يتم التحميل...

الأمانة

أخلاقنا الإسلامية

(الأمانة) من أهمّ الفضائل الأخلاقية والقيم الإسلامية والإنسانية والتي وردت كثيراً في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وقد أولاها علماء الأخلاق أهميّة كبيرة على مستوى بناء الذات والشخصية،

عدد الزوار: 66

تمهيد
(الأمانة) من أهمّ الفضائل الأخلاقية والقيم الإسلامية والإنسانية والتي وردت كثيراً في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وقد أولاها علماء الأخلاق أهميّة كبيرة على مستوى بناء الذات والشخصية، وعلى العكس من ذلك (الخيانة) التي تعدّ من الذنوب الكبيرة والرذائل الأخلاقية في واقع الإنسان وسلوكه الاجتماعي.

تعريف الأمانة لغةً واصطلاحاً
الأمانة لغةً: الأمن والسكون ورفع الخوف والوحشة والاضطراب1.

الأمانة اصطلاحاً: هي كلّ حقّ لزمك أداؤه وحفظه2.

وقيل هي: التعفّف عمّا يتصرّف الإنسان فيه من مال وغيره، وما يوثّق به عليه من الأعراض والحرم مع القدرة عليه، وردّ ما يستودع إلى مودعه3.

الأمانة في القرآن
هناك آيات متعدّدة في سور مختلفة تتحدّث عن أهميّة الأمانة ولزوم رعايتها في سلوك الإنسان الفردي والاجتماعي, ومن هذه الموارد نذكر:

1- وجوب مراعاة وحفظ الامانة بصورة مطلقة:
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ4.

إنّ (الأمانات) الواردة في هذه الآية ذكرت بصورة الجمع، وهي إشارة إلى أنّ الأمانة لها أنواع وأشكال مختلفة. والكثير من المفسّرين ذكروا أنّ مفهوم الأمانة في هذه الآية لا يقتصر على الأمانة المالية بل يشمل الأمانات المعنوية كالقرآن الكريم والدين الإلهي والعبادات والوظائف الشرعية، وكذلك النعم الإلهية المختلفة على الإنسان في حركة الحياة المادية والمعنوية.

2- خيانة أمانة النفس خيانةٌ لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ5.

الآية كما هو واضح تنهى عن ثلاثة أشياء مخاطبة المؤمنين في هذا النهي وهي: خيانة الله، خيانة الرسول، خيانة أمانات الناس.

الخيانة هي نقض الأمانة التي هي حفظ الأمن لحق من الحقوق بعهد أو وصية ونحو ذلك. قال الراغب: الخِيَانَة والنّفاق واحد، إلا أنّ الخيانة تقال اعتباراً بالعهد والأمانة، والنّفاق يقال اعتباراً بالدّين، ثم يتداخلان، فالخيانة: مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ. ونقيض الخيانة: الأمانة، يقال: خُنْتُ فلاناً، وخنت أمانة فلان، وعلى ذلك قوله: ﴿لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ6.

فقوله: ﴿لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ نهي عن خيانة أمانة الله ورسوله وهي بعينها خيانة لأمانة المؤمنين أنفسهم، فإن من الأمانة ما هو أمانة الله سبحانه عند الناس كأحكامه المشرعة من عنده، ومنها ما هو أمانة الرسول كسيرته الحسنة، ومنها ما هو أمانة الناس بعضهم عند بعض كالأمانات من أموالهم أو اسرارهم، ومنها ما يشترك فيه الله ورسوله والمؤمنون، وهي الأمور التي أمر بها الله سبحانه وأجراها الرسول وينتفع بها الناس ويقوم بها صلب مجتمعهم كالأسرار السياسية والمقاصد الحربية التي تضيع بإفشائها آمال الدين وتضلّ بإذاعتها مساعي الحكومة الإسلامية فيبطل به حقّ الله ورسوله ويعود ضرره إلى عامة المؤمنين.

