي، تحقيق سالم مصطفى البدري دار الكتب العلمية، بيروت، ج6 ص 144.
[4] التفسير الكبير، ج12، ص27.
[5] تفسير البيضاوي، ج1 ص 439
[6] الكشاف، ج1، ص649
[7] سورة الأنبياء، آية:73
[8] سورة مريم، آية:31
[9] معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2001م، ص1064