يتم التحميل...

قدوة الشباب

حقيقة الشباب

لا أتذكر متى بدأت أفكر في مستقبلي وماذا ينبغي أن أكون، إلا أن ما كان معلوماً لي ولأسرتي منذ البداية هو أن الكل كان يرغب بأن أصبح أحد طلاب العلوم الدينية، وكانت هذه رغبة والدي ووالدتي، وكانت رغبتي أنا شخصياً فقد كنت أحلم بتلك الدراسة.

عدد الزوار: 14

القائد دام ظله يتذكر أيام الشباب:

لا أتذكر متى بدأت أفكر في مستقبلي وماذا ينبغي أن أكون، إلا أن ما كان معلوماً لي ولأسرتي منذ البداية هو أن الكل كان يرغب بأن أصبح أحد طلاب العلوم الدينية، وكانت هذه رغبة والدي ووالدتي، وكانت رغبتي أنا شخصياً فقد كنت أحلم بتلك الدراسة.

لم يكن من المتوقع أن أرتدي ذلك الزي منذ نعومة أظفاري، إلا أن والدي وبسبب معارضته لكل ما كان يتخذه رضا خان البهلوي من قرارات ومنها منع ارتداء الزي الديني لم يكن ليسمح لنا بارتداء الملابس التي أراد أن يفرضها علينا رضا خان بالقوة. حيث أجبر الناس على التخلي عن الزي الوطني وارتداء الأزياء الأوروبية كوضع القبعة على الرأس وما شابه ذلك. إضافة لذلك فقد كان والدي يرغب في أن أواصل دراستي في الحوزة العلمية، أنا بدوري كنت أرغب بالدراسة في الحوزة.

مرحلة الدراسة
لقد شرعت رسمياً بدراسة العلوم الدينية بعد أن أتممت المرحلة الابتدائية ولم أتجه بعدها للدراسة الثانوية، بل قرأت دروسها وحدي دون الالتحاق بالمدرسة. فقد كان جل اهتمامي ينصـبُّ على دروس الحـوزة العلمية، وعليه فيمكنني القول بأني منذ سن الثانية عشرة أخذت أفكر جدياً في مستقبلي فأصبحت طالباً للعلوم الدينية.

قبل ذهابي إلى قم، حضرت ــ إضافة إلى دراستي عند والدي ــ الدروس العامة في مشهد، وفي العطلة الصيفية كان والدي يضع لنا برنامجاً دراسياً ويباشرنا بالتدريس، ولهذا السبب لم يحصل توقف في دراستي خلافاً للذين كانوا يدرسون في الحوزات العامة والتي كانت تعطّل في شهري محرم وصفر وشهر رمضان المبارك وفي العطلة الصيفية، فأنهيت دروس السطوح جميعها وشرعت بالبحث الخارج وأنا في السادسة عشر من عمري.

التدريس
لقد شرعت بالتدريس في الأيام الأولى من دراستي الحوزوية أي بعد إتمام المرحلة الابتدائية في المدرسة مباشرة، وبدأت بتدريس كتاب (الأمثل: وصرف مير) لاثنين من علماء مشهد المسنّين، وحتى عام (1958م) حيث كنت مقيماً بمشهد، قمت بتدريس هذه الكتب (الصرف، النحو، المعاني، البيان، الأصول، والفقه).

وفي قم أيضاً قمت بالتدريس إلى جانب دراستي.

وبعد عودتي من قم إلى مشهد عام (1964م)، كان التدريس أحد برامجي الرئيسية والدائمة، وطوال هذه السنوات حتى عام (1977م)، قمت بتدريس السطوح العليا، (المكاسب والكفاية)، التفسير والعقائد.

أمنيات وهوايات
للأسف لم تكن لنا هوايات كثيرة آنذاك كالتي نشاهدها اليوم في عصرنا الحاضر. كانت هناك الحدائق العامة والمنتزهات، إلا أنها كانت قليلة ولا تلبي الحاجة، على سبيل المثال، كان في مدينة مشهد منتزه واحد داخل المدينة وأجواؤه ملوثة وفاسدة للغاية. ولم تكن طبيعة أسرتنا المحافظة لتسمح بالذهاب والتنزه هناك. لقد كانت تُمثِّل مراكز تستهدف نشر الرذيلة والفحشاء.