فهذا النوع من الأمانة خيانته خيانة لله ورسوله وللمؤمنين. فالخائن بهذه الخيانة يخون الله والرسول وهو يعلم أنّ هذه الأمانة التي يخونها أمانة لنفسه ولسائر إخوانه المؤمنين، وهو يخون أمانة نفسه. فالمراد بقوله: ﴿وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ أي وتخونوا في ضمن خيانة الله والرسول أماناتكم، والحال إنّكم تعلمون أنّها أمانات أنفسكم ومع هذا تخونونها. وأيّ عاقل يقدم على خيانة أمانة نفسه والإضرار بما لا يعود إلّا إلى شخصه في نهاية المطاف؟7.

3- الأمانة هي الولاية الالهية:
قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولً8.

الأمانة كما قلنا هي أن يودع شيء ما عند الغير ليحتفظ به ثمّ يردّه إلى المودع عند مطالبته به. والآية الكريمة تشير إلى شيء ما ائتمن الله تعالى الإنسان عليه ليحافظ على سلامته واستقامته ثمّ يردّه إليه سبحانه كما أودعه.

ويستفاد من قوله: ﴿لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ9 الخ، أنّه أمر يترتّب على حمله الإيمان وعلى عدم حمله النفاق والشرك. فينقسم حاملوه باختلاف كيفية حملهم إلى منافق ومشرك ومؤمن.

فالأمانة المذكورة في الآية الكريمة لا محالة مرتبطة بالدين الحقّ الذي يحصل التلبّس به وعدم التلبّس به إمّا النفاق والشرك أو الإيمان. ولهذا فسرّ بعض المفسرين الأمانة في الآية الكريمة بالولاية الإلهية، أي الطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر، التي عرضها الله على عباده فانقسم الناس في حفظ هذه الأمانة وعدمها إلى مؤمن ومشرك ومنافق.

4- تحقيق العدالة من مصاديق الامانة:
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرً10.

إن هذين القانونين المهمين (حفظ الأمانة، والعدالة في الحكم والحكومة) يمثّلان قاعدة المجتمع الإنسانيّ السليم، ولا يستقيم أمر مجتمع، سواء كان مادياً أو إلهياً من دون تنفيذ وإجراء هذين الأصلين.

يمكن القول إنّ الحكم بالعدل من مصاديق الأمانة، لأنّ الأمانة بمفهومها العامّ تشمل جميع المقامات والمناصب الاجتماعية التي تعتبر أمانات إلهية، وكذلك أمانات بشرية من قبل الناس بيد أصحاب المناصب هذه.

الأمانة وصدق الحديث
عند مراجعة الروايات الشريفة نجدها ركّزت على أمرين هما:
1- صدق الحديث.
2- وأداء الأمانة.


إنّ هاتين الصفتين هما رأس المال الأساس للحياة الاجتماعية، إذ العلاقات الاجتماعية تقوم على أساس الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع. وهناك تلازم بين هاتين الصفتين لأنّ الصدق ليس شيئاً سوى الأمانة في القول، والأمانة ليست شيئاً سوى الصدق في العمل.

عن أبي عَبْدِ الله عليه السلام قال: "لَا تَنْظُرُوا إِلَى طُولِ رُكُوعِ الرَّجُلِ وسُجُودِه فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ اعْتَادَه فَلَوْ تَرَكَه اسْتَوْحَشَ لِذَلِكَ ولَكِنِ انْظُرُوا إِلَى صِدْقِ حَدِيثِه وأَدَاءِ أَمَانَتِه"11. وعنه عليه السلام أيضاً قال: "لَا تَغْتَرُّوا بِصَلَاتِهِمْ ولَا بِصِيَامِهِمْ فَإِنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا لَهِجَ بِالصَّلَاةِ والصَّوْمِ حَتَّى لَوْ تَرَكَه اسْتَوْحَشَ ولَكِنِ اخْتَبِرُوهُمْ عِنْدَ صِدْقِ الْحَدِيثِ وأَدَاءِ الأَمَانَةِ"12.

الأمانة والخيانة في بيت المال
عندما نتحدّث عن الأمانة ينصرف الذهن إلى الأمانة المالية ويقابلها الخيانة المالية. ولكن عند مراجعة الآيات والروايات الواردة عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام نجد أنّ الأمانة لها مفهوم واسع جدّاً بحيث تستوعب جميع المواهب الإلهيّة والنعم الربانيّة على الإنسان.

