يتم التحميل...

استبدال الدين بالقيم الإنسانية

شبهات حول الدين

يعتبر البعض أن وجود القيم الأخلاقية بين البشر لا يرجع إلى الدين بقدر ما يرجع إلى طبيعة البشروالقيم الإنسانية الناتجة عن تلك الطبيعة،

عدد الزوار: 241

يعتبر البعض أن وجود القيم الأخلاقية بين البشر لا يرجع إلى الدين بقدر ما يرجع إلى طبيعة البشروالقيم الإنسانية الناتجة عن تلك الطبيعة، فالبشر يحبون الخير بفطرتهم الذاتية وينجذبون إليه كما ينجذب الإنسان إلى الجمال والرائحة الطيبة والطعام الشهي بشكل تلقائي، ولذلك فإن مجموعة من القيم تنشأ من هذا الحب الذاتي للخير فيراعي الإنسان مصلحة غيره لان فيها مصلحته ايضاً ويعمل على عدم ممارسة الرذيلة كالسرقة والاعتداء ويسالم الاخرين لطبيعته المسالمة. إضافة إلى أن القانون الناتج عن العقلاء من البشر كفيل بتأديب من ينحرف عن هذه القيم الإنسانية، وبالتالي فإن القول أن الدين هو الذي نشر القيم الإنسانية في المجتمع البشري غير صحيح، وعليه فلا حاجة لوجود الدين للدعوة إلى هذه القيم كما أنه لا حاجة لوجود أحد يأمر الناس بالانجذاب إلى الجمال والرائحة الطيبة! ويضيف هذا البعض أن وجود الدين إضافة إلى أنه ليس له دور على مستوى نشر القيم الإنسانية الموجودة أصلاً فإن الأديان هي السبب في إشعال نار الحروب ونشر الكراهية والبغض والعصبية بين البشر والقتل جارٍ بإسم الدين على قدمٍ وساق!

الإجابة عن الشبهة:
لا شك بوجود نزعة الخير عند البشر فهم يميلون بشكل فطري إلى الخير كما يميلون إلى الجمال والسعادة والكمال، والدين لا يقدم نفسه بديلاً عن تلك النزعات الفطرية بل إن دور الدين هو المساعدة على تقوية هذه النزعة عند الإنسان وتغذيتها بالغذاء المناسب وتوجيهها بشكل سليم، فدور الانبياء والرسل كما يقول علي عليه السلام: "ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ويثيروا لهم دفائن العقول ويحتجوا عليهم بالتبليغ".

ولكن لا ينبغي أن نغفل عن أن الإنسان يمتلك العديد من التوجهات والنزعات الأخرى سواء منها الغريزية أم الفطرية فحب الإنسان للتملك والتحرر والاستقلالية والاقتدار والسيطرة كلها عبارة عن نزعات أصيلة عند الإنسان ويحتاج الإنسان إلى التوجيه السليم لتلك النزعات لتصب جميعها في سعادة الفرد والمجتمع فتنظيم تلك النزعات يشبه حركة السواقي التي تجتمع لتكوين النهر وعدم تنظيمها يشبه طوفان النهر وحدوث السيول التي تجرف كل شيء.

إن خطأ الإنسان الاساسي ليس في أصل توجهاته الفطرية والغريزية فالفطرة التي تعني النزعات الفطرية والغريزة التي تعني النزعات الجسدية كلها قد وضعتها اليد الإلهية في جبلة الإنسان ولا يمكن أن ننظر اليها نظرة سلبية فهي مخلوقة لله وكل ما خلقه الله تعالى فهو حسن وجميل،بل إن خطأ الإنسان يكمن في أمرين أساسيين آخرين :
الأول: يتعلق بترجيح نزعة على أخرى كترجيح حب التملك والسيطرة على حب الخير.
الثاني: يتعلق بتغذية تلك النزعات بغذاء فاسد كما يفعل الجائع الذي يأكل طعاما غير صحي أو يأكل بطريقة غير صحية.

فقد يستيقظ الإنسان على حلم السيطرة على العالم ويجيش الجيوش ويقيم حربا عالمية يقتل فيها الملايين ويعتبره الناس بطلا وقائدا مقداما وقد يسخر البعض نزعة حب الاستطلاع الغير محدود لاجراء البحوث في الصناعات العسكرية المدمرة أو لنشر الفيروسات أو المواد الكيميائية المدمرة ونحن هنا لا نتكلم عن أخطاء على المستوى الفردي بل نتحدث عن أخطاء شارك فيها قسم كبير من البشر،والخطير في الأمر أن الشر يتم باسم الخير فقتلة العالم ومجرمي التاريخ رفعوا لواء الخير وأحرقوا الناس ودمروا العالم بإسمه ومظلومي العالم برروا سكوتهم وخضوعهم للظلم وقبولهم بإذلال الظالمين لهم بأنه سلام ومحبة!!

هنا يحتاج الإنسان أن يسمع صوتاً يشبه صوت الضمير والوجدان الذي بداخله صوت يخاطب توجهات الخير لديه ويحاكي تطلعاته الفطرية السليمة صوت يدله على الغذاء المناسب لروحه وعقله ويرجعه إلى الجادة الصحيحة وطريق الصواب يحتاج إلى صوت يفضح الأشرار المتسترين بلباس الخير والجهال الذين يحاضرون بإسم العلم والأهم من ذلك أنهم يفضحون الفساق والكفرة الذين يلبسون لباس الدين ويختبئون وراء قداسته، والقارئ للتاريخ والسيرة يدرك كيف واجه الأنبياء والقادة الدينيين الحركات المفسدة التي تلطت وراء الدين كما واجهوا عبدة الأصنام والشرك وعلى سبيل المثال حرب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مع المفسدين الذين رفعوا المصاحف على الرماح كذبا وزورا وكذلك حربه مع حركة الخوارج المفسدة والتي كان المنتمون اليها يتميزون بظاهرهم الديني بحده الأقصى والذي كان على مستوى القشر لا اللب.

إذن الإنسان الذي يمتلك نزعات الخير والتي تدله بدورها على القيم الإنسانية قد ينحرف وقد انحرف فعلاً مرة بإسم العلم ومرة بإسم الاخلاق ومرة بإسم الدين وقد واجه الأنبياء كل تلك الانحرافات بقوة وقدموا التضحيات الغالية في هذا المجال ومن المعروف في الثقافة الدينية أن أشد الناس بلاءً هم الأنبياء وقد كان بلاؤهم كبيراً لأن دورهم كان كبيراً فكلما كبر دور الإنسان زادت التحديات والعقبات مما يسستدعي المزيد من التضحيات كما حدث مع شعيب عليه السلام مع قومه حيث انهم كانوا يمارسون الغش ويتلاعبون بالميزان والمكيال ويبخسون حقوق الناس وكذلك لوط عليه السلام مع قومه حيث اكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء في تهديدٍ خطير لاستمرار البشرية وهذا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله حارب وأد البنات واستعباد المرأة ودافع عن حقوق المستضعفين وحطم أصنام الجهل والكفر التي كان يختبئ خلفها أصحاب المطامع والمصالح، إذن دور الانبياء هو المنع من القضاء على القيم الإنسانية ورسم سبيل الكمال الحقيقي للانسان وليس تعطيل القدرات الإنسانية ولولا وجود الأنبياء والدين لكانت انحرفت البشرية وانطمست القيم بشكل نهائي.

2016-12-22