وقد كانت السلطة الحاكمة آنذاك تسعى لإفساد الأماكن العامة وإغراقها بالشهوات واللذات المستهجنة، قطعاً كانت تتم هذه الأمور وفق برامج وخطط مدروسة، هكذا كنا نعتقد. ثم تيقنا من ذلك بعد أن أطلعنا على بعض الحقائق والدسائس بهذا الخصوص. ولذلك كنا محرومين من متعة التنزه في الحدائق.

كانت متعتي ومنيتي أبان مرحلة الشباب في حضوري وسط الطلاب، أثناء الاستراحة وتجاذب أطراف الحديث في كافة الأمور، وكانت أجواء المدرسة ممهدة لتلك الجلسات والنقاشات، أضف إلى ذلك فقد كنا نجتمع في مسجد "كوهرشاد" مع بعض العلماء الأعلام الفضلاء، وطلبة العلوم الدينية ونخوض في الأبحاث العلمية، الثقافية والدينية، كانت هذه نزهتي ومتعتي آنذاك. كما كنت وما زلت أمارس الرياضة، ومما يؤسف له أن بعض الشباب قد عزفوا عن الرياضة وهذا ليس من الصواب. كنا نمارس رياضة السير على الأقدام وتسلق الجبال، وكنت أستغرق عدة ليال وأيام في تسلق جبال مشهد منتقلاً من هذا إلى ذاك، والسير على الأقدام من هذه القرية إلى تلك وكان يشاركني في ذلك بعض الأصدقاء. وما أجمل تسلق جبال البرز في طهران بهذا الارتفاع العظيم.

إنّي لأشعر بالأسف من هذا الفراغ الذي يجب أن يملأه الشباب، ينبغي أن يمارس الجميع الرياضة وفي طليعتهم شريحة الشباب طبعاً.

الاهتمام بالمطالعة
كنت كثير المطالعة في مرحلة الشباب، فبغض النظر عن الكتب الدراسية كنت أقرأ الكتب التأريخية، الأدبية، فنون الشعر والنثر، القصص والروايات، كنت أحب الروايات كثيراً وقد قرأت أغلب الروايات المشهورة آنذاك. وقد شغفت بالأحاديث النبوية إثر إجادتي للغة العربية بفضل دراستي ومتابعتي للدروس العربية. وما زلت أذكر جيداً تلك الأحاديث التي تعلمتها في فترة الشباب، كنت أدونها في دفتر صغير، والغريب أني قد لا أستحضر بعض الأحاديث التي طالعتها خلال هذا الأسبوع، أو أمس في حين أتذكر كل ما دونته من أحاديث آنذاك. وعليكم أن تلتفتوا لهذه القضية، فاعلموا أن ما تقرأونه اليوم سوف لن يمحى من ذاكرتكم أبداً. حقاً أن مرحلة الشباب مرحلة ذهبية لا يمكن مقارنتها بما سواها من المراحل.

من جهة أخرى فقد كانت لوالدي مكتبة في البيت وقد طالعت أغلبها، طبعاً كنت أستعير بعض الكتب سيما القصص والروايات من مكتبة صغيرة قرب البيت كانت تعير الكتب. وكنت أتردد على مكتبة الحضرة الرضوية المقدسة أوائل دراستي الحوزوية في سن الخامسة أو السادسة عشر من عمري، وكنت أستغرق في المطالعة إلى الحد الذي لم يكن يجعلني أسمع الأذان الذي كان يرفع هناك بأعلى الصوت. كنت قريباً جداً من مكبرات الصوت إلا أني لم أكن أسمع، وبعد مدة كنا نلتفت أنه مرت ساعات على أذان الظهر، كنا نستأنس بالكتب. الذي ينبغي أن تعلموه بأني لم أكف عن المطالعة حتى الآن، بل ما زلت أطالع أكثر من أغلب الشباب.

نظم الشعر
ابتدأت إنشاد الشعر ونظمه منذ ريعان شبابي، إلا أني ولبعض الأسباب تخليت عن إنشاد الشعر في جمعية الأدباء التي أسست آنذاك في مشهد وكنت ناشطاً فيها منذ عدة سنوات.