ويستفاد من بعض الأحاديث أنّ الصلاة والزكاة والحجّ هي أمانات وودائع إلهيّة. وكذلك الزوجة أيضاً أمانة إلهيّة، والعمل أمانة أيضا كما روي عن الإمام عليّعليه السلام أنّه قال: "وإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ ولَكِنَّه فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ"13.

فإنّ الأمانة والخيانة لا تختصّان بعمل معيّن ومصداق خاصّ ومحدود، لأنّ النتائج المترتّبة على هاتين الصفتين لا تتحدّد بالأمانة والخيانة المالية. ولكن سنقصر الكلام على الخيانة المالية لبيت المال.

إنّ مقتضى الأمانة المالية العفّة عمّا ليس للإنسان به حقّ من المال، وتأدية ما عليه من حقّ لذويه، وتأدية ما تحت يده منه لأصحاب الحقّ فيه. ولا فرق في ذلك بين الأموال الشخصية أو ما يرجع إلى بيت المال من قبيل أموال المؤسسات أو ما يرجع إلى أموال العمل، بل الأمر قد يكون في هذه الأمور أخطر باعتبار أنّ السرقة من بيت المال أثرها على كلّ المسلمين. فإذا كانت السرقة من المسلم لها كلّ هذا التشديد من قبيل قطع يد السارق في حال تحقّقت السرقة بمعناها الشرعيّ ومع ملاحظة كلّ الشروط التي ذكرت في إقامة الحدّ على السارق فما بالك بسرقة بيت مال المسلمين؟ وفي السياق ذكرت الرواية أنَّ عَقِيلاً‏ قَدِمَ عَلَى أَخِيهِ‏ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام‏ بِالْكُوفَةِ يَسْتَرْفِدُهُ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ عَطَاءَهُ فَقَالَ عَقِيلٌ‏: إِنَّمَا أُرِيدُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. فَلَمَّا صَلَّى عَلِيٌّ عليه السلام الْجُمُعَةَ قَالَ لَهُ: "يَا عَقِيلُ‏ مَا تَقُولُ فِي مَنْ خَانَ هَؤُلَاءِ أَجْمَعِينَ"؟ قَالَ: بِئْسَ الرَّجُلُ قَالَ: "فَإِنَّكَ أَمَرْتَنِي أَنْ أَخُونَهُمْ وَأُعْطِيَكَ"14.

وفي حديثه عليه السلام إلى بعض عمّاله ممّن سرق أموال النّاس قال عليه السلام: "فَاتَّقِ الله وارْدُدْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ - فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي الله مِنْكَ - لأُعْذِرَنَّ إِلَى الله فِيكَ - ولأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِه أَحَداً إِلَّا دَخَلَ النَّارَ"15.

وسنشير إلى هذا الموضوع الحسّاس ضمن العناوين الآتية.

قواعد التصرّف في بيت المال

1- يمنع التصرّف الشخصيّ مطلقاً من بيت المال وأموال العمل:
لأنّ الأموال العامة هي ملك للأمة وبالتالي لا يوجد فيها أي ملك شخصي لأحد حتّى للخليفة وحاكم المسلمين وبناءً على ذلك لا يحقّ التصرّف الشخصيّ ببيت المال تحت أيّ عنوان من العناوين، فالمناصب الاعتبارية كالرئاسة والإدارة وما شابه ذلك والعلاقات النسبية، والأعراق، والمناطقية وما شابه ذلك من العناوين لا يبرر للقيّم على بيت المال أن لا يعدل في توزيع الحقوق، أو أن يجتهد في كيفية التصرّف فيها بما يخالف القواعد الشرعية والأنظمة.

2- إتلاف بيت المال موجب للضمان:
عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا منع ولا إسراف ولا بخل ولا اتلاف"16. فاتلاف بيت المال موجب للكثير من الآثار السلبية، كالإثم واستحقاق العقوبة. هذا من ناحية الحكم التكليفيّ. كما أنّ المتلف عليه الضمان، أي عليه إعادة أو تعويض إمّا قيمة ما أتلفه أو ما يماثله، بحسب ما ذكر تفصيلاً في كتب الفقه.