كانت تلك الأنشطة الأدبية حين كان لي من العمر عشرون أو واحد وعشرون سنة واستمرت حتى عام 1964 و1966، حيث بدأت النشاطات السياسية التي حالت بيني وبين الشعر.

نشاطات سياسية
أما حول دخولي ساحة الجهاد والمعترك اليساسي، كان لي من العمر ربما خمس عشرة أو ست عشرة سنة، حين قدم المرحوم نواب صفوي لمشهد وأخذ يلقي خطاباته، الأمر الذي جعله ينفذ إلى أعماق قلبي، ولم أكن في ذلك بدعاً من سائر الشباب الذين تعاطفوا معه وكان لهم مثل هذا العمر، وأني لأعزي ذلك لما كان يتمتع به من حركة دؤوبة ونشاط، وشجاعة، وإقدام وصراحة ممزوجة بالصدق والإخلاص. وهنا أستطيع القول بأني منذ ذلك الوقت أخدت أنزع إلى ممارسة الأعمال والأنشطة السياسية.

استشهد (نواب) بعيد مغاردته لمشهد بمدة قليلة، فخلَّفت شهادته جذوة متوهجة في قلوب محبيه ومواليه من الشباب. وهكذا، فنشاطي وتجربتي السياسية الواقعية إنما تمتد لسنوات 55 و56 فصاعداً.

لقد اعتقلت ست مرات ثم أودعت السجن مرة ونفيت أخرى. وقد استغرقت هذه المعاناة حدود ثلاث سنوات. بالطبع لقد كانت تلك الفترة التي عاشها الإيرانيون آنذاك عصيبة جداً.

لقد عشنا في مثل تلك الظروف، وكان القمع الذي كانت تعيشه الأمة قد بلغ ذروته بالشكل الذي جعلنا نتصور استحالة تفوه الناس بالسياسة أو إمكانية توزيع القصاصات والمنشورات بينهم. وكان يكفي أدنى شك وريب لاقتحام بيوت الناس واعتقالهم. وقد اقتحموا بيتنا عدة مرات (بيت والدي). وسلبوا كل ما كان يعود لي مثل أغلب أبحاثي العلمية ونتاجاتي الأدبية، ولم يعيدوها أو أعادوا بعضها.

ثم كانت الظروف السياسية معقدة للغاية سيما في ظل الرعب والإرهاب ومصادرة الحريات التي أشاعها النظام.
كانت لي أبان نشاطي السياسي محاضرات في التفسير كنت ألقيها على أسماع الشباب سيما من الطلبة الجامعيين، وذات يوم خلال طرحي لآيات بني إسرائيل، أسهبت في شرح أوضاع بني إسرائيل واليهود، فلم يمر وقت طويل حتى ألقي القبض عليّ وأودعوني السجن، طبعاً لا على أساس ما تحدثت به، بل ربطوا ذلك بمسائل أخرى.

كان أول ما استجوبت بشأنه، لم تحدثت ضد اليهود وبني إسرائيل؟ أتلتفتون أيها الأعزة؟ أي إن من يتعرض لتفسير آية بشأن بني إسرائيل، عليه أن يعد العدة ويتأهب للرد على استفسارات المحققين في الأجهزة الأمنية. فما الذي دفعه لاختيار آية تتحدث عن بني إسرائيل ليهاجمهم من خلالها ويسيء إليهم. ولكم أن تتصوروا أيها الأعزة صعوبة الظروف السياسية إلى جانب السياسات الهوجاء التي كانت تمارسها الحكومة ضد أبناء الشعب.

في ذلك الوقت عندما كنا في ساحة المواجهة، نفكر بشكل جدي وعميق ونبذل كل عزمنا بقدر ما نستطيع حتى نخرج الشباب من دائرة نفوذ ثقافة النظام، أنا شخصياً، كنت أذهب للمسجد مثلاً أعطي دروس التفسير، أخطب بعد الصلاة، أذهب للمحافظات أحياناً لإلقاء المحاضرات، والهدف الأساس من حركتي كان أن أسحب الشباب من "الفخّ الثقافي" المنصوب من قبل النظام، والذي عبّرت عنه في ذلك الحين، باسم "شبكة الصيد الخفية".


الشباب ذخيرة المجتمع،سلسلة الأنشطة الصيفية، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية*

2015-03-23