يقول الفقهاء بحسب قاعدة الإتلاف إنّه (من أتلف مال غيره فهو له ضامن). ومرادهم من ذلك أنّ من يُتلف مالاً يعود لجهة أو أحد من الناس دون إذن من صاحبه أو من الشارع تشتغل ذمّته بعوضه17.

3- يمنع الإسراف من بيت المال:
روي عن الإمام عليّ عليه السلام أنه قال: "فَدَعِ الإِسْرَافَ مُقْتَصِداً، واذْكُرْ فِي الْيَوْمِ غَداً، وأَمْسِكْ مِنَ الْمَالِ بِقَدْرِ ضَرُورَتِكَ، وقَدِّمِ الْفَضْلَ لِيَوْمِ حَاجَتِكَ"18. فالإسراف وهو الخروج عن حدّ الاعتدال أمر مذموم شرعاً وعقلاً ويوقع في الكثير من المفاسد الشخصية والاجتماعية. لذا وجب على القيّمين على الشأن الماليّ أن يتصدّوا لهذه الآفّة فلا يسرفوا ولا يبذروا في الأموال العامة لأنّها ودائع أودعها الله بين أيديهم كأمانة، والتعدّي فيها خيانة بل من أشدّ أنواع الخيانة سوءا.

آثار خيانة بيت المال
من الواضح أنّ لكل معصية أثراً تتركه على المستوى الفرديّ والاجتماعيّ. وخيانة بيت المال بالإضافة إلى كونه معصية كبيرة على المستوى التشريعيّ لها آثار على الأفراد الذين قاموا بهذا العمل وآثار على المجتمع.

ومن الآثار السلبية لخيانة بيت المال حسب كلام الإمام عليّ عليه السلام ما يلي:

1- الخزي في الدنيا:
قال الإمام عليّ عليه السلام: "ومَنِ اسْتَهَانَ بِالأَمَانَةِ ورَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ، ولَمْ يُنَزِّه نَفْسَه ودِينَه عَنْهَا، فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِه الذُّلَّ والْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا، وهُوَ فِي الآخِرَةِ أَذَلُّ وأَخْزَى، وإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الأُمَّةِ، وأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الأَئِمَّةِ"19.

2. الإهانة والذلّ أمام الله تعالى:
قال عليه السلام: "لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ، فَكَيْفَ وإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ الله، أَلَا وإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّه تَبْذِيرٌ وإِسْرَافٌ، وهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَه فِي الدُّنْيَا، ويَضَعُه فِي الآخِرَةِ، ويُكْرِمُه فِي النَّاسِ ويُهِينُه عِنْدَ الله..."20.

أي لو كان المال لي وأنا أفرّقه بينهم لسوّيت, فكيف وإنّما هو مال الله وفيئه ! ثمّ ذكر أنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير وإسراف، وقد نهى الله عنه، وأنه يرفع صاحبه عند الناس، ويضعه عند الله، وأنّه لم يسلك أحد هذا المسلك إلّا حرمه الله ودّ الذين يتحبّب إليهم بالمال، ولو احتاج إليهم يوماً عند عثرة يعثرها لم يجدهم.

3- سلب الثقة بالعاملين في بيت المال:
لقد وبّخ الإمام عليّ عليه السلام أحد عمّاله الذي أوكل إليه الأمانة المالية ولكنه خان الأمانة وفرّط فيها، فاستوجب سلب الثقة به وعدم الاعتماد عليه في أمر لم يراعه حقّ رعايته، ولم يعطه حقّه، فأرسل إليه الإمام عليه السلام رسالة يوبّخه فيها ويطلب عودته ويعفيه من مهامه. قال عليه السلام: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ صَلَاحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ وظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَهُ وتَسْلُكُ سَبِيلَهُ فَإِذَا أَنْتَ فِيمَا رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لَا تَدَعُ لِهَوَاكَ انْقِيَاداً ولَا تُبْقِي لِآخِرَتِكَ عَتَاداً21 تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بِخَرَابِ آخِرَتِكَ وتَصِلُ عَشِيرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ ولَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً لَجَمَلُ أَهْلِكَ وشِسْعُ22 نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ ومَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِه ثَغْرٌ أَوْ يُنْفَذَ بِه أَمْرٌ أَوْ يُعْلَى لَه قَدْرٌ أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَةٍ أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى جِبَايَةٍ فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي هَذَا إِنْ شَاءَ الله"23.

4- سلب العز في الدنيا والآخرة:
يحذّر الإمام عليّ أحدٍ عماله من خيانة بين مال المسلمين ويهدّده بالعقوبة إن اتركب هذا الفعل القبيح. ويورد عليه السلام أمورا ثلاثة ستكون عاقبته فيما لو تجرّأ على مال المسلمين. قالعليه السلام: "وإِنِّي أُقْسِمُ بِالله قَسَماً صَادِقاً لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ خُنْتَ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئاً صَغِيراً أَوْ كَبِيراً لأَشُدَّنَّ عَلَيْكَ شَدَّةً تَدَعُكَ قَلِيلَ الْوَفْرِ، ثَقِيلَ الظَّهْرِ، ضَئِيلَ الأَمْرِ"24.

فالإمام يحذّر عامله على بيت المال من سلبه ثلاثة كمالات:
الأول: نقصان ماله وقلَّته.
الثاني: نقصان جاهه. وكنّى عنه بقوله عليه السلام: "ضئيل الأمر".
الثالث: ثقل ظهره بالأوزار والتبعات25.

5- إقامة الحدّ:
من يتعدّى على مال المسلمين ولا يتورّع عن أخذ ما يحرم عليه أخذه من بيت المال، فإنّ إقامة الحدّ الشرعي عليه واجب. قال الإمام عليّ عليه السلام: "فَاتَّقِ الله وارْدُدْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي الله مِنْكَ، لأُعْذِرَنَّ إِلَى الله فِيكَ، ولأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِه أَحَداً، إِلَّا دَخَلَ النَّارَ"26.

* أخلاقنا الإسلامية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- الشيخ حسن المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج1، ص 150.
2- المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير، تصحيح أحمد عبد السلام، بيروت، دار الكتب العلمية، 1415هـ - 1994م، ط 1، ج1، ص 288.
3- تهذيب الأخلاق، الجاحظ، ص 24.
4- سورة المؤمنون، الآية 8، سورة المعارج، الآية32.
5- سورة الأنفال، الآية 27.
6- الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص 305، مادة "خون".
7- راجع: العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج9، ص 55.
8- سورة الأحزاب، الآية 72.
9- سورة الأحزاب، الآية 73.
10- سورة النساء، الآية 58.
11- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 105، باب الصدق وأداء الأمانة، ح12.
12- م.ن، ج2، ص 104، ح 2.
13- السيد الرضي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، ص 366، الكتاب الخامس.
14- العلامة المجلسي، بحار الأنوار, ج 34, ص 292.
15- السيد الرضي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، ص 413، الكتاب 41.
16- ابن أبي جمهور الأحسائي، محمد بن زين الدين، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، تحقيق وتصحيح مجتبى العراقي، قم، دار سيد الشهداء للنشر، 1405هـ.، ط 1، ج 1، ص 296، ح 198.
17- ينظر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي، موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت عليهم السلام، 1423هـ - 2002م، ط 1، ص 234 وما بعدها.
18- السيد الرضي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، ص 377، الكتاب رقم 21.
19- السيد الرضي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، ص 383، الكتاب رقم 26.
20- م.ن، ص 183، الخطبة رقم 126.
21- العتاد: العدّة.
22- الشسع: سير بين الإصبعين في النعل العربي.
23- السيد الرضي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، ص 461-462، الكتاب رقم 71.
24- م.ن، ص 377، الكتاب رقم 20.
25- ابن ميثم البحراني، شرح نهج البلاغة، الحوزة العلمية - قم - إيران، مركز النشر مكتب الإعلام الإسلامي، 1362ش، ط 1، ج4، ص 399-400.
26- السيد الرضي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، ص 413-414، الكتاب رقم 41.

2017-04-04